تطبيق إدارة المعرفة
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
إيمان بنت محمد بن زيد المعولية **
iman.mo@moe.om
في دراسة ميدانية استخدمت فيها الباحثة المنهج الوصفي التحليلي، على عينة تكونت من 23 معلمة من معلمات مدرسة مزون العلم بولاية وادي المعاول التابعة لمحافظة جنوب الباطنة، بتوظيف استبانة ذات 28 عبارة كأداة لجمع البيانات بعد التحقق من صدقها وثباتها. فقد أظهرت النتائج: أنَّ واقع تطبيق إدارة المعرفة في مدرسة مزون العلم جاء بدرجة مرتفعة جدًا، وهو إنجاز ربما يكون متميزًا، أو غير مألوف على أقل تقدير.
السبب في ذلك أنَّ عصرنا هذا يشهد صخبًا في البيئة الرقمية، وتطورًا في نظم الاتصالات الحديثة، حين أفرزتْ العولمة قفزات هائلة في طرق تداول البيانات ومُعالجها وحفظها، بشكل أدى إلى تراكم المعرفة ومستجداتها في جميع المؤسسات التربوية. هذا السيل الجارف من العلوم المتدفقة ومستجداتها المتجددة؛ يعني الحاجة الشديدة لإدارتها وبالتالي مواكبتها. وهنا تبرُز إدارة المعرفة كأهم الأساليب الإدارية التي يمكن اعتمادها لجني فوائد عدة، لعل من بينها: تحسين الأداء، مشاركة المعلمين في مختلف نشاطات المدرسة، وزيادة كفاءة وفاعلية اتخاذ القرارات، تعزيز القدرة على الإبداع والابتكار لأجل زيادة الإنتاجية. وفوق هذا كله؛ تتيح فرصة المنافسة المستعرة في ضوء معطيات العصر؛ لإعداد جيل قادر على العمل وفق متطلبات اقتصاد المعرفة. وبخلاف ذلك فـ"إن الإنسان لفي خسرٍ".
وانطلاقًا من الإيمان الراسخ لقيادة السلطنة، بأن قطاع التعليم يؤدي دورًا محوريًا أساسيًا في النهضة المنشودة، وعلى عاتقه تقع مسؤولية بناء الجيل العُماني الصاعد، الذي يعكس حضارة السلطنة وأصالتها وريادتها في المنطقة والعالم؛ فقد حظي قطاع التعليم بمكانة سامية في الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" المباركة. التي تطمح إلى تطوير النظام التعليمي في السلطنة والنهوض به لينتج إنسانًا واثقًا من هويته، متمسكًا بقيم المجتمع وتقاليده الأصيلة الراسخة، مبتكرًا ونشطًا ومواكبًا للمتغيرات وما يستجد يوميا. فلأجل تحقيق هذا المُخرَج النوعي تتضافر مناهج نوعية لتحقيقه، يقدّمها معلمون مدربون مؤهلون بأحدث أساليب التدريس، لكي تلبي حاجات الطلبة وفق مراحلهم العمرية، يشرف عليها قادة تربويون باعتماد أحدث أنظمة القيادة التربوية.
لذلك.. أكدت العديد من الدراسات والبحوث، على أهمية تطبيق إدارة المعرفة في المؤسسات التعليمية، لتحسين وتطوير قدراتها وأدائها، والعمل على زيادة الكفاءة والفعالية وخفض التكاليف. إضافة إلى زيادة الوعي بأنشطة المدرسة، والعمل على اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، لتحقيق ميزة تنافسية تنمي الإبداع. ورغم أهمية تبني إدارة المعرفة في السلطنة، إلّا إنَّ المتتبع للدراسات المحلية التي ناقشتْ إدارة المعرفة؛ يجد أنها تشير إلى أن المدارس لا تعطي الأولوية لإدارة المعرفة، بشكل أضعف قيمة إدارة المعرفة بشكل واضح.
ويُشير كثير من الباحثين، إلى معطيات العناصر الأساسية لإدارة المعرفة، منها: الاستراتيجية، القوى البشرية، التكنولوجيا، التي تشكل عند تفاعلها طبيعة المعرفة وحجم الاحتياج لها. فإدارة المعرفة لا تعمل في فراغ، بل في إطار بيئة تنظيمية تنمي العديد من العناصر والمتغيرات التي تتفاعل فيما بينها، لتؤثر في عملية إدارة المعرفة، وهي: البعد التكنولوجي، البعد التنظيمي واللوجستي للمعرفة، والبعد الاجتماعي.
ومن خلال التحليل الوصفي في (SPSS)، بينتْ نتائج البحث؛ أنَّ واقع تطبيق إدارة المعرفة في مدرسة مزون العلم للتعليم الأساسي بمحافظة جنوب الباطنة كان بدرجة مرتفعة جداً، إذ بلغ المتوسط الحسابي للاستبانة ككل (4.71) من أصل (5) درجات. حين جاء البعد الأول: توليد المعرفة والحصول عليها، متقدما على بقية الأبعاد، بدرجة موافقة مرتفعة جداً، وجاء ثانيا البعد الثالث تطبيق إدارة المعرفة، وفي المرتبة الثالثة كان البعد الرابع توثيق المعرفة وتخزينها، وأخيرا حلّ رابعا البعد الثاني مشاركة المعرفة ونشرها بدرجة مرتفعة جداً أيضًا.
ومن خلال نظرة فاحصة سريعة على أبعاد الاستبيان، نجد أنَّ العبارات الآتية، قد احتلت المراتب الأولى؛ ففي البعد الأول جاءت بالمرتبة الأولى عبارة: دعم الأفكار الإبداعية لدى العاملين في المدرسة. وفي البعد الثاني، جاءت أولا العبارة 13 عقد اجتماعات وورش عمل تربوية، وإقامة محاضرات ذات علاقة بالمعرفة؛ وتعزو الباحثة هذه النتيجة للمتابعة الحثيثة من قبل القيادات التعليمية إضافة للندوات والورش التي تعقدها وزارة التربية والتعليم للمعلمين. وفي البعد الثالث تطبيق إدارة المعرفة؛ تقدمت العبارة 10 تسهيل وصول جميع أعضاء الهيئة التعليمية إلى قواعد المعرفة التي تمتلكها المدرسة. أما في البعد الرابع توثيق المعرفة وتخزينها؛ فجاءت العبارة 22 تهتم المدرسة بتوثيق المعرفة والمحافظة عليها في المرتبة الأولى. وتعزو الباحثة هذه النتيجة بأن تطبيق إدارة المعرفة في المؤسسات التعليمية والمتابعة المستمرة في عمليات التطوير والاستفادة من كافة الأمور التي من شأنها أن تسهم في تطوير أداء المعلمين وفي زيادة معارف ومهارات المعلمين، وإن تدريب المعلمين على تطبيق إدارة المعرفة؛ كان لها الأثر الواضح في زيادة أدائهم ومعارفهم، وتوظيفها في أدائهم الوظيفي بشكل كبير. وتكاد نتيجة هذه الدراسة أنْ تتفق مع دراسة العبار، (2020) التي أشارت؛ بأن تطبيق إدارة المعرفة كان بمستوى مرتفع. لكنها تختلف مع نتيجة دراسة الشيخ (2020)؛ ودراسة الصقري (2017)؛ ودراسة الميع والسيد (2018) التي أشارت بأن تطبيق إدارة المعرفة في دراساتهم كانت ما بين الضعيف والمتوسط.
وعن وجود فروق ذات دلالة إحصائية، حول واقع تطبيق إدارة المعرفة بمدرسة مزون العلم بمحافظة جنوب الباطنة تبعاً لمتغيري عدد سنوات الخبرة، فقد أشار اختبار كروسكال واليز (Kruskal-Wallis)؛ عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين استجابات عينة البحث على الاستبانة بأبعادها كافة.
وعن الفروق الناجمة عن المؤهل العلمي، أشار الاختبار ذاته؛ إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية في ثلاثة أبعاد. عدا البعد الرابع توثيق المعرفة وتخزينها، حيث وجدت فروق دالة إحصائياً عند مستوى (a≥0.05) تبعاً لمتغير المؤهل العلمي. ولتحديد جهة الفروق بالنسبة للدبلوم والبكالوريوس والدراسات العليا؛ في البعد الرابع الدال إحصائياً؛ تم استخدام اختبار مان وتني (Mann-Whitney)، أشارت نتائج التحليل وجود الفروق لصالح درجة البكالوريوس.
وأوصت الدراسة؛ ضرورة عقد دورات تدريبية في مجال إدارة المعرفة ونشر ثقافتها في المدارس. تبني إدارات المدارس تطبيق إدارة المعرفة لخلق بيئة تنظيمية وتعليمية محفزة للإبداع والابتكار. تجنب الاعتماد على المستندات الورقية للتخزين، والعمل على التخزين الرقمي لسهولة الاسترجاع. توفير شبكة معلومات داخلية تساعد العاملين في الوصول إلى قواعد البيانات. وإعداد دليل لإدارة المعرفة يوضح معايير ومقايس الأداء.
** مديرة مدرسة مزون العلم للتعليم الأساسي بمحافظة جنوب الباطنة
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الكاتب الأردني محمد النابلسي: الأطفال العمانيون الباحثون عن المعرفة لديهم استعداد للدخول في حوار عميق حول أفكار فلسفية
العُمانية: يرى الكاتب الأردني والمختص في أدب الأطفال واليافعين، محمد النابلسي، أن الطفل العُماني الباحث عن العلم والمعرفة، شغوف بالثقافة، يتسم بالهدوء ودائما يخفي بداخله نضجًا غير عادي. ومن خلال لقاءه الأخير بمجموعة من الأطفال خلال فترة معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ 29 2025، أشار النابلسي إلى أن الأطفال في سلطنة عُمان لديهم استعداد للدخول في حوار معمّق حول أفكار فلسفية بأسلوب بسيط، وأسئلة لم يسمعها من قبل في أي بلد آخر، ـ وفق تعبيره ـ وقال: وجدت أن التواصل مع الطفل العُماني يحتاج إلى صبر، لكنه يثمر كثيرًا من الفهم والنضج.
فالنابلسي الذي لديه العديد من المشاركات في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح يمتلك رصيدًا أدبيًّا خاصًّا بأدب الطفل واليافعين بما فيها "تمر ومسالا " ورواية "الحكي عن أيمن وفراشاته" و"نشارة الخشب" وغيرها من الإصدارات، كما حصل على جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال (القصة الخيالية) - المركز الأول عن سنة 2020 عن قصة "غول المكتبة"، كما أخرج مسرحيات "الليلة الكبيرة" و "رحلة حمودي البحرية".
وفي حديث خاص لوكالة الأنباء العُمانية يتحدث النابلسي عن شغفه بأدب الطفل وما أوقد روح البدايات والمحفزات لا تزال تؤكد ثبات واستمرارية هذا الشغف، وإسهام الخلفية الثقافية للمبدع والكاتب واستمراريته في أن يكون مبتكرًا فيما يود أن يقدمه من نتاج إبداعي مغاير ويقول: بدأت علاقتي بأدب الطفل من باب شخصي جدًا، شغفي بالقراءة كان المحفز الرئيس للكتابة، والفكرة دائمًا مرتكزها حول إضافة شيء جديد، وليس تكرار للآخر، قد أتقاطع مع الكثير من الكتّاب والأدباء في بعض الأفكار، لكن لكل منا لغته ورسالته وأسلوبه الخاص، المسألة مرتبطة بإثراء مشهد الكتابة للطفل.
ويضيف: من هنا بدأ الحلم، أن أكون كاتبًا يسهم في تشكيل ذاكرة جديدة للطفل العربي لا أن ينقل له ثقافة مستوردة فقط، ولا اجترار ثقافة مبنية على شعارات مفرغة من محتواها أو عنترية اللهجة، فالشغف لا يولد مرة واحدة، بل يتجدد كلما التقيت بطفل يروي لي ماذا فعلت به إحدى قصصي، أو معلم يستخدمها داخل الصف، أو أمّ تشكرني لأن كلمات بسيطة أثارت نقاشًا عائليًّا عميقًا، وما يؤكد هذا الثبات هو إدراكي أن هذه الرسالة أعمق من مجرد حكاية. الكتابة للطفل فعل ثقافي، وتربوي، وإنساني. وكوني عشت في بيئات مختلفة ومتعددة الثقافات – ما بين الكويت والأردن والإمارات وتجربتي الخليجية عامة – أضاف هذا لي أدوات لفهم الطفل العربي بتنوّعه الجغرافي واللغوي والاجتماعي. ويبيّن أن الخلفية الثقافية للكاتب ليست رفاهية، بل ضرورة، لأنها تمنحنا وعيًا نقديًّا يُغني التجربة، ويمنحنا القدرة على تقديم محتوى لا يكرر نفسه، بل يُبدع من رحم الاختلافات والبيئات.
ويتطرق النابلسي إلى تجربته الخاصة مع أدب الطفل في سلطنة عُمان، وهي المشاركة الأخيرة في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ29 2025، وتقديمك لعدد من الحلقات العلمية والعملية، ويشير إلى علاقة التواصل مع الطفل العُماني، ورؤيته في تجارب مسرح الطفل في الوطن العربي وأوجه التقدم أو القصور فيها ويوضح: زيارتي الأخيرة لسلطنة عُمان تعد واحدة من أكثر التجارب ثراءً في مسيرتي الأدبية. لم تكن فقط زيارة لمعرض، بل رحلة لاكتشاف الطفل العُماني، بثقافته، وفضوله، وهدوئه الذي يخفي بداخله نضجًا غير عادي. قدّمتُ في تلك المشاركة حلقتين في ركن الضاد "فن كتابة الرسائل إلى المستقبل"، و" الكتابة الإبداعية لليافعين".
ما لفت نظري هو مدى الاستعداد الذي أبداه الأطفال للدخول في حوار معمّق حول أفكار فلسفية بأسلوب بسيط. أسئلة لم أسمعها من قبل في أي بلد آخر. وجدت أن التواصل مع الطفل العُماني يحتاج إلى صبر، لكنه يثمر كثيرًا من الفهم والنضج.
التجربة جعلتني أقتنع أكثر أن الطفل العربي ليس جوهرًا واحدًا كما يدعي الكثير، ولكنه تنوّع ثري، وعلى الكاتب أن يتحرك بهذا الوعي. وأرى أن المؤسسات الثقافية العُمانية تملك بنية تنظيمية رصينة، تدعم مشاركة الكتّاب العرب، وهناك حاجة لتعزيز حضور أدب الطفل في تفاصيل المعرض، عبر جلسات حوارية أكبر، ومشاركات نقدية أكثر، وعقد بعض الملتقيات والفعاليات التي تهم صنّاع كتب الطفل ضمن البرنامج الثقافي للمعرض.
ولأن سلطنة عُمان تمتاز بتنوع ثقافي وحضاري يتقاطع مع الجانب الاجتماعي، ما يُشكّل ثروة حقيقية لإيجاد صوت أدبي مغاير، هنا يشير "النابلسي" إلى الكيفية التي يمكن من خلالها توظيف هذا التنوع في صياغة أدب طفل يُعبّر عن الواقع العُماني بخصوصيته، وأن يكون قادرًا على العبور نحو الفضاءات الثقافية العربية بطرق ذات نطاق شمولي ويقول: سلطنة عُمان تمتاز بثقافة متعددة الطبقات: تاريخ غني، تنوع جغرافي من الجبل إلى البحر، ولهجات محلية ذات إيقاع شعري، وعلاقات اجتماعية مبنية على المروءة والكرم والهوية المجتمعية المتماسكة. كل هذه العناصر تُشكل خامات ثمينة لأدب الطفل، ولكي نعبر بهذه الخصوصية إلى فضاء عربي أوسع، نحتاج إلى "الأدب المُتشبّع محليًا، المنفتح عالميًا". على الكاتب أن يستثمر في التفاصيل العُمانية – من حكايات الجدات، إلى البيئة البحرية، إلى الأزياء والاحتفالات – ولكن أن يُعيد صياغتها ضمن حبكة تصلح لأي قارئ عربي. هذا هو سر الأدب الذي يُصدّر ثقافته دون أن يُغلق أبوابه، فأدب الطفل العُماني قادر على أن يكون جسرًا ثقافيًا، متى ما تم توظيف عناصره بخيال حر ووعي عميق.
وينتقل "النابلسي" إلى مسرح الطفل والإخراج المسرحي، والعلاقة بين النص الأدبي للطفل والمسرح الموجَّه له اليوم، ليوضح التحديات التي تواجه الإخراج، وخاصة الأعمال الموجَّهة للأطفال مقارنةً بمسرح الكبار ويقول: من وجهة نظري، مسرح الطفل هو أحد أكثر الأدوات التربوية تأثيرًا في وعي أجيال سابقة، لكنه لم يحصل على مكانته بعد في ذهنية هذا الجيل من الأطفال، لأنه للأسف يُدار في الغالب من باب الترفيه لا التربية. النصوص المسرحية المقدمة للأطفال في الوطن العربي غالبًا ما تقع في فخ التبسيط المفرط، أو العظة المباشرة، أو التكرار. بينما في تجارب مسرحية في دول مثل تونس والمغرب، نرى اتجاهات جديدة تجمع بين الفن والتربية والمعالجة النفسية بطريقة احترافية.
ويبيّن: من التحديات التي تواجه الإخراج المسرحي الموجّه للأطفال: الميزانيات الضعيفة، غياب التدريب المتخصص، وأحيانًا النظرة الدونية لفن الطفل من قبل بعض صنّاع المسرح الكبار. يعتقد البعض أن إخراج عمل مسرحي للطفل أسهل من عمل للكبار، بينما الحقيقة هي العكس تمامًا. الطفل لا يُجامل، ولا ينتظر "ذروة الأحداث"، بل يحتاج لشد انتباهه منذ الدقيقة الأولى. أرى أن العلاقة بين النص المسرحي الموجّه للطفل والإخراج بحاجة إلى إعادة بناء. كثير من النصوص لا تُكتب بروح المسرح بل بروح الكتاب المقروء، وهذا يُعيق المخرج في تحويله إلى مشهد بصري حي. الكتابة للمسرح يجب أن تُراعي الحركة، الصوت، الإيقاع، والحوار الداخلي والخارجي للشخصيات.
ويذهب "النابلسي" إلى الممكنات التي تجعل من مسرح الطفل وسيلة تربوية وفكرية تُسهم في بناء وعي الأجيال في ظل الخيارات البصرية المتعددة المتاحة، والتي قد تُشكّل تحديًا حقيقيًّا لدى صنّاع العمل المسرحي على وجه التحديد، ويؤكد بقوله: في ظل وفرة الخيارات البصرية الحديثة تبدو مهمة المسرح أكثر صعوبة، لكنها ليست مستحيلة. ما يُميز المسرح هو حضوره الحي، واللقاء المباشر بين الطفل والفن، وهو ما لا تستطيع الوسائط الرقمية تحقيقه بنفس التأثير. التحدي هنا هو أن نُعيد صياغة المسرح ليكون مواكبًا للزمن لا مُجمدًا في قوالب تقليدية. أؤمن أن ممكنات مسرح الطفل التربوية تكمن في عناصر مثل التشاركية، والاندماج، والتعبير عن الذات. الطفل عندما يصبح جزءًا من التجربة، تتضاعف الاستفادة. علينا أيضًا أن نكسر فكرة المسرح الذي "يشرح" أو "يعظ"، ونبني عوضًا عنه مسرحًا "يُسائل" و "يُفكر". في هذا الإطار، من الممكن توظيف تقنيات الواقع المعزز أو المسرح التفاعلي، مع الحفاظ على البنية الإنسانية للمسرح كفن حي. لن ينافس المسرح الألعاب، لكنه يستطيع أن يقدم شيئًا لا تقدمه الألعاب: الإنسان.
وفيما يتعلق بالعولمة الثقافية والطفرة التكنولوجية، وما يمكن أن يقوم به المسرح ليحافظ على هويته ويظل قريبًا من واقع حياة الطفل، مرورًا باللغة التي لا يزال يتلقاها الطفل اليوم، التي ما إذا كانت صالحة، أم أن الوقت قد حان لتفكيكها وإعادة بنائها بما يُناسب المتغيرات الجديدة، يقول "النابلسي": قد أكون من المتحفظين على مصطلح العولمة في عالم كبير ومتعدد الثقافات، فالعالم دائمًا كان فيه هذا التعدد، والحفاظ على التراث كجزء من الهوية، يشترط أن يكون دون الوقوع في فخ "الحنين المزيف". مسرح الطفل في العالم العربي لا يجب أن يكون مسرحًا يعيد تدوير التراث فقط، ويفترض أن للهوية شكلًا واحدًا، والعولمة هو العدو الأكبر، بل عليه أن يُفسّر الحاضر ويستشرف المستقبل. اللغة التي نخاطب بها الطفل اليوم بحاجة فعلًا لإعادة تفكيك. لغة المسرح يجب أن تُجيد مخاطبة الحواس الخمس، أن تبتعد عن المباشرة، وتستخدم الصورة، الإشارة، الموسيقى، والإيقاع، والمزاج الذي يحمله الطفل ضمن المحفزات البصرية والذهنية المحيطة به. يجب أن تكون اللغة "حية"، لا جامدة، وأن تنتمي لعالم الطفل كما يراه لا كما نريد نحن أن يراه. نحتاج إلى كتاب مسرحيين يُجيدون لغة الشاشة كما يُجيدون لغة الركح. المسرح إن أراد البقاء، عليه أن يُخاطب الطفل بلغته، لا بلغة زمن آخر.
ويذهب النابلسي للحديث عن واقع الجوائز الأدبية كونه حاصلًا على "جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال"، ودورها في دعم الأديب على المستوى الفني والأدبي، وأهميتها بالنسبة له وما إذا حققت الجوائز الثقافية الغاية من وجودها وتوظيفها كمنصات لتحفيز الكتابة النوعية في أدب الطفل فيالعالمالعربي ويؤكد: حصولي على جائزة عبدالحميد شومان لأدب الأطفال (القصة الخيالية) لم يكن فقط تتويجًا لنصّ أدبي، بل اعترافًا بأن الحلم الذي حملته طويلًا يمكن أن يصبح واقعًا. الجوائز الأدبية لها أثر مضاعف: شخصي وفني. لقد منحتني ثقة، وفتحًا لأبواب النشر والتعاون، وفنيًا، حمّلتني مسؤولية أن أكون في مستوى التوقعات، وأن أواصل دون أن أكرر. ولكن أقول إن هناك كثيرًا من الجوائز تتحول إلى لحظة احتفالية فقط، دون متابعة الأثر أو دعم نشر النصوص الفائزة أو حتى المعايير الواضحة في التقييم. من المهم أن تتحول الجوائز إلى "منصات بناء" لا مجرد "منصات تتويج". يمكن أن تقدم منحًا، برامج إقامة، أو دعمًا لإنتاج النصوص مسرحيًّا أو بصريًّا. أؤمن بأن الكتابة للطفل عمل وطني، ثقافي، مستقبلي. هي ليست فقط حول متعة القراءة، بل هي صياغة وعي جديد، وصناعة أمل طويل المدى، تتكاتف بها كل الأطراف.