بـجرائم إبادة.. نظام الأسد ينتقم في شمال سوريا
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
لليوم الخامس على التوالي يخيم "الموت والقتل والنزوح" على شمال سوريا، ورغم أن هذا المشهد ليس بجديد على المناطق الخاصعة لسيطرة فصائل المعارضة، باتت الوتيرة المتصاعدة للقصف بمختلف أنواع الأسلحة من جانب قوات نظام الأسد تهدد بـ"كارثة إنسانية"، وفق "الدفاع المدني السوري"، وهو فريق للإسعاف والإنقاذ.
وتستهدف قوات الأسد والميليشيات المساندة لها والطيران الحربي الروسي، منذ يوم الخميس وبشكل عنيف قرى وبلدات واسعة في محافظة إدلب وريف حلب، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 200 جريح، وفق مصادر طبية وإسعافية مختلفة.
وجاءت حملة القصف بعد ساعات من الإعلان عن "هجوم الكلية الحربية" في مدينة حمص، والذي أسفر عن أكثر من 90 قتيلا من عسكريين ومدنيين، في وقت اتهمت وزارة دفاع النظام السوري "تنظيمات إرهابية تدعمها دول معروفة" بالوقوف وراء الحادثة.
ولم يكشف النظام السوري حتى الآن اسم وهوية "الجهة التي نفذت "الهجوم"، لكن وسائل إعلام مقربة منه، بينها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية قالت إن "الهجمات على إدلب وريف حلب انتقامية وتأتي ردا على ما حصل في الكلية الحربية".
وطال قصف النظام السوري والطيران الحربي الروسي مناطق مأهولة بالسكان في قرى وبلدات الريف الجنوبي لإدلب، وتوسعت دائرة الضربات خلال اليومين الماضيين لتصل إلى مركز مدينة إدلب، ومنطقة دارة عزة في ريف حلب الغربي.
وتشمل الأسلحة التي تستخدمها قوات الأسد في التصعيد المدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ، فضلا عن الطائرات الحربية التي ألقت بقذائف النابالم الحارق والذخائر العنقودية، وهي أسلحة محرمة دوليا، حسب ما أوضح "الدفاع المدني السوري"، و"مديرية صحة إدلب".
"جرائم إبادة موصوفة"وطوال سنوات الحرب الماضية في سوريا، أصبحت محافظة إدلب في الشمال الغربي للبلاد الملاذ الأخير للسوريين الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وبحسب إحصائيات لمنظمات إنسانية يقيم فيها أكثر من 4 ملايين مدني.
وتخضع المحافظة لاتفاقيات تركية- روسية، تدخل إيران في جزء منها أيضا ضمن تفاهمات "أستانة"، ومع تصاعد وتيرة القصف من جانب النظام لم يصدر أي تعليق من جانب الدول الراعية لاتفاقيات وقف إطلاق النار هناك.
وتحدث "الدفاع المدني السوري"، الاثنين، أن "هجمات قوات النظام وروسيا تستهدف منازل المدنيين والمرافق الحيوية والطبية والتعليمية ومخيمات المهجرين، ومراكز الدفاع المدني السوري"، وذلك بـ"استخدام أسلحة تحوي مواد حارقة".
وبلغت حصيلة الضحايا حتى الآن 40 شخصا بين قتيل وجريح، في وقت تتواصل فيه موجات نزوح المدنيين بشكل كبير من المناطق التي تتعرض للهجمات، إلى المجهول دون وجود مأوى آمن يحميهم.
ويوضح نائب مدير "الدفاع المدني"، منير مصطفى لموقع "الحرة" أن هجمات النظام السوري الحالية لا تختلف عن سابقاتها، ويقول: "الإجرام نفسه والضحية نفسها والأسلحة ذاتها".
ويضيف مصطفى: "النظام لم يتوقف عن قصف المنطقة بالأسلحة المحرمة دوليا دون أي اكتراث من المجتمع الدولي"، وهو ما يكرره في الوقت الحالي "بسبب غياب المحاسبة" منذ 12 عاما.
وتتعامل قوات الأسد منذ خمسة أيام بـ"طريقة الإبادة الجماعية"، ويشير مصطفى إلى "جرائم إبادة موصوفة تحصل، باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا"، من بينها الذخائر العنقودية والنابالم الحارق.
واستهدفت إحدى الضربات، الأحد، مدارس وسط مدينة إدلب، ومشفيين مركزيين الأول هو "مشفى إدلب الوطني" والثاني "إدلب الجامعي"، ما أسفر عن خروج الأول عن الخدمة، بعدما سقط صاروخ في عيادات المرضى.
وقالت "مديرية صحة إدلب" إن حصيلة حملة "القصف الوحشي" التي بدأتها قوات النظام، الخميس الفائت، وصلت إلى 49 قتيلا و279 مصابا، معظمهم من النساء والأطفال. وسجل فريق "منسقو الاستجابة في الشمال" الإنساني استهداف المنطقة أكثر من 198 مرة، وتركز الاستهداف على أكثر من 61 مدينة وقرية، كما ساهمت الطائرات الحربية بأكثر من 35 غارة جوية.
وسببت الهجمات المستمرة على المنطقة إلى توقف العملية التعليمية وحرمان أكثر من 400 ألف طالب من التعليم، كما توقفت المشافي والنقاط الطبية عن العمل للحالات العامة مسببة حرمان أكثر من مليوني مدني من الخدمات الطبية، وفق "منسقو الاستجابة".
كما سجلت حركة نزوح من جميع المناطق المستهدفة هي الأكبر من نوعها منذ عدة سنوات في المنطقة، حيث تجاوز العدد الأولي لإحصاء النازحين من قبل الفرق الميدانية حتى الآن 78,709 نازحين من مختلف المناطق.
"حياة مشلولة"وقالت "مديرية صحة إدلب" في بيان إن "منشآتنا الصحية تستجيب بأقصى طاقتها لمصابي القصف، حيث تعمل المديرية بالتعاون مع الشركاء لتزويد المشافي بما تحتاجه من أدوية ومستهلكات ضرورية لاستمرار عملها في إسعاف المصابين".
وأضافت: "تم التعميم على المنشآت الصحية، وخاصة الموجودة في المناطق المستهدفة، للعمل بخطة الطوارئ وإيقاف استقبال الحالات الباردة وتركيز الجهد على الخدمات الإسعافية".
وتقضي "خطة الطوارئ"، وفق ما أعلنت المديرية، بأن يتم تجهيز أقسام الإسعاف وغرف العمليات والعنايات في المشافي والمنشآت والمراكز الصحية، لاستقبال جميع الحالات التي ترد إليها نتيجة القصف.
وتحدث الإعلامي المقيم في إدلب، عدنان الإمام عن "حياة مشلولة في إدلب وريف حلب"، ويقول إن القصف دفع السكان هناك إلى إغلاق المحال التجارية، بينما تعلّق التعليم في المدارس.
ويضيف الإمام لموقع "الحرة": "الناس في مناطق القصف إما بقيت في منازلها أو نزحت، وخاصة من سرمين وأريحا ودارة عزة وبلدة ترمانين".
"المجتمع الدولي صامت ولم نرَ أي إدانة"، ويعتبر الناشط الإعلامي أن نظام الأسد "يستغل اتجاه أنظار العالم إلى ما يحصل بين غزة وإسرائيل وينتقم من المدنيين".
ويتابع: "الوضع الإنساني صعب جدا. هناك مخيمات إيواء أنشئت بعد التصعيد. النساء في مكان والرجال ينامون في السيارت. هناك أيضا سكان لا يعرفون أين سيذهبون".
ويضيف الصحفي السوري، أحمد رحال أن "قوات الأسد تستخدم في حملتها القنابل العنقودية والنابالم الحارق المحرم دوليا"، ويتوازى مع ذلك قصف مكثف بالطائرات الحربية الروسية.
ويوضح رحال لموقع "الحرة" أن "جميع الاستهدافات تضرب المنازل والأحياء المأهولة بالسكان"، وأنهم لم يوثقوا أي استهداف لمقار عسكرية.
وأدى القصف المتواصل إلى موجة نزوح كبيرة، جزء منها "مؤقت" والآخر دائم.
ويتابع الصحفي السوري: "بعض العائلات اتجهت إلى مخيمات ومراكز إيواء وستعود إلى منازلها حتى تهدأ الأوضاع، لكن قسم آخر انتقل بشكل دائم إلى المخيمات الواقعة في المناطق الحدودية".
ومع ذلك يشير رحال إلى أن "مناطق إدلب وريف حلب الغربي باتت جميعها مهددة"، وأن القذائف والصواريخ كانت قد وصلت إلى مدينة الدانا القريبة من الحدود، قبل يومين.
"حرب ممنهجة"ومنذ الخامس من أكتوبر استقبلت مشافي ومراكز "الجمعية الطبية السورية الأميركية" (سامز) في شمال غرب سوريا عددا كبيرا من الضحايا الذين سقطوا بسبب التصعيد الجاري في شمال غرب سوريا.
وأوضحت "سامز" أنه ومنذ يوم الأحد "تم تعليق العمل في مركز صحي إضافي ليصبح عدد المراكز التي توقفت عن العمل هو 4 مراكز صحية"، مضيفة: "لا يزال تركيزنا حاليا موجها لتوفير الخدمات الإسعافية في بقية المراكز الطبية".
وقال "الدفاع المدني السوري" في بيان الاثنين إن "استهداف المدنيين الممنهج في المناطق المأهولة بالسكان والمخيمات، وقتلهم وبأسلحة محرمة دوليا، واستهداف المرافق العامة والمشافي ومراكز الدفاع المدني السوري والأسواق هو انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الإنساني".
وأوضح البيان أن "القانون الدولي الإنساني يعدُّ هذه المرافق والأماكن محيدة عن القصف. هذه الجرائم والانتهاكات ما كانت لتحصل لو كان هناك محاسبة لنظام الأسد على جرائمه".
بدوره يرى نائب مدير "الدفاع المدني"، منير مصطفى، أن "النظام السوري مأزوم سياسيا واقتصاديا، ولذلك دائما ما يرى مخرجا في الحل العسكري".
ويقول: "من خلال هذا الحل يريد إعادة دوره الفاعل على الأرض، كونه تراجع بعد الحراك الشعبي الأخير في السويداء، استكمالا لثورة السوريين للوصول إلى العدالة والحرية".
"قتل السوريين هو المخرج له، ويجب أن تكون هناك إجراءات من مجلس الأمن والأمم المتحدة، لأن ما يحصل جرائم إبادة موصوفة وضد الإنسانية".
ويتابع مصطفى: "النظام يريد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، من خلال تدمير البنى التحتية والمشافي وفرق الدفاع المدني. ما يحصل حرب ممنهجة والنظام يعرف ماذا يفعل".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الدفاع المدنی السوری النظام السوری قوات الأسد أکثر من
إقرأ أيضاً:
"حصان طروادة السيبراني".. تطبيق الكتروني ساهم في انهيار نظام الأسد
كشف تقرير أعدته مجلة أميركية عن تطبيق الكتروني حمل اسم مؤسسة " الأمانة السورية للتنمية" التي كانت تديرها أسماء الأسد، وساهم وبشكل كبير في انهيار النظام السوري عبر اختراق الهواتف المحمولة لضباط وعناصر الجيش، بذريعة تقديم مساعدات مالية. اعلان
بعد عدة أشهر من سقوط نظام بشارالأسد، لاتزال تفاصيل السقوط والهروب الدراماتيكي تَّرْشحُ بين الحين والآخر، فانهيار نظام الأسد، سيّل الكثير من الحبر في الآونة الأخيرة بين من أراد أن يقدم تحليلات عن المرحلة، وبين آخر زعم أنه يمتلك مفاتيح الحقيقة وعلى اطلاع بكامل التفاصيل. وبين ذلك وذاك هناك حقيقة واحدة مفادها أن الكثير من الأمور لاتزال مخبأة، وأن الأيام كفيلة بكشفها.
وفي هذا السياق نشرت مجلة أميركية تحقيقاً صحفياً كشفت فيه عن تفصيل جديد، ساهم بشكل كبير في سقوط نظام الأسد. الصحيفة تحدثت عن تطبيق إلكتروني كان منتشراً بين ضباط وجنود الجيش السوري، وكان بمثابة عنصر إسناد للعمليات العسكرية التي عرفت بـ"ردع العدوان".
التحقيق الذي أجرته مجلة "نيو لاينز" الأميركية، كشف عن ظهور تطبيق يحمل اسم "الأمانة السورية للتنمية"، ومصمم بشعارات ورموز مطابقة للمنظمة الرسمية التي كانت تديرها أسماء الأسد، وهذا ما أكسبه نوعاً من المصداقية، قبل أن يتم الترويج له في أوائل صيف 2024 ضمن أوساطالجيش السوري، على أنه تطبيق يهدف إلى تقديم المساعدات المالية والمعونات، مستغلاً الأوضاع المعيشية السيئة للضباط والجنود.
وللحصول على المساعدة المالية يطلب التطبيق من الجنود تعبئة معلوماتهم الشخصية، كما يطلب الإجابة عن أسئلة تقليدية غير مثيرة للشكوك في البداية، ثم تتصاعد وتيرة الأسئلة في المرحلة الثانية لتستهدف معلومات أكثر حساسية، كالسؤال عن الرتبة العسكرية ومكان الخدمة الدقيق، وصولاً إلى الفيلق والفرقة واللواء والكتيبة، وفي المقابل يتلقى المستخدمون تحويلات شهرية تقارب 400 ألف ليرة سورية.
استدراج معلومات حساسةالتطبيق تضمن أيضاً رابطاً للتواصل عبر "فيسبوك" ومن خلاله، كانت تُسحب بيانات تسجيل الدخول لحسابات التواصل الاجتماعي للمستخدم وتُحول بهدوء إلى خوادم خارجية، وهذا ساعد في توليد خرائط عسكرية، من خلال المعلومات التي تم الحصول عليها من حسابات أفراد الجيش السوري، كشف عن نقاط القوة والثغرات في خطوط دفاع القوات السورية.
وأفاد التقرير الذي نشرته المجلة الأميركية بأن التطبيق ساعد في تحديد الموقع الجغرافي، ومراقبة تحركات الجنود والمواقع العسكرية، والتنصت على المكالمات، وتسجيل محادثات القادة لمعرفة الخطط العملياتية مسبقاً، وسحب الوثائق والخرائط والملفات من الهواتف، بل وحتى تفعيل الكاميرا للحصول على بث مباشر من داخل المنشآت العسكرية، عبر زرع برنامج تجسس متطور يُعرف باسم "سباي ماكس" الذي يمكّن المهاجمين من التجسس على كل شيء في الهاتف والوصول إلى الصور والكاميرا.
وبحسب التقرير فإن البيانات المجموعة من خلال التطبيق الالكتروني، ساعد وبشكل كبير في التشويش على أوامر الضباط من خلال إرسال تعليمات متضاربة، وهو ما عجّل انهيار خطوط الدفاع الجيش السوري وخاصة في معركة حلب التي كانت بوابة الوصول إلى دمشق.
وفي الوقت الذي لاتزال الأطراف المنفذة للهجوم السيبراني مجهولة، أفاد التقرير بأن فصائل من المعارضة وأجهزة استخبارات إقليمية أو دولية أو أطرافاً أخرى غير معروفة ربما كانت وراء تنفيذ هذا الهجوم السيبراني.
وتشير المعلومات إلى أن مئات أو حتى الآلاف، من الهواتف المحمولة لضباط وعناصر الجيش السوري قد تعرضت للاختراق، حيث أظهرت إحدى الرسائل المنشورة في قناة "تيليغرام" المرتبطة بالتطبيق، في منتصف يوليو/ تموز 2024، أن نحو 1500 حوالة مالية حُولت خلال ذلك الشهر وحده، في حين تحدثت منشورات أخرى عن دفعات إضافية لاحقة.
ولمّحت المجلة الأميركية في ختام التحقيق إلى أنه من الممكن أن يكون رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع على علم بتفاصيل دقيقة عن الهجوم السيبراني، أثناء العملية العسكرية التي تمكنت خلال 12 يوماً من إسقاط نظام بشار الأسد.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة