عمالقة التكنولوجيا ونواب الكونغرس يناقشون "القوة الطاغية"
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
خلف أبواب مغلقة في منتدى حول تنظيم وتشريع تقنيات الذكاء الاصطناعي، اجتمع قادة عمالقة التكنولوجيا في واشنطن لمناقشة ضرورة وضع لوائح وصياغة تشريعات لمستقبل الذكاء الاصطناعي، وكيفية التحكم في تلك "القوة الطاغية".
عُقد هذا الاجتماع غير المسبوق في الوقت الذي يستعد فيه مجلس الشيوخ الأمريكي لصياغة تشريع ينظم صناعة الذكاء الاصطناعي سريعة التقدم، والتي يخشى العديد من أفضل العقول في العالم أن تدمر البشرية، إذا تركت دون رادع.
وجمع هذا الاجتماع 22 من أكثر الأصوات نفوذاً في قطاع التكنولوجيا، الذين تبلغ ثروتهم الصافية مجتمعة أكثر من 400 مليار دولار، و100 عضو في مجلس الشيوخ، تحت سقف واحد. وقال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري مايك راوندس، متسائلاً: "هل نحن مستعدون لكتابة تشريع؟ لا على الإطلاق، لسنا كذلك. فلم نصل بعد إلى هذا المستوى من الجاهزية بعد".
وقال العضو الديمقراضي في مجلس الشيوخ، كوري بوكر إن جميع المشاركين اتفقوا على أن "للحكومة دوراً تنظيمياً"، لكن سن تشريع يحكم استخدام الذكاء الاصطناعي ينطوي على تحديات كبيرة.
وحضر الاجتماع الرؤساء التنفيذيون لكبار الشخصيات في قطاع التكنولوجيا، من بيهم الرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت بيل غيتس، والرئيس الحالي للشركة ساتيا ناديلا، والرئيس التنفيذي لشركة "ميتا بلاتفورمز" مارك زوكربيرغ، والرئيس التنفيذي لشركة "ألفابيت" ساندر بيتشاي، والرئيس التنفيذي لشركة تسلا ومالك منصة إكس إيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لشركة "آي بي إم" آرفيند كريشنا، والرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا جينسن هوانغ، ومشرعون أمريكيون.
إيلون ماسكودعا إيلون ماسك إلى وضع رقابة على الذكاء الاصطناعي، فهو مؤيد قوي لسلامة الذكاء الاصطناعي، بصفته الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، تلك القوة الدافعة وراء تطوير المركبات ذاتية القيادة، القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والمشارك في تأسيس "أوبن إيه آي"، قائلاً إن هناك "إجماعاً ساحقاً" على ضرورة وضع لوائح تحكم الذكاء الاصطناعي.
أسوأ السينايوهاتوكان الاجتماع الخاص بمثابة دورة تدريبية مكثفة للمشرعين، حول أفضل السبل لتنظيم الذكاء الاصطناعي، وسط تخوفات من تفوقه على الذكاء البشري، وهذا يعني عدم الحاجة للبشر أو الاستماع إليهم، في أسوأ السيناريوهات، حيث تقوم تلك التقنية بسرقة الرموز النووية، وخلق الأوبئة البشرية، وإشعال حروب عالمية.
وتُعد قضية استخدام قوة الذكاء الاصطناعي في الخير والشر على حدٍ سواءٍ محط اهتمام بالغ من قبل السياسيين حول العالم، حسب ما ورد في صحيفة دايلي ميل البريطانية.
وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر: "اليوم، نبدأ مهمة هائلة ومعقدة وحيوية: بناء أساس لسياسة الذكاء الاصطناعي المشتركة بين الحزبين والتي يمكن للكونغرس إقرارها». وتابع: "يجب أن يلعب الكونغرس دوراً، لأنه بدون الكونغرس لن نتمكن من تعظيم فوائد الذكاء الاصطناعي، ولن نقلل مخاطره".
ودعا مارك زوكربيرغ إلى استخدام تكنولوجيا "مفتوحة المصدر"، بحجة أن البنية التحتية مفتوحة المصدر، ستقلل من مخاطر السلامة المحتملة، وتزيد من إمكانية الوصول إلى الحد الأقصى. وقال أمام الكونغرس: "ينبغي أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي، من أجل دعم الابتكار وتوفير الضمانات المطلوبة".
أقوى شخص في مجال الذكاء الاصطناعيويعتبر، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" سام ألتمان، المطورة لتطبيق "شات جي بي تي"، أقوى شخص في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، في يومنا هذا، على حد قول الصحيفة، التي ترى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي سيتأثر بمعتقداته وأفعاله.
ولعب هذا الرجل، البالغ من العمر 38 عاماً، دوراً مركزياً في تطوير ضمانات الذكاء الاصطناعي.
وتحت قيادته، ركزت الشركة على إنشاء تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تحاول إفادة المجتمع، بما في ذلك ميزات بارزة مثل GPT-3. وقال ألتمان إذا وُجّهت هذه التكنولوجيا على نحو خاطئ، فسيؤدي إلى عواقب وخيمة، لذا يجب العمل مع الحكومة للحيلولة دون حدوث ذلك.
ويعتقد بيل غيتس، الذي يواصل المشاركة في الأعمال الخيرية، بما ذلك تمويل أبحاث الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات العالمية، مثل الرعاية الصحية وتغير المناخ، أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تغيير مستقبل الصحة والتعليم، وإحداث تحول في أنظمة الإنتاج في جميع أنحاء العالم.
الحياة من دون الذكاء الاصطناعيمن جهته، يرى ساتيا ناديلا، حيث تعتبر شركة مايكروسوفت لاعباً رئيسياً في تطوير الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية، أن فوائد الذكاء الاصطناعي تفوق بكثير عواقبها المحتملة، مشيراً إلى أنه لا يستطيع تخيل الحياة من دونه.
الوظائف الإدارية تواجه شبح الذكاء الاصطناعيمن جانبه، يجد آرفيند كريشنا، الذي يعد مؤيداً قوياً لمستقبل الذكاء الاصطناعي، أن العالم يحتاج إليه للمساعدة في تعويض خسائر الإنتاج، معتقداً أن الوظائف الإدارية ستكون من أول الوظائف التي ستتأثر بالذكاء الاصطناعي، لكنه يرى أن الأخير سيخلق وظائف أكثر مما سيحل محلها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الذكاء الاصطناعي إيلون ماسك بيل غيتس مارك زوكربيرغ والرئیس التنفیذی لشرکة الذکاء الاصطناعی مجلس الشیوخ
إقرأ أيضاً:
“شبكة العنكبوت”: الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي
في صورة تعكس لنا كيف أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي والمُسيرات قادرة على تغيير قواعد الحرب، تمكنت أوكرانيا باستخدام عشرات الدرونز زهيدة الثمن من تعطيل قاذفات استراتيجية تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات في قلب العمق الروسي، قاصدة قواعد تبعد آلاف الكيلومترات عن كييف فيما يُعرف بـ”التفوّق الجغرافي البديل”، حيث لا يهم أين يقع الهدف بقدر ما يهم هل يمكن الوصول إليه بأسلوب غير تقليدي. حدث ذلك دون الحاجة إلى إطلاق صواريخ بعيدة المدى أو استخدام طائرات ضخمة، فقط أكواخ خشبية بأسقف قابلة للفتح ذاتياً محملة على شاحنات، انطلقت منها عشرات المسيرات نحو أهدافها متجاوزة أنظمة الدفاع الجوي الروسي.
وعلى الرغم من تفوق روسيا كماً وكيفاً منذ بداية الحرب، وامتلاكها للصواريخ البالستية والفرط صوتية وللقاذفات الاستراتيجية؛ فإن هذه العملية تظهر كيف أن الدرونز والذكاء الاصطناعي قادر على ترجيح كفة الطرف الأضعف والأقل من حيث القوة التدميرية، بما يعيد تعريف مفهوم “الردع”، ليصبح القدرة على استهداف نقاط ضعف العدو بذكاء وتكلفة منخفضة، وليس فقط امتلاك القوة المماثلة؛ فقد أثبتت هذه الحادثة أن روسيا غير قادرة على حماية عمقها الاستراتيجي، رغم تفوقها العددي والتقني.
وراء هذا المشهد المعقد، يقف الذكاء الاصطناعي كمحرّك رئيسي غير مرئي، فبرمجة مسارات الطائرات وتفادي أنظمة الدفاع واستخدام أنظمة تمييز الأهداف داخل القواعد العسكرية، كل ذلك يشير إلى أن الخوارزميات أصبحت الآن جزءاً من مراكز اتخاذ القرار العسكري، لا مجرّد أداة للدعم.
عملية شبكة العنكبوت:
في عملية يُقال إنها استغرقت 18 شهراً من التحضير، تم تهريب عشرات الطائرات المسيّرة الصغيرة إلى داخل روسيا، حيث خُزّنت في مقصورات خاصة داخل شاحنات نقل، ثم نُقلت إلى ما لا يقل عن أربعة مواقع مختلفة، تفصل بينها آلاف الكيلومترات، لتُطلق لاحقاً عن بُعد من المسافة صفر باتجاه قواعد جوية قريبة، واستطاعت أن تدمر نحو 34% من حاملات صواريخ كروز الاستراتيجية حسب تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وقد استهدفت هذه المسيرات اثنتين من القواعد الجوية، فحسب بيان وزارة الدفاع الروسية: “أدى إطلاق طائرات مسيّرة انتحارية من مواقع قريبة جداً من مطارات منطقتي مورمانسك وإيركوتسك إلى اشتعال النيران في عدد من الطائرات”، وفي خطاب له قال زيلينسكي إن117 طائرة مسيّرة استُخدمت في الهجوم على القواعد الجوية الروسية.
وقد تمت عملية شبكة العنكبوت (Spider’s Web) – كما تمت تسميتها- على عدة مراحل، كانت المرحلة الأولى هي مرحلة تهريب الطائرات المسيّرة الصغيرة إلى العمق الروسي عبر مراحل زمنية متقطعة، بعيدة عن أي نمط يمكن رصده. ولتفادي أعين الرصد والمراقبة، تم إخفاء هذه الطائرات داخل هياكل خشبية بدائية الشكل على هيئة أكواخ صغيرة تم تحميلها على شاحنات نقل تجارية؛ ما منحها غطاءً لوجستياً يخفي غايتها العسكرية.
وما بدا للبعض أنه مجرد وحدات تخزين متنقلة، كان في الواقع منصات إطلاق هندسية دقيقة، جُهزت بأسقف معدنية يمكن فتحها عن بُعد، وعند لحظة الصفر، انفتحت هذه الهياكل تلقائياً، لتخرج منها الطائرات واحدة تلو الأخرى، وتنطلق نحو أهدافها دون أن تترك مجالاً لرد فعل استباقي. كان الهدف الأول هو مطار أولينيا، ويبعد نحو 1900 كيلومتر من أوكرانيا، والمطار الثاني هو بيلايا ويقع على بعد نحو 4300 كيلومتر من أوكرانيا.
أما الطائرات المسيرة ذاتها، فهي على الأرجح من طراز FPV (First Person View) وهي نماذج مسيّرة صغيرة الحجم، وخفيفة الوزن، ومجهّزة بكاميرات لبث مباشر، تُدار عن بُعد أو تُبرمج مسبقاً، وتُستخدم عادة في ضربات انتحارية محددة الأهداف؛ إذ تُزوّد غالباً برؤوس حربية صغيرة؛ لكنها كافية لإتلاف طائرات أو إشعال حرائق داخل منشآت عسكرية حساسة، ويتراوح مداها الجغرافي بين 5 و20 كيلومتراً؛ لذا فقد تم التغلب على هذا التحدي الجغرافي من خلالها تهريبها مسبقاً إلى قرب القواعد الجوية المستهدفة في الشاحنات.
وبحسب ما ورد في التقارير الإعلامية الأوكرانية، فإن الخسائر الواردة نتيجة عملية “شبكة العنكبوت” قد تكون كبيرة، وعلى الرغم من صعوبة التحقق من دقة حجم الخسائر؛ فإنها تشير إلى استهداف نحو 41 قاذفة استراتيجية من أصل نحو 120 تمتلكها روسيا، منها Tu-95 وهي قاذفة استراتيجية تستخدم في الهجمات بعيدة المدى، وTu-22 وهي قاذفة قادرة على ضرب أهداف برية وبحرية، وطائرات رادار من طراز إيه-50. أما الخسارة الأكبر فتتمثل في القاذفة Tu-160 الأسرع من الصوت، وقد تم تدمير طائرتين منها، وهو ما وصفه أحد المعلقين الأوكرانيين بأنه “خسارة لوحدتين من أندر الطائرات، كأنها أحصنة وحيدة القرن وسط القطيع”، خاصة أن الطائرات Tu-160 وTu-95 لم تعد تُنتج؛ مما يجعل استبدالها شبه مستحيل . من جهته، أعلن جهاز الأمن الأوكراني (SBU) أن الخسائر تُقدّر قيمتها الإجمالية بنحو 7 مليارات دولار .
ومن المرجح أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أسهمت في التخطيط لهذه العملية، بدافع الضغط على الرئيس الروسي للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب. ففي أغسطس 2023 تحدثت كاثلين هيكس، نائبة وزير الدفاع الأمريكي، في خطاب بعنوان “الحاجة الملحة إلى الابتكار”The Urgency to Innovate أمام الجمعية الوطنية للصناعة الدفاعية، عن ضرورة تطوير نظم ذكية غير مأهولة ورخيصة نسبياً يمكنها القيام بعمليات عسكرية تكتيكية، وفي خطابها أعلنت عن مبادرة أطلقت عليها اسم “المستنسخ” Replicator، وهي استراتيجية تسعى من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية لتطوير تقنيات تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن التضحية بها، يشمل ذلك أساطيل من الأسلحة والمعدات غير المأهولة والذكية والرخيصة نسبياً. وقد وصفت هيكس، هذه الأسلحة والمعدات بأنها “قابلة للتضحية”؛ بمعنى أنها يمكن أن تتعرض للتدمير دون التأثير في سلامة المهمة، ودون تكبد خسائر مالية باهظة، وهو ما حدث بالفعل في عملية شبكة العنكبوت، حيث تم إطلاق العشرات من الطائرات المسيرة رخيصة التكلفة للقيام بمهام انتحارية، مكبدة الروس خسائر كبيرة دون تحمل تكلفة مالية كبيرة.
تغير قواعد الحرب:
في المنظورات التقليدية، كان توازن القوى يُقاس بعدد الدبابات والمقاتلات وحجم الميزانيات العسكرية. أما اليوم، فإن الذكاء الاصطناعي يُدخل عاملاً نوعياً جديداً يتمثل في القدرة على إنشاء جيوش آلية من مركبات غير مأهولة رخيصة التكلفة، فضلاً عن قدراته الأخرى التي تتمثل في اتخاذ القرار الأسرع والأدق بناءً على تحليل لحظي للبيانات؛ مما يعني أن الجيوش الأصغر حجماً تستطيع أن تُعادل أو تتفوّق على قوى أكبر إذا امتلكت أنظمة ذكية لتحليل الحركة، والتوجيه، وتحديد الأهداف؛ أي إن توازن القوة لم يعد مرهوناً بمن يمتلك أكثر؛ بل بمن يفهم أسرع ويتصرف أذكى.
فلم تعد الأفضلية في التفوق النوعي وحده؛ بل بات العدد الكبير من الوسائل الذكية والمنخفضة الكلفة يشكل بحد ذاته سلاحاً نوعياً يعجز الخصم التقليدي أحياناً عن احتوائه، فتحولت المُسيرات إلى “صواريخ كروز” الطرف الضعيف، فهي رخيصة ومتوفرة بكثرة مقارنةً بنظم الدفاع الجوي الكفيلة بإسقاطها أو مقارنة بالأهداف القادرة على إصابتها، فإسقاط طائرة مسيّرة تجارية زهيدة الثمن لا يتعدى ثمنها بضعة آلاف من الدولارات باستخدام صاروخ باتريوت بقيمة 3.4 مليون دولار هو معركة استنزاف، وإن لم تسقط فهي قادرة على تخريب مقاتلات وقاذفات استراتيجية ثمنها عشرات الملايين من الدولارات.
هذا الاختلال الصارخ بين “تكلفة التهديد” و”تكلفة الرد عليه” يكشف عن معضلة استراتيجية لم تجد الجيوش الكبرى بعد حلاً جذرياً لها: كيف يمكن مواجهة سلاح بسيط ومنتشر، دون الإفراط في استخدام وسائل دفاع باهظة وغير مستدامة. ومن هنا، يتّضح أن الحرب لم تعد تُخاض فقط على أساس من يمتلك السلاح الأقوى؛ بل أيضاً على من يستطيع الإنهاك بأقل تكلفة وأكبر مرونة، وهو بالضبط ما يجعل الطائرات المسيّرة، حين تقترن بالخوارزميات، سلاح المرحلة المقبلة.
هذا التطور يُعيد تعريف مفهوم “التفوق” من خلال “الكم” و”الضخامة” إلى التفوق النوعي، فحينما يمتلك الخصم المزيد من السفن والمزيد من الصواريخ والمزيد من المقاتلين، في مقابل محدودية الأسلحة والأفراد التي يمتلكها الطرف الآخر؛ تصبح الأسلحة القابلة للتضحية في هذه الحالة فعالة أمام الكتل الضخمة مرتفعة التكلفة. وفي هذه الحالة تستطيع الجيوش الصغيرة زيادة فاعليتها وتأثيرها أمام الجيوش الضخمة عبر أدوات ذكية ورخيصة، وبالمثل تستطيع الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية أن تمتلك ميزة نسبية من خلال هذه التقنيات في مواجهة الجيوش النظامية؛ مما يغير من معادلة التفوق العسكري.
كما أن المفهوم التقليدي للردع تأثر أيضاً بتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ لم يعد بمقدور أي خصم أن يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تنفّذه وما هي قادرة عليه، فهي تقنيات مربكة لساحة المعركة ولأدوات القتال التقليدية، كما أنها قللت من فاعلية الردع التقليدي؛ لأنها جعلت كلفة الهجوم منخفضة، فحين تتاح وسائل الضرب بتكلفة زهيدة يصبح من السهل المبادرة فيسقط معها الردع؛ ومن ثم أصبحنا أمام بيئة ردعية جديدة، لم تعد تقوم على وضوح العقوبة؛ بل على ضبابية القدرة وتعدّد سيناريوهات التهديد، حيث الخوف لا يأتي مما نعرفه؛ بل مما لا نستطيع التنبؤ به.
وما حدث في عملية شبكة العنكبوت أثبت مفهوم “شبكية” الحرب؛ أي لامركزيتها، فمجموعة من المسيرات، التي قد يتم تجميعها محلياً، تتحكم فيها مجموعة من الخوارزميات، وتنطلق من شاحنات قد تكون ذاتية القيادة في مناطق متفرقة من الدولة، وتتوجه لضرب قواعد عسكرية شديدة التأمين أو حتى بنية تحتية حرجة أو اغتيال قادة سياسيين وعسكريين، دون الحاجة إلى وجود مقاتلين على الأرض أو إرسال صواريخ عبر الحدود، وبعد كل ذلك قد لا يتبنى هذه العملية أحد ويظل المتهم الرئيسي هو “الذكاء الاصطناعي”.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”