أصوات من المغرب.. يومان يحددان مصير آلاف تحت الأنقاض
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
في مدينة أمزميز المغربية الصغيرة، لا يزال عمال الإنقاذ يكافحون من أجل إخراج الأشخاص المحاصرين تحت أنقاض المباني بعد زلزال بقوة 6.8 درجة ضرب المغرب في وقت متأخر من ليلة الجمعة حوالي الساعة 11 مساءً.
تقول منظمات الإنقاذ إن أول 72 ساعة بعد وقوع الزلزال تعتبر حاسمة لإنقاذ الأرواح. وبعد ليلة الاثنين، سينخفض معدل البقاء على قيد الحياة إلى ما بين 5% و10%.
قالت نعيمة أوفقير، إحدى سكان المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 14 ألف نسمة، لـ(دويتشه فيله) إنه أمر لا يوصف". "كانت جارتي حاملاً، وهي الآن ترقد تحت الأنقاض في مكان ما. نصلي من أجل أن تظل على قيد الحياة".
لا يوجد طريق إلى المناطق الأكثر تضرراً
تحاول فرق الإنقاذ شق طريقها إلى المناطق الأقرب إلى مركز الزلزال. العديد من البلدات والقرى الجبلية القريبة من مركز الزلزال في منطقة الحوز، على بعد حوالي 70 كيلومترا جنوب مراكش، هي مناطق نائية وغالبا ما تعاني من نقص الموارد.
قالت أنيا هوفمان، رئيسة مكتب مؤسسة هاينريش بول الألمانية في الرباط، والتي سبق لها أن سافرت إلى المناطق المتضررة، إن "هذه الأماكن نائية للغاية ومن الصعب للغاية الوصول إليها". "الطرق هناك صغيرة بالفعل. وحتى في الظروف العادية، سيستغرق الأمر من الناس حوالي ثلاث إلى أربع ساعات للوصول إلى مستشفى مجهز تجهيزًا جيدًا نسبيًا. لذا يمكنك أن تتخيل كيف يكون الأمر عندما تكون هذه الطرق مغلقة."
قال عبد العالي هريمس، وهو مواطن من قرية أزغور التي يسكنها حوالي 200 شخص في المنطقة المتضررة، لـ (دويتشه فيله)، إن الاستعدادات كانت جارية لتوسيع بعض الطرق الرئيسية في هذه المنطقة. وأضاف: "لكن الزلزال الآن دمر كل شيء". وأضاف أن الناس ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض في منطقته، ولم تصل أي مساعدة حتى مساء السبت.
أكد عادل بوريا، وهو رجل آخر من نفس المنطقة الجبلية، أن بعض الطرق لا يمكن استخدامها إلا سيرا على الأقدام أو على ظهور الحمير. وأشار بقلق إلى أن "حتى هبوط طائرة هليكوبتر للإنقاذ سيكون صعباً للغاية في بعض تلك القرى".
سوف يرتفع عدد القتلى
قال هشام آيت لحسن، وهو مواطن من قرية مجاورة، إن هناك أكثر من 100 قتيل في مسقط رأسه حتى الآن. وقال: "لم يتبق حجر دون أن يُقلب هناك". "أنا متأكد من أن عدد القتلى الرسمي سوف يرتفع أكثر."
قال هوفمان من مؤسسة هاينريش بول إن هناك الكثير من التضامن في المغرب. وقالت إن السكان المحليين يتساءلون على وسائل التواصل الاجتماعي لماذا استغرقت حكومتهم وقتا طويلا لدعوة فرق الإنقاذ الدولية إلى البلاد للمساعدة. لكن في الشوارع القصة مختلفة.
قالت "نرى الكثير من عروض المساعدة والكثير من التضامن بين المغاربة". "بالأمس كانت هناك حملة ضخمة تطلب من الناس التبرع بالدم. لقد كان الاستجابة مثيرًا للإعجاب. بالأمس واليوم، قالت مراكز التبرع بالدم إنها لا تستطيع تلقي المزيد من التبرعات، وعليها الانتظار حتى الأسبوع المقبل.
قالت منظمات الإغاثة إن مساعدة المغاربة المتضررين من الزلزال على إعادة البناء والتعافي ستستغرق شهورا، وربما سنوات.
قال هوفمان: "بعد ذلك سيكون الأمر يتعلق بالحفاظ على روح التضامن هذه". "سيظل الزلزال في الأخبار لبضعة أسابيع، ولكن ستكون هناك حاجة إلى المساعدات لفترة أطول لإعادة الإعمار وإعادة بناء حياة الناس. سيكون هذا هو السؤال الرئيسي على المدى الطويل".
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
نساء غزة.. أيقونات الصمود بين الأنقاض والنار
تحت خيمة ممزقة بفعل الرياح، أو على ركام منزل كان يومًا ما مأوى للذكريات، أو داخل فصل دراسي تكدّس فيه النازحون، تقف المرأة الغزية، ليس فقط شاهدة على فصول المأساة، بل حاملة لها فوق أكتافها.
في قطاع غزة، حيث لا مجال للفرار من الحرب، تكون المرأة أول من ينهض من تحت الأنقاض، تمسح دموع الصغار، وتعيد إشعال موقد الحياة، ولو كان من رماد. العدوان الإسرائيلي المستمر منذ نحو 17 شهرًا، حوّل حياة نساء غزة إلى نضال يومي في مواجهة الجوع، القصف، الفقد، والتشريد. ومع ذلك، فإن صوت المرأة الغزية ما زال يعلو فوق الدمار، شاهداً على الكرامة والصبر.
في حي الزيتون بمدينة غزة، تجلس أم ياسين دلول (28 عامًا) داخل خيمتها التي لا تقي حر الصيف ولا برد الليل. تروي معاناتها بصوت خافت لا يخلو من قوة دفينة: «استشهد أولادي الثلاثة في قصف المستشفى المعمداني، وبُترت يدي اليمين. من يومها والدنيا اسودّت في عيني».
فقدت أم ياسين بيتها وأطفالها في لحظة، وبقيت تجرّ جسدها الجريح بين صفوف الخيام، تبحث عن لقمة تسد بها رمقها. «إحنا بنعاني من قلة الأكل والشرب، حتى المياه صارت حلم. ولما الدنيا شوب، أنت مش متخيل كيف بنعيش داخل الخيمة. كأننا بنطبخ حالنا في فرن»، تضيف والدمعة تختنق في عينيها.
ورغم بتر يدها، تصر أم ياسين على إدارة شؤون حياتها بنفسها، تطهو على النار، وتغسل ملابسها بيد واحدة. تقول لـ«عُمان»: «ما حدا رح يطبطب علينا، إحنا لازم نعيش. أنا بحاول أكون قوية، يمكن أقدر أعيش عشان أجيب حقي وحق أولادي»، مصيفًة بإصرار، وقد تحولت أحزانها إلى نار داخلها، تُشعل بها صبرها.
تغدو خيمة أم ياسين مسكنًا ومعسكرًا للصمود في آن، تلمّ فيه نساء الجيران كل مساء. يروين القصص، ويتشاركن الوجع، ويتناوبن على تحضير كاسات الشاي. «صرنا عيلة وحدة، الحرب لمتنا على حزن واحد»، تقول بابتسامة حزينة، تشبه ضوء قنديل يوشك أن ينطفئ.
حمل فوق الأكتاف
في مدينة خان يونس، جنوب القطاع، تقيم أم رامي العبادلة (53 عامًا) في مدرسة ابتدائية، تحولت إلى مركز إيواء مكتظ بعشرات العائلات. تقول السيدة الخمسينية، التي نزحت من مدينة رفح، مع زوجها المريض وأبنائها الخمسة، قبل نحو عام: «أنا شايلة الحمل كله. من تعبئة المي، للفرن، للتكية. كله أنا بعمله. حتى لما ابني الكبير يرجع من الشغل، يشتكي التعب، أقوم أنا أكمّل عنه».
لم تكن حياة أم علي سهلة حتى قبل الحرب، لكنها اليوم تشبه صعودًا لا يتوقف على سلم من الجمر تقول لـ«عُمان»: «أنا بصحى على صوت الطيارات، وأنام على صراخ الجيران. ومع هيك، لازم أطبخ، أعتني في جوزي، وأدبّر شؤون الأولاد. مرات بفكر، كيف جسمي لسه واقف؟ بس يمكن قلب الأم أقوى من الحديد».
في زوايا المدرسة، تفترش أم علي الأرض، تصنع من قطع الكرتون فراشًا، وتضع على رأسها عباءة سوداء اتخذت من الغبار لونًا جديدًا. «الدنيا ما عاد فيها كرامة، بس بنحاول نعيش. عشان ولادنا، عشان نظل صامدين، حتى لو متنا واقفين»، تضيف وهي تضبط حجابها على عجل؛ كي تذهب إلى طابور التكية، وتحضر طعام الغداء.
صارت أم علي رمزًا للعطاء بين نازحي المدرسة، يتهافت الجميع عليها لطلب المساعدة أو المشورة. «كل واحدة هون عندها حكاية، بس في الآخر، إحنا النساء اللي شايلين البلد على ضهرنا»، تهمس وهي تضع صحن المجدرة أمام أبنائها الجياع.
نار من الحطب والدم
في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، تعيش غالية أبو القمصان (62 عامًا) بين أنقاض منزل ابنها الذي قصف في بداية العدوان. «32 شخص نعيش هنا، وزوجي استشهد. ما في مكان نذهب إليه. خبزنا على الصاج، نعد طعامنا على الحطب، وننام على الأرض. صار لنا سنتين بهذا الحال»، تقول بحزم يشبه السكاكي خلال حديثها لـ«عُمان».
كل صباح، تستيقظ غالية قبل الفجر، تجهّز الحطب، وتشعل النار. فوقها، تضع صاجًا قديمًا تخبز عليه أرغفة الحياة من دقيق أفسدته الحرب. «ما في كهربا، ولا غاز، ولا أمان، ولا حتى دقيق كويس. بس في صبر، وفي أطفال انتظرونا أن نطعمهم»، تضيف وهي تمسح رماد الحطب عن يديها.
تصف غالية الحياة بين الأنقاض بأنها أشبه بالسير على الأشواك. «كل شي مهدود، كل شي موجوع. بس أنا صرت أم الجميع. حتى جاراتي بيجوا يخبزوا عندي ما يجدونه من بقايا طحين مدوّد. صرنا نعيش يوم بيوم، نضحك رغم الدموع».
الأعباء النفسية الخفية
وراء هذا الصمود اليومي، تتراكم جراح نفسية عميقة لا تُرى بالعين المجردة. بحسب صفاء مشتهى، الأخصائية النفسية في جمعية عايشة لحماية المرأة والطفل، فإن النساء يعانين من نسب مرتفعة من اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق المزمن، والاكتئاب، بسبب فقد الأحبة، والخوف المستمر، وانعدام الأمان.
«النساء في غزة لا يعشن فقط الحرب، بل يتحملن مسؤولية إنقاذ العائلة نفسيًا أيضًا. هي الأم، والمعيلة، والمُطمئنة، والممرضة. هذا الحمل يتضاعف كل يوم»، تقول مشتهى، مؤكدة أن كثيرات لا يملكن حتى رفاهية التعبير عن مشاعرهن.
تتحدث مشتهى عن نساء رفضن البكاء خوفًا من أن ينهار أطفالهن، وعن أمهات فقدن أبناءهن لكنّهن واصلن الطهو والغسل في اليوم التالي: «هذا الصبر مدهش، لكنه مكلف نفسيًا. نحن نخشى من تزايد حالات الانهيار النفسي بعد انتهاء الحرب، حين تسمح الظروف ببعض التنفيس».
وفي ظل تردي الوضع الصحي وغياب الرعاية النفسية، تطلق مؤسسات محلية مبادرات دعم نفسي جماعي داخل المدارس والمخيمات. «الاستماع للنساء، منحهن مساحة للحكي، صار هو العلاج الأولي في ظل انعدام الإمكانيات»، توضح مشتهى.
غياب العدالة الإنسانية
تتساءل النساء في غزة عن العدالة الدولية الغائبة، عن الضمير العالمي الذي خذلهن. تقول د. لينا بركات، المحامية المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن المرأة الغزية تُستهدف مرتين: الأولى بالقصف، والثانية بالتجاهل.
«لم نرَ أي تحرك دولي جاد لحماية النساء في غزة، رغم كل النداءات. تقاريرنا توثق الاستهداف المباشر للنساء، سواء في منازلهن أو في طريق النزوح أو داخل مراكز الإيواء»، توضح بركات، مشيرة إلى أن أكثر من 12 ألف امرأة فقدن حياتهن منذ بدء العدوان، حتى أبريل 2025.
وتضيف خلال حديثها لـ«عُمان»: «المرأة في غزة تُعامل كرقم في الأخبار، بينما هي الحقيقة الكاملة. هي التي تدفن أبناءها بيديها، وتعود لتصنع لهم قبرًا من الحب في قلوبها».
يحاول المركز توثيق الانتهاكات بشكل يومي، ويعمل مع منظمات أممية لإيصال الصوت، لكن العوائق السياسية تحجب العدالة. «صوت المرأة الغزية أقوى من صمت العالم. هي لا تطلب شفقة، بل عدالة وإنصاف»، تختم بركات.
أمل يولد من رحم الرماد
رغم كل ما سبق، يبقى للمرأة الغزية قدرة خارقة على بثّ الأمل في ظلال الكارثة. في خيمة قرب دير البلح، تجمع أم رامي نساء المخيم لتعليم التطريز. تقول: «هذا ليس فقط تطريز، هذا علاج. كل غرزة هي صرخة صامتة ضد الظلم».
وفي مدرسة أخرى، تنظّم أم مجاهد الأغا جلسات قراءة للأطفال. تصنع من صوتها حضنًا دافئًا، وتحوّل الكلمات إلى خيمة أمان. «لو الحرب أخدت بيوتنا، ما رح نخليها تاخد أرواحنا»، تقول وهي تحتضن طفلة يتيمة تقرأ قصيدة عن الشهداء.
الأمل لا يولد من الرفاهية، بل من رحم القهر. والمرأة الغزية تعرف كيف تصنع من دموعها جدولاً صغيرًا يسقي جذور الصبر في كل من حولها.
نساء من صلب الجراح
لا تنتهي الحكاية هنا، بل تبدأ كل يوم من جديد. على موقد الحطب، في طوابير الخبز، بين أنقاض الأحلام، تنهض المرأة الغزية كمن تبني وطنًا على صبرها. هي الشاهدة، والضحية، والمقاتلة في آنٍ معًا. تكتب بدمها فصول الكرامة، وتعلّمنا أن الأنوثة ليست ضعفًا، بل صلابة تليق بالمجد.
وفي ظل عدوان لا يرحم، تبقى النساء في غزة صوت الحياة الذي لا يسكت، ونور الأمل الذي لا ينطفئ. هنا، لا تُقاس البطولة بعدد الطلقات، بل بعدد الأرغفة التي خُبزت على النار، والدموع التي جُففت كي لا يبكي الأطفال. هذه غزة، وتلك نساؤها.