جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-15@07:07:22 GMT

تطبيق إدارة المعرفة

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

تطبيق إدارة المعرفة

 

إيمان بنت محمد بن زيد المعولية **

iman.mo@moe.om

في دراسة ميدانية استخدمت فيها الباحثة المنهج الوصفي التحليلي، على عينة تكونت من 23 معلمة من معلمات مدرسة مزون العلم بولاية وادي المعاول التابعة لمحافظة جنوب الباطنة، بتوظيف استبانة ذات 28 عبارة كأداة لجمع البيانات بعد التحقق من صدقها وثباتها. فقد أظهرت النتائج: أنَّ واقع تطبيق إدارة المعرفة في مدرسة مزون العلم جاء بدرجة مرتفعة جدًا، وهو إنجاز ربما يكون متميزًا، أو غير مألوف على أقل تقدير.

السبب في ذلك أنَّ عصرنا هذا يشهد صخبًا في البيئة الرقمية، وتطورًا في نظم الاتصالات الحديثة، حين أفرزتْ العولمة قفزات هائلة في طرق تداول البيانات ومُعالجها وحفظها، بشكل أدى إلى تراكم المعرفة ومستجداتها في جميع المؤسسات التربوية. هذا السيل الجارف من العلوم المتدفقة ومستجداتها المتجددة؛ يعني الحاجة الشديدة لإدارتها وبالتالي مواكبتها. وهنا تبرُز إدارة المعرفة كأهم الأساليب الإدارية التي يمكن اعتمادها لجني فوائد عدة، لعل من بينها: تحسين الأداء، مشاركة المعلمين في مختلف نشاطات المدرسة، وزيادة كفاءة وفاعلية اتخاذ القرارات، تعزيز القدرة على الإبداع والابتكار لأجل زيادة الإنتاجية. وفوق هذا كله؛ تتيح فرصة المنافسة المستعرة في ضوء معطيات العصر؛ لإعداد جيل قادر على العمل وفق متطلبات اقتصاد المعرفة. وبخلاف ذلك فـ"إن الإنسان لفي خسرٍ".

وانطلاقًا من الإيمان الراسخ لقيادة السلطنة، بأن قطاع التعليم يؤدي دورًا محوريًا أساسيًا في النهضة المنشودة، وعلى عاتقه تقع مسؤولية بناء الجيل العُماني الصاعد، الذي يعكس حضارة السلطنة وأصالتها وريادتها في المنطقة والعالم؛ فقد حظي قطاع التعليم بمكانة سامية في الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" المباركة. التي تطمح إلى تطوير النظام التعليمي في السلطنة والنهوض به لينتج إنسانًا واثقًا من هويته، متمسكًا بقيم المجتمع وتقاليده الأصيلة الراسخة، مبتكرًا ونشطًا ومواكبًا للمتغيرات وما يستجد يوميا. فلأجل تحقيق هذا المُخرَج النوعي تتضافر مناهج نوعية لتحقيقه، يقدّمها معلمون مدربون مؤهلون بأحدث أساليب التدريس، لكي تلبي حاجات الطلبة وفق مراحلهم العمرية، يشرف عليها قادة تربويون باعتماد أحدث أنظمة القيادة التربوية.

لذلك.. أكدت العديد من الدراسات والبحوث، على أهمية تطبيق إدارة المعرفة في المؤسسات التعليمية، لتحسين وتطوير قدراتها وأدائها، والعمل على زيادة الكفاءة والفعالية وخفض التكاليف. إضافة إلى زيادة الوعي بأنشطة المدرسة، والعمل على اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، لتحقيق ميزة تنافسية تنمي الإبداع. ورغم أهمية تبني إدارة المعرفة في السلطنة، إلّا إنَّ المتتبع للدراسات المحلية التي ناقشتْ إدارة المعرفة؛ يجد أنها تشير إلى أن المدارس لا تعطي الأولوية لإدارة المعرفة، بشكل أضعف قيمة إدارة المعرفة بشكل واضح.

ويُشير كثير من الباحثين، إلى معطيات العناصر الأساسية لإدارة المعرفة، منها: الاستراتيجية، القوى البشرية، التكنولوجيا، التي تشكل عند تفاعلها طبيعة المعرفة وحجم الاحتياج لها. فإدارة المعرفة لا تعمل في فراغ، بل في إطار بيئة تنظيمية تنمي العديد من العناصر والمتغيرات التي تتفاعل فيما بينها، لتؤثر في عملية إدارة المعرفة، وهي: البعد التكنولوجي، البعد التنظيمي واللوجستي للمعرفة، والبعد الاجتماعي.

ومن خلال التحليل الوصفي في (SPSS)، بينتْ نتائج البحث؛ أنَّ واقع تطبيق إدارة المعرفة في مدرسة مزون العلم للتعليم الأساسي بمحافظة جنوب الباطنة كان بدرجة مرتفعة جداً، إذ بلغ المتوسط الحسابي للاستبانة ككل (4.71) من أصل (5) درجات. حين جاء البعد الأول: توليد المعرفة والحصول عليها، متقدما على بقية الأبعاد، بدرجة موافقة مرتفعة جداً، وجاء ثانيا البعد الثالث تطبيق إدارة المعرفة، وفي المرتبة الثالثة كان البعد الرابع توثيق المعرفة وتخزينها، وأخيرا حلّ رابعا البعد الثاني مشاركة المعرفة ونشرها بدرجة مرتفعة جداً أيضًا.

ومن خلال نظرة فاحصة سريعة على أبعاد الاستبيان، نجد أنَّ العبارات الآتية، قد احتلت المراتب الأولى؛ ففي البعد الأول جاءت بالمرتبة الأولى عبارة: دعم الأفكار الإبداعية لدى العاملين في المدرسة. وفي البعد الثاني، جاءت أولا العبارة 13 عقد اجتماعات وورش عمل تربوية، وإقامة محاضرات ذات علاقة بالمعرفة؛ وتعزو الباحثة هذه النتيجة للمتابعة الحثيثة من قبل القيادات التعليمية إضافة للندوات والورش التي تعقدها وزارة التربية والتعليم للمعلمين. وفي البعد الثالث تطبيق إدارة المعرفة؛ تقدمت العبارة 10 تسهيل وصول جميع أعضاء الهيئة التعليمية إلى قواعد المعرفة التي تمتلكها المدرسة. أما في البعد الرابع توثيق المعرفة وتخزينها؛ فجاءت العبارة 22 تهتم المدرسة بتوثيق المعرفة والمحافظة عليها في المرتبة الأولى. وتعزو الباحثة هذه النتيجة بأن تطبيق إدارة المعرفة في المؤسسات التعليمية والمتابعة المستمرة في عمليات التطوير والاستفادة من كافة الأمور التي من شأنها أن تسهم في تطوير أداء المعلمين وفي زيادة معارف ومهارات المعلمين، وإن تدريب المعلمين على تطبيق إدارة المعرفة؛ كان لها الأثر الواضح في زيادة أدائهم ومعارفهم، وتوظيفها في أدائهم الوظيفي بشكل كبير. وتكاد نتيجة هذه الدراسة أنْ تتفق مع دراسة العبار، (2020) التي أشارت؛ بأن تطبيق إدارة المعرفة كان بمستوى مرتفع. لكنها تختلف مع نتيجة دراسة الشيخ (2020)؛ ودراسة الصقري (2017)؛ ودراسة الميع والسيد (2018) التي أشارت بأن تطبيق إدارة المعرفة في دراساتهم كانت ما بين الضعيف والمتوسط.

وعن وجود فروق ذات دلالة إحصائية، حول واقع تطبيق إدارة المعرفة بمدرسة مزون العلم بمحافظة جنوب الباطنة تبعاً لمتغيري عدد سنوات الخبرة، فقد أشار اختبار كروسكال واليز (Kruskal-Wallis)؛ عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين استجابات عينة البحث على الاستبانة بأبعادها كافة.

وعن الفروق الناجمة عن المؤهل العلمي، أشار الاختبار ذاته؛ إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية في ثلاثة أبعاد. عدا البعد الرابع توثيق المعرفة وتخزينها، حيث وجدت فروق دالة إحصائياً عند مستوى (a≥0.05) تبعاً لمتغير المؤهل العلمي. ولتحديد جهة الفروق بالنسبة للدبلوم والبكالوريوس والدراسات العليا؛ في البعد الرابع الدال إحصائياً؛ تم استخدام اختبار مان وتني (Mann-Whitney)، أشارت نتائج التحليل وجود الفروق لصالح درجة البكالوريوس.

وأوصت الدراسة؛ ضرورة عقد دورات تدريبية في مجال إدارة المعرفة ونشر ثقافتها في المدارس. تبني إدارات المدارس تطبيق إدارة المعرفة لخلق بيئة تنظيمية وتعليمية محفزة للإبداع والابتكار. تجنب الاعتماد على المستندات الورقية للتخزين، والعمل على التخزين الرقمي لسهولة الاسترجاع. توفير شبكة معلومات داخلية تساعد العاملين في الوصول إلى قواعد البيانات. وإعداد دليل لإدارة المعرفة يوضح معايير ومقايس الأداء.

** مديرة مدرسة مزون العلم للتعليم الأساسي بمحافظة جنوب الباطنة

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشهادات العليا.. بين القيمة الحقيقية والوجاهة الزائفة

 

 

د. ذياب بن سالم العبري

حين نتأمل المشهد الأكاديمي اليوم، ندرك أن الشهادات العليا لم تعد مجرد محطات دراسية في مسيرة الفرد؛ بل صارت عنوانًا لمسؤولية أكبر من حدود الذات؛ فكل شهادة عليا هي وعد بالالتزام تجاه المعرفة، وأمانة أخلاقية تُحمّل صاحبها واجبًا مضاعفًا في خدمة وطنه ومجتمعه. ومن جعل من علمه لبنة في بناء وطنه، فقد ارتقى بالشهادة إلى معناها الأسمى، أما من اختزلها في وجاهة أو ترفٍ اجتماعي، فقد جرّدها من قيمتها وأثقلها بفراغٍ لا طائل منه.

إنَّ القيمة الحقيقية لهذه المؤهلات لا تكمن في تحسين الوضع الوظيفي أو نيل الترقية فحسب؛ بل في قدرتها على تشكيل عقلية ناقدة، محلّلة، مؤثرة. إنها وسيلة لتوسيع الأفق، وبناء إنسان قادر على المشاركة في مشروع وطني يتجاوز ذاته. ولهذا، فإنَّ المجتمعات التي تحسن استثمار هذه الطاقات لا تُبنى بالشعارات؛ بل بالعقول المؤهلة، والنوايا الصادقة، والإرادة القادرة على تحويل الفكر إلى أثر ملموس.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل ظواهر سلبية تُلقي بظلالها على المشهد، حين تتحول الشهادات إلى مظاهر اجتماعية، أو أدوات للتفاخر الطبقي، أو أوراق تُنتج بلا جهد حقيقي ولا ارتباط بالواقع. إن اختزال الدراسات العليا في أهداف ضيقة، أو الارتهان لأبحاث منسوخة لا تُلامس بيئتنا، يُفقدها قيمتها ويُقصيها عن مسارها المفترض.

لقد وضعت رؤية "عُمان 2040" التعليم والبحث العلمي والابتكار في صميم التوجه الوطني، وفتحت أمامنا فرصة تاريخية لإعادة صياغة دور الكفاءات العلمية. لكن هذا النجاح مشروط بقدرتنا على تحويل المعرفة إلى ممارسة، والبحث إلى حلول، والفكر إلى مشاريع قابلة للتنفيذ. وهنا تتسع دوائر الحاجة إلى أن تُسخّر الطاقات الوطنية في ميادين التكنولوجيا الناشئة كالذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية والتحول الرقمي الصناعي، وفي الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية كدعائم للأمن الغذائي عبر الزراعة الدقيقة والري الذكي والاستدامة البيئية، وفي الأبحاث الأدبية والإبداعية لترسيخ الهوية الثقافية وصناعة وعي مجتمعي متوازن، وفي مجالات الطاقة والبيئة التي تفرض علينا إيجاد حلول توازن بين التنمية والحفاظ على الموارد الطبيعية.

وإذا كانت هذه هي حاجاتنا الوطنية، فإن العالم قد سبقنا إلى إثبات جدوى هذا النهج؛ فالتجربة الكورية الجنوبية تؤكد أن الاستثمار في الأبحاث التطبيقية قادر على تحويل دولة نامية إلى قوة صناعية وتقنية كبرى خلال عقود قليلة، فيما جعلت سنغافورة من مراكزها البحثية منصة لسياسات وطنية نقلتها إلى مصافّ الدول المتقدمة في الصحة والتعليم والتقنية. أما فنلندا فقد أثبتت أن البحث العلمي في التعليم قادر على صياغة نموذج مدرسي عالمي، بينما رسّخت ألمانيا مكانتها الصناعية عبر ربط الجامعات بالقطاع الصناعي مباشرة من خلال المعاهد التطبيقية. هذه التجارب جميعها تُثبت أن الشهادات العليا ليست قيمة بذاتها، بل بقدرتها على الإسهام في التحول الوطني وصناعة المستقبل.

إن قيمة الشهادة لا تُقاس بورقها؛ بل بأثرها. ومكانة العالِم لا تُمنح له، ولكن يصنعها بما يقدمه من نفع، وما يتركه من بصمة، وما يغرسه من وعي وأمل في طريق وطنه. ومن هنا، فإن الانتقال من مرحلة التراكم الكمي للشهادات إلى مرحلة التوظيف النوعي لها بات ضرورة، عبر دمجها في صميم السياسات التنموية وربطها بحاجات المجتمع وتسخيرها في خدمة الوطن والمواطن.

وفي نهاية المطاف، تبقى الحقيقة جلية: إن الدراسات العليا ليست نهاية الطريق؛ بل بدايته، وليست غاية للتفاخر؛ بل التزام وطني طويل الأمد. والمجتمع الذي يضع المعرفة في موقعها الصحيح، ويُحسن توظيفها في مراكز البحث، ويشجّع أصحابها على الإبداع، هو المجتمع الذي يكتب تاريخه بمدادٍ من وعي، ويصوغ مستقبله بعقول أبنائه، ويثبت للعالم أنَّ المعرفة في عُمان ليست ترفًا؛ بل رسالة ومسؤولية ونهج حياة.

مقالات مشابهة

  • الشهادات العليا.. بين القيمة الحقيقية والوجاهة الزائفة
  • محافظ الشرقية يُفاجئ مدرسة التربية الفكرية بكفر صقر ويوجه بتوفير كافة احتياجاتها
  • مدير تعليم الفيوم يشهد طابور الصباح بمدرسة سنهور ويعقد اجتماعا بالمعلمين
  • مدير تعليم الفيوم يشيد بالانضباط ويعزز القيم الوطنية في مدرسة «سنهور الثانوية التجارية»
  • والد التلميذ شنودة:ابنى دفع فاتورة الإهمال داخل مدرسة محمد عبده التجريبية بأكتوبر
  • احذر من جاهل حفظ سطرين وفقير جمع قرشين
  • سفير مصر لدى سلطنة عُمان يستضيف مجلس إدارة المدرسة المصرية بمسقط
  • ندوة تعريفية عن حرب أكتوبر بتعليم أبوتشت لتعمق المعرفة الوطنية لدى الطلاب
  • وكيل تعليم بورسعيد يفاجئ مدارس جنوب المحافظة لمتابعة انتظام العملية التعليمية
  • جولة مفاجئة لمدير تعليم بورسعيد لمتابعة انتظام العمل بمدارس إدارة جنوب