#الإرتزاق من #الدين
مقال الإثنين: 1 / 12 / 2025
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
قال الإمام الشافعي – رحمه الله – :لأن أرتزق بالرقص أهون عليّ من أن أرتزق بالدين.
الإرتزاق هو طلب الرزق عن طريق إظهار التدين بهدف الإستفادة من ارتباط ذلك في الأذهان بالصلاح وحسن الأخلاق، أو تسخير المرء علمه وفقهه في الدين وفق أهواء ومصالح ذوي السلطة والجاه والمال، مقابل النفع منهم.
يطلق البعض على هذه الحالة المذمومة مسمى الإتجار بالدين، لكن جذورهذه التسمية تعود الى ممارسات رجال الكنيسة عندما كانوا يوزعون صكوك الغفران والحرمان، مقابل بدل نقدي أونفعي، وبما أن ذلك ليس موجوداً في الإسلام، فالتسمية الأصح هي الإرتزاق.
أحد الشيوخ كنت أعتبره من الصالحين، لما كان يشاع عنه أنه من ليس من شيوخ السلاطين، لكنه سقط من اعتباري، عندما استمعت لحديث إذاعي له، يقول فيه إننا نعتبر آل البيت هم كل آل هاشم، لذلك يجب علينا الصلاة عليهم.
بالطبع ليس من دافع لهذا التزييف غير التزلف تكسبا وارتزاقا، فأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبا هم زوجاته وبناته، وأما أهل بيته شرعيا فهم كل تقي من أية سلالة أو لون “أنا جد كل تقي”.
لا شك أن الشيخ يعلم أنه لا يجوز لنا أن ندعو بالصلاة على مشرك، لمجرد قرابته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي دعاه للإيمان فرفض، فإذا كان ذلك لا يجوز للنبي فالأحرى أنه لا يجوز لنا، لقوله تعالى: “وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ” [التوبة:114].
إن قولنا عند ذكر اسم النبي “صلى الله عليه وسلم”، جاء تنفيذا لتوجيه الله لنا بذلك: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”، والنص واضح فالأمر مقصور على النبي دون غيره من الرسل، والذين نوقرهم ولكن بلفظ مختلف: “عليهم السلام”، رغم أنه يجوز أن نلحق به آله وأصحابه وحتى كل المسلمين المتبعين لنهجه، تكريما له وليس لذات الملحقين، بمعنى أن الصلاة عليهم بذاتهم ولوحدهم غير جائزة.
وبناء على ذلك فتكريم آل البيت ليس بأشخاصهم ونسبهم الهاشمي، بل بتقواهم، فالله لا يفاضل بين الناس بالنسب بل بالتقوى، بدليل أن بلالاً الحبشي في أعلى عليين، وأبا لهب الهاشمي في أسفل سافلين.
لو عدنا الى تاريخنا لوجدنا أن أهم أسباب الفتن والمصائب وتوقف نهضة الأمة تعود سوء استغلال الرافعة التي ارتقى بها العرب، وهي الدين.
إذ نقلتهم في ثلاثين عاما، من رعاة حفاة، الى رواد العلم والفلسفة، مؤسسين لحضارة إنسانية ارتقت بالإنسان لأول مرة في تاريخ البشرية، حدث ذلك خلال هذه الفترة القصيرة التي اتبعوا فيها الدين، لكنهم لما حولوه تابعا لهم يخدم أغراضهم، تحولت هذه الحضارية الى مثل مسار الحضارات البشرية الأخرى، امبراطورية قوامها المال والسلطان، لذلك آلت الى ما آلت إليه من سبقتها… سادت زمنا ثم بادت.
رافعة الدين كان مفعولها عظيما عندما استعملت في ما وجدت من أجله: ضبط النوازع البشرية في الطمع والإستئثار، لكنها عندما سخرت لخدمة أطماع السلطان وتبرير احتكاره للسلطة، حدث الإضطراب المجتمعي الممهد للسقوط.
قد يتساءل سائل: لكن لماذا الأمر مرتبط بالدين، هنالك أمم ارتقت وسادت من غير دين ولا أخلاق؟.
الإجابة متعلقة بالخصوصية العربية، التي ظلت ركيزتها الثقافية أشعار الحماسة الجوفاء: المديح أوالفخر، فيما الأمم الأخرى رصيدها فكري وفلسفي، لذا جاء الدين بزخمه الفكري الهائل، ليحقق للعرب تفوقا مفاجئا، وللمحافظة على هذا التفوق، كان لا بد من التمسك به.
لكن بعد انقضاء عهد تلاميذ مدرسة النبوة النجباء، واصبحت الدولة مترامية الأطراف، ودخلت ألوان من الترف ورغد العيش، أصبح نوال الحكم مغنما بعد أن كان مسؤولية ثقيلة، لذلك استعان الطامحون للحكم بفقهاء طامعين في عرض الدنيا، ومن هنا بدأ الإرتزاق من العلم الديني.
هكذا بدأ توظيف الدين لتبرير الأطماع بدل أن يؤدي دوره في الحد منها.
وما زال هذا منهج الساسة ورجال الحكم الى اليوم، وسيظلون المعيق الأكبر لهذه الرافعة العملاقة أن تعاود رفع الأمة من جديد، الى أن يقيض الله لهذا الدين من يحرره من بين أيديهم.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الدين هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
صمتٌ مريب… وازدواجية فاضحة: ما الذي يجري في أربيل؟
1 دجنبر، 2025
بغداد/المسلة:
وليد الطائي
منذ يومين تشهد أربيل اشتباكات مسلحة بين قوات البيشمركة وعشيرة الهركية، اشتباكات حقيقية وليست “احتكاكات بسيطة” كما يحاول البعض تسويقها. قتلى، جرحى، أحياء أُغلقت بالكامل، وانتشار مكثّف للسلاح المنفلت… لكن وسط كل هذا الدخان، هناك شيء واحد غائب: الصوت الإعلامي.
نعم، الصوت الذي عادةً يجلجل عندما “تثور طلقة” في الجنوب. فجأة يصبح أصمّ، أبكم، عاجز عن النطق عندما يتعلق المشهد بالشمال.
إعلام البزاز، والخنجر، والبرزاني… كلهم يرفعون شعار “السلاح المنفلت” عندما تكون القصة في بغداد، النجف، أو الناصرية. لكن حين تتكرر الظاهرة نفسها في أربيل؟ الصمت يصبح سيد الموقف.
لماذا؟ ما الذي يخيفهم؟ وما الذي يجعلهم يصمتون؟
هذا السؤال ليس بريئاً. هذا السؤال يفضح.
لأننا أمام ازدواجية معايير لم تعد تُحتمل. أمام حالة إعلامية انتقائية، تُشيطن منطقة وتُبيّض أخرى، وتُحمّل الجنوب كل أزمات العراق بينما تتعامل مع الشمال وكأنه “منطقة معفاة من الانتقاد”.
المواجهات في أربيل ليست خبراً صغيراً. هي مؤشر خطير على انفلات مسلح داخل مناطق يُقال لنا إنها “الأكثر استقراراً”. وإذا كان السلاح يجب أن يكون بيد الدولة، فالدولة اسمها العراق… وليست بغداد فقط. ليست الجنوب فقط. ليست المحافظات الشيعية فقط.
أين الصحفيون الذين يحولون أي مشكلة في الجنوب إلى زلزال سياسي؟
أين القنوات التي تصرخ ليل نهار عن “الفوضى” و”غياب القانون” عندما تحصل حادثة في مدينة جنوبية؟
لماذا لم ينزل أي منهم إلى الشارع في أربيل كما يفعلون هنا؟
هل الوطنية تفعل في منطقة وتُعطّل في أخرى؟
السلاح المنفلت خطر واحد، سواء كان في أربيل أو العمارة.
والدم هو الدم، سواء كان دم الهركية أو دم أبناء الجنوب.
وهيبة الدولة لا تُجزأ… إمّا أن تُطبق على الجميع، أو فلتُرفع هذه الشعارات التي ما عاد الناس يصدقونها.
ما يحصل في أربيل اليوم ليس مجرد اشتباك… بل اختبار حقيقي لمصداقية الإعلام والمدونين والسياسيين. اختبار كشف المستور:
هناك من يريد قانوناً انتقائياً، ونقداً انتقائياً، ووطنية انتقائية.
لكن الحقيقة التي لن يستطيعوا دفنها:
أن ازدواجية المعايير سقطت… وأن الشارع أصبح يرى ويسجل ويتساءل.
والسؤال الأكبر:
إذا كان الجنوب يُحاسَب على “طلقة”، فلماذا تُمنَح أربيل حصانة إعلامية من “رشقات” حقيقية؟
ومن الذي أعطاهم هذا الامتياز؟
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts