دريان في رسالة المولد النبوي الشريف: لا تغيير في النظام اللبناني
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف. وفي رسالته، أشار المفتي الى أن "الحراك الداخلي هو الأساس في إنجاز الاستحقاق الرئاسي والحراك الخارجي عامل مساعد وداعم وهذا يعني أنّ على الكتل النيابية أن تتحمّل مسؤولياتها التاريخية"، مضيفاً: "السياسيون لا يقومون بمسؤولياتهم الأولى في انتخاب رئيس للدولة ولا بمسؤولياتهم تجاه فراغ المؤسسات والمرافق وإفراغها ولا بالتوقف عن تعطيل المسار القضائي في تفجير مرفأ بيروت ويتهرّبون من مسؤولياتهم الكبرى".
كما أكد أن "اتفاق الطائف سيبقى الضامن للشراكة الاسلامية- المسيحية ولا مكان أبداً للطروحات التي تمزق الوطن وتفرق اللبنانيين".
في ما يلي نص الرسالة:
"أيها المسلمون، تحل علينا في شهر ربيع الأول من كل عام، الذكرى العطرة ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي ذكرى غالية وعزيزة على قلب وعقل كل عربي ومسلم، ويحتفي بها المسلمون، وتحوطها إشراقات الفرح والسعادة، والبهجة والحبور ، بقدر ما يجل المسلمون نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه، النبي الرسول، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وتركنا صلوات الله وسلامه عليه، على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يضل عنها إلا هالك، إلى يوم تشرق الأرض بنور ربها.
نستحضر اليوم مولد النبي الخاتم، صلوات الله وسلامه عليه، النبي المبعوث رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، نبي الإيمان والعدالة وإنسانية الإنسان ، ومسؤولياته في الاستخلاف والعمران والعمل الصالح . ولو تأملنا السور المكية الأولى، لوجدناها تقوم على ثلاثة أركان : الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والعدالة والانتظام في أفكار الناس وأعمالهم ومعاملاتهم في المجتمعات. والواقع أن هذا الركن الثالث: ركن العدالة الاجتماعية، سيكون مع الإيمان، هو مناط الحساب يوم القيامة.
هذه هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، التي نستحضرها في يوم مولده. ولأن العرب انتظروا طويلا، والإنسانية انتظرت طويلا؛ فإن المسلمين أقبلوا منذ مئات السنين، على الاحتفال بيوم المولد، باعتباره هو الذي حمل تلك الآمال، وتلك التوقعات بإدارة الأمور إلى نصابها ، في عالم بني البشر، فهو عليه الصلاة والسلام، البشير والنذير، والبديل للواقع الذي كان قائما.
في الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى : ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ ، آية تتكرر عشرات المرات في السور القرآنية . وهذه هي الأمانة التي تحدث عنها القرآن الكريم في قوله: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾. فالإيمان يقترن بالعقل، والعقل الإنساني في رعايته لمقتضيات الاستخلاف والمصالح ، يسير في مسار العمل الصالح، الذي اعتبره القرآن هو المعروف ، كما اعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي الرسالة الأولى للمسلمين في هذا العالم . بمعنى أن القرآن الكريم ، أرادنا أن نكون ضمير العالم ، وأن نؤدي بذلك الشهادة ، وهي حاضرة في رسالات ودعوات الأنبياء: قال تعالى: ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون﴾.
هذه هي الرسالة التي أصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، في وجه خصوم الدعوة في بدايتها عندما قال: (والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته).
في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجتمع لدينا إذا المعاني التي التقت عليها دعوته ورسالته، وهي معاني الإيمان والمسؤولية والعدل، والمعروف، والبناء والعمران، بل إن القرآن الكريم، وعندما يتحدث عن وحدة الدين، يقول: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ ؛ أي إن التنافس لا يكون إلا في الخير، وعلى الخير والبر والقسط. فكما اتفقتم في الأصو ، ينبغي أن تتضامنوا في الفروع ، والمتصلة بالعيش معا، وبالعمل معا، وهذا هو المعروف الذي يريده الله سبحانه وتعالى للناس.
نعم أيها الأكارم: نحتفي في هذه الأيام بمولد رسول الله صلوات ربي وسلامه علبه ، تعبيرا عن الحب والتقدير، ورعاية الجميل ، والشكر على ما دعانا إليه صلوات الله وسلامه عليه، من الإيمان والخير، وصالح الأخلاق، وطهارة السيرة ، واستقامة المسار.
ولد محمد بن عبد الله يتيم الأب، وفقد والدته طفلا صغيرا، ثم جده لأبيه الذي كفل حفيده ورعاه لسنوات قليلة أيضا. ولذلك، عندما نذكره صلوات الله وسلامه عليه، نذكر أطفالنا وواجباتنا نحوهم، ونتذكر مشاعر العطف والحنان، التي كان عليه الصلاة والسلام يحوط بها كل الأطفال، ويدعو أصحابه للعناية بأطفالهم بنات وبنين. ونحن نعرف من خلال القرآن الكريم الخطاب الإلهي عن الطفولة، وعن رعاية اليتامى، وعن البر من جانب الأبناء بالأمهات والآباء.
في ذكرى مولد نبي الرحمة، نتذكر حرصه على الأسرة وتماسكها وعن الطفولة وحقوقها، ومن ذلك، ما يذكره القرآن الكريم عن حق الرضاع، وما يذكره الرسول عليه الصلاة والسلام من حقوق التسمية للمولودين والمولودات بأحسن الأسماء.
عندما نذكر هذا كله عن الرسول الأكرم، فلأنه كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، وكما جاء في القرآن أيضا: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). ولنستمع إلى القرآن الكريم، وهو يحدثنا عن أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وخصائص تعامله مع الناس من حوله: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾. أخلاقه العزة والإعزاز، وتجنيب الناس المشاق ، والرأفة والرحمة في كل الأحوال.
لهذا كله: وللرسالة الكبرى التي حملها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه إلينا وإلى العالم، وهي رسالة القرآن والإسلام، وصنع الخير والمعروف لكل الناس، ومع كل الناس، فنحن نحتفي بمولده، كما نحتفي بهجرته التي بشرت بقيام الأمة، ونصرة الدين. ومرة أخرى: تعالوا نستمع إليه وهو يخاطب جموع الحجيج في حجة الوداع: (أيها الناس، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم. وإن كل ربا موضوع. واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم... واسمعوا قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد!)
دعوة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي تيتم طفلا، وعانى العزلة والعذاب من بني قومه، لدعوة التوحيد التي حملها إلى الناس.
محمد وفي ختام حياته المباركة، يقول في حجة الوداع بالمساواة بين الناس في الإنسانية، وبالكرامة، وبحرمة الدم والمال، وكرامة النساء كالرجال، لأنهن شقائق الرجال. والتعامل بالمعروف والبر والقسط مع كل الناس، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين﴾.
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون،
في ذكرى المولد النبوي الشريف، نحن نقابل دعوة السلم والكرامة، والأخلاق السامية، أخلاق البر والقسط، بالتزامها في ما بيننا، ومع مواطنينا، ومع كل الناس الذين لا يمارسون علينا الإكراه في أوطاننا، أو ديننا.
إن الأوضاع السائدة في وطننا منذ سنوات، لا تدل على أي التزام أخلاقي من أي نوع، من جانب كثير من المسؤولين السياسيين والإداريين. فالسياسيون لا يقومون خلال ما يقارب العام بمسؤوليتهم الأولى، في انتخاب رئيس للدولة، ولا بمسؤولياتهم تجاه فراغ المؤسسات والمرافق وإفراغها، ولا بالتوقف عن تعطيل المسار القضائي في تفجير مرفأ بيروت. ويتهربون من مسؤولياتهم الكبرى عما وصلت إليه أوضاع المواطنين الاقتصادية والاجتماعية.
إن المبادرات الخارجية من الدول الشقيقة والصديقة، لحل الأزمة اللبنانية، هي عامل خير وحلحلة للعقد والعقبات. والإصرار والعزيمة لإنجاح أي مبادرة، هو هدف أصحاب المبادرات، بمساعيهم الطيبة، لن تذهب هدرا بإذن الله، مهما واجهتهم عراقيل بعض السياسيين ، الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب والوطن.
والحراك الداخلي هو الأساس في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، والحراك الخارجي هو عامل مساعد وداعم، وهذا يعني أن على القوى السياسية والكتل النيابية، أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية أمام الله والوطن والناس، وينبغي على اللبنانيين التقاط الفرص التي تقدم لهم، فالفرصة لا تعوض إذا لم نحسن التعامل معها، على أساس مصلحة الوطن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، والاستحقاق الرئاسي سيحصل، مهما اشتدت العواصف، كي نضع حدا لآلام اللبنانيين، وكي يعود الدور الفاعل إلى الدولة ومؤسساتها، فإنه لا تغيير في النظام اللبناني، وسيبقى اتفاق الطائف الضامن للشراكة الإسلامية - المسيحية، والعيش المشترك، ولا مكان للطروحات التي تمزق الوطن وتفرق اللبنانيين في وطنهم لبنان، بلد الوحدة والتنوع.
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
إن بناء وبقاء الدولة، دولة الحق والقانون، الدولة القوية والعادلة، التي تساوي بين الجميع، وتؤاخي بين الجميع، تحتاج إلى مصلحين وأصحاب اختصاص وكفاءة، وقادة متبصرين، يضعون مصلحة الناس فوق مصالحهم الخاصة، ومصالح البلاد العليا، والمصلحة العامة فوق طموحاتهم الشخصية، فلتتنح السياسة عن الميدان، لتخلي الساحات لأصحاب الكفاءة والاختصاص، الذين لا تعنيهم السياسة إلا بمقدار ما تعني أنها تدبر شؤون الناس، وتغني حياتهم، وتحافظ على كراماتهم، وتعمر بلدهم.
تعب اللبنانيون من السياسة، قضت السياسة مضاجعهم، فرقتهم السياسة ومزقت صفوفهم، أفقرتهم السياسة، وهجرت أبناءهم وشردتهم.
آن الأوان للاستجابة لآلام الناس ومطالب الشعب الحياتية والاجتماعية والمعيشية، آن الأوان ليستعيد الشعب ثقته بالدولة ومؤسساتها الدستورية والإدارية، آن الأوان لاحترام مبادئ الديموقراطية وقيمها، ومعايير ممارسة الحكم الديمقراطي والبرلماني وقواعده، وفي مقدمته مبدأ الفصل بين السلطات ، والمساءلة والمحاسبة والحكم الرشيد.
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
حدث نذير بالمدينة المنورة في السنوات الأخيرة من حياته صلوات الله وسلامه عليه، فاستغرق الأمر ساعة أو ساعتين ، حتى استعد الناس وخرجوا إلى حدود المدينة ، فماذا وجدوا ؟ وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه قد سبقهم ، وخرج مستعدا بسلاحه لمواجهة الخطر. ولست أعرف منكم أحدا أيها السائدون إلا ما ندر ، يخرج لمواجهة الأخطار على الوطن والمواطنين ، كما كان الشهيد رفيق الحريري رحمه الله تعالى يفعل !؟ أين العزائم والهمم؟ أين جهود الإقدام والتطوع ؟ لقد نعمتم طويلا بخيرات هذا الوطن، لكنكم غير مستعدين لرد بعض جمائله، بإظهار الحرص على حياة المواطنين وكراماتهم! .
النعمة الكبرى التي نشرها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، هي نعمة الأمن والأمان التي بشر بها القرآن الكريم في سورة قريش حين قال تعالى : ﴿الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ .
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
لقد عاد الذين تعرفونهم جيدا لتخويفنا وتخويف اللبنانيين، والحديث عن الإرهاب والدواعش، ولا شيء من ذلك يصح أن يحدث أو أن يقال. نحن نثق بأنفسنا، وببني قومنا، وبمواطنينا وبوطننا. ونريد أن يتوقف الإخوة الفلسطينيون عن قتل أنفسهم، وأن يتوقف الإخوة السوريون عن مغادرة وطنهم إلى الضياع في لبنان وغير لبنان.
بمناسبة مولد النيي محمد، صلوات الله وسلامه عليه، رسول دعوة الهدى والنور والرحمة والمحبة والأخلاق والتسامح، نسأل الله سبحانه وتعالى، أن يضيء قلوبنا جميعا بنور المحبة والسكن والتسامح والسكينة، وأن يوفقنا جميعا للعمل الخالص والمخلص، من أجل سلام وسلامة واستقرار واطمئنان وطننا لبنان".
كل مولد نبوي مبارك وأنتم أيها المسلمون، وأيها اللبنانيون بخير".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: المولد النبوی الشریف علیه الصلاة والسلام صلى الله علیه وسلم القرآن الکریم رسول الله قال تعالى کل الناس
إقرأ أيضاً:
صلاة عيد الأضحى في المسجد النبوي
أدّى جموع المصلين بالمسجد النبوي اليوم، صلاة عيد الأضحى، يتقدمُهم صاحب السموّ الملكي الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة، وسط منظومة متكاملة من الخِدمات، وفّرتها الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد النبوي؛ لينعم المصلون بالطمأنينة والخشوع.
وعقب الصلاة، استهلّ فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير خطبة عيد الأضحى، موصيًا المسلمين بتقوى -الله تعالى-، وأداء الواجبات والعبادات، واجتناب ما نهى عنه من المحرمات، والثبات على التوحيد الخالص، واتّباع أصوله الراسخة، وقواعده الراسية، محذرًا من طُرُق الضَّلال، والبِدعِ المُحدثة التي تقودُ المرء إلى الخسران والتهلُكة.
وحثّ الشيخ الدكتور صلاح البدير على المداومة على ذِكرِ الله تعالى، وحمده، والثناء عليه جلّ وعلا، تكبيرًا، وتسبيحًا، وتهليلًا، وحمدًا كثيرًا على ما أنعم وتفضلّ به على عباده من نعم، أعظمها نعمة توحيد وإفراده بالعبادة، مبينًا أن -الله تعالى- مهّد قواعد الدين بالتوحيد وأسّسه، وجعل البيت الحرام قيامًا للناس، وطهّره من الأرجاس وقدّسه، وصانه من الأوثان والأصنام وحرسه، فما أراده أحدٌ بسوء إلا أذلّه الله، وأرداه وأهلكه.
أخبار قد تهمك أمير منطقة جازان ونائبه يؤديان صلاة عيد الأضحى 6 يونيو 2025 - 8:28 صباحًا أمير المنطقة الشرقية ونائبه يؤديان صلاة عيد الأضحى 6 يونيو 2025 - 8:17 صباحًاوهنأ إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين بيوم النحر، مذكرًا أن الله جل شأنه بوّأ الله نبيّه وخليله إبراهيم -صلّى الله عليه وسلّم- مكان البيت الحرام، وأمره ببنائه على الملة الحنيفيةِ البيضاء، وتطهيرِهِ من الملة الغاويةِ العوجاء، قال جل في علاه: “وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ”.
وأضاف: أوصى ربنا تبارك وتعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بالتوحيد الخالص الذي هو أصل الأصول ومنبعها، ودائرة شمسها ومطلعها، داعيًا إلى الثبات على التوحيد حتى الممات، وملازمة أصوله الراسخات، وقواعده الراسيات، واتباع السُّنن، محذرًا من البدع المُهلكات، والعبادة بالمحدثات والمخترعات، أو أن يلوذ المرءُ عند الحاجة إلى الأموات، ويقصدهم عند الرغبات والرهبات، أو رجاء شفاء من رفات، أو التبرّك بالقبور، والاستغاثة أصحابها، وسؤالهم سدَّ الفاقات، وإغاثة اللهفات، وشفاء الأمراض والعاهات، وأن يرفعوا إلى الله وحده الحاجات والرغبات والدعوات، ويحذروا من التشبّه بأهل الدجل والخزعبلات والخرافات، فقال جلّ وعلا “إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ”.
وتابع فضيلته الخطبة، داعيًا المسلمين إلى الحذر من إتيان السحرة والكهنة والعرافين، والمُنَجِّمين والمشعوذين الدجالين، أو الذين يدّعون علم المغيبات، ومعرفة ما يستقبل من الأمور الخفيّات، فيضربون بالحَصى، ويَزجُرُون بالطَّيرِ، وينظرون في الفنجال، ويقرأون الكفّ، ويخطون في الأرض تمويهًا وكذبًا ودجلًا، وعدم سؤالهم أو تصديقهم أو الإصغاء إلى أباطيلهم، مستشهدًا بالحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “من أتىٰ كاهنًا أو عرّافًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد” أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال الشيخ الدكتور صلاح البدير: أيها المسلمون أن من جلائل نِعمِ الله تعالى أن جعل بلادكم المملكة العربية السعودية حِصنُ الإسلام، ودوحة السلام، بلدًا آمنًا، ووطنًا ساكنًا، وأن من أجلّ مفاخره ومآثره، أن استرعاهُ الله على الحرمين الشريفين، وخصّه بخِدمة ضيوف الرحمن والمشاعر المقدسة حتى أضحى تاجًا لرأس المكارم التي يقصُرُ عن المتباهين نوالها، ويعجزُ المتطاولون مرامها.
وذكر إمام وخطيب المسجد النبوي ما كان يلقاهُ الحجاج من عناء ومشقة في أزمنة مضت عند مجيئهم لأداء الفريضة، إذ كان طريق الحج قبل الدولة السعودية طريقًا غير آمنة، أولها مخاوف، وآخرها متآلف، فقيْض الله الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- فأيّد الله به الإسلام، ونشر عدله في الأنام، وضرب بسيفه رقاب الظلمة، وبسط بحكمته الأمن في ربوع المملكة، وأمّن الطرق والمسالك، وصان الحجيج من المخاوف والمهالك، ثم سار أبناؤه البررة من بعده على أثره وإرثه الطيب الصالح، وهاهم حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد سيد الأنام -صلّى الله عليه وسلّم- يتفيؤون في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ظِلال التوحيد والوحدة، والأمن والسلام والإسلام، وينعُمون بمشاريع التنمية والتعمير والتطوير التي ليس لها في سابق الأزمان مثيل ولا نظير في ظلِّ حكم رشيدٍ ظاهر، وأمنٍ وافر، واستقرارٍ باهر، وعدلٍ سائر، وخير زاخر.
وحضّ فضيلته على شُكر الله تعالى على جزيل المِنحِ والمواهب، لتزيد بشكره النعم وتدوم، داعيًا العباد إلى مُلازمة طاعة الله ورسوله، وولاة أمور المسلمين، وأن يحافظوا على الصلوات الخمس المفروضات، ويؤدون الواجبات ويبتعدون عن المناهي المحرمات، ويحذروا من الجماعات المنحرفة، والحزبيات الضيقة، والتنظيمات الإرهابية، وملازمة الوسطية والاعتدال.
وذكر أن الرحمة صفة المحسنين الأبرار، وسمة المتواضعين الأطهار، مبينًا أن ديننا دين الرحمة يدعو العبد ليكون رحيمًا لنفسه ولغيره، ولا يسْتأثر بخيره، وأن يرحم الجاهل بعلمه، والمحتاج بجاهه، والفقير بماله، والكبير باحترامه، والصغير برأفته، والعُصاة بدعوته وأهل البيت بعطفه، والقرابة بلطفه، والزوجة بدنوّه، والوالدين بحنانه، والناس بأدبه وسموّه، فأقربُ الناس من رحمة الله أرحمُهم بخَلْقه.
وأوضح الشيخ صلاح البدير أن الأضاحي من سُنن الإسلام وشعائره العظام، فمن قوِيَ على ثمنها ووجد سعة فالأولى به عدم تركها، ولا يُجزئ في الأضحية إلا الأنعام، وأفضلها البَدَنة، ثم البقرة، ثم الشاة، ثم شركٌ في بدنة، ثم شركٌ في بقرة، والشرك في البدنة والشركُ في البقرة والشاة الواحدة يُجزئ كل واحدٍ منها عن الرجل وأهل بيته، ولا تضحوا إلا بالثنايا فأكبر والثنيّ من الإبل: ما أتم خمس سنين، والثنيّ من البقر: ما أتم سنتين، والثنيّ من الماعز: ما أتم سنة ويجزئ الجذَعُ من الضأن وهو ما أتم ستة أشهر وأفضلها أحسنها وأسمنُها وأعظمها وأكملها وأطيبها، وأكثرها ثمنًا، وجِّهوا مذبحها إلى القبلة، وسمُّوا وكبِّروا، وكُلوا وأهدوا وتصدَّقوا، والأولى أَنْ يذبحها المضحي بِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ لَا يُحْسِنَ، فَيُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ، وَالأفضل أَنْ يَشْهَدَهَا إِنْ لَمْ يَذْبَحْهَا بِنَفْسِهِ، مضيفًا أن من ضَحَّى قَبْلَ صلاة العيد، فَإِنَّمَا ذَبَحَ بِنَفْسِهِ، ولا أضحية له، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّت أضحيته، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ.
وختم فضيلته خطبة عيد الأضحى، مذكرًا العباد أن هذا يومُ التسامح، ويوم التصافح، والتصالح، فتصافَحوا، وتسامحوا، وتصالحوا وتراحموا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، سائلًا الله تعالى أن يعيد هذه الأيامَ المباركة أعوامًا عديدة، وأزمنةً مديدة، ونحن في صحةٍ وعافية، وحياةٍ سعيدة.
وقد أديت الصلاة في محافظات ومراكز وقرى المنطقة كافة.