الجزيرة:
2025-12-12@12:05:47 GMT

من السويداء.. هنا سوريا

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

من السويداء.. هنا سوريا

في ظل تدهور قيمة الليرة السورية، وتراجع القدرة الشرائية، والعجز عن توفير الخدمات والاحتياجات الأساسية، وارتفاع الأسعار، وإصرار الرئيس السوري بشار الأسد على المضي في نهجه الحالي وتصلبه أمام أي مبادرة للتغيير أو التطوير أو الإصلاح، حتى تلك "الإصلاحات" التي لا ترقى لمستوى المطالب الشعبية؛ شهدت محافظة السويداء -التي يقدر عدد سكانها حاليا بنحو مليون نسمة، وأصبحت ملجأً للنازحين من المناطق المدمرة، ويتمركز نحو 100 ألف منهم في مركز المحافظة بمدينة السويداء- أكبر التجمعات المناهضة للنظام في تاريخ المحافظة، حيث تجمع نحو ألفي متظاهر في ساحة الكرامة (وسط السويداء)، رافعين راية "الحدود الخمسة"، وهم يهتفون برحيل الأسد ويرددون شعارات التغيير، والعدالة الاجتماعية، والحرية.

ومع استمرار الاحتجاجات في السويداء لليوم 14، وزيادة أعداد المشاركين، وتميزها بمشاركة نسائية كبيرة وحضور بارز لمشيخة العقل وشمولها شخصيات من جميع طبقات المجتمع؛ أصبح المحتجون أكثر جرأة في مطالبهم، وربطوا بين الحياة الكريمة والخروج من الأزمة الاقتصادية، وبين ضرورة تغيير جذري في السياق السياسي السوري.

ما يجري حاليا في السويداء -رغم محدوديتها الجغرافية- يمكن وصفه بأنه موجة جديدة من الحراك المعارض لنظام الأسد. يتميز هذا النظام بإصراره على احتكار قيادة الدولة ومواردها لعقود، مع عدم قدرته على رفع الأجور أكثر من 2%، وهو ما يعادل نحو 200 ألف ليرة، في حين تصل كلفة المعيشة إلى 10 ملايين ليرة. وبالتالي، لم تقتصر شعارات الحراك على الاحتجاجات ضد الأوضاع المعيشية فقط، بل تطورت لتشمل المطالبة بتحولات سياسية جذرية، ومنها رحيل النظام وتطبيق القرار 2254، خاصة الجزء المتعلق بالهيئة الانتقالية للحكم.

تُعد محافظة السويداء بمثابة رمز تاريخي مهم في المقاومة والثورات في المنطقة. تتكون أغلبية سكانها من الطائفة الدرزية، حيث يشكل الدروز نحو 90% من السكان. وتتميز السويداء بتاريخها الغني في المقاومة، بدءًا من المواجهة ضد الحكم العثماني، ومرورًا بالثورات ضد الاستعمار الفرنسي، ولعبت دورًا بارزًا في الثورة العربية الكبرى عام 1916، وثورتها على الفرنسيين عام 1923، وكذلك في الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة الزعيم الوطني سلطان الأطرش.

الدروز طائفة تمزج البُعدَين: الإثني والديني، وينتشرون أساسًا في سوريا ولبنان وفلسطين وتتداخل الهوية العائلية (الإثنية) مع الهوية الدينية لدى الدروز، مما أسهم في بلورة روابط قوية داخل بنية مجتمعهم. هذا المجتمع يُظهر هرمية محددة، حيث يتم اختيار "شيخ عقل" في كل دولة لقيادة المجتمع الدرزي المحلي. وفي سوريا، تعتمد مشيخة العقل على زعامة ثلاثية للطائفة الدرزية في السويداء والمناطق المجاورة، وهم: حكمت الهجري؛ المسؤول عن الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء (دار قنوات)، ويوسف جربوع؛ المسؤول عن مدينة السويداء والقرى المجاورة لها، وحمود الحناوي؛ المسؤول عن سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للسويداء.

لا شك أن تصاعد الاحتجاجات في السويداء مثّل ضربة موجعة للنظام الذي طالما قدّم نفسه على أنه "حامي الأقليات"، وهي واحدة من أبرز السرديات التي بنى عليها النظام فكرة بقائه وتمسكه بالسلطة، خاصة أن التحركات في أوساط الدروز جاءت بالتوازي مع حراك آخر ذي طابع فردي ونخبوي في أوساط العلويين

في ظل غياب الأحزاب السياسية التي يُفترض أن تلتزم بتنظيم الأوضاع السياسية لتعزيز رفاه المواطنين ومستوى معيشتهم، تبرز أهمية وجود أطر تنظيمية بديلة؛ مثل الروابط العشائرية والعائلية، إضافةً إلى مرجعيات طائفية مثل "مشيخة العقل" بالنسبة للدروز. تُظهر هذه الزعامات البديلة قدرة متزايدة على توجيه وتنظيم الحراك المجتمعي، كما تُصبح ملزمة بتبني موقف سياسي والتدخل في توجيه الخطاب العام وضمان شرعيته.

رغم ما يحاول النظام ترويجه باستمرار، حيث يربط محركات الاحتجاج بعوامل خارجية، فإن الهرمية التنظيمية والروابط العائلية والدينية هي من أبرز الأسباب التي جعلت السويداء تلعب دورًا بارزًا في الثورات والاحتجاجات على مر السنين. وهذا يشمل الثورات التي انطلقت في أوائل القرن العشرين، وتلك التي وقعت بعد عام 2011؛ مثل تأسيس حركة "رجال الكرامة" عام 2013 بقيادة رجل الدين الشيخ وحيد البلعوس، وتجمع "أحرار جبل العرب"، إضافة إلى الحراكات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، مثل حراك 2022 والاحتجاجات التي سبقته.

مع ذلك، تشهد السويداء والمكون الدرزي في سوريا انقسامًا واضحًا في الموقف من النظام والعلاقة معه ومع الجهات الأخرى التي تسعى للتواجد وبسط النفوذ في المنطقة، خصوصًا روسيا وإيران. وبينما يؤيد شيخ العقل حكمت الهجري الاحتجاجات ويتبنى مطالبها؛ يميل الشيخان الآخران من مشيخة العقل يعقوب والحناوي إلى موقف أقل صدامًا مع النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، بل ويذهب أحدهما إلى حد الانحياز للنظام، كما في حالة شيخ العقل يوسف الجربوع.

والحقيقة أن السويداء والطائفة الدرزية لطالما واجهت تحديًا يتعلق بتموضعها خلال الصراع من ناحية موقفها وعلاقتها بباقي مكونات الحراك في سوريا وموقفها من النظام وموقف النظام منها. لقد تسببت إستراتيجية "الانخراط المحسوب" للسويداء والدروز في الحراك السوري العام في تقويض موقف الحراك تجاه السويداء، وفعليًا لم يتم النظر من قبل الحراك في سوريا إلى السويداء على أنها في صف المعارضة إلا مؤخرًا، ولا تزال هذه النظرة محل شك وأخذ ورد في أوساط معينة من المعارضة بسبب الاختلاف حول الدوافع الفعلية للاحتجاجات في السويداء ومدى علاقتها أو كونها امتدادًا فعليًا للحراك الذي بدأ في 2011.

رغم أن الدروز والسويداء لم ينخرطوا بشكل واسع في الحراك ضد النظام بقيادة بشار الأسد خلال 12 عامًا الماضية، فإن النظام اعتمد مقولة "إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا" في تعامله معهم. هذا النهج اتخذه النظام بعد فشله في تجييش سكان المنطقة ضد محافظة درعا المجاورة. ويبدو أن النظام لا يزال يسعى باستمرار لإضعاف السويداء والطائفة الدرزية، حيث يعمل على إثارة الفتنة بين عائلاتهم وإغراق المنطقة في فوضى الفساد والمليشيات وشبكات التهريب والمخدرات.

استمرارًا للموقف العدائي للنظام تجاه السويداء، وفي الواقع تجاه أي فئة تنتقد أو تعارض سياسته، بادرت جهات تتبع النظام أو تقترب منه إلى الإدلاء باتهامات ضد المحتجين في السويداء؛ اتهموهم بالسعي نحو الانفصال، والمساهمة في تفتيت الوطن والركون إلى مشروعات خارجية. هذه الاتهامات -التي يتكرر استخدامها من قبل النظام وأنصاره لوصف المعارضين- تمثل السردية التي استخدمها النظام مبررا للهجمات العسكرية على المدن وأهلها.

ورغم أن استخدام النظام للوحشية، والبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية قد لا يكون السبيل المثلى للتعامل مع الاحتجاجات في السويداء والساحل، فإنه يتعين على الحراك في السويداء وباقي المناطق السورية التعامل بدقة مع التعقيدات المحلية والإقليمية.

ينبغي للحراك مراقبة خطوات النظام وردات فعله، وأن يبرز مطالبه بطريقة تحقق التوازن بين الرغبة في الحرية والكرامة والانتقال السياسي، وبين الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ملتزمًا بالقرارات الدولية ورافضًا للعنف، حتى لا يمنح النظام الفرصة لتشويه صورة الحراك وقمعه.

وبينما تنبئ طريقة تعاطي النظام مع الحراك في السويداء بمحدودية الخيارات التي يملكها، خاصة الخيار العسكري الذي لا يبدو خيارًا واردًا في ظل الأوضاع الحالية للنظام والمنطقة، وحتى العالم الذي لن يتحمل موجة جديدة من اللجوء والتشريد والمآسي؛ فإن غياب الخيار العسكري لا يعني انصياع النظام لمطالب المحتجين، بل على الأرجح سيعمد إلى تجاهل مطالب المحتجين وسيتخذ إجراءات تزيد معاناة السويداء وأهلها مثل وقف عمل المؤسسات وعزل المحافظة عن محيطها.

لا شك أن تصاعد الاحتجاجات في السويداء مثّل ضربة موجعة للنظام الذي طالما قدم نفسه على أنه "حامي الأقليات"، وهي واحدة من أبرز السرديات التي بنى عليها النظام فكرة بقائه وتمسكه بالسلطة، خاصة أن التحركات في أوساط الدروز جاءت بالتوازي مع حراك آخر ذي طابع فردي ونخبوي في أوساط العلويين.

نتابع ما يجري في السويداء بترقب كبير، وتتحدث الأصوات بالمضي في المسار نفسه، خاصة أن مطالب السويداء لا تختلف عن مطالب جميع السوريين، والمبررات التي أدت إلى انطلاق الاحتجاجات في السويداء موجودة في كل منطقة تحت سيطرة الأسد.

أخيرًا، لا بد من الإقرار بأن هناك خلافات عديدة تعصف بالمجتمع السوري، فمنذ تولي حزب البعث السلطة في سوريا عانت البلاد من صراعات طبقية وخلافات سياسية ونزعات طائفية متزايدة. ومع ذلك، لم يكن هناك شيء خلال العقد الماضي قد وحد السوريين وأظهر أواصر ارتباطهم ببعضهم كالحراك ضد الأسد.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاحتجاجات فی السویداء الحراک فی فی أوساط فی سوریا

إقرأ أيضاً:

صحيفة: تعنت الهجري يعطل تحركات عمّان لحل أزمة السويداء

تستمر الجهود السياسية والديبلوماسية، داخليًا وخارجيًا، في البحث عن مخرج لأزمة السويداء في سوريا، إلا أن هذه المحاولات لم تُحقق أي اختراق حتى الآن، بعدما اصطدمت بموقف متصلب من رئيس الهيئة الروحية لطائفة الموحّدين الدروز في المحافظة الشيخ حكمت الهجري، ونجله الشيخ سلمان الذي يتصدر المشهد ويؤثر مباشرة في مسار هذه الاتصالات.

وبحسب ما أوردت جريدة "النهار"، أجرت السلطات الأردنية اتصالات مع عدد من الفاعليات السياسية والاجتماعية في السويداء، بهدف عقد اجتماعات والاستماع إلى مخاوفهم في محاولة للوصول إلى حلول تستند إلى خريطة الطريق الثلاثية السورية الأردنية الأميركية، التي جرى التوافق عليها قبل أشهر في دمشق. وتشير المصادر إلى أنّ هذه الخريطة "تضمن العدالة بعد أحداث تموز، واندماج السويداء بسوريا، والحصول على الحقوق".



وواجهت هذه المساعي  رفضا قاطعا من الهجري، وتحديدا من ابنه سلمان، الذي يرفض الدخول في أي حوارات متصلة بحلول تخصّ السويداء، ووفق المصادر، فإن سلمان الهجري لعب دورا حاسما في عرقلة جهود أخرى كانت متحمّسة للتوجّه نحو الأردن، إذ حال دون مشاركتها وهدّدها، ما أدى إلى إحباط محاولات الوصول إلى تسوية تُنهي الأزمة المتفاقمة في المحافظة.

وتتزايد علامات الاستفهام داخل المحافظة حيال أسباب رفض الهجري لهذه الخريطة، في وقت تتعمق الأزمة الإنسانية مع اقتراب فصل الشتاء، وتقول مصادر محلية إن "الهجري يعتمد على إسرائيل"، رغم أن الأخيرة لم تعلن دعما صريحا أو علنيا لأي مشاريع انفصالية يطالب بها، ولا تقدم سوى مساعدات محدودة يحتكرها.

رسالة الهجري إلى طريف
لم تعلن دولة الاحتلال أي موقف مؤيد لانفصال السويداء عن سوريا، كما أن الشيخ موفق طريف، رئيس الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل، لم يدعم فكرة إقامة دولة درزية، مؤكداً أن السويداء جزء من سوريا وأن حقوقها تُبحث في دمشق، غير أن المعلومات تشير إلى أن مجموعة من الضباط الإسرائيليين تتواصل مع الهجري وتحرضه على متابعة مساراته السياسية من دون أفق واضح.

وتعمقت الفجوة بين الهجري وطريف بعد انتقاد الأخير للحملة الأمنية التي نفذها مليشيا "الحرس الوطني" التابع للهجري قبل أيام، والتي قتل خلالها شيخان درزيان بعد تعذيبهما، وتوضح المصادر ذاتاه أن الخلاف بات واسعا، وأن سلمان الهجري وجه رسالة إلى طريف جاء فيها: "نحن أكبر منك في إسرائيل، ولسنا بحاجتك".



ولم تقتصر الانتقادات الموجهة للهجري على طريف، بل وصلت إلى داخل السويداء نفسها. فقد ارتفعت أصوات في صفوف المجتمع الدرزي تعترض على ممارسات الهجري ومسلحيه، خصوصًا بعد حملة الاعتقالات الأخيرة، حيث شبه عدد من الأهالي مسلحيه ببعض البدو الذين حلقوا الشوارب ونتفوا اللحى.

في الخلاصة، يستمر الهجري في تعطيل أي مقترحات أو تسويات من شأنها إعادة السويداء إلى مسارها الطبيعي سياسيا واجتماعيا، بينما تتفاقم الأزمة الإنسانية في المحافظة مع اقتراب الشتاء، وتشير مصادر للجريدة ذاتها إلى أن رهانات الهجري تقوم على دولة الاحتلال، رغم افتقار هذا المسار لأي أفق عملي، بالتوازي مع اتساع حالة التململ داخل المجتمع الدرزي نتيجة السياسات المرتبكة وغياب أي نتائج ملموسة.

مقالات مشابهة

  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • WSJ: أمريكا محبطة من عدوانية إسرائيل ضد النظام الجديد في سوريا
  • الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل يدعو واشنطن لحماية دروز السويداء
  • مجلس النواب الأمريكي يصوت على إلغاء قانون قيصر بشأن سوريا
  • الكونغرس يمهّد لإنهاء حقبة قانون قيصر… خطوة أمريكية جديدة نحو إعادة تشكيل العلاقة مع سوريا
  • مصرف سوريا المركزي: لدينا خطة للاندماج في النظام العالمي فور إنهاء قانون قيصر
  • تأجيل محاكمة 38 متهم بنشر أخبار مناهضة للنظام علي قناتي الشرق ومكملين
  • سوريا.. فيديو وسيم الأسد وكيف ظهر خلال تحقيقات قبل إحالته إلى المحاكمة
  • لحظات مؤثرة لـ«الشرع».. نتنياهو يرفض التوقيع على الاتفاق الأمني مع سوريا
  • صحيفة: تعنت الهجري يعطل تحركات عمّان لحل أزمة السويداء