ينطلق الاثنين المقبل موسم توزيع جوائز نوبل، في حدث سنوي يحل هذا العام وسط أجواء عالمية ملبدة بفعل استمرار الحرب في أوكرانيا، والتشظي المتواصل للمجتمع الدولي، وتكاثر الكوارث حول العالم.

وسيفتتح موسم نوبل بالجوائز العلمية (الطب والفيزياء والكيمياء)، وبالنسبة للطب، فإن الخبراء يتوقعون أن تؤول الجائزة إلى باحثين أجروا دراسات عن الخلايا المناعية القادرة على مكافحة السرطان، أو الكائنات الحية الدقيقة أو عن أسباب النوم القهري.

وبعد جوائز الأدب الخميس، والسلام الجمعة، سيُختتم موسم نوبل بجائزة الاقتصاد يوم الاثنين في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، وهي الجائزة الوحيدة التي لم يبتكرها المخترع السويدي الشهير ألفريد نوبل (1833-1896).

نوبل للسلام

ويتسائل مراقبون عما إذا كانت جائزة نوبل للسلام قد تحجب هذا العام، إذ الآفاق الحالية قاتمة للغاية لدرجة أن بعض الخبراء لا يستبعدون أن تُحجم لجنة نوبل عن إعلان أي فائز بهذه المكافأة السنوية المنتظرة في موعدها المقبل يوم الجمعة السادس من أكتوبر/تشرين الأول.

وفي مؤشر إلى هذه التوترات، قررت مؤسسة نوبل عدم دعوة السفير الروسي لحضور حفل توزيع الجوائز في ديسمبر/كانون الأول المقبل في العاصمة السويدية ستوكهولم بعد الجدل الساخن الذي أثارته الدعوة الأولية.

وقال البروفيسور السويدي بيتر فالنستين المتخصص في القضايا الدولية "من جوانب عدة، سيكون من المناسب ألا تمنح اللجنة الجائزة هذا العام، ستكون طريقة جيدة لتسليط الضوء على خطورة الوضع العالمي كما حدث في سنوات الحربين العالميتين".

وسبق أن وصل أعضاء اللجنة الخمسة في سنوات ماضية إلى طريق مسدود، آخرها في 1972، في عز حرب فيتنام.

لكن في العاصمة النرويجية أوسلو، فإن عدم اختيار فائز من بين مئات الطلبات التي جرى تلقيها (351 هذا العام)، سيُنظر إليه حاليا على أنه اعتراف بالفشل.

ويقول أمين لجنة جائزة نوبل أولاف نيولستاد لوكالة الصحافة الفرنسية "من الصعب للغاية تصور" مثل هذا السيناريو.

ويضيف "لا أقول إن ذلك مستحيل (لكن) العالم يحتاج حقا إلى شيء من شأنه أن يضعه على المسار الصحيح، لذلك أعتقد أنه من الضروري حقا منح جائزة نوبل للسلام، حتى هذا العام".

ويناقش مراقبون احتمالات عديدة بينها أن تمنح الجائزة لفئة بدلا من شخص أو مؤسسة، مثل النساء الإيرانيات اللواتي يعبّرن عن غضبهنّ منذ وفاة الشابة مهسا أميني في أيلول/سبتمبر 2022، أو ناشطو تغير المناخ إذ كان صيف عام 2023 الأكثر سخونة على الإطلاق في العالم، وكان الطقس السيئ والحرائق والفيضانات مستعرة في جميع أنحاء الكوكب.

ويقول مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام دان سميث "أعتقد أن تغير المناخ هو خيار ممتاز لجائزة نوبل للسلام هذا العام".

ويرغب سميث في أن تُمنح الجائزة مناصفة إلى حركة "فرايدايز فور فيويتشر" (أيام الجمعة من أجل المستقبل) التي أطلقتها الناشطة السويدية الشابة غريتا ثونبرغ، وإلى الزعيم القبلي البرازيلي راوني ميتوكتير، المدافع عن حقوق السكان الأصليين الذين يدفعون ثمنا باهظا جراء التغير المناخي رغم عدم تحمّلهم أي مسؤولية فيه.

ومن الأسماء الأخرى المتداولة: المحكمة الجنائية الدولية، والإيرانيتان نرجس محمدي ومسيح علي نجاد، والناشطة الأفغانية محبوبة سراج، أو حتى المعارض الروسي فلاديمير كارا مورزا.

وفي العام الماضي، مُنحت الجائزة لـ3 جهات ذات دلالات رمزية بالغة، وهي منظمة "ميموريال" الروسية غير الحكومية (التي أمر القضاء الروسي بحلها)، والمركز الأوكراني للحريات المدنية، والناشط البيلاروسي المسجون أليس بيالياتسكي.

نوبل للآداب

بالنسبة لجائزة نوبل في الآداب، المكافأة الرئيسية الأخرى، ينتظر النقاد تأكيد الوعد بزيادة التنوع الذي قطعته لجنة نوبل عام 2019 بعد فضيحة جنسية هزت الأكاديمية السويدية.

وفي العام الماضي، منحت اللجنة هذه الجائزة للفرنسية آني إرنو، وهي مؤلفة عمل يتمحور حول تحرر امرأة من أصول متواضعة أصبحت، رغما عنها، أيقونة نسوية.

وتقول أستاذة الأدب في جامعة ستوكهولم كارين فرانزين "في السنوات الأخيرة، ثمة وعي أكبر بحقيقة أننا لا نستطيع الاستمرار في اعتماد نظرة تتمحور حول أوروبا، وأننا بحاجة إلى مزيد من المساواة، وأن نقدّم جائزة تعكس العصر الذي نعيشه".

مع ذلك، لم يتم الوفاء بوعد التنوع الجغرافي إلا جزئيا، فباستثناء الروائي البريطاني من أصل تنزاني عبد الرزاق جرنه في عام 2021، فإن آخر مرة مُنحت فيها جائزة نوبل الآداب إلى شخص من خارج أوروبا أو أميركا الشمالية، كانت عام 2012، مع الكاتب الصيني مو يان.

غائبون عن جائزة نوبل

ومنذ عام 1901، لم يتمكن 6 من الحائزي نوبل للسلام من حضور حفل هذه الجائزة العريقة في أوسلو.

ففي 1936، كان الصحفي الألماني وداعية السلام كارل فون أوسيتسكي يعاني في معسكر اعتقال نازي.

ثم عام 1975، استُبدل الفيزيائي السوفياتي والمنشق أندريه ساخاروف بزوجته إيلينا بونر.

وفي عام 1983، قرر النقابي البولندي ليخ فاليسا عدم الذهاب إلى أوسلو خشية عدم تمكنه من العودة إلى بلاده.

أما المعارضة البورمية أونغ سان سو تشي، التي مُنحت الجائزة عام 1991 أثناء وجودها في الإقامة الجبرية، فقد حصلت على إذن من المجلس العسكري بالذهاب إلى أوسلو، لكنها امتنعت عن ذلك لخشيتها من عدم تمكنها من العودة إلى بلادها أيضا.

وفي عام 2010، كان المنشق الصيني ليو شياوبو مسجونا. وتُرك كرسيه الذي توضع عليه الجائزة فارغا في بادرة رمزية.

كذلك في عام 2022، كان المدافع البيلاروسي عن حقوق الإنسان أليس بيالياتسكي مسجونا، ومثّلته زوجته ناتاليا بينتشوك في حفلة تسلم جائزة نوبل للسلام.

منذ 1974، ينص النظام الأساسي لمؤسسة نوبل على أنه لا يمكن منح الجائزة لشخص متوفى، إلا في حال حدوث الوفاة بعد الإعلان عن اسم الفائز.

وحتى اعتماد هذه القاعدة رسميا، مُنحت جائزة نوبل مرتين فقط لشخصين متوفين، هما الشاعر السويدي إريك أكسل كارلفيلدت (نوبل للآداب عام 1931)، ومواطنه الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، الذي اغتيل على الأرجح (جائزة نوبل للسلام عام 1961).

وقد حُجبت الجائزة أيضا سنة 1948 إثر وفاة المهاتما غاندي كبادرة تقدير له. كذلك حُرم الكندي رالف شتاينمان من الحصول على جائزة نوبل للطب سنة 2011، إذ علمت لجنة نوبل لدى الاتصال به لإبلاغه بالفوز أنه توفي قبل 3 أيام. لكن اسمه لا يزال مدرجا بين قائمة الفائزين.

نسبة النساء

تقتصر نسبة النساء في قائمة الحائزين جوائز نوبل على 6% فقط منذ عام 1901. وفي أدنى القائمة جائزة الاقتصاد (2.2%)، تليها الجوائز العلمية مجتمعة (3.7%). أما على صعيد الأدب فتبلغ نسبة النساء الفائزات 14.2%، فيما الوضع أفضل قليلا على صعيد التمثيل النسائي بين الفائزين بجائزة نوبل للسلام (16%).

واعتبرت الفائزة الفرنسية بجائزة نوبل للآداب أني إرنو في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية سنة 2022 أن نوبل مؤسسة "للرجال".

على الرغم من البطء، إلا أن الأمور تتغير، فمنذ مطلع القرن الحالي، نالت 31 امرأة جوائز نوبل، أي ما يقرب من 3 مرات أكثر من عددهنّ في العقدين السابقين. وفي عام 2009، حصل رقم قياسي من 5 نساء على جائزة نوبل، بينهن أول فائزة بجائزة الاقتصاد، الأميركية إلينور أوستروم. كما أن أول شخص يفوز بجائزة نوبل مرتين كانت امرأة، وهي الفرنسية من أصل بولندي ماري كوري (الفيزياء 1903 والكيمياء 1911).

نوبل الرياضيات

لماذا لا توجد جائزة نوبل في الرياضيات؟ في ثمانينيات القرن الماضي، دحض باحثون رواية جرى تداولها طويلا، وتفيد بأن ألفريد نوبل تعمّد عدم تخصيص جائزة في هذه الفئة انتقاما من عشيق عشيقته، عالم الرياضيات ماغنوس غوستا ميتاغ ليفلر. لكنّ شيئا لا يدعم هذه الفرضية.

أما التفسير الأكثر منطقية لهذا الغياب فهو ذو شقين: في عام 1895، عندما كتب نوبل وصيته، كانت هناك جائزة موجودة بالفعل في السويد للرياضيات، ولم ير تاليا أي فائدة من إنشاء جائزة ثانية. إلى ذلك، في بداية القرن العشرين، كانت العلوم التطبيقية مفضلة من جانب النخب والرأي العام الذين لم يعتبروا أن البشرية تدين بالكثير للرياضيات.

مخترع الديناميت

تُعلن الجوائز في بداية أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، لكنها تُقدم وسط أجواء احتفالية كبيرة في ستوكهولم للجوائز العلمية والاقتصادية والأدبية، وفي أوسلو لجائزة نوبل للسلام في 10 ديسمبر/كانون الأول ، ذكرى وفاة مؤسس هذه المكافآت، مخترع الديناميت ألفريد نوبل (1833-1896).

وفي ستوكهولم، تلي حفلة توزيع الجوائز مأدبة تجمع حوالى 1300 ضيف في مقر البلدية، بحضور الملك كارل السادس عشر غوستاف والملكة سيلفيا.

وفي أوسلو، يجتمع ألف ضيف لحضور الحفلة في مقر البلدية، تليها مأدبة أصغر في "غراند أوتيل" ، وتشمل قائمة الحضور جميع السفراء باستثناء السفير الروسي الذي يستبعد للعام الثاني على التوالي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: جوائز نوبل هذا العام فی عام

إقرأ أيضاً:

من كلكتا إلى نوبل.. طاغور شاعر الطبيعة والحزن وفيلسوف الحياة

تبرعت الهند للعالم في القديم والحديث بمجموعة من العلماء العظام الذين أسهموا بأفكارهم وإبداعاتهم في تحقيق نهضة علمية وثقافية كبيرة في المجتمع الإنساني.

ويأتي في مقدمة هؤلاء العباقرة في القرن الـ20 الشاعر والفيلسوف والمسرحي البنغالي رابندرانات طاغور، الذي ينتمي إلى أسرة بنغالية نبيلة اشتهر أفرادها بالعلم والسلطان، فجدّه دواركانات طاغور كان من كبار شخصيات الهند، ووالده المهارشي (الحكيم) ديبندرانات طاغور عرف كمفكر ديني.

طاغور عاش شاعرا ومفكرا وفيلسوفا وروائيا وقاصا ومسرحيا ورساما وموسيقيا وممثلا سينمائيا، ونور جميع هذه المجالات بمساهماته السامية (أسوشيتد برس)البدايات.. فيلسوف الهند وشاعرها الفذ

ولد طاغور (Rabindranath Tagore) في مدينة كلكتا من الجزء البنغالي في السابع من مايو/أيار 1861، لأسرة بنغالية مثقفة، حيث تثقف في بيته على الطريقة التقليدية. أرسله أبوه إلى العاصمة البريطانية لندن وهو في الـ16 من عمره ليدرس القانون، لكنه عكف على دراسة الأدب والشعر والنماذج الأدبية العالمية باللغة الإنجليزية، خاصة شعر شكسبير وملتون وشيلي، وراح ينهل من الثقافة الغربية، فامتلك قدرة على الحكم والتصور.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2يوسف القدرة: في الشعر لغة “فرط صوتية” ضد عار العالمlist 2 of 2فلسفة الهجاء.. كيف جسّد العرب الشتم في الشعر والأدب؟end of list

عاش طاغور شاعرا ومفكرا وفيلسوفا وروائيا وقاصا ومسرحيا ورساما وموسيقيا وممثلا سينمائيا، ونوّر جميع هذه المجالات بمساهماته السامية. وقد أعادت أعماله تشكيل الذائقة الأدبية والموسيقية البنغالية في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، إذ أصدر ديوانه الأول "قربان الأغاني" باللغة السنسكريتية، لغة قومه، وترجمه بنفسه إلى الإنجليزية. وقد استُقبل هذا الديوان استقبالا عظيما في أوروبا، وأعجب به الشاعر عزرا باوند (1885-1972) أيما إعجاب، بينما تجاهله الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل (1872-1970).

وتقول موسوعة "إينشنت بانيتانوال" (Ancient Bnitanwal Encyclopedia) إن طاغور حوّل آلامه وحزنه على موت أمه وهو لا يزال صبيا، وموت زوجته وهي لا تزال في ريعان شبابها، إلى قصائد شعر لم يعرف الأدب الشرقي مثيلا لها، حتى إن الشاعر الفرنسي أندريه بريتون قال عنه: "لا يوجد شاعر في العالم استطاع أن يجسد الحزن في شعره كما فعل طاغور".

إعلان

ترجمت أعماله الشعرية والأدبية إلى عدة لغات، منها الفرنسية والإنجليزية والفارسية، كما ترجمت بعض قصائده إلى العربية. قدم طاغور من خلال إبداعاته أفكارا متعددة الأبعاد، لها أهمية حتى في عصرنا الحالي أيضا.

كان طاغور محبا للطبيعة التي امتزجت في أشعاره، وهو القائل:

"إنَّ سكون الريح ينذر بالعاصفة، وإنَّ السحب المتجهة في الغرب لا تبشر بخير، والماء ساكن ينتظر الريح، ولكن يا صاحب المعبر، أفتريد أن تطلب أجرك؟! أجل، يا أخي، إني ما زلت أملك شيئا؛ لأن حظي لم يسلبني كل شيء"

وعن ميزة شعر طاغور، يقول البروفيسور الهندي بشير الجمالي، الأستاذ السابق بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي، الهند: "إن طاغور غالبا ما يستخدم كلمات محلية، مما يضيف بعدا جديدا لشعره، ويخلق في شعره جوا هنديا باستعمال أسماء الطيور والأشجار والزهور الهندية، وهكذا يصبح شعره هنديا بشكل أساسي".

المهاتما غاندي (يمين) بجوار طاغور (شترستوك)الشاعر الإنساني العظيم.. هيبة الشاعر وحكمة الفيلسوف

كلما اقتربنا من فضاءات طاغور الشعرية، سيبدو لنا العالم وكأنه ولد للتو بحقوله الفائضة بخضرتها، وبشموسه ودلالاتها الذاهبة باتجاه النقاء الأول، النقاء الفطري الذي تأسس على مبدأ إحيائي عظيم مرتبط بما يسمى بـ"الجسد الكوني".

يقول بدر السويطي، الكاتب والشاعر العربي المقيم في ألمانيا ومدير دار الدراويش للنشر والترجمة في بلغاريا: "يغدو الكون أكثر جمالا ورونقا بوصايا طاغور الحكيم، الذي رسخ القيم الإنسانية والروحانية والإيمانية، ووظفها في المعاني السامية للمحبة والجمال والسلام، لتكون نبراسا للأجيال القادمة".

ومن جهته، يرى البروفيسور الهندي عبد الغفور الهدوي كوناتودي، الأستاذ في قسم اللغة العربية بكلية الجامعة الحكومية التابعة لجامعة كيرالا بالهند، أن "طاغور كان أمميا متحمسا لوحدة العالم، فحارب من خلال إبداعاته الأدبية والفنية ضد التمييز بين الأفراد على أساس الطبقات أو الألوان أو العقائد أو اللغات".

وتجدر الإشارة إلى أن طاغور شاعر من فصيلة نادرة من الشعراء الذين لم تتقيد إبداعاتهم الراقية بجنس أو لون أو جغرافيا.

وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور مجيب الرحمن، أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي، إن "طاغور سعى -من خلال التأمل العميق في الله والكون والطبيعة، والرجوع إلى النصوص الفيدية القديمة، ودراسة المعاناة البشرية- إلى تحقيق الإخاء الإنساني العالمي".

ويوافق السويطي على ذلك بقوله: "يوقد طاغور الشاعر والإنسان قناديل الأمل في العتمة، ويطيل صلاته في محراب العشق من أجل تحقيق الأحلام والعدل في هذا العالم".

يقول صاحب ديوان "طيور تائهة":

"في الصفحة الأولى من التاريخ، كانت سلطة العملاق غير محدودة كإنسان، وبربريّ، وأبله وكانت أصابعه خشنة، ويده سخيفة، وبالقضيب في يده نشر الدمار التام فوق اليابسة وفوق البحر، وبالنار والبخار أدار أحلامه المنحرفة الضالة في أعماق السماء، وحقق لنفسه السيادة العظمى على عالم الجماد، أَمَّا نحو الحقيقة الحية، فقد أعمته الغيرة"

بجائزة نوبل للآداب عام 1913، أصبح طاغور أول آسيوي يحقق هذا الإنجاز، مؤسسا مدرسة فكرية وقيمية تجاوزت الحدود الزمانية والمكانية (معرض روبندرونات طاغور- شترستوك) نجمة لامعة في تاريخ الهند

وفي ما يتعلق بالأبعاد الجوهرية لفكر طاغور التي تجعل منه قامة أدبية وفكرية عالمية عملاقة تلهم المبدعين والمفكرين والمثقفين في كل عصر، يمكن العودة إلى كتابه المعنون "سادهانا"، الذي يعني "الكمال"، حيث لقيت أشعاره انتشارا واسعا في أواخر القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20.

وقد قدم لديوانه "جيتنجالي" (قربان الأغاني) الشاعر الإنجليزي وليام بتلر ييتس (1865-1939)، وبهذا الديوان أصبح طاغور أول شخص في آسيا يحصل على جائزة نوبل للآداب عام 1913. وعن حصوله على نوبل كتب طاغور إلى أحد أصدقائه الإنجليز قائلا: "إن حالتي تشبه حالة كلب قام البعض بربط ذيله بعلبة فارغة من الصفيح، فإذا به يحدث ضجيجا هائلا كلما جرى، وأينما ذهب".

إعلان

لقد رأى طاغور في الجائزة شيئا منفصلا تماما عن نفسه وعن قيمته الذاتية، ورأى أنه فوق الجائزة. وقد تبرع بقيمتها المالية للمدرسة التي أنشأها باسم "مرفأ السلام" عام 1918 في إقليم شانتي نيكتان بغرب البنغال.

ويشير الدكتور بشير أحمد الجمالي إلى أن "قصائد جيتنجالي لا تزال تسحر وتؤثر في قلوب ملايين من الأفراد الهنود، مقتبسا قصائده من الحكايات الأسطورية والرموز الدينية والصور المحلية والحياة اليومية".

في المقابل، يؤكد أحد مؤيدي طاغور، سوديب نارايان جوش، أن "قصائد جيتنجالي ليست أفضل إبداعات طاغور الشعرية، لأن جيتنجالي يحتوي فقط على 83 من قصائده الأصلية، وهناك 20 قصيدة أخرى مأخوذة من كتبه الأخرى". ويوضح أن طاغور "قد جرد شعره من كل ثراء وزخرفة، فلذلك لم تستطع قصائده المكتوبة بالنثر البسيط أن تحقق العظمة الشعرية كما حققت قصائده البنغالية الأصلية".

وكان طاغور قد أكد شاعريته الكبيرة واعتراف الغرب مبكرا بهذه الموهبة الفذة، ومن قصيدته "الإنسان الطائر":

"ومثل الأمواج المأخوذة بإيقاع رقصتها المجنحة، تلهو تلك الطيور في ظلّ الأمن الذي يسري في السموات، لقد حملت من عصر إلى عصر رسالة الحياة للسماء وللغابة وللجبال"

الأكاديمي الهندي بشير الجمالي: شعر طاغور مليء بأفكار الحب الإلهي، وهو يفكر كالفكر الإسلامي بأن العالم المادي الذي نراه بأعيننا ليس حقيقيا، وأن هناك عالما واقعيا بعد الموت لا يمكن فهمه من خلال الحواس بل بالفهم الروحاني (أسوشيتد برس) الشاعر الصوفي

كانت عائلة طاغور تنتمي في الأصل إلى ديانة براهما، غير أنه كان في عائلته من ينتمون إلى السيخ. لكن طاغور كان له رأي آخر في الديانات التي تقدس التماثيل أو البقر أو غيرها، فقد كان يقول:

"عندما أذهب إلى الغابة وأرى عظمة الأشجار والجبال والطيور والمخلوقات كلها، أعرف أن هناك إلها واحدا لا يُرى ولكن يجب أن يعبد، فالذي خلق كل هذه الأشياء العظيمة هو بالتأكيد أعظم منها، لذا فهذا الإله يستحق العبادة"

ويلفت الأكاديمي الهندي بشير الجمالي إلى أن "شعر طاغور مليء بأفكار الحب الإلهي، وهو يفكر كالفكر الإسلامي بأن العالم المادي الذي نراه بأعيننا ليس حقيقيا، وأن هناك عالما واقعيا بعد الموت لا يمكن فهمه من خلال الحواس بل بالفهم الروحاني".

ويتابع: "عند العودة إلى المصادر القديمة التي أرشدته وعاونته في كتابة جيتانجالي، كان من بينها ما كتبه الشاعر الصوفي كبير داس (1440-1518)، الذي أثر تأثيرا عظيما في إعداد كتاب غرانت صاحب، الكتاب المقدس لدين السيخية".

ويجيب بشير الجمالي -في حديث للجزيرة نت- عن مدى تأثر طاغور بالفكر الصوفي فيقول: "نرى في كتابة طاغور -لا سيما في قصائده جيتانجالي- نزعته الصوفية بلا أدنى شك".

ومن جهته، يبين الهدوي -في حديثه للجزيرة نت- أن "أفكار طاغور ومبادئه الفلسفية كانت متأصلة في الفيدا والأوبانيشاد (الكتب المقدسة لدى الهندوسيين) من ناحية، ومتميزة بدعوتها إلى العلم الحديث، والحفاظ على البيئة، وتحقيق الإبداعات من ناحية أخرى".

وبدوره، يقول الدكتور مجيب الرحمن -للجزيرة نت- إن "الحب للإنسان والله والوحدة البشرية تشكل جوهر فلسفة طاغور"، ويضيف: "نراه يردد بحماس الآية في الأوبانيشاد: الذي هو واحد، والذي يقضي الحاجات الأساسية لكل الشعوب وفي كل الأزمنة".

ومن جانبه، يؤكد بدر السويطي -في حديثه للجزيرة نت- أن "وميض الشعر في روح طاغور المتوغل في اليقين والنور يتجلى في كل كلمة وحرف، وهو يحول الألم إلى لذة وفرح، يحمل شعلة الشعر ويمضي نحو الله بقلب مطمئن يلامس الجمال في الطبيعة والجسد والفكر والعدالة والقيم العليا".

طاغور توفي وهو في الـ80 من عمره، وفي البيت الذي ولد فيه، بعد أن ترك للعالم ثروة أدبية وشعرية وموسيقية كبيرة جدا (أسوشيتد برس)النهاية.. ثروة أدبية وشعرية

يلاحظ دارسو طاغور ونقاده أنه لم يكن يخاف من الموت، بل لقد أحب الموت، ولم يجده نقيضا للحياة، بل حياة ثانية. ولا شيء أدل على هذا من تأبينه لنفسه قبل أن يفارق دنيانا في السابع من أغسطس/آب 1941.

توفي طاغور وهو في الـ80 من عمره، وفي البيت الذي ولد فيه، بعد أن ترك للعالم ثروة أدبية وشعرية وموسيقية كبيرة جدا. وتجاوز عدد قصائده ألف قصيدة وألفي أغنية، ومضى يبدع قصصا وروايات ومسرحيات باللغة البنغالية التي تعد من أروع كلاسيكيات الأدب الهندي والعالمي.

إعلان

كما أبدع صنفا من الموسيقى يسمى "رابيندرا سانغيت". غير أن الموت، بحسب فلسفته، ليس سوى حياة جديدة:

"كنت أظن أن رحلتي أوشكت على الختام، إيه أيها الموت، يا منتهى حياتي الأسمى، تعال واهمس في أذني. يوما بعد يوم سهرت في انتظارك، من أجلك تذوقت هناءة الحياة وعانيت عذابها. إنَّ الكفن المنسدل فوقي هو كفن التراب والموت، وإنني لأكرهه، ولكنني أشده وأجذبه في شغفٍ ووجد"

وبدوره، يعلق الشاعر بدر السويطي قائلا: "بنور شعره وكلماته، ظل طاغور يضيء الجانب المظلم من هذا الكون، بهيبة الشاعر الخالد الذي لا يندثر ذكره بالموت والنسيان".

مقالات مشابهة

  • من كلكتا إلى نوبل.. طاغور شاعر الطبيعة والحزن وفيلسوف الحياة
  • أمام رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة .. الوزراء و وزراء الدولة يؤدون القسم
  • إنطلاق “جوائز فلسطين الثقافية” في دورتها الثالثة عشرة – 2025/2026
  • ميدل إيست مونيتور يعلن قائمة الكتب المرشحة لجوائز فلسطين للكتاب 2025
  • جائزة خليفة التربوية تطلق دورتها الـ 19 وتبدأ قبول طلبات المرشحين
  • جائزة خليفة التربوية تدشن دورتها الـ 19 بعدد 10 مجالات محلياً وإقليمياً ودولياً
  • تحذيرات أممية من كارثة إنسانية في السودان وغزة: الجوع يتحول إلى سلاح فتاك
  • انطلاق جائزة كفاءة الطاقة في دورتها الأولى لعام 2025
  • غدا.. التصويت على جوائز الدولة وإعلانها بالمجلس الأعلي للثقافة
  • جائزة الروح الرياضية تكافئ جنوب أفريقيا في كأس أفريقيا للسيدات