الإسلاميون والانفتاح الفكري.. طلب للحكمة وتوجس من الأغيار
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
في عالم تجاوزت فيه وسائل الإعلام والتواصل الجديدة كل أنماط الحدود والحواجز التقليدية، بات من الصعب على الإسلاميين، على اختلاف اتجاهاتهم عزل أنفسهم عن التيارات الفكرية بتوجهاتها وأفكارها العلمانية والحداثية والفلسفية المختلفة، وهو ما يعني أن انفتاحهم على ذلك اللون من القراءات لا بد وأن يترك آثاره وبصماته بنسب ودرجات متفاوتة على من يمارس ذلك.
ووفقا لباحثين فإن ذلك الانفتاح بقدر ما يكون رافدا جديدا للاستفادة من نافع تلك الاتجاهات، بقدر ما يُحدث حالة من القلق المعرفي، وربما يفضي في بعض حالاته إلى خلخلة مفاهيم دينية ثابتة، أو تفكيك تصورات وأصول طالما اعتبرت من محكمات الدين وقطعيات الشريعة، وهو ما يدفع في بعض حالاته الأخرى إلى تراخي الملتزمين عن نمط التزامهم المعهود، أو التخلي عن انتمائهم الحركي والتنظيمي لحركات إسلامية معروفة في تجارب أخرى.
وتشير مساهمات وكتابات فكرية إلى أن ذلك الانفتاح ليس ضربا من ضروب الترف المعرفي، بل هو من الأمور الضرورية والواجبة، لمعرفة الواقع الفكري والثقافي على حقيقته، وللوقوف على المضامين الفكرية والفلسفية لتلك الاتجاهات السائدة والمؤثرة فيه، للاستفادة من النافع منها أولا، وللاشتباك الفكري معها، لا سيما ما كان منها يشكل تهديدا حقيقيا للفكر الديني برمته.
القيادي في الحركة الإسلامية في الأردن، زكي بني ارشيد يرى أن "الانفتاح على الآخر فكريا وسياسيا وفلسفيا ليس استجابة للحاجة والضرورة فقط، وإنما يأتي بالدرجة الأولى لأسباب موضوعية ذاتية تتعلق بثقة الإسلاميين بدينهم ومشروعهم".
وأضاف: "ويأتي ثانيا لأن أسمى وأرقى درجات الحوار مع الآخر ما نص عليه القرآن الكريم، وقرره في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ..}، {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}".
زكي بني ارشيد.. قيادي إسلامي أردني
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "كما تأتي أهمية الانفتاح من كون الدين والرسالة الخاتمة هي للناس كافة، والخطاب الإسلامي يجب أن يراعي عالمية الدعوة، كما أن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، وهذه ثمرة حوار الثقافات والحضارات، التي تتحصل بالاستجابة الإيجابية لنتائج وخلاصة التجارب الإنسانية".
وعن تجارب الإسلاميين العملية، فهي، حسب بني ارشيد حدثت "بمستويات مختلفة، بعضها ناجح، وبعضها الآخر دون ذلك، وهذا يعتمد على مدى أهلية الجانب الإسلامي وثقافته في الحوار والانفتاح"، لافتا إلى أن "التفاعل والانفتاح لم يكن كافيا، ويحتاج إلى التأهيل والإعداد والمبادرة".
وتعليقا على ما يثيره منتقدو فكرة الانفتاح من أنها تفضي في بعض تجاربها إلى انبهار بعض الإسلاميين بما عند الآخر، وما تُحدثه في نفوسهم من قلق واضطراب وتشكيك في ثوابت دينية، أوضح بني ارشيد أن حدوث ذلك يرجع “إما إلى كونهم مهزومين نفسيا، أو أنهم غير مؤهلين فكريا وفلسفيا للقيام بذلك".
وردا على سؤال بشأن تعامل الحركات الإسلامية مع سياسة الانفتاح حتى يكون إيجابيا ومنتجا، ذكر أن ذلك "يكون بضبط المسار من خلال المؤسسية والقرار الجماعي، أي إقرار الفكرة أولا، ثم اختيار من يمثلهم في الحوار ثانيا، والحرص ألا يكون أي لقاء فرديا، ومراجعة وتقويم العمل لاستخلاص القيمة والفائدة" منبها أنه يتحدث هنا عن نموذج الإخوان في الأردن.
من جهته قال الناقد والباحث المغربي في الفكر الإنساني، عبد الهادي المهادي "حاجة الإسلاميين ـ وغيرهم ـ للانفتاح على باقي التيارات الفكرية والفلسفية المعاصرة مسألة ليست مهمة فقط، بل ضرورية، وقد لا نجانب الصواب إن قلنا بأن ذلك (واجب) عقلا وشرعا لمن يريد أن يُجدد في الأمة ويعود بها إلى الإمامة" حسب عبارته.
عبد الهادي المهادي.. كاتب وباحث مغربي
وأردف: "ولا يقول بعكس ذلك سوى آحاد من (المتشدّدين)، المفارقين للواقع، الذين يعتقدون أنهم مُستغنون فكريا بما معهم من تقديرات وتصورات، وأن بين أيديهم ما يكفي من اجتهادات الأسلاف..".
وأضاف: "ولدينا سوابق لا تُعد ولا تُحصى من السيرة النبوية، وتجربة الصحابة، ومن بعدهم أئمة وعلماء أمناء تقاة عدول، عن طلب المسلمين لـ"الحكمة" العقلية والعملية أينما كانت، لكنهم كانوا بدون أدنى شك فطنين، وعلى بينة من أمرهم منهجيا ـ إذا جاز في حقهم هذا الوصف ـ حتى لا يتسلل إلى أصول تفكيرهم ما يتناقض معه أو يُشوش عليه".
وتابع الباحث والناقد المهادي، المنتسب لجماعة العدل والإحسان المغربية، حديثه لـ"عربي21" بالقول "ليس أمام الرافض للانفتاح غير الانغلاق، وفي الانغلاق ووسطه تتوالد ـ في الغالب ـ التقديرات الخاطئة والتنظيرات الجامدة التي لا تستطيع أن تُجاري الواقع بحركته المتسارعة..".
وعن تجارب الإسلاميين في الانفتاح على التيارات الفكرية والفلسفية المختلفة لفت المهادي إلى أن "رواد الإسلاميين، سواء الحركيين منهم أو المكتفين بالفكر والنظر، كانوا قارئين منتظمين ومُطلعين جيدين على كتابات المختلفين عنهم في "الأيديولوجية" عربيا، وكذا لما تنتجه المطابع في الغرب من أفكار وفلسفات، ويكفي أن نطلع سريعا على مكتوبات كل من المودودي والترابي والغنوشي، وعبد السلام ياسين ـ مثلا ـ لندرك وعيهم الكبير بهذا (الواجب)".
وأكمل كلامه ذاكرا أنهم "انفتحوا على الأفكار والفلسفات المختلفة واطّلعوا عليها، وبعد ذلك جادلوها، ليقيسوا أولا قوة ما معهم من آلات ومفاهيم وتصورات وقدراتها الإجرائية، ثم ـ ثانيا ـ استقبلوا ما قدروا أنه مناسب لرؤاهم، وعملوا على استنباته داخل منظوماتهم الفكرية، وهذا ـ يقينا ـ عين الحكمة والذكاء، وقد فعلوا ذلك بأصالة، ومن موقع مَن لا يحس بأدنى ضعف أو حرج".
وطبقا للمهادي فإن "المشكلة حاصلة وبوضوح لا تُخطئه العين، عند فئة عريضة من التلامذة والأعضاء؛ فما زال هناك توجس كبير، إن لم نقل رفضا في حالات كثيرة لكل ما لم يُنتج داخليا، وهذا الرفض يصل في بعض الأحيان حد استنكار ذكر أسماء الأغيار من المفكرين والفلاسفة في جلساتهم ومنتدياتهم، وخاصة إذا كانوا هؤلاء الفلاسفة ماديين".
وخلص إلى القول: "هذا الانفتاح لدى القيادات ومفكري التنظيمات الإسلامية ومثقفيهم ومتعلميهم، لا ينكر أحد أنه أدّى أدوارا مهمة في اتجاه مراجعات وتحولات فكرية وسياسية، في الغالب كانت إيجابية جدا، ويكفي أن ننظر إلى تطور موقف كل هؤلاء من مفاهيم فكرية، وقضايا غربية أساسية، من قبيل الحداثة والديمقراطية والتنمية والتقنية وحقوق الإنسان والعلاقات الدولية، ومقارنة بسيطة بين الأدبيات الإسلامية التأسيسية الأولى وبين ما آلت إليه في السنوات الأخيرة تكشف حجم هذا الذي سميته تطورا".
بدوره قال الباحث السوري، المهتم بالفكر الإسلامي والحركات الإسلامية، أسامة باكير "يجب على الحركات الإسلامية إذا أرادت النجاح أن تسعى أولا إلى مراقبة وتحليل وفهم الواقع الذي يفرض نفسه عليها، وأن تفتح أعينها على مخرجات العصر الفكرية بالدرجة الأولى، وتدرسها لتتمكن من مواجهة كافة التحديات التي يمكن أن تكون عقبة في طريقها".
أسامة باكير، باحث سوري مهتم بالحركات الإسلامية
وأضاف: "وأن تسعى إلى الاستفادة من التجارب السابقة التي أثبتت بشكل أو بآخر أن بناء عقلية الولاء للحزب والجماعة السياسية على أساس ديني لا يمكنه إلا أن يعود بالخيبة والخسران على أصحابه، خاصة إذا وجدوا أنفسهم أمام بحر خضم من الاتجاهات الفكرية والفلسفية المختلفة ما يلبث أن يضربهم بأمواجه المتلاطمة، فهذا يعني أن انفتاح الإسلاميين على الواقع .. ليس ترفا سياسيا أو أمرا ثانويا أو خدعة حرب، وإنما هو أمر ضروري ووجودي ومصيري".
ووصف في حواره مع "عربي21" تجارب الإسلاميين في الانفتاح على التيارات الفكرية والفلسفية المعاصرة بــ"البائسة وغير المجدية، إذ إن أكثرهم لم يستطع أن يتخلص من العصبية الحركية المُشربة بولاء ديني، فهؤلاء ما يزالون يرون انفتاحهم على الخصوم إثّما يحاسبون عليه، وخدشا لولائهم للدين، ذلك الولاء الديني الأيديولوجي الذي ينبغي ألا تشوبه شائبة، ولكنه في حقيقته ليس إلا الدين الذي يؤمنون به وفق منظور جماعتهم وليس هو الولاء الديني الذي جاءت به نصوص الشريعة الكريمة".
وأنهى كلامه بالإشارة إلى أن "بعض الإسلاميين ممن آمنوا بضرورة الانفتاح لسبب أو لآخر، قد وجدوا أن الانفتاح لم يضرهم، بل على العكس، زاد من مقبوليتهم عند الرأي العام، وأعطى لبقية التيارات الفكرية شيئا من الأمل والطمأنينة بإمكانية التوافق والعمل المشترك لتحقيق الغايات، وكان لانفتاحهم على الواقع وما فيه من أفكار ونوازل صدى إيجابيا، ارتد على ذهنياتهم بقناعة مفادها أن الحاجة إلى التغيير بما يتوافق مع المتغيرات والنوازل أمر لا بد منه".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير الانفتاح خطاب أهداف انفتاح تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى أن فی بعض
إقرأ أيضاً:
وزير الري المصري: نرفض سياسة إثيوبيا في "فرض الأمر الواقع"
عبّر وزير الري المصري هاني سويلم، الخميس، عن رفض قاطع لسياسة إثيوبيا في "فرض الأمر الواقع من خلال إجراءات أحادية تتعلق بنهر النيل".
وخلال لقاء له مع عدد من السفراء المكلفين برئاسة بعثات دبلوماسية مصرية بالخارج، أوضح سويلم أن "الجانب الإثيوبي دأب على الترويج لاكتمال بناء السد - غير الشرعي والمخالف للقانون الدولي - رغم عدم التوصل إلى اتفاق ملزم مع دولتي المصب، ورغم التحفظات الجوهرية التي أعربت عنها كل من مصر والسودان، وهو ما يعكس نهجا إثيوبيا قائما على فكر يسعى إلى محاولات لفرض الهيمنة المائية بدلا من تبني مبدأ الشراكة والتعاون، وهو الأمر الذي لن تسمح الدولة المصرية بحدوثه".
وشدد سويلم على أن "مصر ترفض بشكل قاطع أي محاولات لأن تكون التنمية في إثيوبيا تأتي على حساب حقوق دولتي المصب".
وأشار سويلم إلى أن "ما يصدر عن الجانب الإثيوبي من دعوات متكررة لاستئناف التفاوض لا يعدو كونه محاولات شكلية تستهدف تحسين الصورة الذهنية لإثيوبيا على الساحة الدولية، وإظهارها بمظهر الطرف الساعي للتفاوض إلا أن الواقع العملي، ومسار التفاوض الممتد لأكثر من ثلاثة عشر عامًا دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، يبرهن بوضوح على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإثيوبي، وافتقار تلك الدعوات للمصداقية والجدية، في ظل غياب أي مؤشر على وجود نية حقيقية لتحويل الأقوال إلى التزامات واضحة وأفعال ملموسة على أرض الواقع".
وأكد أن "المواقف الإثيوبية التي تتسم بالمراوغة والتراجع وتفرض سياسة الأمر الواقع، تُناقض ما تُعلنه من رغبة في التفاوض، وهو ما يستوجب من المجتمع الدولي إدراك حقيقته".
واستعرض سويلم "جهود الدولة في سد الفجوة بين الموارد والاحتياجات المائية، بتنفيذ مشروعات كبرى لمعالجة مياه الصرف الزراعي (الدلتا الجديدة، بحر البقر، المحسمة)، وتطوير نظم الري والإدارة المائية وغيرها من الإجراءات التي تُسهم فى ضمان توفير الاحتياجات المائية لكافة المنتفعين وتحقيق المرونة اللازمة للتعامل مع تحدي تغير المناخ".
وأشار إلى "ما تقدمه مصر للدول الإفريقية من مشروعات في تطهير المجاري المائية، وسدود حصاد مياه الأمطار، وآبار شمسية، ومراكز التنبؤ بالأمطار وقياس نوعية المياه، إلى جانب التدريب والمنح الدراسية من خلال المركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي ومعهد بحوث الهيدروليكا والمنح المقدمة للدراسة بالجامعات المصرية".
وأكد سويلم امتلاك مصر لخبرات متميزة في إدارة المياه، والتي تحرص على مشاركتها مع الدول الإفريقية وخاصة دول حوض النيل والتي تتمتع بوفرة مواردها المائية حيث يصل حجم الأمطار المتساقطة على حوض نهر النيل إلى حوالى 1600 مليار متر مكعب سنويا، ويصل حجم الأمطار المتساقطة على دول حوض النيل - سواء داخل حوض نهر النيل أو غيره من أحواض الأنهار الأخرى بهذه الدول - إلى حوالى 7000 مليار متر مكعب سنويا من المياه بينما تبلغ حصة مصر المائية 55.5 مليار م⊃3; فقط.
وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الخميس، "إنجاز العمل" في مشروع سد النهضة على نهر النيل.
وقال أحمد أمام البرلمان إن "العمل بات الآن منجزا ونحن نستعد لتدشينه رسميا"، مضيفا "إلى جيراننا عند المصب، مصر والسودان، رسالتنا واضحة: سد النهضة لا يشكّل تهديدا بل فرصة مشتركة".