الريامي: نتوقع إنتاج 100 طن من زيت الزيتون بعد اكتمال موسم الحصاد

الفهدي: شجرة الزيتون الواحدة تتكلف 150 ريالًا في الموسم

كل 10 كيلوجرامات زيتون تُنتج لترًا واحدًا من زيت الزيتون

البلوشي: نأمل إطلاق مشروع وطني لاستزراع مليون شجرة زيتون

 

الرؤية- ريم الحامدية

 

بدأ أهالي ولاية الجبل الأخضر في محافظة الداخلية جني ثمار الزيتون في موسم يمتد حتى شهر نوفمبر من كل عام، ويشتهر الجبل الأخضر بزراعة هذه الثمرة المباركة بكثرة، فيما تمُرُ الثمار بعدة مراحل لإنتاج زيت الزيتون الصافي وطرحه في الأسواق المحلية، مما أسهم في بزوغ اسم الولاية كمصدر رئيسي لبيع زيت الزيتون ذي الجودة العالية، لا سيما وأن أهالي الولاية يبذلون جهودًا كبيرة لإنتاج الزيت وفق أعلى معايير الجودة وأفضل الأسعار.

ويقول المهندس يحيى بن ناصر الريامي من "مؤسسة زيتون الجبل الاخضر الحديث لاستخلاص وتكرير زيت الزيتون" إن عملية جني ثمار الزيتون تتم يدويًا، وذلك بعد وصول تَلوُّن الثمار في الشجرة من 70 إلى 75%، وذلك للحصول على أعلى نسبة زيت وجودة عالية، مشيرًا إلى أن موسم جني الثمار في الجبل الاخضر يبدأ عادة في الاسبوع الأخير من شهر أغسطس ويمتد الموسم حتى منتصف شهر نوفمبر.


 

ويُبين الريامي أن فترة استخلاص الزيت تتوقف على الطاقة الإنتاجية لآلة استخلاص الزيت، فمثلا في مؤسسة زيتون الجبل الاخضر تصل الطاقة الإنتاجية الى 750 كجم في الساعة. ويوضح كذلك أن الإنتاج ما زال يتجه نحو السوق المحلي، لكنه عبر عن أمله في تبدأ المؤسسة تصدير المنتجات الى خارج السلطنة. ويضيف الريامي أنه فيما يخص تكلفة إنتاج الزيتون، فإن تكلفة الإنتاج الزراعي عالية في الجبل الأخضر، إذا ما قورنت بالولايات الأخرى؛ وذلك نتيجة لشح المياه في بعض المواسم ومحدودية الأراضي المتاحة للزراعة، لكنه يأمل جني محصول وفير هذا العام؛ حيث من المتوقع أن يتجاوز الإنتاج 100 طن.

وفيما يخص تطعيم أشجار العتم في الزيتون، يؤكد الريامي أن  هذه طريقة ثبت نجاحها من خلال قيام بعض المواطنين بها، وتعتبر تلك الطريقة وسيلة لاستغلال أشجار العتم المنتشرة في السفوح والاودية.

أما زهران الفهدي (أحد مزارعي الزيتون في الجبل الأخضر) فيقول إن عملية جني ثمرة الزيتون تتم بالطرق التقليدية، من خلال العمل اليدوي مع الاسعانة ببعض الادوات مثل المشط الحديدي او البلاستيكي وهو الأكثر شيوعًا، وقد جرت العادة أن تجتمع عائلة المُزارع لقطف ثمار الزيتون، لكن بعض المزارع الأخرى تستعين بأيدٍ عاملة من خارج العائلة، وتستغرق عملية جني فدان واحد من أشجار الزيتون نحو ساعة إلى ساعتين تقريبًا.

ويقدِّر الفهدي تكلفة شجرة الزيتون الواحدة خلال الموسم الزراعي بنحو 150 ريالًا عُمانيًا، تتضمن الري والتسميد وجني الثمار، ويكون العائد حسب الثمار وحسب مُعطيات السوق وفق قاعدة العرض والطلب. وعن الكمية المستخرجة من شجرة الزيتون، يوضِّح الفهدي أنها تكون حسب نوعية الثمار ومدى نضجها، لكنه يرى أن كل 10 كيلوجرامات من الزيتون تُنتج لترًا واحدًا من زيت الزيتون تقريبًا.


 

وحول تطعيم أشجار العتم بالزيتون، يُبيِّن الفهدي أن العتم (وهو الزيتون البري) له اقتصاد واعد في نشر زراعة هذه الشجرة بولاية الجبل الاخضر، ولكن الخوف في المستقبل من التقليل من توزيع الأراضي الزراعية واقتلاع الاشجار للتوسع في البنية السكانية المتطورة. ويُطالب الفهدي الجهات المعنية بإيجاد الحلول للمحافظة على أشجار العتم من أي تأثر مستقبلي نتيجة التخطيط السكاني وحركة السياحة، مع تأكيد أهمية فتح المجال لاستزراع المزيد من الأراضي في الجبل الأخضر وتحويلها إلى مسطحات خضراء يُستفاد منها في زراعة الفواكه المثمرة. ويأمل الفهدي أن يصل إنتاج عُمان من الزيتون وزيته بما يحقق الاكتفاء الذاتي ويعزز الأمن الغذائي لسلطنة عُمان.

من جانبه، تحدث إسماعيل بن شهاب البلوشي إن شجرة الزيتون من الأشجار المباركة والتي ورد ذكرها في القران الكريم، في دلالة على أهميتها ودورها في حياة الإنسان، مشيرًا إلى التوسع في زراعة الزيتون بولاية الجبل الأخضر يحقق العديد من الفوائد والمنافع، الاقتصادية والغذائية. ويلفت البلوشي إلى أن شجرة الزيتون تُنتج صبغًا للآكلين (أي زيت الزيتون).


 

ويوضح البلوشي أن المُزارع يبذل جهدًا كبيرًا لجني محصول الزيتون، مُبيَّنًا أن مميزات زراعة الزيتون أنه لا يحتاج إلى الري بالمياه بكثرة. ويأمل البلوشي أن تُطرح خطط أو استراتيجيات على المستوى الوطني للاستفادة من الأراضي الصالحة للزارعة في الجبل الأخضر، من أجل التوسع في إنتاج المحاصيل على اختلاف أنواعها، خاصة وأن مناخ الجبل الأخضر يُشبه مناخ دول حوض البحر الأبيض المتوسط، والتي من بينها دول الشام التي تشتهر بزراعة مختلف المحاصيل وعلى رأسها الزيتون. ويدعو البلوشي إلى زراعة الأودية واستغلالها عل النحو الأمثل، مقترحًا إطلاق مشروع لزراعة مليون شجرة زيتون ومن ثم تحقيق فوائد ومنافع عدة. ويحث البلوشي الجهات المعنية على دعم مُزارعي أشجار الزيتون ومعاصر ووحدات تكرير الزيتون لإنتاج الزيت، بهدف تعزيز قيمته الاقتصادية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: فی الجبل الأخضر الجبل الاخضر زیت الزیتون الزیتون ت الزیتون ا زیتون ت

إقرأ أيضاً:

حُلم معطّل (3)


 حمد الناصري

كانت الغرفة التي مُنحت لـ سعيد، تُطلّ على واجهتين، أمامية وخلفية.. فمن الأمام البُحيرة وبُستان صغير من الأشجار، ومن الخلف باحة الفندق الفخم وأشجار عالية وورود جميلة ونخيل لها صِنوان واحد ومَنبت واحد، وفي بعض الأحيان تظهر تراكيب على النخلة الواحدة، ويكون صِنوانها مُتفرّع وفي بعض الحالات بلا صِنوان مُتفرّع.. وفي واجهة الغرفة، إطلالة بحرية بهيّة، على نسقٍ فارهٍ، تبدو واجهة الفندق الفخم كأنّه تصميم خارجي ضخم جدًا، مُستقلّ عن التصميم الداخلي الأكثر فخامة، وربما اسم الفندق أُخِذ من إطلالة البستان اسمًا اشتهر به.

تخايل سعيد وهو في غرفته، يُشاهد الإطلالات الضخمة الرائعة، وطاف عليه طائف من خيال واسع، تفتّحت مداركه المحسوسة، وبانت قريته القصيّة الواقعة بين جبلين كبيرين ومجرى وادٍ عظيم، كما لو كان هذين الجبلين نُقلا من قريته إلى هذا الفندق، الذي يُعرف باسم " فندق قصر البحر " لكن وكما عَرف سعيد في قائمة المعلومات عن الفندق أنّ مجتمع الساحل الصغير والناس الذين يُعَمّرون أمكنة الفندق وردهاته، والعاملين فيه، وسائقي الأجرة "التاكسي" أبَوا إلا أنْ يبقى اسم الفندق على هيبة البستان، ذي الزرع والنبات والمحاصيل، فكانوا يعرّفونه بفندق البستان، ولذلك أجبرت الإدارة الفوقية والشركاء على إزالة لوحة الفندق وإعادة تسميته إلى فندق قصر البستان، نزولًا عند رغبة المجتمع والناس.
تحدّث سعيد وهو يتأمّل ويُقارن، ويستذكر جائحة فساد التمر، كما يسمونها الآباء، كان يوم تاريخي، يُحدّث الناس بعضهم عنه، ولا يزال سعيد يستذكر كثيرًا من أحداث جائحة فساد التمر، قال في نفسه: وأنا صغير، تعرّضت القرية إلى جائحة عُرفت بجائحة فساد التمر، وارتفعت مياه السيول فوق البيوت الساكنة على حواف الوادي، وبدا التمر لزجًا، عفنًا، تنبعث منه روائح كريهة ولم يستطع الناس تخزينه، وكان اعتماد أهل القرية الواقعة بين جبلين وبينهما وادٍ قوي، جارف لكل شيء، استحسن البعض أن يطلق عليه وادي جَرْفة.. لكن أهالي القرية، حسّنوا الاسم إلى اسم أجمل وهو "وادي نزوة". ذلك لأنّ الجائحة لم تحدث من قبل، فاعتبروها الأهالي نزوة عابرة، والنزوة عند الأولين أمرٌ ممنوع، وشيء ثقيل على النفس، فكلّ إثارة مُدهشة، يتعجّب منها الناس ويخافون على حياتهم منها، مثل الجوع والعطش والموت، كعجز مُعطّل لا يقلّ ضرره عن حاجة الإنسان إشباعًا لرغبته، فإن تعطّلت الحاجة أصبحت الحالة النفسية مُعطلة. وكذلك أعدّوا الجائحة ثقيلة ممنوعة، لا يعترفون بانتهائها، حتى لو كانت لـ عِلّة فهي جائحة ثقيلة على النفس.. ويقول أهل البلدة؛ بلدة وادي نزوة "أقتل حَبّك ولا تقتل قلبك" وكما هو معروف الحَبّ هو بذور النبات التي تستخدم في الزراعة كمحصول غذائي للإنسان ليعيش ويبقى. فالمثل؛ سيرورته تفضيل قتل البذور التي يُعاش عليها، وقد يصبر عليها، ولكنّه لا يستطيع بحال أن يصبر على موت عجزهُ، ذلك دليل على مكانة الرجولة وقوّتها.

وفي البلدة وأنحائها يتداولون كثيرًا حكاية شابة حسناء في الثلاثين من عمرها، تُدعى "نزوة " جرفتها السيول على إثر جائحة كبرى، حَلّت بالقرية، وحاولت الفتاة الحسناء التشبّث بصخور الجبل، فوق مجرى الوادي مباشرة، وقد صعدت على الصخرة لتحتمي إليها، فوق وادي جَرْفة. لكن الصخرة خانتها رغم تشبّثها بالحياة، ولم تنفعها ما تمسّكت من مقاومة مُستميتة لتبقى على قيد الحياة، حيّة لا يجرفها ماء الوادي الجارف.. وظلّت مُتمسّكة بقوّة ولم يُسعفها أحد ولا منقذ يُدبر أمرها، خارت قواها وتفلّتت قبضة يديها، فسقطت في مياه الوادي العميقة الشديدة الجريان كالموج فوق بعضها، تصطدم بالصخور فترتد عليها وتعصف بها وتتلقّفها موجة أخرى، وكأنّها غاضبة على ذلك الحُسن والجمال، وأطلق الناس على اسم جائحة وادي جَرْفة، تيمّنًا باسم الفتاة الحسناء " وادي نزوة "، ذلك الاسم خفّف من حزن عائلة الفتاة الحسناء واطمأنّت قلوبهم على ذكراها فإسم ابنتهم قد خَلّده التاريخ، ومن ذلك اليوم الشهير اسْتُبدل اسم وادي جَرْفة إلى وادي نزوة.. إنّه يوم تاريخي للقرية العميقة بتراثها الخالد.
وظلّ سعيد يُقارن بين مدخل الفندق الضخم من واجهتيه الخلفية والأمامية، أيّ مقدمة الفندق ووجه الشبهَ بينهما، وما قد تطابق بينهما، الفندق يبدو غائص في أعماق هوّة صلبة، وإذا ما نظرت إلى هيبة واجهتيه الأمامية والخلفية ترى فخامة النقوش وضخامة الشكل وروعة الموقع.. إنّ ما يُميز هذا القصر العظيم مساحة واسعة ونقوشات فريدة وإطلالة بحرية آسرة، كلا الواجهتين؛ لكل منهما إطلالة فريدة، تتميّز عن الأخرى.. أجواء الأمكنة بديعة في الصباح، خلابة لا مثيل لها، أشعّة الشمس تنعكس على الواجهتين، وفي الليل نور القمر يتلألأ على الأمكنة، فتستلذّ من أماسيها كثيرًا من متع الحياة.
وكذا الحال في قرية سعيد، سمّاها رجالها بـ"وادي نزوة" نزوة في عراقة أصالتها وفي إرثها التاريخي، ورّث الآباء تاريخًا خالدًا من رجال عظام سبقوهم، كانوا أفئدة ناصعة وقلوبًا طاهرة وأنفسًا نقيّة، عِزّة الآباء طاهرة ومقام الأجداد نقية، تلك هي عِزّة أصلاب، وذريّة تتفاخر بأمجادها ، تجذّرت ضمائرهم بالعزّة والشرف، فأنجبت الشرفاء، وانفردت بقيمها فآلت إليها مكارم، تفرّدت بصفائها ونقائها، أجدادها وآبائها وأبنائها رجال عظام، دفعوا ثمن عزّهم بدمائهم الفاخرة وبعقولهم الراشدة وبضمائرهم التي لا تبيع قيم ارتباطها بالمكان بحفنة قذرة.
رجالٌ يفخرون إذا ذُكر اسمها، رجال كرام إذا أتَوا إليها، ورجال فضائلهم كبسطة الأمكنة العظيمة، أصواتهم صامتة لا ترتفع، هيبة اسمها يتصدّر ذِكْر نواحيها، وإنْ كنت في قعر الوادي، تنتشي أفكارك إلى ما سَطّرهُ الرجال من أمجاد.
يحرس الوادي جبلان عظيمان وقمّتان شامختان عُرفتا بإسم قمة الجبل الغربي الرصين، وتمتدّ سلسلته إلى رؤوس الجبال أقصى بحر الممرّ العميق.. والقمّة الأخرى تُعرف برأس الجبل الشرقي المكين.. لكأنّهما حِبال سُرية توثّقت ببعض، حبل مودّة موثوقة الالتزام، حبل يمتدّ إلى بحرها الشرقي الكبير، قيل: إنّ ذلك البحر بوابة مفتوحة إلى السماء، صيد بحرها من أجود أسماك البحار قاطبة، في بطن البحر الشرقي كنوز وخزائن لا يعلمها أحد.
تمتدّ سلسلة الجبل الشرقي من وادي نزوة إلى رأس البحر الشرقي والقرى المُحيطة به ، قِيْل عنهاـ قرية وادي نزوة ـ بأنّها عُمق دائرة جذور الجبلين الغربي والشرقي، والجبلين امْتدا في العُمق، وترى الجبال تحسبها مُنفصلة أو مُتقطّعة ولكنّها مرتبطة بحبل سُري من أعماق الدائرة " وادي نزوة " نهاية الامتداد، وكأنّهما يدين منبسطتين، ثمّ لا يلبثا أن يكونا أقرب حنينًا للأم الرؤوم، وشبّهها آخرون كما لو كان الجبلان توأم، فتحا ذراعيهما حين يستقبلان حلَمة الرضاعة.. ذلك صُنع مُحكم، دقيق مُنضبط لا يقدر عليه بشر.
قال أحد كتّاب وموثقي أخبار القُرى الرصينة الثابتة بتراثها وأمكنتها وآثارها، كانت قرية " وادي نزوة " وسطية القيم والتقاليد، لا تُشبهها قرية مِثْلها ولا شبيه لها في المكان، وحنين الجبلين إليها تسخير لمقامها، يكاد إرثها مُلازم للاعتدال، في طيّاته مبادئ لا شرقية فيها ولا غربية، ولا قيم مُستوردة لا من بعيد ولا من قريب، سَمْت يُعرف به أهل قرية وادي نزوة وقيم أصيلة، سَمْت ساروا عليه كمنهج سلفهم الأفذاذ، سمْتٌ خاص لا يُرى مِثْله في البلاد وكأنّه وقفٌ لأهل هذه القرية العظيمة، اتزان ملحوظ في سَيماء الوجوه، تطبيق لشريعة اختطّها سلفهم من الأولين واللاحقين، كل شيء لديهم بِقَدر، توازن مألوف في علاقات بعضهم وبغيرهم .. إنجازاتهم تكوين قوة نفسية في أبنائهم، فينقلوها إلى من يأتي بعدهم.. أثرهم طيب، ومجلسهم حميد، لا تجد فيهم عاطل، ولا شخص فاسد، جميعهم كالحبال يربط بعضه ويمدّ بعضه البعض، مَتانة وقوةً وصلابة.

قرية ـ وادي نزوة ـ جمعت تراث الأولين ومزجته في إنجازات اللاحقين، بلا إفراط ولا تفريط. قرية جمعت القريب والبعيد، براعة أهلها في سفوح جبلها العظيم؛ جبل يصل إلى هامات السحاب، وحين تمطر السماء وتعصف بحبات مائها الثقيل على جبالها الشرقية والغربية تزدهر الأحجار وتنبت بينها الأشجار، وترى الورد جميلًا، تشمّ عطره، وتبقى نسائمه إلى موسم القطف والحصاد. 
تنحني الأمهات والبنات العفيفات إلى سرّ لم يعلمه غيرهن، لكأنّ انحناءاتهن لا يملكها سواهنّ، فالورد رمز الجبل العظيم، والصخر قوة، والصلابة عِفّة، لا تجد بين نسوة الجبل العظيم وقرية وادي نزوة ألفاظًا بذيئة بل جزالة في القول ورصانة في المَشية، نساء الجبل والقرية بنينَ مجتمع صالح لا يعرف التأفّف ولا الكسل ولا عجز، حتى كبار السنّ يكدحون ويعملون لا فحش في بيعهم ولا في شرائهم، مجتمع كادح، صبور ومكافح.. نسوة القرية رمز القوة والصلابة والنشاط، ونسوة الجبل العظيم مثل الصخر قوة وإرادة وعزم.
قعر وادي نزوة استراتيجي، منه خرجت قرية عِزّ الخير، وقرية " مَنع " وقيل "مَناع " فالأولين كانوا لا يكتبون المَد الواقع بين حرفين ويكتفون بنطقه، وفي الجبل العظيم وادٍ عجيب، لم يصل إليه أحد ولم يكتشف عالمه أحد، وادٍ يحمل غموض، في الليالي المُظلمة تسمع حطيم أشباح، لا تراهم ولكن تحسّ بوجودهم ، وتسمع أحيانًا أصوات وإزعاج ومزمار لكنّها أصوات غير مفهومة أبدًا، يقشعّر بدنك، وتهتزّ جوارحك، ظلام لا حسّ فيه غير تلك الأصوات المزعجة، ويطيش عقلك إذا ما سمعت أطيط يُفزعك، فتضطرب، ويعجز لسانك عن التعبير عنه أو حتّى الإفصاح عن شكله ومضمونه، لحظات الليل البهيم في الوادي العجيب في أعلى منحدر الجبل العظيم، لحظات تسودها أزيز وهدير أصوات صمّاء لا واقع لها، تتردّد بقوة في الجبال وكأنّها تُجاوب بعضها، وتُشعرك بأنّك على أبواب الجحيم.
وعلى جانبي قرية وادي نزوة، مكان فسيح، عُرفت البلدة بأنّها مكان نزول أوّل البشر، واشتقّ اسمها من اسم أوّل الهابطين على ترابها الطاهر، بلدة عزيزة الامتداد لا تنقطع عروقها عن قرية عزّ ومنّاع وينطقها الأهالي "منّاح" يُخفون العين ويُنطقون الحاء، في لهجة أهل البلدة، وفي رواية كبير موثقي تُراث البلدة وحكاياتها، أنّ منّاح رجل هيّأ الشقاق بين ولدي الرجل الأوّل.. وفي أصول لهجة ذلك البلد منذ قديم الزمان، يُخفون التاء وينطقونها دال، هكذا تسمع إذا حدّثك أحدهم، كحال أهل وادي نزوة والجبل العظيم وما جاورها، لا ينطقون العين سليمة ولا القاف، يتحوّل إلى كاف، وكذلك التاء ينطقونها دالاً، وقد يسمعها السامع بأنّ حاءً آخرها.. مثال، منّاع يُنطق منّاح لكن النطق لديه سليم، ينطقها عين، كحال القاف، لا ينطقونه قافًا بل كافٍ ولئن تسمع صوته يقول كيْد فهو ينطق قيْد.. وقبائل إلى كبائل، لكنّهم يعنون به القاف.. وأكثر الاقوال صحة، أنّ هذه اللغة، أو سيرورة الإبْدال، كظاهرة صوتية عند أهل قرية وادي نزوة وما جاورها من البلدات المُمتدة على سلسلة الجبلين ورباط حبلهما السري الغربي والشرقي، لكن بعض الامتداد الشرقي، تتراجع بعض الإسقاطات تأثراً من لهجات اكتسبتها من شرق البحر الكبير، على عكس الجبل الغربي أكثر مُتأثراً تأثراً كبيراً بلهجة أهل قرية وادي نزوة أو وادي جَرْفة.

وأصدق الحكايات قولاً، التي جاءت تصديقًا لأسطورة الرجل الأوّل، الذي وقع في خطأ في السماء، كان عقابه الطرد منها، ذلك الرجل اتخذ المكان تسمية مرفوعة إلى اسمه كأوّل من سكن السيح الواسع على أثر هبوطه مطرودًا من السماء.. ولذلك تجد أهل هذه السفوح الرملية، او السيح الواسع لغتها سليمة باقية ويُقال هي التي أمدّت بقية الاعراب بهذه اللغة السامية، لغة أهل السماء التي نزل بها الرجل الاول، التي تشرفت الارض التي وطأت قدم الرجل الاول عليها وعُرفت بإسمه السماوي الأول.
وفي حكاية واسعة الانتشار، أنّ السيح والسفوح الواسعة والرجل الأول، تبادلا المنافع، قَبِلت السفوح الواسعة والمُنبسطة نزول الرجل الأوّل على سيح خالٍ من الشجر لا اسم له، وحين سبر الرجل الأوّل بعينه امتداد السيح فرآهُ واسعًا والرمال لها حبيبات خفيفة، تعصف بها الريح كيف شاءت، ووجد كثبانًا هائجة كأمواج البحر.. فتأمّل وتفكّر، وقال في نفسه: لا بدّ لهذا السيح أن يكون له اسم.. فأطلق على المكان بعضًا من حروف اسمه مُكَوّنًا اسمًا جديدًا للسيح.

ونال السيح اسم أوّل رجل هبط من السماء، حين نزل إلى السيح الواسع مطرودًا، ولمّا وقعت قدماه في السيح الفسيح وتوسّعت عيناهُ فأوّل ما رأى هو امتداد السيح، من ذلك اليوم، عُرف بسيح "يدم".
وحين حضر أبناء الرجل الأوّل قسمة ما ورّثه لهم والدهم بعد موته، شدّدوا جميعًا على نشر خبر تسمية السيح باسم "سيح يدم" تزكية لما وردَ عن أبيهم، حبّه الشديد للمكان الواسع الفسيح، والزموا أنفسهم بنشر الاسم في كل بقاع معمورة سيح "يدم " وقرية الجبل العظيم وقرية وادي نزوة، واختلف أحد أبنائه الأربعة، وكانت بنتاً، وقد اعتزلت السيح وسارت إلى وادي نزوة، وربّما هي تلك الشابة الحسناء التي جرفها الوادي وتسمّى باسمها "وادي نزوة".

مقالات مشابهة

  • «الميديا فضحتهم».. القبض على المتهمين بـ معاكسة الفتيات في الزيتون
  • كشف ملابسات فيديو يظهر تعدى 4 يحملون أسلحة بيضاء على شخصين بمنطقة الزيتون
  • وزير الحج: تظليل أكثر من 170 ألف متر مربع وزراعة 20 ألف شجرة.. فيديو
  • شركة غاز البصرة تعلن عن زيادة في إنتاجية الغاز
  • وزير الحج: تظليل 170 ألف م2 وزراعة 20 ألف شجرة في مكة لتعزيز راحة الحجاج
  • 150 ريالا أعلى سعر في المزايدة على "شجر الأمبا" بالعوابي
  • 150 ريالا أعلى سعر في المزايدة على شجر الأمباء بالعوابي
  • حُلم معطّل (3)
  • للمرة الأولى في المملكة.. توطين اختبارات التحسين الوراثي لرفع إنتاجية الأبقار
  • مزارع يروي قصة إنتاج 150 نوعا من القرع في القصيم