صراخ “النخبة” المنفية من جهود السلام.. ياسين سعيد نعمان نموذج المعتاشين على الحرب
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
الجديد برس:
مع التحركات المكثفة التي شهدتها كلاً من اليمن والسعودية خلال الأيام القليلة الماضية والمستمرة حتى الآن، كانت النخبة اليمنية المنفية في الخارج (التي هربت وشكلت حكومة شكلية وعميلة للغرب اعترف بها المجتمع الدولي ممثلاً لليمن) والتي فقدت مصالحها بعد سقوط صنعاء بيد أنصار الثورة التي قادتها حركة أنصار الله ضد نظام عبدربه منصور هادي الذي كان يُقاد من حزب الإصلاح ويتحرك بموجب الإملاءات الصادرة من السفارة الأمريكية شرق صنعاء خلال الفترة 2012 – 2014، كانت هذه النخبة مُلزمة بموجب التوجيهات الصادرة من صانعي القرار في الرياض بالصمت وعدم الاعتراض على أي خطوة تقدم عليها السعودية.
لكن مع تقدم المباحثات بين صنعاء والرياض في جولتها الحالية والتي إن لم تنجح فستكون الأخيرة بلا شك، بدأت القوى والأطراف المحلية اليمنية التي يتواجد قادتها في الخارج منذ 2015، تفقد أعصابها ولم تعد تتمالك أنفاسها بسبب دنو رحيلها من المشهد السياسي إلى الأبد وفقدانها للمصالح التي حققتها ولا زالت بفعل تأييدها للحرب على بلادها مقابل حصولها على مكاسب مالية تصرفها لها اللجنة الخاصة السعودية.
من هذه الأصوات التي لم تتمكن من الالتزام بالتوجيهات السعودية، ياسين سعيد نعمان، الاشتراكي الذي انعجن وأصبح غارقاً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه في وحل كل غث وسمين من ثقافة الإمبريالية الغربية التي لا تقيم اعتباراً حتى للمقدسات الأخلاقية ولا لأي اعتبارات إنسانية سواءً في السلم أو في الحرب.
نعمان الذي خلع قناع الاشتراكية، للمرة الأولى منذ أن قبل أن يكون مجرد ديكور معارضة شكلية في نظام عفاش، كرر التخلي عن مبادئه (المزعومة) مرة أخرى عندما قبل أن يركب حزب الإصلاح (تنظيم الإخوان المسلمين) على ثورة شباب 11 فبراير التي انطلقت عام 2011 وكانت السبب في الإطاحة بنظام صالح أو على الأقل الإطاحة برأس النظام فقط مع بقاء صالح وحزبه شريكاً في السلطة بالنصف، ونعمان ذاته الذي ظل طوال حياته السياسية يحمل مبادئ النضال والكفاح ضد القوى الرجعية في الإقليم وعلى رأسها ممالك ودول النفط التي تمتص شعوب الأمة وتمارس هيمنتها ووصايتها على عدد من البلدان على رأسها اليمن، وتعتاش على العمالة للغرب الإمبريالي، هو ذاته الذي ما إن جاءت الفرصة لخروج اليمن من عباءة السعودية وقشع الوصاية على اليمن واليمنيين حتى سارع للارتماء في حضن الإمبريالية والرجعية.
اليوم نعمان من داخل العاصمة البريطانية لندن، يصرخ بأعلى صوته بأن السلام في اليمن على قاعدة مطالب صنعاء التي أصرت عليها وفرضت على المعتدي القبول بها وعلى رأسها رفع الوصاية الخارجية (أي وصاية) على اليمن وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، يصرخ بأنه ليس سلاماً وإنما اعترافاً بما يسميه (الانقلاب).
لا يعترف نعمان وغيره من القوى اليسارية المزيّفة التي هربت في 2015 إلى الغرب وارتمت في حضن الرجعية لتشرعن لها انتهاك اليمن وما تبقى من سيادة على مياهه وجزره وأراضيه وحدوده، بأن ما حدث في اليمن في سبتمبر 2014 ثورة شعبية طاغية وشرعية، ثورة حقيقية انتفضت ضد من تآمروا على ثورة 11 فبراير وانقلبوا عليها وذهبوا لتقاسم السلطة الشكلية في اليمن حينها مع نظام عفاش ويا ليتها كانت سلطة ذات سيادة بل كانت مسلوبة السيادة كلياً وكان السفير الأمريكي من صنعاء يحركهم جميعاً بالهاتف.
كانت معارضة نظام صالح، معارضة شكلية، فالجميع كانوا يستلمون من اللجنة السعودية الخاصة، والجميع أيضاً من تنظيمات (المعارضين الكبار) كانوا يستلمون حتى من علي عبدالله صالح، لأنهم كانوا يؤدون دوراً وظيفياً، وما فعلوه في 2011 إلى جانب أنه انقلاب على ثورة فبراير كان أيضاً انقلاباً على شريكهم علي عبدالله صالح، فلماذا يصر نعمان على أن انقلابهم ثورة، بينما ما حدث في 2014 كان انقلاباً؟.
اليوم ينادي نعمان ويصرخ بأن السلام الذي “يُطبخ بين صنعاء والرياض”، ليس سلاماً وأن السلام المطلوب هو أن يعود اليمنيون إلى مربع الصراع الذي كان دائراً في 2014 مستنداً في مطالبه إلى ما يسمونه المرجعيات الثلاث التي كانت رأس البلاء والوباء الذي حل باليمن على مدى سنوات الحرب التسع الماضية.
المصدر: الجديد برس
إقرأ أيضاً:
محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
محمد كبسور
محمد محيي الدين، مبدع سوداني متعدّد، ورائد من رواد التجديد في الشعر الحديث. قاص وروائي ومسرحي وصاحب ملكات أدبية رفيعة، له إسهامات مقدّرة في الشعر والمسرح والسيناريو والأفلام القصيرة. تميّزت كتابته بمخزون تاريخي وقراءة في الواقع السوداني المعاصر.
من أوائل الذين درسوا بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح، وتخصص في الدراسات النقدية. عمل في مجال التعليم. غاب عن الوطن لفترة وعاد ليواصل اسهاماته الأدبية والفنية بمدينة ود مدني والتي استقر فيها حتي لحظة وفاته صباح الثلاثاء 26 مايو 2015م.
محمد محيي الدين من مؤسسي رابطة الجزيرة للآداب والفنون والتي عملت على اثراء الساحة الثقافية في الثمانينات والتسعينات بمعية رابطة سنار الأدبية ورابطة اولوس ورابطة أبناء دارفور ونهر عطبرة الأدبية.
كان مشاركاً في كثير من المنتديات والمهرجانات العربية والسودانية. وكانت آخر مشاركاته في لجنة تحكيم جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في محور الشعر.
يعتبر محمد محيي الدين من الأدباء الذين برزوا في السبعينيات وحاولوا التمرد على قيود و بناء قصيدة الستينيات. وهو من أوائل الذين كتبوا قصيدة التدوير، و وسم ببصمته جيلاً كاملاً بمدرسته التجريبية الشعرية والمسرحية. التقط التيارات السابحة في الهواء عاملاً على تحريك الساكن الإبداعي، وبذل مجهوداً كبيراً في تبني المواهب الشابة وفي تقديم خبرته لها، وتحلّقت أجيال كثيرة حوله فرفدها بمعارفه المختلفة.
نادَى محمد محيي الدين بكتابة القصيدة المفتوحة التي تستفيد من تقنيات السينما والحوار والنثر، وشكّل بذلك تياراً شعرياً رائداً في الكتابة التجريبية. ويمتلك محمد محي الدين القدرة علي اختصار تجارب شعرية وسردية عديدة داخل النص الواحد.
ولعل أعماله التي اطلت علي الجمهور مثل ديوان “الرحيل على صوت فاطمة” ومجموعة “عشر لوحات للمدينة وهي تخرج من النهر” أو تلك التي كانت في انتظار النشر مثل مجموعة “اتكاءة على سحابة وردية” هي التي وضعت محمد محي الدين ضمن الشعراء المميزين بالسودان.
كما أن قصائده التي تناولها بعض من المغنين المجدّدين، قد سلطت الضوء علي تجربته خصوصاً وسط الأجيال الجديدة، مثل قصيدة “المناديل الوضيئة” التي لحنها وغنّاها الفنان الراحل مصطفي سيد أحمد، و”مطر الليل” التي صدرت من ضمن ألبوم غنائي للفنانة ياسمين ابراهيم.
تجربة محمد محيي الدين المسرحية تجربة ثرّة دعمها بالدراسة في المعهد العالي للموسيقى والمسرح. ويعد محي الدين من مؤسسي مسرح الشارع، حيث عرضت مسرحياته في الشوارع السودانية في كثير من المدن. ويتداخل الشعر والمسرح في عالم محمد محي الدين، فبقدر ما يكون هو شاعراً متفجراً في اللغة والصورة الشعرية والبناء المعماري للقصيدة، يكون أيضاً كاتباً مسرحياً يسعى إلى ذلك مستفيداً من شاعريته “وفق وصف الشاعر يحي فضل الله”.
ولمحمد محيي الدين العديد من الدراسات عن المسرح نُشرت بالملاحق الثقافية بالصحف ومجلة الثقافة السودانية. وعلي أيام وجوده بالمعهد كان عضواً فعالاً في جماعة السديم المسرحية.
وفي بحثه عن التجريب، قدم محمد محيي الدين مسرحية “ضو البيت” اقتباساً عن رواية الكاتب الراحل الطيب صالح. وعرضت المسرحية عام 1985 بمسرح قاعة الصداقة وقدمتها جماعة السديم المسرحية والتي عرضت له أيضاً مسرحية “مطر الليل” ومسرحية “الرجل الذي صمت” ومسرحية “القطر صفر” ومسرحية “من كي لي كي” ومسرحية “القنبلة والعصفور” كما له مسرحية عن الشيخ فرح ودتكتوك. ومارس محمد محي الدين تجربة الإخراج المسرحي داخل جماعة السديم عبر إخراجه لمسرحيته “هبوط الجراد”.
وفي الكتابة للمسرح مارس محمد محيي الدين أيضاً التأليف المستند على نصوص كتاب آخرين، وأعد كثيرا من المسرحيات العربية مثل مسرحية “أنت قتلت الوحش” للكاتب المصري الشهير علي سالم، ومسرحية “اللغز” وهي إعادة كتابة للمسرحية المعروفة (أوديب ملكاً) لنفس الكاتب، وقام محمد محي الدين بسودنتها (العيش). كما قدّم مسرحية “الرحلة، موت بالجملة”، وهذا النص سودنة لمسرحية الكاتب العبثي الفرنسي (يوجين يونسكو) (ليلة القتلة).
يقول محمد محيي الدين عن علاقة الشعر بالمسرح، “يمكن الإستفادة من الشعر في تطوُّر شكل الكتابة المسرحية ولكن يجب أن يتم ذلك بدون تعمُّد، أي لايمكن لمجرد أنك شاعر أن تكتب مسرحية. فالعملية الفنية هنا تخضع في المقام الأول لمعرفتك بفن المسرح معرفةً توازي معرفة أن تكتب قصيدة، كما أني أرى أنه يمكن أن يتطوّر شكل القصيدة بالإستفادة من المسرح، بل من الموروث من الأشكال الفنية الأخرى من (كولاج، فلاش باك، طرق ووسائل المونتاج الزماني والمكاني)”.
ويقول محمد محيي الدين “تجدني أمزج بين المسرح والشعر وأحيانا القصة، ولي مجموعة قصصية بعنوان «الرجوع إلى ضاحية المطر» فقدتها ، على كل ، إنها وسائلي وأدواتي في تعرية القبح وجعل هذا العالم أجمل ما أمكن ذلك”.
انحاز محمد محيي الدين للقصة بشكل كبير، وكان يري أن تجارب كتابة القصة في السودان في تطوّر أكيد برغم حالة الإنكار التي صاحبته.
وفي كتاباته القصصية استخدم الأسطورة والفنتازيا ممزوجة بالثقافة الشعبية السودانية في إطار حداثي لامس القصة العربية في تطور بنائها من حيث استخدام اللغة الموحية بدلالاتها وحوارها.
وعرف عن محمد محيي الدين الصراحة خصوصاً في ابداء الرأي حول كل ما يخص التجارب الأدبية والفنية.
وكثيراً ما كان ينتقد صمت وغياب الكُتاب الذين لديهم عطاء عميق وينتقد عزوفهم عن النشر، وينتقد الأثر السالب لذاك الغياب علي تواصل الأجيال. وكان يري أن انقطاع التواصل بين المبدعين الشباب والأجيال التي سبقتهم، أدى إلى انغلاق منتجات الشباب على التجارب الذاتية، فتمحورت حول الانفتاح على الثقافة العربية والافريقية والعالمية دون أن تلتقي كل الحلقات ما بين الثقافة المحلية والعالمية والعربية والافريقية. وكان يري ان التجربة الابداعية هى اتصال وليس انقطاع، وأن التجديد ليس في هدم التراث وليس في انقطاع تواصل التجارب الابداعية، التجديد في كشف عناصر الجِدّة في الواقع.
ولد الشاعر والكاتب والمخرج المسرحي محمد محيي الدين في مدينة ود مدني في العام 1952م.
و رحل في 26 مايو 2015 إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز 63 عاما. وشيع الشاعر الراحل في موكب مهيب إلى مقابر ود مدني.
له الرحمة و المغفرة.
الوسومالتعليم السودان الشاعر محمد محيي الدين المعهد العالي للموسيقي والمسرح رابطة أبناء دارفور رابطة الجزيرة للآداب والفنون رابطة اولوس رابطة سنار الأدبية محمد كبسور نهر عطبرة الأدبية