في عالم تجاوزت فيه وسائل الإعلام والتواصل الجديدة كل أنماط الحدود والحواجز التقليدية، بات من الصعب على الإسلاميين، على اختلاف اتجاهاتهم عزل أنفسهم عن التيارات الفكرية بتوجهاتها وأفكارها العلمانية والحداثية والفلسفية المختلفة، وهو ما يعني أن انفتاحهم على ذلك اللون من القراءات لا بد وأن يترك آثاره وبصماته بنسب ودرجات متفاوتة على من يمارس ذلك.



ووفقا لباحثين فإن ذلك الانفتاح بقدر ما يكون رافدا جديدا للاستفادة من نافع تلك الاتجاهات، بقدر ما يُحدث حالة من القلق المعرفي، وربما يفضي في بعض حالاته إلى خلخلة مفاهيم دينية ثابتة، أو تفكيك تصورات وأصول طالما اعتبرت من محكمات الدين وقطعيات الشريعة، وهو ما يدفع في بعض حالاته الأخرى إلى تراخي الملتزمين عن نمط التزامهم المعهود، أو التخلي عن انتمائهم الحركي والتنظيمي لحركات إسلامية معروفة في تجارب أخرى.

وتشير مساهمات وكتابات فكرية إلى أن ذلك الانفتاح ليس ضربا من ضروب الترف المعرفي، بل هو من الأمور الضرورية والواجبة، لمعرفة الواقع الفكري والثقافي على حقيقته، وللوقوف على المضامين الفكرية والفلسفية لتلك الاتجاهات السائدة والمؤثرة فيه، للاستفادة من النافع منها أولا، وللاشتباك الفكري معها، لا سيما ما كان منها يشكل تهديدا حقيقيا للفكر الديني برمته.

القيادي في الحركة الإسلامية في الأردن، زكي بني ارشيد يرى أن "الانفتاح على الآخر فكريا وسياسيا وفلسفيا ليس استجابة للحاجة والضرورة فقط، وإنما يأتي بالدرجة الأولى لأسباب موضوعية ذاتية تتعلق بثقة الإسلاميين بدينهم ومشروعهم".

وأضاف: "ويأتي ثانيا لأن أسمى وأرقى درجات الحوار مع الآخر ما نص عليه القرآن الكريم، وقرره في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ..}، {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}".


                                         زكي بني ارشيد.. قيادي إسلامي أردني

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "كما تأتي أهمية الانفتاح من كون الدين والرسالة الخاتمة هي للناس كافة، والخطاب الإسلامي يجب أن يراعي عالمية الدعوة، كما أن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، وهذه ثمرة حوار الثقافات والحضارات، التي تتحصل بالاستجابة الإيجابية لنتائج وخلاصة التجارب الإنسانية".

وعن تجارب الإسلاميين العملية، فهي، حسب بني ارشيد حدثت "بمستويات مختلفة، بعضها ناجح، وبعضها الآخر دون ذلك، وهذا يعتمد على مدى أهلية الجانب الإسلامي وثقافته في الحوار والانفتاح"، لافتا إلى أن "التفاعل والانفتاح لم يكن كافيا، ويحتاج إلى التأهيل والإعداد والمبادرة".

وتعليقا على ما يثيره منتقدو فكرة الانفتاح من أنها تفضي في بعض تجاربها إلى انبهار بعض الإسلاميين بما عند الآخر، وما تُحدثه في نفوسهم من قلق واضطراب وتشكيك في ثوابت دينية، أوضح بني ارشيد أن حدوث ذلك يرجع “إما إلى كونهم مهزومين نفسيا، أو أنهم غير مؤهلين فكريا وفلسفيا للقيام بذلك".

وردا على سؤال بشأن تعامل الحركات الإسلامية مع سياسة الانفتاح حتى يكون إيجابيا ومنتجا، ذكر أن ذلك "يكون بضبط المسار من خلال المؤسسية والقرار الجماعي، أي إقرار الفكرة أولا، ثم اختيار من يمثلهم في الحوار ثانيا، والحرص ألا يكون أي لقاء فرديا، ومراجعة وتقويم العمل لاستخلاص القيمة والفائدة" منبها أنه يتحدث هنا عن نموذج الإخوان في الأردن.

من جهته قال الناقد والباحث المغربي في الفكر الإنساني، عبد الهادي المهادي "حاجة الإسلاميين ـ وغيرهم ـ للانفتاح على باقي التيارات الفكرية والفلسفية المعاصرة مسألة ليست مهمة فقط، بل ضرورية، وقد لا نجانب الصواب إن قلنا بأن ذلك (واجب) عقلا وشرعا لمن يريد أن يُجدد في الأمة ويعود بها إلى الإمامة" حسب عبارته.


                                    عبد الهادي المهادي.. كاتب وباحث مغربي

وأردف: "ولا يقول بعكس ذلك سوى آحاد من (المتشدّدين)، المفارقين للواقع، الذين يعتقدون أنهم مُستغنون فكريا بما معهم من تقديرات وتصورات، وأن بين أيديهم ما يكفي من اجتهادات الأسلاف..".

وأضاف: "ولدينا سوابق لا تُعد ولا تُحصى من السيرة النبوية، وتجربة الصحابة، ومن بعدهم أئمة وعلماء أمناء تقاة عدول، عن طلب المسلمين لـ"الحكمة" العقلية والعملية أينما كانت، لكنهم كانوا بدون أدنى شك فطنين، وعلى بينة من أمرهم منهجيا ـ إذا جاز في حقهم هذا الوصف ـ حتى لا يتسلل إلى أصول تفكيرهم ما يتناقض معه أو يُشوش عليه".

وتابع الباحث والناقد المهادي، المنتسب لجماعة العدل والإحسان المغربية، حديثه لـ"عربي21" بالقول "ليس أمام الرافض للانفتاح غير الانغلاق، وفي الانغلاق ووسطه تتوالد ـ في الغالب ـ التقديرات الخاطئة والتنظيرات الجامدة التي لا تستطيع أن تُجاري الواقع بحركته المتسارعة..".

وعن تجارب الإسلاميين في الانفتاح على التيارات الفكرية والفلسفية المختلفة لفت المهادي إلى أن "رواد الإسلاميين، سواء الحركيين منهم أو المكتفين بالفكر والنظر، كانوا قارئين منتظمين ومُطلعين جيدين على كتابات المختلفين عنهم في "الأيديولوجية" عربيا، وكذا لما تنتجه المطابع في الغرب من أفكار وفلسفات، ويكفي أن نطلع سريعا على مكتوبات كل من المودودي والترابي والغنوشي، وعبد السلام ياسين ـ مثلا ـ لندرك وعيهم الكبير بهذا (الواجب)".

وأكمل كلامه ذاكرا أنهم "انفتحوا على الأفكار والفلسفات المختلفة واطّلعوا عليها، وبعد ذلك جادلوها، ليقيسوا أولا قوة ما معهم من آلات ومفاهيم وتصورات وقدراتها الإجرائية، ثم ـ ثانيا ـ استقبلوا ما قدروا أنه مناسب لرؤاهم، وعملوا على استنباته داخل منظوماتهم الفكرية، وهذا ـ يقينا ـ عين الحكمة والذكاء، وقد فعلوا ذلك بأصالة، ومن موقع مَن لا يحس بأدنى ضعف أو حرج".

وطبقا للمهادي فإن "المشكلة حاصلة وبوضوح لا تُخطئه العين، عند فئة عريضة من التلامذة والأعضاء؛ فما زال هناك توجس كبير، إن لم نقل رفضا في حالات كثيرة لكل ما لم يُنتج داخليا، وهذا الرفض يصل في بعض الأحيان حد استنكار ذكر أسماء الأغيار من المفكرين والفلاسفة في جلساتهم ومنتدياتهم، وخاصة إذا كانوا هؤلاء الفلاسفة ماديين".

وخلص إلى القول: "هذا الانفتاح لدى القيادات ومفكري التنظيمات الإسلامية ومثقفيهم ومتعلميهم، لا ينكر أحد أنه أدّى أدوارا مهمة في اتجاه مراجعات وتحولات فكرية وسياسية، في الغالب كانت إيجابية جدا، ويكفي أن ننظر إلى تطور موقف كل هؤلاء من مفاهيم فكرية، وقضايا غربية أساسية، من قبيل الحداثة والديمقراطية والتنمية والتقنية وحقوق الإنسان والعلاقات الدولية، ومقارنة بسيطة بين الأدبيات الإسلامية التأسيسية الأولى وبين ما آلت إليه في السنوات الأخيرة تكشف حجم هذا الذي سميته تطورا".

بدوره قال الباحث السوري، المهتم بالفكر الإسلامي والحركات الإسلامية، أسامة باكير "يجب على الحركات الإسلامية إذا أرادت النجاح أن تسعى أولا إلى مراقبة وتحليل وفهم الواقع الذي يفرض نفسه عليها، وأن تفتح أعينها على مخرجات العصر الفكرية بالدرجة الأولى، وتدرسها لتتمكن من مواجهة كافة التحديات التي يمكن أن تكون عقبة في طريقها".


                                   أسامة باكير، باحث سوري مهتم بالحركات الإسلامية

وأضاف: "وأن تسعى إلى الاستفادة من التجارب السابقة التي أثبتت بشكل أو بآخر أن بناء عقلية الولاء للحزب والجماعة السياسية على أساس ديني لا يمكنه إلا أن يعود بالخيبة والخسران على أصحابه، خاصة إذا وجدوا أنفسهم أمام بحر خضم من الاتجاهات الفكرية والفلسفية المختلفة ما يلبث أن يضربهم بأمواجه المتلاطمة، فهذا يعني أن انفتاح الإسلاميين على الواقع .. ليس ترفا سياسيا أو أمرا ثانويا أو خدعة حرب، وإنما هو أمر ضروري ووجودي ومصيري".

ووصف في حواره مع "عربي21" تجارب الإسلاميين في الانفتاح على التيارات الفكرية والفلسفية المعاصرة بــ"البائسة وغير المجدية، إذ إن أكثرهم لم يستطع أن يتخلص من العصبية الحركية المُشربة بولاء ديني، فهؤلاء ما يزالون يرون انفتاحهم على الخصوم إثّما يحاسبون عليه، وخدشا لولائهم للدين، ذلك الولاء الديني الأيديولوجي الذي ينبغي ألا تشوبه شائبة، ولكنه في حقيقته ليس إلا الدين الذي يؤمنون به وفق منظور جماعتهم وليس هو الولاء الديني الذي جاءت به نصوص الشريعة الكريمة".

وأنهى كلامه بالإشارة إلى أن "بعض الإسلاميين ممن آمنوا بضرورة الانفتاح لسبب أو لآخر، قد وجدوا أن الانفتاح لم يضرهم، بل على العكس، زاد من مقبوليتهم عند الرأي العام، وأعطى لبقية التيارات الفكرية شيئا من الأمل والطمأنينة بإمكانية التوافق والعمل المشترك لتحقيق الغايات، وكان لانفتاحهم على الواقع وما فيه من أفكار ونوازل صدى إيجابيا، ارتد على ذهنياتهم بقناعة مفادها أن الحاجة إلى التغيير بما يتوافق مع المتغيرات والنوازل أمر لا بد منه".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير الانفتاح خطاب أهداف انفتاح تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى أن فی بعض

إقرأ أيضاً:

مدرسة التربية الفكرية بأسيوط تشهد تطوير شامل وتحسين الخدمات التعليمية

تابع وكيل وزارة التربية والتعليم بأسيوط عمليات تطوير مدرسة التربية الفكرية المشتركة في حي شرق المدينة ضمن جهود المحافظة لتوفير بيئة تعليمية آمنة ومريحة للطلاب ذوي الهمم بما يعزز مهاراتهم وقدراتهم التعليمية والاجتماعية.

تفقد شامل للتشطيبات النهائية

أجرى محمد ابراهيم دسوقى وكيل وزارة التربية والتعليم بأسيوط جولة ميدانية اليوم الخميس برفقة المهندس عصام القرن وكيل وزارة الإسكان بأسيوط لمتابعة التشطيبات النهائية لأعمال تطوير مدرسة التربية الفكرية. 

وحرص وكيل الوزارة على التأكد من تنفيذ كافة الأعمال وفق أعلى معايير الجودة والأمان تماشيا مع توجيهات الوزير لواء دكتور هشام ابوالنصر محافظ أسيوط.

شهدت الجولة حضور الدكتورة منى محمد أبو المواهب مدير إدارة التربية الخاصة ونجوى البدرى مدير إدارة المدرسة، حيث تابع دسوقى أعمال تطوير الحديقة والملاعب، مؤكدا على أهمية تهيئة بيئة ترفيهية وتربوية مناسبة لطلاب ذوي الإعاقة تتيح لهم اللعب والتعلم في أجواء آمنة.

تجهيزات داخلية متكاملة للطلاب

تابع وكيل الوزارة برفقة المهندس عصام القرن تطوير غرفة انتظار أولياء الأمور وتجهيز غرفة العلاج الطبيعي، بالإضافة إلى أعمال الصيانة العاجلة للقسم الداخلي المخصص لإقامة الطلاب. 

وشملت أعمال التطوير تزويد الغرف بالمراتب والوسائد والخزائن الجديدة لضمان راحة الطلاب وتهيئة بيئة معيشية مناسبة، في إطار تنفيذ مبادرة الوزير المحافظ التي أطلقها خلال زيارته الأخيرة للمدرسة.

كما قام دسوقى بالاطلاع على المطبخ والمطعم بالمدرسة، مؤكدا على سلامة الأدوات والأجهزة وتوفير كافة الإمكانات اللازمة لإعداد الطعام، ووجه بالحفاظ على نظافة المطبخ والمطعم لضمان صحة وسلامة الطلاب.

تقدير للدعم المستمر من المحافظ

شكر محمد ابراهيم دسوقى محافظ أسيوط لواء دكتور هشام ابوالنصر على دعمه المتواصل لقطاع التعليم بالمحافظة ومتابعته المستمرة لرفع كفاءة المدارس، مشيرا إلى أهمية التدخل المباشر لتطوير مدرسة التربية الفكرية وتحسين الخدمات المقدمة للطلاب، وأكد على حرص المحافظ على اللقاء المستمر مع قيادات التعليم والمعلمين لتلبية احتياجاتهم وخلق بيئة تعليمية محفزة وجاذبة.

شهدت مدرسة التربية الفكرية تنفيذ أعمال تطويرية شاملة تشمل جميع جوانب البيئة التعليمية والتربوية للطلاب، وهو ما يعكس جدية المحافظة في تحسين مستوى التعليم وتوفير بيئة مناسبة لكل طالب ذي همم في أسيوط.

تؤكد هذه الجولة التفقدية على التزام وزارة التربية والتعليم بمحافظة أسيوط بتنفيذ مشاريع تطويرية شاملة في المدارس الخاصة بذوي الهمم، بما يعزز جودة التعليم ويوفر بيئة داعمة لجميع الطلاب. يأتي هذا ضمن خطة مستمرة لرفع كفاءة مدرسة التربية الفكرية وجعلها نموذجية في الخدمات التعليمية والتربوية.

انفجار كييف يسفر عن قتيل وإصابة في قلب العاصمة الأوكرانية طلاب أسيوط يتصدرون نتائج مسابقة أعياد الطفولة في التربية الموسيقية إصابة شاب بطلق ناري في ظروف غامضة بمركز أبو تشت بقنا إصابة شاب بطلق ناري أمام مزارع دينا بطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي شرطة السير في عدن تكشف عن إحصائية المخالفات المرورية الأسبوعية القياسية حادث سير مروع يضرب زفاف في كركوك العراق ويصيب 6 أشخاص ضبط تشكيل عصابي يسرق بطاقات كبار السن بأسلوب المغافلة في الإسكندرية سرقة الأسورة الأثرية تهز المتحف المصري وجلسة 14 ديسمبر للفصل في القضية سوهاج تشهد مأساة العثور على جثة وسط ترعة زيل الطارف انهيار جزئي لعقار سكني في حي الخليفة بالقاهرة وإخلاء 6 أسر فورا

مقالات مشابهة

  • مارك زوكربيرج يميل إلى الذكاء الاصطناعي المغلق ويستعد لإطلاق أفوكادو
  • ملتقى نجوم الإرادة يحتفي بإبداعات الطلبة في برامج الدمج الفكري ببهلا
  • عادل نعمان: فكر ابن رشد انتصر في أوروبا .. والتخلف الفكري عندنا بسبب ابن تيمية
  • عادل نعمان: فكر ابن رشد انتصر في أوروبا.. والتخلف الفكري عندنا بسبب ابن تيمية
  • مدرسة التربية الفكرية بأسيوط تشهد تطوير شامل وتحسين الخدمات التعليمية
  • رئيس الأعلى للإعلام يلتقي مسؤولي جوجل لبحث ملف حقوق الملكية الفكرية
  • مبادرات جديدة لتعزيز الأمن الفكري وتنمية الخطابة في الأحساء
  • قمة «بريدج 2025».. الإمارات تعزز الانفتاح والابتكار وروح التعاون
  • عصر الانفتاح المعلوماتي.. هل تتخذ الحكومة إجراءات لتقنيين أوضاع صناع المحتوى؟
  • المشرف على الرواق الأزهري: الاجتهاد فريضة إسلامية والحرية الفكرية منهج علماء هذه الأمة