صحيفة البلاد:
2025-07-05@06:19:49 GMT

التربية بالحرمان

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

التربية بالحرمان

فكرة التربية القائمة على الحرمان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، تبدو فكرة بعيدة كل البعد عن واقع عالم اليوم ، وبدلاً من الحدّ من قدرة أطفالنا على الوصول إلى الأدوات الأساسية، ينبغي علينا أن نتبنّى المشهد المتطوِّر للتعليم ونزوّدهم بالمعارف والمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في مجتمع رقمي متزايد.

أذكر أنني كنت حاضراً في مجلس دار‏فيه نقاش بين الآباء حول أساليب التربية، وكان لكل واحد منهم أسلوبه الخاص في التربية ، وقد اشتدّ النقاش، عندما قال أحد الحاضرين إنه يمنع أولاده من إستخدام التقنية أوإقتناء الجوّالات بشكل قاطع ، وأنه يرى في سياسة الحرمان هذه، وسيلة جيدة للتربية ،وحمايةً لهم من أي مخاطر محتملة ، وضرب لنا مثلاً بنفسه وأصدقائه الذين من جيله!

هذا الرأي أثار حفيظة بعض الجالسين الذين استنكروه، ظناً منهم أن أسلوب الحرمان والمنع يقود إلى ‏تعّقيد الأبناء،والشعور بالنقص، ولا علاقة له بالتربية ، فممّا لا شك أن تأديب الأبناء وتربيتهم التربية الصحيحة ، من المسائل المهمة جداً في تكوين شخصية الطفل.

من منظور شخصي ،أرى أن سياسة الحرمان المطلق هذه ،غير مجدٍّية ،ولاسيما في الوقت الذي نعيشه اليوم. ففي العصر الرقمي ، أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا غنىً عنها في حياتنا ، فمنذ اللحظة التي نستيقظ فيها، نعتمد على أدواتها في التواصل والترفيه والتعليم.

‏لا أريد أن أتحدث هنا عن تمّكين الأطفال من التكنولوجيا في سن مبكِّر، لأن هذا الموضوع محل جدل حتى الآن،مثله في ذلك مثل سياسة المنع والحرمان كأسلوب تربية ، والتي هي بحاجة إلى نقاش أيضاً.

ولا التحدث عن حرمان الأطفال من الأمور المضرة مثل الدخان أو المخدرات ، أو الأمور التي تدمّر الجسم والعقل، فهذه تحريمها واجب، أمّا تحريم الأمور التي أصبحت من أجل الحرمان بالضرورة ، لا سبب واضح سوى أن الآباء لم يتعاملوا معها في سنهم ،فهو أمر خاطئ، على الأقل من وجهة نظري الخاصة .

لقد نسي من يتبنى مثل هذا الفكر ، قول الإمام علي بن أبي طالب:”لا تربّوا أبناءكم على ما أنتم عليه، فقد ولدوا لزمان غير زمانكم”، علماً بأن هناك من يرى أن تربية والده القاسية له كانت سبباً في نجاحه المهني أو تفوقه التعليمي، وعليه يجب أن يعرِّض أبناءه لذات المعاناه التي تعرَّض لها في صغره، ومنها الحرمان من بعض الأمور التي قد تبدو ضرورية، ظناً منه أن هذا يساعدهم على التفوق.

شخصياً لا أتبنّى هذا النهج ولا أشجِّع عليه ، فهذا الأب الذي قرّر أن يتخذ أسلوب أبيه في تربية أبنائه، يعلم علم اليقين أن أساليب التعليم تغيّرت ، وليست كما هي في زمن والده ، إذ دخلت فيها التكنولوجيا.
الكتاب المدرسي سوف ينقرض قريباً ،ويستبدل باللوح الإلكتروني “الآيباد”، و باستخدام التعلُّم الإلكتروني والتطبيقات التعليمية الأخرى ، يمكن للأبناء التعلُّم بالسرعة التي تناسبهم، واستكشاف مجموعة واسعة من المواضيع، والوصول إلى المعلومات التي قد لا تكون متاحة لهم بطريقة تقليدية قديمة.

أحد الآباء اكتشف أن إبنه أصبح محترفاً في الكمبيوتر لدرجة أن أصبح ماهراً في البرمجة، رغم أنه حُرم من إقتناء كمبيوتر أو جوّال ، باعتبارهما من المُلّهيات ومضّيعة للوقت ، إلا أن سياسة الحرمان قادته للتعلم سراً وإيجاد أي وسيلة للوصول إليهما دون أن يشعر والده بذلك.
إن فكرة التربية القائمة على الحرمان، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، تبدو بعيدة كل البعد عن واقع عالم اليوم ،وبدلاً من الحدّ من قدرة أطفالنا على الوصول إلى الأدوات الأساسية، ينبغي علينا أن نتبنّى المشهد المتطوِّر للتعليم ونزوّد أبناءنا وبناتنا بالمعارف والمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في مجتمع رقمي متزايد.
خلاصة القول إن عملية ‏التربية برّمتها، تكمن في المراقبة والتوجيه.

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

سياسة التجويع وفوضى سرقة المساعدات

 

بعد الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في ميدان المواجهة كان لا بد للاحتلال أن يبحث عن خيارات أخرى لضرب هذا الصمود وتهشيم كل عوامله في إطار السعي الممنهج لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وتركيعه ودفعه نحو الاستسلام، الأمر الذي دفعه لاستخدام (سلاح التجويع)، وهو من أشد الخيارات قسوة، ظنا منه بأن ذلك يمكن أن يؤدي لتحقيق أهداف الحرب المتدحرجة التي تتغير تبعا لمزاج صانع القرار داخل الكيان، والذي يجد من الحروب فرصة له للإفلات من الأزمات المركبة التي تحيط به “سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا”.

لكن العالم لم يصمت طويلا على هذه السياسة وبدأت جهات فاعلة على المستوى العالمي سواء كان ذلك (دولًا، أو منظمات) بممارسة ضغوط على الاحتلال ومطالبته بوقف هذه السياسة فورا باعتبارها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، صحيح أن هذه الخطوات لم ترق للمستوى المطلوب، وكانت في حدودها الدنيا، لكنها أثمرت بخلق نوع من الضغط، وهذا ما دفع العدو لإعادة فرض سياسة الجوع بطريقة أخرى يتم خلالها خداع العالم؛ بمعنى إيهام العالم بأنه يخفف من الوضع الإنساني ويدخل المساعدات لكنه في ذات الوقت يقوم بعكس ذلك تماما ويتخذ إجراءات تفاقم من الوضع الإنساني في غزة وتجعله في مستويات كارثية.

ويمكن فهم ملامح هذه السياسة الاحتلالية التي يمارسها، والتي تمثلت في:-

1/حجب دور المنظمات الدولية واتهام بعضها بالتعاون مع حركة حماس وشيطنة دورها.

2/ دعم مؤسسة غزة الإنسانية ” الأمريكية”، والتي تعمل وفق سياسة عسكرية بعيدة كل البعد عن أي عمل إغاثي أو إنساني، وتسببت بقتل عشرات الأشخاص بمساعدة من جيش الاحتلال أثناء انتظارهم تلقي المساعدات.

3/ استهداف عناصر تأمين المساعدات في مختلف المناطق وتمكين اللصوص من الاستيلاء عليها، ومنع وصولها لمخازن المؤسسات، ودفع اللصوص لاحتكارها لأغراض خاصة وبيعها للسكان في غزة بأسعار مرتفعة جدا.

صحيح أن بعض المحاولات نجحت وبنسب محدودة في تأمين دخول المساعدات لغزة والشمال تحت حماية ورعاية العشائر، لكن الاحتلال لا يريد لهذه المبادرات أن تنجح وسيتخذ خطوات مختلفة لإفشال تأمين المساعدات تحت ذرائع وحجج مختلفة وفي مقدمة ذلك أن حركة حماس تسيطر عليها، وهذه من أكبر وأهم الأكاذيب التي يتم تصديرها لتبرير سياسة الجوع في غزة، لذلك فإن الاحتلال سيستمر في خلق هذه الأزمات الإنسانية؛ لأنها مرتبطة بأهدافه السياسية التي يسعى لتحقيقها، ولن يستجيب لتحسين الواقع الإنساني إلا في إطار اتفاق شامل يتم فرضه من خلال المقاومة على طاولة المفاوضات.

لكن يبقى العتب كبيرا على كل المعنيين في هذا المجتمع وفي المقدمة من ذلك “الوجهاء والمخاتير في بعض العائلات الكبيرة والمؤثرة داخل المجتمع”، كيف تسمحون لأبنائكم أن يساهموا في تجويع سكان القطاع؟! وأن يتورطوا في خدمة السياسات التي يسعى الاحتلال لفرضها على السكان؟! كيف تنسون الجرائم التي ارتكبها هذا العدو بعوائلكم وقد دمر البيوت وقتل الأطفال والشيوخ والنساء منكم ولا يزال؟!، أليس منكم رجل رشيد؟! استفيقوا يرحمكم الله، فشعبنا الفلسطيني لن ينسى هذه المأساة، وسيلعن التاريخ كل من تلوث وتورط في تجويع شعبنا بأي صورة كانت.

 

* كاتب فلسطيني

 

 

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يسعى لاستعادة زمام الأمور في محور كردفان
  • أحمد الشرع: الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم
  • الرئيس الشرع: الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم الواحدة الموحدة
  • وزير الخارجية: سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري
  • مؤسس «أمهات مصر»: تباين الآراء حول كيمياء الثانوية العامة وسهولة الجغرافيا
  • أولياء الأمور: الكيمياء والجغرافيا من النماذج الاسترشادية للثانوية العامة بمطروح
  • سياسة التجويع وفوضى سرقة المساعدات
  • برج القوس .. حظك اليوم الخميس 3 يوليو 2025: استقرار عاطفي
  • أمير هشام: الأهلي يرفض فكرة التخلي عن إمام عاشور
  • راموس يعرب عن رضاه رغم الخسارة أمام دورتموند