غزة – يعيش سكان مدينة غزة وشمالها واقع ارتباك على إثر إنذار عسكري إسرائيلي بالنزوح عن مناطق سكنهم في شمال ما يعرف بـ"وادي غزة" نحو الجنوب، تمهيدا لتكثيف العمليات العسكرية العدائية في مدينة غزة التي تعد كبرى مدن قطاع غزة ومركزه الأهم.

ونشر المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي على حسابه الرسمي على منصة "إكس"، بيانا للجيش يدعو فيه كافة السكان في المناطق المحددة شمال وادي غزة بإخلاء منازلهم والتوجه جنوبا، زاعما أن هذا الإجراء من "أجل حمايتهم"، وقال "لن يسمح بالعودة إلى مدينة غزة إلا بعد صدور بيان بذلك".

وبحسب البيان ذاته، فإن جيش الاحتلال سيواصل في الأيام القريبة العمل على نحو ملموس في مدينة غزة، وينوي الامتناع عن التعرض للمدنيين. غير أن البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة ومنظمات دولية تشير إلى أن المساس بالمدنيين قد حدث بالفعل منذ بدء معركة "طوفان الأقصى" السبت الماضي، وقد أبيدت عائلات بأكملها، ووصل عدد الشهداء لحوالي 1500 شهيد و7 آلاف جريح.

ويقطن نحو 1.1 مليون نسمة في المناطق التي تتعرض الآن لإرهاب غير مسبوق، ودعوات بالنزوح الجماعي، شبّهها فلسطينيون في غزة بـ"النكبة الجديدة" فيما يشبه تكرار لمآسي عام 1948، ويشكل هذا العدد حوالي نصف سكان القطاع الساحلي الصغير والمقدر بنحو 2.3 مليون نسمة.

نزوح جماعي

مع ظهور أول خيوط النهار، وبعد ساعات قليلة من تداول بيان الجيش على نطاق واسع بين السكان، شوهد أفواج من الناس تستقلون مركبات بأحجام مختلفة، ومتعددة الاستخدام، وآخرون يسيرون على الأقدام، يتجهون إلى جنوب القطاع، عبر شارعي "الرشيد" الساحلي، وشارع "صلاح الدين" الرئيسيين، ويربطان شمال القطاع بجنوبه، اللذين تعرضا في كثير من مقاطعهما للدمار على مدار أيام العدوان السبعة.

وشهدت محطات وقود لا تزال تعمل بما تبقى لديها من مخزون ازدحاما بسبب التزود بالبنزين والسولار قصد الوصول إلى مناطق جنوب القطاع، وآخرها مدينة رفح على بعد 40 كيلو متر، والمتاخمة للحدود مع مصر.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في بيان، فجر اليوم الجمعة "إن الإنذار الإسرائيلي يسري أيضا على جميع موظفي الأمم المتحدة، وأولئك الذين يقيمون في منشآت تابعة للمنظمة بما في ذلك المدارس والمراكز الصحية والعيادات".

وشوهد "أسطول" من سيارات تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ترفع شارات وأعلام المنظمة الدولية، تغادر مدينة غزة إلى مقرها الرئيس، في اتجاه مدينة رفح حيث أقامت مركز عمليات لمواصلة عملياتها الإغاثية.

وحثت أونروا في تدوينة على منصة "إكس" السلطات الإسرائيلية على حماية جميع المدنيين في ملاجئ الأونروا بما في ذلك المدارس".

وتشير بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن النزوح الجماعي مستمر في قطاع غزة، معلنة أن العدد الإجمالي للنازحين داخليا ارتفع 25% خلال آخر 24 ساعة، وتجاوز الآن 423 ألف شخص يعيش أكثر من ثلثيهم في مدارس الأونروا.

وعقب صدور الإنذار الإسرائيلي لجأت حشود من السكان إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وأقاموا داخل ساحته وفي محيطه، بعدما تقطعت بهم السبل، محتمين من استهداف إسرائيلي للمنازل.

وعلمت الجزيرة نت من مصادر موثوقة أن صحفيين يعملون في مؤسسات أجنبية قد غادروا بالفعل مكاتبهم في مدينة غزة، وتوجهوا إلى جنوب القطاع.


صمود في مواجهة النزوح

وفي مقابل استجابة أعداد من السكان للإنذار بالنزوح، فإن آخرين يرفضون بشدة الاستجابة. وقال "أبو محمود" من سكان حي الزيتون في مدينة غزة إنه نزل إلى الشارع لتثبيت جيرانه وتعزيز صمودهم في منازلهم، وذكرهم بنكبة الآباء والأجداد، وأنه يجب ألا يكونوا أدوات نكبة جديدة.

وتبادل أمثال أبو محمود على مجموعات على تطبيق "واتساب" عبارات ومواقف تحفيزية، تشجع على الصمود في المنازل وإفشال مخطط الاحتلال بالتهجير والنزوح الجماعي.

وقال محاضر جامعي في مداخلة "لن نغادر يا أبناء شعبنا في قطاع غزة لا تخرجوا من بيوتكم وارفضوا حرب إسرائيل النفسية الإجرامية، حتى لو دمرت بيوتكم ناموا بين أنقاضها.. تذكروا، كل بيت من رفح حتى بيت حانون مستهدف، اصمدوا ولا تكرروا نكبة عام 1948".

وسارعت السلطات التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى مجابهة هذا الإنذار، وطمأنة السكان وتثبيتهم، وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف في بيان إن الاحتلال يحاول بث وتمرير بعض الأخبار الدعائية الكاذبة بطرق مختلفة مستهدفا إحداث بلبلة بين المواطنين والمس بتماسك الجبهة الداخلية.

ومن ضمن هذه المحاولات -وفق معروف- ما يتداول حول توجيه بعض العاملين بالمؤسسات الدولية للجنوب، في إشارة منه إلى جنوب القطاع التي تبدأ بالمحافظة الوسطى وجلها مخيمات للاجئين، ومحافظتي خان يونس ورفح المتجاورتين في أقصى الجنوب.

وقال شهود عيان من هذه المناطق للجزيرة نت إن أعدادا من النازحين يتجمهرون بسياراتهم وأمتعتهم في الشوارع، وفي محيط المستشفيات، في غياب مكان يلجؤون إليه.

وتشهد مراكز الإيواء التابعة لأونروا في هذه المناطق اكتظاظا يفوق قدرتها الاستيعابية التي قدرتها المنظمة الأممية مع بداية العدوان بـ150 ألف في جميع مراكزها على مستوى القطاع، في حين أعداد مضاعفة لجأت إليها مع تصاعد عمليات النزوح داخل المدينة الواحدة.

وباستثناء فندق جمعية الهلال الأحمر في مدينة خان يونس، الذي قالت مصادر فيها للجزيرة نت إنه ممتلئ بموظفيها النازحين من مقرها الرئيسي في غزة، فإنه لا يوجد فنادق في المناطق جنوب وادي غزة، المشار إليها في بيان جيش الاحتلال للنزوح الجماعي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأمم المتحدة فی مدینة غزة جنوب القطاع قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

«رصاصة تُقتله ودبابة تمحو ملامحه».. إعدام طفل فلسطيني يهزّ العالم

في صباح ثقيل بين ركام الحرب وصوت الطائرات، كان الفتى زاهر ناصر شامية «16 عامًا» يسير في أزقة مخيم جباليا حاملاً دلواً من الماء، يساعد جيرانه كما يفعل كل يوم. بدا يومًا عاديًّا في مدينة اعتادت الخطر، لكن قلبها لا يزال يرتجف كلما اقترب صوت الآليات العسكرية.

فجأة، تغير كل شيء

كان زاهر يحاول العودة إلى منزله حين بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي في التقدم نحو وسط القطاع. تداخلت أصوات الرصاص مع صرخات الأهالي، وتسابق الجميع إلى الاحتماء خلف البيوت. «زاهر» الذي لم يعرف أين يهرب أولًا، تلقّى رصاصة أصابته فسقط أرضًا عاجزًا عن الحركة.

لم ينتهِ المشهد عند ذلك

فبحسب ما أفادت به وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» تقدّمت دبابة إسرائيلية باتجاه الفتى الجريح، ليقوم جيش الاحتلال بدهسه بالدبابة، ما أدى إلى انقسام جسده إلى نصفين، في واحدة من أبشع مشاهد العنف التي شهدها القطاع في الآونة الأخيرة.

توقّفت لحظة ثم تابعت

وفيما كانت الطواقم الطبية تحاول الوصول إلى مكان الحادث، كان مشهد آخر أكثر قسوة يتكشف داخل مجمع الشفاء الطبي غرب غزة.

الطفل زاهر ناصر شامية (16 عاما) من مخيم جباليا

وأعلنت مصادر طبية وطواقم الدفاع المدني لـ «وفا» انتشال 30 جثمانًا من مقبرة جماعية كانت قد عُثر عليها في محيط المجمع، بينما تتواصل عمليات البحث في ظل تقديرات تشير إلى وجود أكثر من 300 شهيد دُفنوا في الموقع خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة.

ليست النهاية بل بداية كشف أعمق

الروائح الثقيلة، والأكفان البيضاء التي تتكدس على الأرض، وصور الأهالي الذين يبحثون عن المفقودين، كلها تضيف طبقة جديدة من الألم فوق ما يعيشه القطاع منذ أشهر.

ومع قصة زاهر التي تختصر مأساته الشخصية، تتكشف أمام العالم صورة أوسع لواقع قطاع غزة: أطفال يُقتلون في الشوارع، ومقابر جماعية تُكتشف في المستشفيات، ومأساة إنسانية تتسع بلا توقف.

اقرأ أيضاًاستشهاد فلسطينيين اثنين بنيران الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة

استشهاد 4 فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي في جباليا البلد

مصطفى بكري: الاحتلال يتحجج بعدم تسليم جثث الرهائن ليواصل مجازره في غزة

مقالات مشابهة

  • استشهاد فلسطيني بنيران جيش الاحتلال في جباليا شمال قطاع غزة
  • إصابة شاب فلسطيني برصاص الاحتلال غرب رام الله
  • ترحيب فلسطيني بقرار أممي يلزم إسرائيل بتمكين الوصول الإنساني الكامل إلى غزة
  • شهيدة ومصابون في جباليا وقصف مدفعي وغارات جنوب القطاع
  • شهداء ومصابون في جباليا وقصف مدفعي وغارات جنوب القطاع
  • شهداء ومصابون بجباليا وقصف مدفعي وغارات جنوب القطاع
  • أسفرت عن استشهاد 386 فلسطينيًا.. 738 خرقاً لوقف النار من قوات الاحتلال
  • استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال جنوب غزة
  • «رصاصة تُقتله ودبابة تمحو ملامحه».. إعدام طفل فلسطيني يهزّ العالم
  • الاحتلال يفرج عن الأسيرة سامية الجواعدة من مدينة الخليل