ترأس قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، القداس الإلهي، مع افتتاح أعمال الدورة الأولي من الجمعية العادية السادسة عشر لسينودس الأساقفة الكاثوليك حول العالم، والتي انطلقت أعمالها أمس.

شارك في الصلاة البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، وأصحاب الغبطة، الآباء الكرادلة، وبطاركة الشرق الكاثوليك، وبطاركة الكنائس الأخرى، والآباء المطارنة والأساقفة، والكهنة، والرهبان والراهبات.

كما شارك أيضًا من الكنيسة الكاثوليكية بمصر المونسينيور أنطوان توفيق، نائب مطران الكنيسة اللاتينية بمصر، والأخت مارجريت فكري، من راهبات قلب يسوع المصريات.

وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها إن الإنجيل الذي سمعناه يسبقه سرد للحظة صعبة في رسالة يسوع، يمكننا أن نصفها بـ "الأسى الرعوي": يوحنا المعمدان يشك في أن يكون هو المسيح حقًّا؛ والعديد من المدن التي عبرها، على الرغم من المعجزات التي قام بها، لم تتُب؛ والناس يتهمونه بأنه أكول وشرّيب خمر، فيما كانوا يشتكون قبل ذلك من يوحنا المعمدان لأنه كان متقشِّفًا جدًا." ومع ذلك، نرى أن يسوع لا يسمح للحزن بأن يغلبه، بل يرفع عينيه إلى السماء ويبارك الآب لأنه قد أظهر أسرار ملكوت الله للبسطاء: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفَيتَ هذه عن الحكماء والفهماء وأعلَنتَها للأطفال". في لحظة الأسى، إذًا، يتحلى يسوع بنظرة قادرة على الرؤية بعمق: هو يمدح حكمة الآب ويستطيع أن يرى الخير الخفي الذي ينمو، بذرة الكلمة التي يقبلها البسطاء، نور ملكوت الله الذي يشقُّ طريقه حتى في الليل".

تابع البابا فرنسيس يقول أيها الكرادلة، والأساقفة والأخوات والإخوة الأعزاء، نحن هنا في افتتاح الجمعية السينودسية. ولا نحتاج إلى نظرة داخلية، مبنية على استراتيجيات بشرية، أو حسابات سياسية، أو نزاعات إيديولوجية: إذا كان السينودس سيسمح بهذا الأمر أو بذاك، أو إذا كان سيفتح هذا الباب أو ذاك... هذه الأمور لا تفيد. نحن لسنا هنا لكي نعقد اجتماعًا برلمانيًّا أو لكي نضع خطة إصلاح. لا، نحن هنا لكي نسير معًا بنظرة يسوع، الذي يبارك الآب ويقبل المُتعبين والمُثقّلين بالأحمال. لننطلق إذًا من نظرة يسوع، التي هي نظرة تبارك وتستقبل.

أضاف الأب الأقدس يقول لنرَ القسم الأول، نظرة تبارك. على الرغم من أنه قد اختبر الرفض ورأى قسوة قلب كبيرة حوله، لم يسمح المسيح لليأس بأن يسجنه، ولم يصبح قاسيًا، ولم يتوقف عن التسبيح. وقلبه، المؤسس على أولوية الآب، يبقى هادئًا حتى في وسط العاصفة. إن نظرة الله التي تبارك تدعونا أيضًا لكي نكون كنيسة تتأمل بقلب فرح عمل الله وتميّز الحاضر. وفي وسط أمواج زمننا التي قد تكون مضطربة أحيانًا، لا تفقد الكنيسة شجاعتها ولا تلجأ إلى منافذ إيديولوجية، ولا تختبئ خلف قناعات مُكتسبة، ولا تستسلم لحلول مريحة، ولا تسمح للعالم بأن يحدد أجندتها. هذه هي الحكمة الروحية للكنيسة، كما لخّصها القديس يوحنا الثالث والعشرون: "من الضروري أولًا ألا تحيد الكنيسة أبدًا عيونها عن إرث الحقيقة المقدس الذي ورثته من الأقدمين. وفي الوقت عينه، تحتاج أيضًا إلى أن تنظر إلى الحاضر، الذي يتضمّن حالات جديدة وأساليب عيش جديدة، وفتح دروبًا جديدة للعمل الرسولي". إن نظرة يسوع التي تبارك تدعونا لكي نكون كنيسة لا تواجه تحديات ومشاكل الحاضر بروح انقسام ونزاع، بل على العكس، توجه العيون إلى الله الذي هو شركة، وبدهشة وتواضع، تباركه وتعبده معترفة بأنه ربها الوحيد. نحن ننتمي إليه، ولنتذكر دائمًا - نحن موجودون فقط لكي نحمله للعالم. وكما قال لنا القديس بولس الرسول، ولكي لا نفتخر "الا بصليب ربنا يسوع المسيح". هذا الأمر يكفينا، هو، يكفينا. لا نريد مجدًا دنيويًا، ولا نريد أن نبدو جميلين في أعين العالم، بل نريد أن نصل إليه بتعزية الإنجيل، لكي نشهد بشكل أفضل، وللجميع، على محبة الله اللامتناهية. في الواقع، كما قال البابا بندكتس السادس عشر في خطابه لجمعية سينودسية، "السؤال بالنسبة لنا هو: هل تكلم الله؟ هل كسر حقًا الصمت الكبير؟ هل أظهر نفسه؟ ولكن كيف يمكننا أن نقدم هذا الواقع لإنسان اليوم، لكي يصبح خلاصًا؟

هذا هو السؤال الأساسي. وهذا هو الواجب الرئيسي للسينودس: إعادة تركيز نظرتنا على الله، لكي نكون كنيسة تنظر إلى البشرية برحمة. كنيسة متحدة وأخوية، تصغي وتحاور؛ كنيسة تبارك وتشجع، تساعد من يبحث عن الرب، وتهزُّ بشكل إيجابي الذين لا يبالون، وتُطلق مسارات لكي تنشّئ الأشخاص على جمال الإيمان. كنيسة تضع الله في المحور وبالتالي لا تنقسم من الداخل ولا تكون قاسية من الخارج. هكذا يريد يسوع الكنيسة، عروسه".

تابع الحبر الأعظم يقول بعد النظرة التي تبارك، نتأمل الآن نظرة المسيح التي تستقبل. في حين أن الذين يعتقدون أنهم حكماء يصعب عليهم أن يعترفوا بعمل الله، هو يتهلل في الآب لأنه يظهر نفسه للصغار والبسطاء وفقراء الروح. ولذلك، طوال حياته، اتخذ هذه النظرة التي تستقبل إزاء الأشخاص الأشدّ ضعفًا والمتألمين والمهمشين. وإليهم يتوجه بشكل خاص، قائلًا ما سمعناه: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم". إن نظرة يسوع التي تستقبل تدعونا أيضًا لكي نكون كنيسة مضيافة، وليس كنيسة أبوابها مغلقة. في زمن مُعقَّد مثل زمننا، تظهر تحديات ثقافية ورعوية جديدة، تتطلب موقفًا داخليًا وديًّا ولطيفًا لكي نتمكن من أن نتناقش دون خوف. في الحوار السينودسي، في هذه الـ "مسيرة في الروح القدس" الجميلة التي نقوم بها معًا كشعب الله، يمكننا أن ننمو في الوحدة والصداقة مع الرب لكي ننظر إلى تحديات اليوم بنظرته؛ ولكي نصبح، سأستخدم تعبيرًا جميلًا من البابا بولس السادس، كنيسة تصبح حوارًا. كنيسة "نيرها لطيف"، لا تفرض أثقالًا وتقول للجميع: "تعالوا، أيها المتعبون والمثقلون بالأحمال، تعالوا، أيها الذين ضللتم الطريق أو تشعرون بأنكم بعيدين، تعالوا، أيها الذين أغلقتم الأبواب أمام الرجاء: إن الكنيسة حاضرة هنا من أجلكم!". كنيسة الأبواب المفتوحة للجميع دون استثناء!  قال الرب في سفر الرؤيا: "أنا على الباب وأقرع لكي يُفتح الباب"، ولكن في كثير من الأحيان أيها الإخوة والأخوات هو يقرع الباب وإنما من داخل الكنيسة لكي نسمح للرب أن يخرج مع الكنيسة ليعلن إنجيله.

أضاف الأب الأقدس يقول أيها الأخوة والأخوات، شعب الله المقدس، أمام الصعوبات والتحديات التي تنتظرنا، تمنعنا نظرة يسوع التي تبارك وتستقبل من أن نقع في بعض التجارب الخطيرة: أن نكون كنيسة صارمة، - مكتب جمارك – تتسلح ضد العالم وتنظر إلى الوراء؛ أن نكون كنيسة فاترة، تستسلم لنزعات العالم؛ أن نكون كنيسة متعبة، مُنغلقة على نفسها. لنسر معًا: متواضعين، متحمسين، وفرحين. لنسر على خطى القديس فرنسيس الأسيزي، قديس الفقر والسلام، "مجنون الله" الذي حمل جراح المسيح في جسده وتجرّد عن كل شيء لكي "يلبس" المسيح. يروي القديس بونافنتورا أنه بينما كان يصلي، قال له المصلوب: "اذهب وأصلح كنيستي". السينودس يصلح لكي يُذكِّرنا بهذا: إن أمنا الكنيسة تحتاج على الدوام لأن تتطهّر ويتم إصلاحها، لأننا جميعًا شعب خطأة غفر لهم، ومعوزون على الدوام لأن يعودوا إلى الينبوع الذي هو يسوع ويسيروا مجدّدًا على دروب الروح القدس لكي يبلغوا الجميع بإنجيله. إن القديس فرنسيس الأسيزي، في زمن من الصراعات والانقسامات الكبيرة، بين السلطة الزمنية والدينية، بين الكنيسة المؤسساتية وتيارات الهرطقة، بين المسيحيين والمؤمنين الآخرين، لم ينتقد أو يهاجم أحدًا، بل تمسّك فقط بأسلحة الإنجيل: التواضع والوحدة والصلاة والمحبة. لنفعل هكذا نحن أيضًا!

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول وإذا كان شعب الله المقدس مع رعاته من جميع أنحاء العالم يغذي انتظارات وآمالًا وربما بعض المخاوف أيضًا حول السينودس الذي نبدأه، لنتذكر مرة أخرى أنه ليس تجمعًا سياسيًا، بل دعوة في الروح القدس؛ وليس برلمانًا مُستَقطبًا، بل هو مكان نعمة وشركة. والروح القدس من ثمّ وفي كثير من الأحيان يكسر انتظاراتنا لكي يخلق شيئًا جديدًا يتخطى توقعاتنا وسلبياتنا. لننفتح عليه ولنستدعيه، هو الرائد، الروح القدس. ولنسر معه بثقة وفرح.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: البابا فرنسيس التی تبارک

إقرأ أيضاً:

سقوط نصاب الجامعات الكبرى.. حكاية الوسيط الوهمي الذي خدع الجميع

شهدت محافظة الجيزة خلال الأيام الماضية واقعة مثيرة تكشف عن أساليب جديدة يستخدمها محترفو النصب في استغلال أحلام المواطنين وطموحاتهم، إذ أمرت النيابة العامة بحبس أحد الأشخاص على ذمة التحقيقات بعد اتهامه بتنفيذ سلسلة من وقائع الاحتيال تحت ستار "الوساطة في الجهات الرسمية"، مستغلا حاجة المواطنين إلى تسهيل بعض الإجراءات أو تحقيق أهداف شخصية مقابل مبالغ مالية ضخمة.

تفاصيل القضية

تعود تفاصيل القضية إلى بلاغ تلقته الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة التابعة لقطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، من مواطن مقيم بالقاهرة. 

جاء في البلاغ أن المبلغ تعرض لعملية نصب محكمة على يد شخص من ذوي السوابق الجنائية يقيم في محافظة الجيزة، زعم أنه يمتلك علاقات واسعة بمسؤولين في مؤسسات تعليمية كبرى، ويمكنه من خلال تلك العلاقات تسهيل قبول نجل المبلغ في إحدى الجامعات الخاصة دون اتباع الإجراءات الرسمية المعتادة.

وبحسب ما ورد في البلاغ، فقد صدق الأب رواية المحتال بعد أن قدم الأخير أوراقا وشهادات مزعومة تظهر اتصالاته المزعومة بالمسؤولين، فدفع له مبالغ مالية كبيرة على دفعات متتالية أملا في إتمام نقل نجله. 

إلا أن الأيام مرت دون أن يحدث شيء، ومع تكرار المماطلة ورفض المتهم إعادة الأموال، بدأ الشك يتسلل إلى الضحية، الذي لجأ إلى الجهات الأمنية لتقديم بلاغ رسمي بالواقعة.

على الفور، باشرت الإدارة المختصة تحرياتها وجمعت المعلومات حول المتهم، وتبين أنه شخص مسجل في عدد من قضايا النصب السابقة، ويعتمد أسلوبا احترافيا في استدراج ضحاياه من خلال إقناعهم بقدرته على التدخل لدى مسؤولين في الوزارات والجامعات والجهات الحكومية، وبعد استصدار الإذن القانوني من النيابة العامة، تم ضبطه في أحد الأكمنة المعدة له مسبقا.

وخلال عملية تفتيشه، عثر بحوزته على شهادة جامعية مزورة منسوبة لإحدى الجامعات الخاصة، وجهاز حاسب محمول يحتوي على مراسلات إلكترونية ووثائق تؤكد تورطه في عمليات نصب مماثلة استهدفت أشخاصا آخرين. 

كما تبين من الفحص أنه كان يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع ضحاياه، مستغلا قدرتهم المحدودة على التحقق من صحة المعلومات، ليظهر أمامهم في صورة "الشخص الواصل" القادر على إنجاز المستحيل.

وخلال التحقيقات الأولية، أقر المتهم بجريمته واعترف باستخدامه حيلة "الوساطة الوهمية" كوسيلة لجمع الأموال من المواطنين، مدعيا أنه كان ينوي رد المبالغ في وقت لاحق، غير أن الوقائع والمضبوطات أثبتت عكس ذلك تماما. 

وأوضح في اعترافاته أنه كان يستهدف فئة محددة من الناس، ممن يبحثون عن فرص لأبنائهم في التعليم الجامعي أو التعيين أو استخراج تراخيص، ويستغل استعجالهم لتحقيق تلك الأهداف فيقنعهم بأنه قادر على تسويتها في وقت قصير مقابل نسبة مالية.

من جانبها، أكدت النيابة العامة أنها اتخذت جميع الإجراءات القانونية اللازمة، وأمرت بحبس المتهم احتياطيا على ذمة التحقيقات، تمهيدا لإحالته إلى المحاكمة الجنائية بعد استكمال الفحص والتحقيق مع باقي الضحايا الذين تقدموا ببلاغات مماثلة.

مقالات مشابهة

  • محمد بن راشد: فخور بوطني الذي استطاع أن يجمع العالم في جيتكس جلوبال
  • خلال صلوات القداس.. رئيس الكنيسة الأسقفية: الإيمان الحقيقي يظهر في وسط الألم والاحتياج
  • افتتاح الملتقى الدورى الـ 12 لمديرى مكتبات مصر العامة بأسوان
  • سقوط نصاب الجامعات الكبرى.. حكاية الوسيط الوهمي الذي خدع الجميع
  • الصندوق السعودي للتنمية يشارك في افتتاح ثلاثة طرق حيوية في رواندا
  • وزير الزراعة يشارك في افتتاح فعاليات النسخة الثامنة من أسبوع القاهرة للمياه
  • افتتاح كنيسة أم النور ومعهد للأزهر في أربيل
  • وزير التموين يترأس اجتماع الجمعية العامة للشركة القابضة للصناعات الغذائية
  • سياسي: اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق فلسطين ثمرة الجهد المصري المتواصل
  • الشرطة بغزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب الاحتلال منها