جريدة الوطن:
2025-12-13@19:46:15 GMT

لا تجعل من عقلك عدوا لك

تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT

لا تجعل من عقلك عدوا لك

ماذا دهاك يا بُنيَّ؟! أجدك في شجار دائم مع زملائك في المدرسة، مع أبناء الجيران، وحتى مع أبناء الأقارب، فالجميع يشكو مِنك، بل أجدهم يتجنبون وصلك ورفقتك. يا بُنيَّ أراك تغضب وتنقم على كُلِّ مَن حولك. حتى بتُّ لا أرى بصحبتك صاحبًا، ولا برفقتك حبيبًا، أصبحتُ أشفق عليك من نَفْسِك. من فرط حزنك، ومن انكسار قلبك، ومن شدَّة غضبك.

أجدك فقدْتَ براءة ابتسامتك، وانطفأ بريق عينيك، وأسدل الحزن ستاره على وجهك حتى بتُّ أشعر بأنَّك لَمْ تَعُدْ تُشبه نَفْسَك.
أين ضحكاتك التي تصدح في البيت، وأحاديثك المرحة المزعجة التي تكاد لا تتوقف حتى نستجديَ مِنْك بعضًا من الهدوء؟ افتقدنا مداعباتك السَّمجة مع أبناء عمومتك وأبناء أخوالك، وأغانيك التي تغنِّيها بصوت نشاز وقَدْ أفسدتَ اللَّحن والكلمات فيستصرخك أهل البيت راجين صمتك. فإذا ما نمتَ أو انصرفتَ خيَّم الصَّمت على الدَّار، فنسترجع كلماتك ومواقفك المضحكة، ونتمنَّى عودة إزعاجك. افتقدنا بهجتك التي تفوح في البيت فتعدينا سعادة وسرورًا.
ما الذي أطفأك يا بُنيَّ لِتكونَ أنتَ لستَ أنتَ؟! مَن الذي جنى عليك فأطفأ ابتسامتك وسعادتك ومرحك؟! لا تبحث عن الجاني بعيدًا عَنْك، فسارق سعادتك بَيْنَ أضلعك. فيك أنتَ. وبَيْنَ يدَيْك. إنَّه عقلك الذي جلب لك التَّعاسة. أتذكَّر كمْ كان يُملي عليك أسئلة توغر صدرك؟! لماذا أعطت أُمِّي أخي قطعة كعك أكبر مِنِّي؟ إنَّها لا تحبُّني!!! لماذا خرج أصدقائي معًا ونسوا أن يشاركوني؟! إنَّهم لا يحبُّونني؟! المُعلِّم يركِّز بنظرة وقت الشرح على أصدقائي أمَّا أنا فتعبُرني نظراته عبورًا خاطفًا. إنَّه لا يحبُّني. أملى عليك عقلك قناعةً راسخة بأنَّ مَن حَوْلَك لا يحبُّونك، فغادرت السعادةُ قلبَك وحلَّ محلَّها الغيرة والغضب لتتحوَّلَ بعدها إلى شخص غير محبوب فعلًا.
أجزم بأنَّ عقلك الذي جلب لك التعاسة، فقَدْ كان عقلك يُملي عليك قناعة بأنَّك لَنْ تكُونَ متفوِّقًا لا في الدراسة، ولا في الأنشطة الرياضيَّة، ولا في العلاقات الاجتماعيَّة، حتى اقتنعتَ بأنَّك شخص فاشل، فخسرتَ نجاحات ومكاسب طالما حقَّقتَها، وأصبحت الهزيمة والفشل رفقة حميمة لك. فغادر الفخر والثقة بالنَّفْس قلبَك، وحلَّ محلَّها الانكسار والضعف.
أجزم بأنَّ عقلك الذي جلب لك التعاسة، فقَدْ كان يوهمك بأنَّك مريض فصدَّقته، فعَيَا جسدك وخارت قواك، وحلَّ الخمول والضعف محلَّ القوَّة والحيويَّة والنشاط، ظلَّ عقلك يجلد جسدك حتى أضناه، صدَّقتَ عقلك واستقبلت المرض بالترحاب وكأنَّه واحد من أهل الدَّار. أقنعَك عقلك بالسَّقم، فاعتلَّ جسدك. جلتُ بك جميع المستشفيات والعيادات، وحتى إجازتنا السنويَّة الصَّيفيَّة التي نقضيها في الخارج أصبحنا نمضي أغلب أيَّامها في التجوال بَيْنَ المستشفيات بدلًا من التجوال بَيْنَ الحدائق والمتنزهات. ليقرَّ جميع الأطبَّاء بأنَّك سليم لا علَّة بجسدك. فيصدق ظنِّي بأنَّ عقلك هو الجاني.
ثِق يا ولدي أنَّ عقلك هو الذي يرسم مصيرك ومستقبلك، ألا تذكر قول الله تعالى في الحديث القدسي حين قال رَسُولُ اللهِ : يَقُولُ اللهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.)
فإن حدَّثك عقلك خيرًا، جاءك الخير من حيث لا تحتسب، وإن حدَّثك عقلك شرًّا جاءك الشَّر من كُلِّ حدَبٍ وصوب . يا ولدي سيطِرْ على أحاديث عقلك بإرادتك، بعزيمتك وبإيمانك؛ لِتنتصرَ عليه، ولِتقودَه نَحْوَ الخير، ولا تجعله يقودك نَحْوَ الشَّر فيُحِل حياتك إلى فشل وجحيم. فأحْسِن الظن بالله تغْنَم، وثِق بربِّك تسعد، وتفاءل بالخير تجده. ولا تجعل من عقلك عدوًّا لك، فأحاديث عقلك ترسم مستقبلك… دمتَ سالمًا يا بُنيَّ.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
[email protected]
Najwa.janahi@

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ک عقلک

إقرأ أيضاً:

"الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه

غزة - خاص صفا

"ناجية وحيدة"، لكن صدمة فقد عائلتها قبل نحو شهر، في وقت وضعت فيه حرب غزة أوزارها، جردتها من معاني الكلمة، وتعيش أوضاعًا صعبة، تتمنى فيها "اللحاق بهم.
الفتاة بتول أبو شاويش "20 عاما"، واحدة من آلاف الناجين الوحيدين لأسرة كاملة ارتقت بحرب غزة، لكنها تُسقى أضعافًا من كأس الفقد، لكونها استبعدته يومًا.

"أنا لستُ ناجية، أنا وحيدة وتمنيتُ لو أني ذهبتُ معهم"، تقول بتول لوكالة "صفا".

وتضيف "استشهدت أمي وأبي وإخوتي في قصف بجانب بيتنا في أبراج عين جالوت قبل شهر، وكنت معهم في نفس البيت".

ولكن دقيقة بين مغادرة "بتول" غرفة إخوتها نحو غرفتها، كانت فاصلًا بينها وبينهم، بين حياتها ومماتهم، رغم أن أنقاض البيت وقعت عليها هي أيضًا.

وتصف تلك اللحظات "كنت بجانب محمد وجميعنا بغرفة واحدة، ذهبت لأبدل ملابسي، وفي لحظة وجدت نفسي تحت الأنقاض".
ما بعد الصدمة 

وانتشلت طواقم الدفاع المدني "بتول" من تحت جدارين، مصابة بذراعيها، وحينما استفاقت داخل المستشفى، وجدت عمها بجانبها.

سألت بتول عمها عن والديها وإخوتها، وعند كل اسم كان جوابه "إنا لله وإنا إليه راجعون".

لم تتمالك نفسها وهي تروي اللحظة "لم أستوعب ما كان يقوله عمي، لقد فقدتُ أهلي، راحت أمي رغم أنني كنت أدعوا دومًا أمامها أن يكون يومي قبل يومها".

"بتول" تعيش أوضاعًا نفسية صعبة منذ فقدت أسرتها، ويحاول عمها "رفعت"، أن يخفف عنها وطأة الفقد والصدمة.

"لحظات لم تكتمل"

يقول رفعت "40 عاما"، لوكالة "صفا"، إنها "ليست بخير، لا تعيش كأنها نجت، ولا تتوقف عن التساؤل لماذا لم تذهب معهم".

ويضيف "هي تؤمن بالأقدار، لكن أن يفقد الإنسان أهله وفي وقت هدنة، يعني مفروض أنه لا حرب، والقلوب اطمأنّت، فهذا صعب خاصة على فتاة بعمرها".

وسرق الاحتلال لحظات جميلة كثيرة من حياة "بتول"، لم تكتمل، كحفلة نجاح شقيقها "محمد" في الثانوية العامة.

يقول عمها "بتول بكر أهلها، وهي تدرس في جامعة الأزهر، رغم كل الظروف، وقبل استشهاد أخي وعائلته، احتفلوا بنجاح محمد، وكانوا ينوون تسجيله معها في الجامعة".

ومستدركًا بألم "لكن كل شيء راح، وبقيت بتول وحيدة تحاول أن تنهض من جديد، لكن ليس بعد".

ولم تقدر "بتول" على وداع أهلها من شدة صدمتها، وحينما وضعوها بين خمسة جثامين، تحدثت إليهم، سألتهم لما "رحلتم وتركتموني"، وما قبلت إلا جبين شقيقتها الصغيرة، أما أمها "فعجزت عن الاقتراب منها"، تردد بتول وهي تهتز من استحضار المشهد.

ويوجد في غزة 12,917 ناجيًا وحيدًا، تبقوا من أصل 6,020 أسرة أبيدت، خلال حرب الاحتلال على غزة على مدار عامين، فيما مسح الاحتلال 2700 أسرة من السجل المدني بكامل أفرادها، البالغ عددهم 8,574 شهيداً.

مقالات مشابهة

  • هخلص عليك يا شيخ.. ضبط مدمن مخدرات أنهى حياة موظف داخل مكتبه بالمحلة
  • بيتر روف: التطورات العسكرية المتسارعة في أوكرانيا تجعل الأوضاع أكثر تعقيدا
  • برج الأسد حظك اليوم السبت 13 ديسمبر 2025… يوم يسلّط الضوء عليك ويُظهر قوتك
  • 4 طرق تمكنك من إيجاد تطبيقات تجعل تشغيل ويندوز أبطأ
  • دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صبا
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • تحديث One UI 8.5 من سامسونج.. ميزات جديدة تجعل تجربتك أفضل
  • مرتبك كام؟.. كامل الوزير لأحد العمال: بينضحك عليك.. والأخير يرد
  • 3 طرق تجعل الامتنان ركيزة لصحتك المالية في 2026
  • العثور على جثمان الطفل الذي جرفته السيول في كلار