حيدر بن علي العجمي

الفساد والنزاهة كلمتان متضادتان في المعنى؛ فالفساد هدّام للمجتمع وقيمه ومُعوقٌ للتنمية والاقتصاد والنزاهة بنّاءة له تحمي حقوق الأفراد وتصون مقدرات الأوطان وتقطع سبل الفساد من جذورها، وحرصاً من الحكومة مُمثلة بجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة على تعزيز الجهود المبذولة للمساهمة في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد والجهات الحكومية المعنية بما يتوافق مع رؤية "عُمان 2040" التي عكست الإرادة الجادة والطموحة لبناء مُستقبل مشرق لهذا الوطن؛ فقد تم اعتماد الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة والممتدة خلال الأعوام (2022- 2030)؛ لتتواصل بذلك جهود السلطنة بمختلف القطاعات المعنية بالحفاظ على المال العام، من خلال رفع الوعي بأهمية النزاهة، والشفافية، والمساءلة، وتطبيق الاتجاهات الحديثة.

وبإطلاق الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة نحن أمام صفحة جديدة من صفحات النزاهة والشفافية بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم -حفظه الله ورعاه- وهي خطوة من عدة خطوات تتكامل مع الجهود المبذولة من قبل المعنيين بجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بالشراكة مع الأطراف ذات الصلة بالحكومة من أجل تحقيق المصلحة العليا.

إن الوصول إلى بناء منظومة النزاهة في العمل العام والخاص؛ هو الهدف الأساسي لبناء قطاعات فعالة تحظى باحترام الأفراد؛ إذ يُمكن من خلال هذه المنظومة توحيد الجهود لتعزيز النزاهة وإرساء مبادئ الشفافية ونظم المساءلة، ومن هنا نرى أن الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة ارتكزت على أربعة مبادئ أساسية وهي: النزاهة من خلال انتهاج مبادئها وأفضل مُمارساتها تجاه المال العام، والشفافية وهي بدورها تعبر عن إفصاح مؤسسي يستند إلى أفضل معايير الدقة والملاءمة، والمساءلة والمحاسبة عبر قوانين وإجراءات تكفل تفعيلها، والشراكة التي تقوم على تكاتف فاعل من جميع الأطراف ذات العلاقة.

تتضح جهود الحكومة الرشيدة لنا جلياً في تعزيز النزاهة، وابتداء من تكليف جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة للقيام بمهمة متابعة وتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حرصت السلطنة على المشاركة في جميع المحافل والمناشط الدولية منها والإقليمية؛ حيث تهدف هذه المشاركات إلى مساعدة الدول الأطراف على التنفيذ والتزود بآليات لتقييم الجهود في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، وتسليط الضوء على الممارسات الجيدة والناجحة، وتحديد الثغرات ووضع خطط عمل لتعزيز تنفيذ إستراتيجيات تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد على الصعيد المحلي.

وقد تم استعراض تنفيذ السلطنة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عدد من دورات الاستعراض وقد أشارت نتائج هذا الاستعراض إلى عدد من الجوانب الإيجابية، والتي تعتبر بمثابة إشادة دولية لجهود سلطنة عُمان في مكافحة الفساد.

ومنذ انضمام سلطنة عُمان لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بموجب المرسوم السلطاني رقم (64/ 2013)، وجهود جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة متواصلة والذي ما فتئ يدعم مسيرة التنمية بالسلطنة عبر تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وذلك بتشكيل فرق العمل والشراكة مع كافة مؤسسات الدولة العامة والخاصة وكذلك المجتمع المدني.

وسوف يقوم الجهاز بمتابعة تنفيذ الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة، والتي تعتبر بمثابة خارطة الطريق للعمل الوطني والتكامل المؤسسي في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، ويأتي إعداد الخطة في إطار حرص الحكومة على تبني أفضل الممارسات الدولية بمجال تعزيز النزاهة، وذلك بهدف تعزيز التدابير الرامية لمكافحة الفساد، وتعزيز الكفاءة في استخدام الموارد، وتجسيد قيم العمل المؤسسي لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، وتحقيق الردع العام والرقابة الوقائية، إضافة الى عمل الجهاز على الجانب التوعوي والمتمثل في تنفيذ البرامج الإذاعية والتلفزيونية، فضلاً عن تنفيذ العديد من الندوات التوعوية لكافة الجهات المشمولة برقابته والمؤسسات التعليمية ونشر المحتوى الرقابي التوعوي بجميع وسائل التواصل الاجتماعي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الفساد والاقتصاد والتهميش.. 3 عوامل أشعلت احتجاجات جنوب آسيا

اجتاحت موجة من الاضطرابات السياسية جنوب آسيا، مدفوعة بسخط شعبي واسع تجاه الفساد والتدهور الاقتصادي وتهميش الشباب، مما أدى إلى تغييرات قيادية غير مسبوقة ومطالب متزايدة بالإصلاح والمساءلة الديمقراطية.

وتمثّلت أبرز هذه الاحتجاجات في نيبال، والتي بدأت على إثر حظر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يغذيها الغضب الشعبي من الفساد والمعاناة الاقتصادية وانعدام المساواة، وتكللت باستقالة رئيس الوزراء كيه بي شارما أولي في سبتمبر/أيلول، مما مهّد الطريق أمام قيادة مؤقتة دعت إلى انتخابات جديدة في مارس/آذار 2026.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مايكروسوفت تحذر: القراصنة تسرق رواتب موظفيكم عبر هذه الثغرةlist 2 of 2اتهام نائب ألماني سابق بالاحتيالend of list

ونشر موقع "ستراتفور" الأميركي تقريرا للكاتبة ميشا إقب، سلط الضوء على هذه الاحتجاجات، مشيرا إلى أنها تعكس اتجاهات إقليمية أوسع نطاقا، إذ شهد جنوب آسيا خلال السنوات الخمس الماضية موجات من الحراك السياسي أعادت تشكيل موازين القوى وأنماط الحكم.

ففي أغسطس/آب 2024، أدت احتجاجات جماهيرية في بنغلاديش، بدأت بسبب المحسوبية في التوظيف الحكومي وتوسعت لتشمل الفساد وقمع المعارضة وغلاء المعيشة، إلى استقالة رئيسة الوزراء المخضرمة الشيخة حسينة واجد. وتستعد حكومة مؤقتة حاليا لإجراء انتخابات في فبراير/شباط 2026.

وفي سريلانكا، أجبرت احتجاجات واسعة عام 2022 على خلفية الانهيار الاقتصادي ونقص الوقود وارتفاع التضخم، الرئيس غوتابايا راجاباكسا على الاستقالة والفرار من البلاد.

وأشارت الكاتبة إلى أن الهند وباكستان، رغم تجنبهما الثورات الشعبية، شهدتا تحولات انتخابية غير مسبوقة. ففي انتخابات باكستان عام 2024، تمكّن حزب "حركة إنصاف" المعارض من حصد 31% من الأصوات متفوقا على الحزب الحاكم بدعم الشباب واستياء عام من النخبة السياسية. وفي الهند، خسر حزب "بهاراتيا جاناتا" أغلبيته لأول مرة منذ عقد بسبب تراجع شعبيته وارتفاع البطالة وتصاعد نفوذ المعارضة.

إعلان

وقالت الكاتبة إن تصاعد الحركات الشبابية المناهضة للنخب التقليدية في جنوب آسيا يشير إلى أن التحولات السياسية في المنطقة لم تُحسم بعد. ومع ضعف هياكل السلطة التقليدية، تظهر قوى سياسية جديدة، ما يضع الحكومات تحت ضغط متزايد لإثبات التزامها بالمحاسبة الديمقراطية وتحقيق مكاسب اقتصادية رغم القيود المالية، مما يزيد من احتمالات تقلب السياسات وتفاوت توزيع الفوائد.

عوامل اشتعال الاضطرابات

ثمة عدة عوامل مشتركة تربط بين احتجاجات جنوب آسيا، أبرزها:

1- الإحباط من النخب الحاكمة والسياسات التقليدية:

ففي باكستان ونيبال، لم يُكمل أي رئيس وزراء فترة حكمه، ما يعكس هشاشة النظام السياسي وتنافُسه المزمن، ويؤدي إلى اضطراب مستمر في الحكم، ويُشعر المواطنين بأن البقاء السياسي أهم من معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

ورغم تراجع الاحتجاجات في باكستان نسبيا بفضل تحسن اقتصادي محدود وقمع شديد للمعارضة، تبقى المخاطر مرتفعة بسبب سجن رئيس الوزراء السابق عمران خان، الذي صعد بدعم شعبي غاضب من عقود من الحكم المدعوم عسكريا والنخب السياسية.

وفي حالات أخرى، نشأت الاضطرابات من حكم طويل للنخبة ذاتها. ففي سريلانكا، هيمنت عائلة راجاباكسا على السياسة لما يقرب من عقدين من الزمن، وجنت الثروات على حساب مؤسسات الدولة.

وفي بنغلاديش، حكمت حسينة واجد منذ 2009، حيث سيطرت على السلطة وقمعت المعارضة، ما أدى إلى سقوط حكومتها. أما في باكستان، فتناوبت السيطرة على الحكومة بين العائلات الحاكمة مثل الشريف وبوتو، بينما بقيت السلطة الفعلية في يد الجيش.

2- التدهور الاقتصادي:

فقد كانت الاقتصادات الهشة التي تعاني من الفساد والبطالة وسوء الإدارة من الأسباب الرئيسية للاضطرابات الشعبية في جنوب آسيا. وتخضع بنغلاديش وسريلانكا وباكستان لبرامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي، تتطلب إجراءات تقشفية غير شعبية زادت من غضب المواطنين.

وتعاني المنطقة من تضخم مرتفع وبطالة شبابية وفقر متجذر وفساد واسع الانتشار. ففي سريلانكا، استنزفت الأزمة الاقتصادية الاحتياطي الأجنبي، ما أدى إلى نقص في الواردات الأساسية، وارتفاع أسعار الغذاء، ونقص الوقود، وفقدان الوظائف.

وتعاني بنغلاديش تضخما بنسبة 9%، وبطالة مستمرة، وفضائح فساد متزايدة. أما باكستان، فتعاني منذ سنوات من التضخم وتدهور العملة والعجز المالي ونقص الطاقة، مما أدى إلى استمرار الغضب.

وكشفت الانتفاضة الأخيرة في نيبال عن اعتمادها الكبير على تحويلات المغتربين، التي تشكل أكثر من ربع الناتج المحلي، ما يُخفي ضعف خلق الوظائف داخليا ويجعل الاقتصاد عرضة للصدمات الخارجية، في ظل اضطرابات سياسية وكوارث طبيعية متكررة.

ورغم أن الهند حققت نُموا إجماليا، فإنها تعاني من البطالة الريفية والتضخم وفجوات متزايدة بين المناطق الحضرية والريفية، ما أدى إلى تأجيج الاضطرابات وتعزيز تحالفات المعارضة.

3- وسائل التواصل الاجتماعي:

أتاحت وسائل التواصل للشباب في جنوب آسيا تجاوز الرقابة على الإعلام التقليدي وتنظيم احتجاجات جماهيرية. ففي نيبال، حوّل الشباب الغضب الإلكتروني إلى تعبئة ميدانية رغم الحظر الحكومي للمنصات، بينما استخدم طلاب بنغلاديش المنصات الرقمية لكشف الفساد وتوثيق القمع وتنظيم إضرابات رغم القوانين القمعية.

إعلان

وفي سريلانكا، أقام الشباب مخيما احتجاجيا استمر رغم محاولات تقييد الإنترنت. أما في الهند، فقاد الشباب حملات سلمية للتوعية بقضايا مثل البطالة والفساد والمناخ. وحاول أنصار حزب إنصاف في باكستان تحدي هيمنة النخبة، لكن سلطة الجيش حالت دون انتفاضات واسعة.

وأشارت الكاتبة إلى أن الغضب من السياسة والاقتصاد شكّل شرارة أشعلتها وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تعبئة جماهيرية وتغيير سياسي. وتحوّلت هذه المظالم إلى دوافع للإصلاح، عبر جهود لمكافحة الفساد وإعادة بناء المؤسسات المستقلة.

وتقود بنغلاديش هذه الموجة، حيث تعمل الحكومة المؤقتة على استعادة النزاهة المؤسسية وإقصاء حلفاء حسينة، وتسعى لتعديل الدستور للحد من سلطات رئيس الوزراء ومنع حكم الفرد الواحد.

ولا تزال النيبال في المراحل الأولى من انتقال مماثل، حيث تستجيب القيادة المؤقتة لمطالب شعبية بإصلاحات ديمقراطية.

وفي سريلانكا، بدأ الرئيس أنورا كومارا ديساناياكي، المنتخب في سبتمبر/أيلول 2024 على أساس برنامج مكافحة الفساد، بتنفيذ إصلاحات تشمل إلغاء امتيازات الدولة للرؤساء السابقين وزوجاتهم، مثل السكن والمعاشات والنقل والدعم الإداري.

مستقبل التعبئة السياسية في جنوب آسيا

وأوضحت الكاتبة أن عدم الاستقرار سيبقى سمة دائمة في السياسة في جنوب آسيا. ورغم أن النخب التقليدية والقيادات الوراثية ستواجه ضغوطا متزايدة للحكم بمزيد من الشفافية، فإن إزاحتها لا يعني زوال المخاطر.

فإعادة تشكيل التحالفات السياسية وصعود فاعلين جدد، مثل مجموعات الطلاب في بنغلاديش ونيبال، يفتح الباب أمام استقطابات جديدة، وتذبذب في السياسات، واحتكاكات مجتمعية أوسع، مع تنافس القوى الجديدة والقديمة على النفوذ.

ومن المرجح أن يحد العجز المالي والقيود الاقتصادية من قدرة الحكومات على الوفاء بوعودها، وهو ما سيؤدي إلى عدم تلبية توقعات الجمهور.

وفي المقابل، من المرجح أن تُسرّع هذه الحركات جهود إصلاح المؤسسات وتفكيك الهياكل السياسية ولامركزية السلطة، لضمان ألا يعتمد القادة المستقبليون على شبكات المحسوبية. وقد بدأت هذه العملية بالفعل في بنغلاديش، وألهمت مطالب مماثلة في نيبال، حيث يطالب المواطنون بقيادة جديدة وإقصاء الفاسدين.

واختتمت الكاتبة بالإشارة إلى أن هذه الاتجاهات تشير إلى دخول جنوب آسيا مرحلة من التنافس على السلطة ومشاركة شعبية أوسع، مع آثار طويلة الأمد على الحوكمة والسياسات والتماسك الاجتماعي.

وفي حين أن نتائج هذه العمليات لا تزال غير مؤكدة، فإن ما هو مؤكد هو أن المنطقة ستستمر في مواجهة تحديات شديدة، بما في ذلك المصالح السياسية المتنافسة، وتغير هياكل السلطة، والضغوط الاقتصادية مما يعني أن الثورات الأخيرة لا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها نهاية عملية ما، بل مجرد فصول جديدة في مستقبل متنازع عليه وربما متقلب.

مقالات مشابهة

  • السيدة عون تبحث مع GIZ تعزيز دور المرأة ومكافحة العنف في لبنان
  • الصدر يعلق على 78 مرشحا خالفوا أوامره: قاطعوهم.. يريدون تقوية مشروع الفساد
  • حبس عضو سابق في لجنة إعانة مرضى الأورام بتهمة الفساد
  • الفساد والاقتصاد والتهميش.. 3 عوامل أشعلت احتجاجات جنوب آسيا
  • وزير المعادن يترأس اجتماع مناقشة الخطة الاستراتيجية لتأمين المعادن ومكافحة التهريب
  • ندوة بمحافظة مسندم تناقش دور العمل التطوعي في تعزيز الهوية الوطنية
  • انطلاق ملتقى «قادة الغد» لتعزيز وعي الشباب وبناء الشخصية الوطنية
  • النقد الدولي يدعو سريلانكا لتعزيز مكافحة الفساد
  • أرقام مرعبة.. كيف يهدد المال السياسي نزاهة انتخابات العراق؟
  • المشاط: الشراكات الدولية محور رئيسي بـ «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية» لتعزيز الاستثمارات