من مشاهد الوضع الراهن .. بقلم د. أحمد عبدالله
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
من الطبيعي أن يتصدر المشهد الحالي بصمات وإفرازات الحرب الدائرة بأطرافها المتناحرة بكل مسمياتها ومن يقف وراءها والموقف منها ومن يصطف إلى طرف منها إضافة لما يلزم من لغة المخاطبة بما في ذلك من استحداث مفردات بحسب خطى واتجاهات دورة الاقتتال. وقد أخذت هذه الحرب نصيبها من ذلك، بل وربما بكثافة لافتة للتماهي مع حجم ويلات ومأساوية هذه الحرب بالذات بما فاق كل ما هو مسطور في تأريخ الحروب ألبشرية، مما جعل منها - أي الحرب - ذات اتجاه واحد، أي أنها هي الصوت الوحيد المسموع مقابل شلل تام لكل ما عداها إذ ابتلعت الحرب الوطن برمته ومعه المواطن مع اغتيال وطمس لكل مقومات وضرورات ومعانى ألحياة - ولو فى حدها الأدنى- وازداد الموقف كيل بعير ليصطحب فقدان الحياة شلل تام للتفكير إيذاء ضياع البوصلة وبصفة خاصة مع استطالة أمد الحرب وتغبيش الحقائق حول أغراضها وتعريفها وأطرافها وهل هى الحرب بالمعنى المتعارف عليه أم احتلال أم نزاع حول كراسي السلطة!؟ أم أنه - ولعله الأصح - صراع بين قوى التغيير التي تروم لانتشال الوطن من وهدته والفئة الموازية التي تبغى استحواذ السودان بأجندتها الخاصة !
بكلام آخر هناك من يبنى ويعمر فى مقابل حملة السلاح الذين يهدفون لإعادة عقارب الساعة؛ ويعنى ذلك أنه فى خضم هذه المعارك يتضح جليا أن هناك كتلتين فقط لأغير فئة بناء الوطن وفى الجانب الآخر فئة من يسعى لعرقلة ذلك ! و لتسمية الفئتين بمسمياتهما الصحيحة ينظر إلى أهداف الحرب الجارية تحت مظلة ثورة ديسمبر العملاقة بين أنصار الثورة وبين من يريدون عرقلتها.
هذه الدعوة للنظر للحرب بمنظار الثورة يستند على خلفية تاريخية تطغى عليها مفردة واحدة اسمها "البندقية" أكرر "البندقية" ذلك بأنه منذ رزء السودان بهذه البندقية ظلت هي العامل المؤثر في سياسة ومجريات ألأمور بعد سنوات فليلة عقب الاستقلال ٥٦ وظل دورها يتمدد تدريجيا عبر الحكومات المتعاقبة لتكتمل قبضتها منذ انقلاب ٨٩ لتستحوذ على كل شئون الدولة وتكون هي بمفردها: دستور البلاد والقانون والقضاء وأداة التشريع - والترويع - وهذه الأخيرة مثلت أهم دور في سجن (بفتح السين) البلاد والشرفاء من ابناء الوطن مكملة بذلك القبضة الشمولية التي نعيشها منذئذ إلى يومنا هذا -باستثناء تلك الأيام النضرة من ثورة ديسمبر العظيمة؛ وما يجرى الآن ما هو إلا محاولة إعادة البلاد لبيت ديكتاتورية "البندقية"!
من الشواهد لذلك ومع الانغماس الكلى فى الحرب والدمار ودخول البلاد فى غياب القانون نحو 'حكم الغاب' وإزهاق الأرواح بشكل يومي ممنهج وجثث الضحايا الشهداء تملأ الشوارع إضافة لاستباحة الأعراض وضياع ممتلكات العمر و انتقال الجريمة والنهب من قبل حملة الكلاشنكوف "لا يهم بأي زي يتدثرون أو يختفوا" ناهيك عن المهددات والمخاطر بانزلاق الوطن بما فيه نحو قاع المجهول! وكأنما واجب ال(لا) حكومات هو العمل على فناء والفتك بشعوبها بدلا مما هو مناط بها من دور معلوم فى ضمان سلامة الوطن ومواطنيه بما يحفظ لهم عيش كريم، بل وأن الحكومات المتحضرة قد فرغت من كل ذلك وتعمل الآن على رفاهية شعوبها! أما وضعنا الخاسر هذا تحت نيران هذا السفك للدماء فهو مما يصدق عليه القول:" من أراد العيش في الخرطوم فلا بأس أن تكون أكفانه في معيته"! وبالرغم من كل ذلك -آه - لم يعدم حملة البندقية وجود الوقت والمزاج للتضييق ومطاردة الثوار !!؟ بل وتهديد من يقول 'بغم'! وغريب فى هذا السياق أنه وبسلطان البندقية أن يتشدق حملتها في الفضائيات بما لا يؤمنون به من شعارات "ديمقراطية، الثورة، حرية، الحكم المدني" بينما يلوح جنودهم فى الخلفية بالبندقية مصحوبة ببسمات الفرح ومستبشرين تكبيرا وتهليلا بنصر مزعوم؛ !بينما في وأقع الأمر تبنى شعارات للاستهلاك مردود على قائله لأنه لا ينطلي على المشاهد من ناحية كما أنه يفضح قائله بأنه يعلم تماما أن ما قاله رئاء هو الحق ! وكذلك لا ينسون التحدث بإسم "الشعب" وأنه معهم صفا واحدا؛ وبالطبع لا ندرى إن كان المقصود هو هذا الشعب الواحد ده الذى زلزل كراسي السلطة تحت أقدامهم !! وبالقطع لا يجرؤون ويصعب عليهم ذكر ملامح حقيقية للثورة مثل الترحم على أكارمنا من شهداء العظمة ممن سددوا فواتير الدم والمهج والأرواح ببسالة أسطورية لبناء مداميك الأساس لسودان الغد، تاركين ما تبقى أمانة ومسئولية وطنية أخلاقية في رقابنا، ندعو أن تغشاهم رحمة عزيز مقتدر، ويهيئ لنا - نحن من تخلفنا ورآءهم - حمل تكاليف ترميم وإعمار الوطن. خلاصة ما أوصلتنا إياه سياسة البندقية هو ما نحن عليه الآن، وكفى !
حرام والله وطن يهز ويرز ويفيض خيرا وثراء (ماديا وبشريا) أن تصل بنا العقول الجبارة التي أدارته بسبب أن كلمة "وطن" ما كانت إطلاقا في مفردات قواميسهم؛ بل على النقيض تماما، راحوا يتبارون في هدم أركانه وإذلال شعبه، بدلا من وضعه الطبيعي الطليعي المستحق في مصاف الأمم المتقدمة.
وبعد يتبقى لنا الجانب الشعبي وهو المناط به - في هذا المنعطف بالغ الخطورة من تأريخ السودان - وعلى اختلاف التوجهات الانصهار لبناء جبهة موحدة متراصة ذات غرض واحد محدد للاستجابة لإغاثة وطن يئن من ثقل ما تم إلحاقه به من أذى ودمار، ولا نزيد، والله المستعان.
ودمتم سالمين
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
متنا من البرد.. مشاهد غرق الخيام في غزة تشعل منصات التواصل
في قطاع غزة، لم تعد عبارة "متنا من البرد" مجرد قول شائع، بل أصبحت حقيقة دامية تُكتب كل ليلة فوق أجساد ترتجف في ظلام خيام مهترئة تسقط تحت المطر كأوراق مبللة، وأمهات يحتضن أطفالهن لمحاولة حمايتهم من البرد، بينما يركض الآباء حاملين أغطية مبتلة لا تمنح دفئا ولا نجاة.
ومع بداية المنخفض الجوي الأخير، غرقت عشرات خيام النازحين بمياه الأمطار، لتُضاف فصول جديدة إلى مأساة الشتاء التي تضرب القطاع، خلفها قصص أطفال مثل رهف أبو جزر، الذين رحلوا قبل أن يشهدوا دفء الحياة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الفنان محمد صبحي يثير جدلا واسعا بعد طرده لسائقه أمام الجمهورlist 2 of 2من تحرير حلب إلى دمشق.. لماذا كانت لدير الزور قصة مختلفة؟end of listوخلال لحظات، وجد آلاف النازحين أنفسهم بلا مأوى، يجرون أغطيتهم المبتلة وملابس أطفالهم التي غمرتها المياه، ويبحثون عن أي مساحة جافة تقيهم بردا ينهش أجسادهم المنهكة، كما بدت الخيام كجزر غارقة، في حين وقفت عائلات فوق حجارة مرتفعة هربا من سيل المطر الذي غمر كل شيء.
وتداول ناشطون صورا ومقاطع فيديو تظهر حجم الكارثة، خيام غارقة بالكامل، أطفال يقفون فوق الطين، وعائلات تائهة بين ماء لا يتوقف وبرد لا يرحم.
هذا المشهد فجر موجة واسعة من التفاعل على منصات التواصل، حيث تصدرت وسوم "متنا من البرد" و"غزة تغرق" و"غزة غرقت"، في محاولة لنقل صوت النازحين ومعاناتهم التي تتجدد مع كل موجة برد.
ولم تتوقف المأساة عند غرق الخيام فقط، بل امتدت إلى قصص فردية تكشف حجم الألم الذي يعيشه النازحون، فقد أنقذ الأهالي سيدة غمرت المياه خيمتها بعد يوم واحد فقط من خضوعها لعملية جراحية، في حين جرى نقلها إلى مكان أكثر أمانًا لتلقي الرعاية التي تحتاجها.
غزة تغرق. pic.twitter.com/6BNpmQ8Xq0
— Meqdad Jameel (@Almeqdad) December 11, 2025
وفي زاوية أخرى من المخيم لنازحين، يقف سائد مهره، أب أثقلته الأمراض وخذلته الجدران التي كانت يوما بيته، قبل أن يجد نفسه مع 3 من أبنائه ذوي الاحتياجات الخاصة تحت أغطية ممزقة لا ترد بردا ولا مطرا، وهو يحاول وقد هدّه التعب أن يصنع دفئا بوسائل لا تملك شيئا من الدفء.
View this post on Instagramوتتوالى النداءات من داخل المخيمات، إذ يظهر نازح فلسطيني في مقطع متداول يناشد الجهات الإنسانية بعد أن غمرت الأمطار خيمته بالكامل، في وقت يواجه فيه النازحون نقصا حادا في مستلزمات الإيواء وسط المنخفض الجوي الذي يضرب القطاع بقسوة غير مسبوقة.
View this post on Instagramولم تكن معاناة الأطفال أقل وطأة، فقد وثقت مقاطع فيديو مشاهد مؤلمة لأطفال يحاولون الاحتماء من مياه الأمطار داخل خيمة أغرقتها السيول، في حين يقف آخرون فوق الطين يبحثون عن قطعة قماش جافة تُشعرهم بشيء من الأمان.
View this post on Instagramوجاءت ردود الفعل على منصات التواصل الاجتماعي لتعكس حجم الصدمة من مشاهد غرق الخيام ومعاناة النازحين، فقد كتبت إحدى الناشطات من غزة واصفة حجم المأساة: "أطفالنا بيموتوا من البرد قدام العالم كله… ولا خيمة واقفة ولا غطاء دافئ".
إعلانكما علق ناشط آخر على ما يحدث بالقول: "غزة لا تواجه منخفضا جويا… غزة تواجه كارثة إنسانية مركبة".
وسط كل هذا المشهد القاسي، برزت شهادات شخصية تعكس حجم الألم الذي يعيشه النازحون مع كل قطرة مطر، حيث تقول إحدى النازحات: "شو شعوركم لما تسمعوا صوت المطر؟ شعور حلو صح؟ في غزة الشعور مختلف… صوت المطر بيجي مع ذكرى موجعة، لقهر، ولصورة خيمتك وهي بتغرق. بيجي مع إحساس البرد القاسي، ومع شعور إنك بالشارع وما إلك بيت دافي يحميك".
View this post on Instagramوتتابع حديثها الذي يشبه اعترافًا موجعا: "كل ما تشتي الدنيا بتذكر حالي السنة اللي فاتت لما كنت أغرق، وقلبي بيوجعني على أهلنا اللي لسا بالخيم. صرت أكره الشتاء وصوته وذكرياته. ادعوا لأهلنا اللي بعدهم عايشين بالخيم وما إلهم مأوى… يا رب خفف عنهم وارحمهم وافرجها عليهم".
وصف مدونون المشهد في شوارع غزة ليلة أمس بأنه كارثي وغير مسبوق، بعد أن تضررت أكثر من 125 ألف خيمة بالكامل بسبب الأمطار، وهو ما يعادل أكثر من 90% من خيام القطاع.
ليلة أمس تضرّرت أكثر من 125 ألف خيمة بالكامل بسبب الأمطار، وهو ما يعادل أكثر من 90٪ من خيام #غزة، ولا زال الأمر يتكرّر اليوم، في ظل انعدام أي إمكانيات للناس للترميم وتوفير معدات وشوادر!
المشهد في الشارع كارثي وغير مسبوق. https://t.co/heRV8it7e9
— Meqdad Jameel (@Almeqdad) December 11, 2025
ناشد ناشطون ومدونون عبر منصات التواصل الاجتماعي الجهات الإنسانية الدولية والمحلية بضرورة التدخل العاجل لتوفير المعدات والمواد الأساسية للمتضررين، مؤكدين أن الوضع بات يقترب من الكارثة الإنسانية.