اعْلَمُوا أَنَّ التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، وَسُنَنُ اللهِ لا تُحَابِي أَحَدًا، فَمَنْ حَفِظَ نِعَمَ اللهِ، حَفِظَهُ اللهُ وَحَفِظَ عَلَيْهِ النِّعَم، وَمَنْ أَضَاعَ وَأَفْسَدَ، وَأَهْدَرَ وَأَسْرَفَ فَقَدْ أَسَاءَ السَّبِيلَ، وَضَلَّ الطَّرِيقَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ النِّعَمَ الَّتِي يُسَاءُ اسْتِخْدَامُهَا، وَيُسْتَهَانُ بِهَا، غَيْرُ مَعْدُودَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الإِنْعَامِ، بَلْ هِيَ اسْتِدْرَاجٌ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
قَالَ الحسنُ البصريُّ: (مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَمْكُرُ بِهِ، فَلَا رَأْيَ لَهُ وَمَنْ قَتَر عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُ، فَلَا رَأْيَ لَهُ)
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ:( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل:
فأَحْسِنُوا جِوَارَ نِعْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَصِّنُوهَا بِسِيَاجِ الشُّكْرِ وَاعْلَمُوا -رَعَاكُم اللهُ- أَنَّ حُسْنَ اسْتِخْدَامِ النِّعَمِ، وَإِنْزَالَهَا مَنَازِلَهَا، دَلِيلٌ عَلَى الْفِقْهِ وَنُضْجِ الْعَقْلِ، وَأَنَّ إِهْدَارهَا وَإِتْلافَهَا عَلامَةٌ عَلَى السَّفَهِ وَقِلَّةِ الرَّأْيِ إِنَّ ظَاهِرَةَ إِهْدَارِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ تَسْتَوْجِبُ مِنَّا وَقَفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ النَّفْسِ، وَإِعَادَةَ النَّظَرِ في النَّفَقَةِ وَالإِنْفَاقِ، وَطَرْحٍ لِلْحُلُولِ، وَتَعْرِيفٍ بِجَمْعِيَّاتِ حِفْظِ النِّعْمَةِ، هَذِهِ الْجَمْعِيَّاتِ المَعْنِيَّةِ بِحِفْظِ النِّعْمَةِ فِي مُحَافَظَتِنَا الْعَامِرَةِ، وَالتَّيِ حَمَلَتْ عَلَى عَاتِقِهَا هَذِه المهَمَّةَ الْعَظِيمَةَ، بالتَّعَاوُنِ مع البلديَّةِ عَنْ طَرِيقِ تَأْسِيسِ حَاوِيَاتٍ وَصَنَادِيقَ خَاصَّةٍ بِحِفْظِ الطَّعَام، لإيصَالِهِ لأَهْلِهِ، وَالانْتِفَاعِ بِهِ، وَتَأْلِيفِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَطَوِّعِينَ ،وَعَرَبَات مُخَصَّصَة لاسْتِقْبَالِ الْفَائِضِ مِنْ أَطْعِمَةِ الْوَلائِمِ ،والتُّمُورَ بِأَنْوَاعِهَا وَغَيْرِهَا؛ لِتُسْتَثْمَرَ في مَصَارِفِ الْخَيْرِ، وَأَعْمَالِ الْبِرِّ.
هذه الصُّورَةُ مِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ شُكْرِ نِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَبِهَا يَعُمُّ الْخَيْرُ وَتَدُومُ النِّعَمُ ، وَلا عُذْرَ لأَحَدٍ يَعْلَمُ بِنَشَاطِ هَذِهِ الْجَمْعِيَّاتِ المُبَارَكَةِ أَنْ يُلْقِي بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ تُمُورٍ في الطُّرُقَاتِ، أَوْ الْحَاوِيَاتِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ أَمَامَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إِهْدَارِ النِّعَمِ، قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) التكاثر: [8].
فَاللهَ اللهَ فِي التَّحَدُّثِ بالنِّعَمِ، وأداءِ حَقِّهَا، واستخدامِهَا فيما يُرضي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ والْحَذَر مِنْ إِهْدَارِهَا، أو الاسْتِهَانَةِ بِهَا.
نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِهِ، وَتَحَوُّلُ عَافِيَتِهِ وَفُجَاءَة نِقْمَتِهِ، وَجَمِيع سَخَطِهِ.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: إ ه د ار
إقرأ أيضاً:
معنى الإرجاف الوارد في سورة الأحزاب
الإرجاف.. أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من أحد المتابعين عبر حسابها الشخصي بموقع بحث جوجل، جاء مضمونه كالتالي: ما المراد بالإرجاف الوارد في قوله تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾؟ مع بيان حكمه؟.
الإرجاف الوارد في سورة الأحزاب:قالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال إن الله تعالى سَمَّى الترويج للأخبار الكاذبة أو المُحرَّفة بـ"الإرجاف"؛ فقال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ [الأحزاب: 60-61].
أصل الإرجاف الوارد في سورة الأحزاب:
وأصل الإرجاف من الرَّجف وهو الحركة، فإذا وقع خبر الكذب فإنه يوقع الحركة بالناس فسُمِّيَ إرجافًا؛ قال الإمام ابن فورك في "تفسيره" (1/ 394، 2/ 121، ط. جامعة أم القرى): [الرجفة: زعزعة الأرض تحت القدم، ورجف السطح من تحت أهله يرجف رجفًا، ومنه الإرجاف، وهو الإخبار بما يضطرب الناس لأجله من غير تحقق به.. والإرجاف: إشاعة الباطل للاغتمام به] اهـ.
حكم الإرجاف:
فالإرجاف إذا كان بالغيبة فهو محرمٌ شرعًا؛ قال تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12].
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».
وإذا كان بالاستهزاء بالناس فهو أيضًا محرمٌ؛ قال تعالى: ﴿الذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: 79]؛ قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (4/ 184، ط. دار طيبة): [وهذه أيضًا من صفات المنافقين: لا يَسْلَم أحد من عيبهم، ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يَسْلَمون منهم، إن جاء أحد منهم بمالٍ جزيلٍ قالوا: هذا مراء، وإن جاء بشيءٍ يسير قالوا: إنَّ الله لغني عن صدقة هذا] اهـ.