لجريدة عمان:
2025-05-19@13:30:34 GMT

الصين والهند على الحبل في حرب غزة وإسرائيل

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

«ترجمة: أحمد شافعي»

في الوقت الذي شن فيه مقاتلو حماس هجوما مفاجئا عبر حدود غزة، كانت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في بكين. وعندما أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانا حول الهجوم، جاء محايدا بشكل مدروس، واكتفى بالدعوة إلى «الهدوء» والوقف الفوري لإطلاق النار.

فانتقد تشاك شومر ـ وهو أكبر أعضاء مجلس الشيوخ في الرحلة وزعيم الأغلبية الديمقراطية في المجلس ـ البيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو لا يزال في البلد، قائلا إنه كان يأمل في إدانة أقوى لحماس.

تجاهلت الصين انتقاده، ولكن هذا الانتقاد يشير إلى واقع صعب يواجه الدول الآسيوية التي تسعى إلى الاضطلاع بدور قوى الوساطة في الشرق الأوسط، ذلك الواقع يقول إن السياسة لم تختف بعد.

كثيرا ما نظرت دول آسيا القوية إلى النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط نظرة الحاسد، وتحاول الاستيلاء على شريحة منه. ولكن حسبما يتبين من الحرب المتصاعدة في إسرائيل، ثمة توترات سياسية صعبة لم تزل غير محلولة في المنطقة. وعندما تتفجر هذه التوترات، لا يكون كافيا أن تراقب الدول الآسيوية من الخطوط الجانبية، فدول الشرق الأوسط تتوقع الدعم.

تمثل الدبلوماسية الصينية عملية توازن صعبة بشكل خاص، فقد سعت إلى تعميق العلاقات مع كل من إسرائيل والفلسطينيين. فقد زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الصين في يونيو، ومن المقرَّر أن يزورها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت لاحق من هذا العام.

والأمر نفسه ينطبق أيضا على الهند، التي كانت تقترب من إسرائيل سياسيا في ظل حكم ناريندرا مودي، ولكن لها تاريخيا علاقات فلسطينية قوية. ويبدو أن كلا البلدين يعتقد أنه قادر على «الفوز من بعيد»، سعيا إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية، مع اجتناب التورط في تعقيدات حروب الشرق الأوسط.

فكلاهما يسير على حبل صعب، محاولا أن يتجنب الانجرار بعمق كبير إلى جولة جديدة من الصراعات، مع التشبث بالانتصارات السياسية التي يعتقد كل منهما أنه قد حققه. ولكن مع تصاعد الحرب، سوف يتطلب البقاء على هذا الحبل توازنا ذكيا.

سوف يكون تحرك دبلوماسية الصين أصعب بكثير من دبلوماسية الهند، لأن بكين سعت إلى تقديم نفسها بوصفها القوة العظمى القادمة وبوصفها دولة تختلف دبلوماسيتها عن دبلوماسية الولايات المتحدة. وكلا الأمرين يطرح تحدياته.

لو أن الصين تطمح إلى أن تصبح قوة عظمى، فسوف تحتاج إلى التدخل أو أن تثبت ـ على الأقل ـ قدرتها على تشكيل الواقع السياسي لبلاد أخرى. ولو أنها تريد أن تكون مختلفة عن الولايات المتحدة، فسوف تحتاج إلى سياسة أكثر دقة أو حتى إلى سياسة تميل قليلا إلى المعسكر الفلسطيني - وهذا في الوقت الذي لم تزل فيه الصور الصادمة للمختطفين الإسرائيليين من الرجال والنساء متداولة.

لقد لجأت، حتى الآن، إلى الحياد المدروس. ولكن مع بدء الحرب البرية، ومع ازدياد وضوح ما إذا كان مواطن صيني بين الرهائن الذين تحتجزهم حماس، فسوف يكون من الصعب الحفاظ على هذا الحياد.

ومع مزيد من التعمق في المعسكر الإسرائيلي سوف تتساءل الدول خارج الغرب عما لو أن لدى الصين أي شيء مختلف لتقدمه، ومع مزيد من التعمق في المعسكر الفلسطيني سوف تعرض بكين لانتقادات بسبب وقوفها الفعلي إلى جانب مقاتلي حماس. فالحياد يستبعد العديد من الخيارات.

سيكون السيناريو برمته غير متوقع لبكين، التي ربما انزلقت إلى شعور زائف بالأمان من خلال التوسط في التقارب السعودي الإيراني في بداية العام. ولكن في تلك الحالة، كان الدبلوماسيون يدفعون بابا مفتوحا من الأساس، إذ كان كلا البلدين يريد علاقات أفضل. أما إسرائيل وحماس فعدوان منذ أمد بعيد، وهما الآن في حالة حرب.

لن يكون احتضان الصين للرئيس الفلسطيني في يونيو مانعا لدعم إسرائيل، ولا لإدانة حماس، لكنه سوف يعني أن من المتوقع أن تشارك بكين في تفاصيل السياسة الفلسطينية والإسرائيلية، بدلا من الاكتفاء بإصدار دعوات من أجل السلام.

ولا يقتصر الأمر على هذا فقط. فقد أدى أيضا سعي بكين إلى أن يكون لها حلفاء في الشرق الأوسط إلى احتضانها الشهر الماضي لبشار الأسد، الذي قام برحلة نادرة خارج حدود سوريا.

وهنا أيضا يظهر واقع التورط في صراعات بعيدة. وبقدر ما عرض الرئيس شي جين بينج على الأسد استثمارا ماليا وقال إن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، فهل يعتقد أحد أن الصين سوف تقف إلى جانب سوريا إذا ما تصاعدت حرب غزة وامتدت إلى خارج نطاقها الحالي؟

والهند بدورها قد تجد كلمات دعم قوية تلوح بها إذا ما قامت إسرائيل بغزو بري ـ وهو أمر متوقع ـ وبدأت الخسائر البشرية في التصاعد. فقد يؤثر هذا في الرأي العام في الداخل وفي العالم - بل إنه قد يستجلب الإدانة من الدول العربية التي تستضيف أعدادا كبيرة من العمال الهنود، بما يزيد من تعقيد موقف مودي.

وبعيدا عن التفاصيل، فإن الوضع يسلط الضوء على القضية الأوسع بالنسبة للبلاد التي أقامت سياستها الخارجية على فكرة أن الاستقرار مضمون في الصراعات المستعصية.

عندما تم الإعلان عن ممر تجاري جديد في قمة مجموعة العشرين الشهر الماضي يربط أوروبا بدول الخليج العربي والهند، أعلن مودي أن المشروع سيكون «أساس التجارة العالمية لمئات السنين». وهو الآن يواجه عقبة كبيرة، وفي غضون أسابيع من الإعلان. لأن الممر يستوجب علاقات جيدة بين السعودية وإسرائيل، وهو أمر يمكن أن تعرضه حرب طويلة للخطر.

هذه إذن هي معضلة العملاقين الآسيويين. لكي تكون قوة وساطة في الشرق الأوسط ثمة متطلبات تتجاوز المصافحات، فالأمر يقتضي في بعض الأحيان الانخراط في السياسة. بالنسبة للصين، التي تنافس أمريكا، وبالنسبة للهند، التي تنافس الصين، كان المقصود من توسيع تواجدهما في الشرق الأوسط هو أن يكون وسيلة لاستعراض القوة على المسرح العالمي.

وما لا يبدو أن أيا منهما مستعدة له هو حقيقة أنهما قد يحتاجان في يوم من الأيام إلى القيام بما هو أكثر من تقديم الكلمات الدبلوماسية، ومن شأن حرب طويلة في المنطقة أن ترغمهما على مواجهة هذه الحقيقة. فالدول التي تطمح إلى أن تصبح قوى عظمى لا يمكنها أن تقف على الهامش.

فيصل اليافعي يعمل حاليا على تأليف كتاب عن الشرق الأوسط، وله كتابات كثيرة في هذا الصدد. وقد سبق له العمل في الجارديان وهيئة الإذاعة البريطانية.

عن آسيا تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

ترحيل مليون فلسطيني إلى ليبيا؟ خطة من إدارة ترامب وحماس ترد بغضب

صراحة نيوز ـ فجّرت شبكة “إن بي سي نيوز” الأميركية جدلاً واسعاً بعدما كشفت عن خطة وصفت بالصادمة تعمل عليها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تقضي بنقل ما يصل إلى مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى ليبيا بشكل دائم، في إطار ما يُروّج له على أنه “حل نهائي” لغزة ما بعد الحرب.

وبحسب تقرير الشبكة، فإن خمسة مصادر مطلعة، بينهم مسؤول أميركي سابق، أكدوا أن الخطة نوقشت بالفعل على مستوى جدي داخل دوائر القرار الأميركية خلال إدارة ترامب، بل وجرى التباحث بشأنها مع قيادات ليبية.

مليارات مقابل التهجير

وأفادت “إن بي سي نيوز” أن إدارة ترامب كانت مستعدة للإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الليبية المجمدة في الولايات المتحدة مقابل إعادة توطين الفلسطينيين، ما يعكس طبيعة الخطة القائمة على المقايضة بين التهجير ورفع العقوبات.

ورغم أن الخطة لم تصل إلى مرحلة التنفيذ، إلا أن الخيارات المطروحة شملت نقل الفلسطينيين من غزة إلى ليبيا عبر الجو أو البحر أو البر، وهي خطوات اعتُبرت “مرهقة ومكلفة للغاية”، بحسب المصادر.

رد حماس: “سندافع عن أرضنا حتى النهاية”

من جانبها، رفضت حركة حماس بشدة هذه الخطة واعتبرتها مرفوضة جملة وتفصيلاً. وقال باسم نعيم، مسؤول بارز في الحركة، إن حماس “ليست على علم بأي مناقشات” حول خطة من هذا النوع.

وأضاف نعيم في تصريح لشبكة “إن بي سي نيوز”:
“الفلسطينيون متجذرون في وطنهم، وملتزمون به بشدة، ومستعدون للقتال حتى النهاية والتضحية بأي شيء للدفاع عن أرضهم ووطنهم وعائلاتهم ومستقبل أطفالهم.”

وأكد أن الفلسطينيين وحدهم هم أصحاب القرار بشأن مصيرهم، بما في ذلك سكان غزة، قائلاً: “لا أحد يملك أن يتحدث باسمهم أو يقرّر مصيرهم من خارجهم.”

“ريفييرا الشرق الأوسط”… على أنقاض التهجير؟

وتكشف الخطة، بحسب التقرير، جانباً من رؤية ترامب لغزة بعد الحرب، والتي عبّر عنها سابقاً بقوله إن الولايات المتحدة ستتولى إعادة إعمار القطاع وتحويله إلى ما وصفه بـ”ريفييرا الشرق الأوسط”.

وقال ترامب في تصريحات تعود إلى فبراير: “سنتولى هذه القطعة، ونطورها، وستكون شيئاً يفخر به الشرق الأوسط بأكمله.”

لكن هذا المشروع الطموح – في ظاهره – يتطلب، وفق رؤية ترامب، إفراغ غزة من سكانها وإعادة توطينهم في دول أخرى، في مقدمتها ليبيا.

خلاصة: مشروع “نقل أزمة” أم “تطهير ناعم”؟

في وقت تتجه فيه الأنظار إلى ما بعد الحرب على غزة، تعود خطط “الترحيل الجماعي” إلى الواجهة، مدفوعة بحسابات سياسية واقتصادية واستراتيجية، تُعيد إلى الأذهان مشاريع “التصفية الناعمة” للقضية الفلسطينية.

وبينما تتكشّف تفاصيل هذه الخطة المثيرة للجدل، يبقى الفلسطينيون، كما أكدت حماس، متمسكين بأرضهم، يرفضون أن يكونوا أرقاماً في صفقات مشبوهة، أو بيادق تُنقل من أرض إلى أخرى لخدمة مصالح قوى كبرى.

مقالات مشابهة

  • ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط ورسالة صامتة تضع العراق في الظل
  • صحف عالمية: نتنياهو أمام قرار مصيري بشأن غزة
  • خبير دولي: مصر حجر الأساس للأمان في الشرق الأوسط
  • ترامب يغير الشرق الأوسط وليس نتنياهو
  • كريم عوض ضمن قائمة أبرز 30 قائدًا ماليًا في الشرق الأوسط
  • إيران والسعودية.. مساران متناقضان في الشرق الأوسط
  • رئيس دفاع النواب: مصر لخصت حل قضية الشرق الأوسط في قمة بغداد
  • ترحيل مليون فلسطيني إلى ليبيا؟ خطة من إدارة ترامب وحماس ترد بغضب
  • ترامب يدعم إنشاء أضخم مركز للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط لمواجهة الصين
  • عاجل.. مسؤول أميركي للجزيرة: حاملة الطائرات ترومان في طريقها لمغادرة الشرق الأوسط ولا خطط لاستبدالها