كيف تتسبب "مشاهد الحرب" في ظاهرة الاحتراق النفسي؟
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
بصور دموية تثكل القلب، وبعد مرور أكثر من أسبوع على المواجهات بين غزة وإسرائيل، وتضاعف وتيرة التصعيد، كان لا بد من النظر إلى الجانب النفسي الذي تشكله هذه المشاهد في نفوس المُتابعين للأحداث عن قرب.
التغطية الإعلامية الحالية "نوع من الإفصاح عما يجري"
متابعة أخبار القصف والعنف أمام الأطفال، ستترك رواسب نفسية خطيرة جداً
الاستشاري النفسي والتربوي موسى مطارنة، يفسر الأثر النفسي لمشاهد الرعب والقتل والعنف، المُصاحبة لهدم البيوت، قائلاً: "هذه المشاهد دائماً ما تصب في عمق المشاعر الإنسانية".
ويتحدث مطارنة لـ 24 عن الآثار النفسية التي تخلّفها هذه الصراعات "ستسبب حالة من غياب الاستقرار وانعدام الأمان لدى هؤلاء المُتابعين عن كثب"، وينصح مطارنة "الابتعاد عن متابعة أخبار القصف والعنف أمام الأطفال؛ لما ستتركه من خوف، ورواسب نفسية خطيرة عليهم".
فلة اللحام.. طفلة تفقد عائلتها في #حرب_غزة https://t.co/y8pcJFPrfJ
— 24.ae (@20fourMedia) October 15, 2023 الاحتراق النفسي.. كيف يصنع جيلاً هشاً؟وفقاً للجوانب النفسية التي يوضحها مطارنة "فإن تأثيرات الاحتراق النفسي، الذي يتعرض له البعض من المشاهدين في الوقت الحالي، سيسكن في اللاشعور، ويبنى عليه ردود أفعال سلبية تظهر فيما بعد على سلوكياتهم".
ويكمل "الأثر النفسي الأكبر يقع على الأطفال، إذ أن ذاكرتهم تتشكل وفقاً لما يشاهدونه في مقتبل عمرهم"، ستتكون لديهم "صورة من عدم الأمان، وترسُخ لغياب الحياة السوية؛ لأن الطفل يتأثر بالصراخ والبكاء".
ألف مفقود تحت أنقاض #غزة.. ومقبرة جماعية لمجهولي الهوية https://t.co/Nsj1tmemCp
— 24.ae (@20fourMedia) October 15, 2023بعض الأشخاص يدخلون في إحساس بالألم والعجز مما يشاهدونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مشاهد قتل ودمار، وبحسب مطارنة "يعيشون نوبات اكتئاب عصبية تؤثر على أدائهم لواجباتهم اليومية، وتطلعاتهم المستقبلية".
أحفاد الحروبويشير مطارنة لـ 24 إلى أن الزخم الإعلامي الذي تسببه المواجهات بين غزة وإسرائيل ينبثق عنه ما يدعى بالاحتراق النفسي؛ لأن مشاهد الدم والدمار تؤثر على الفطرة الإنسانية، وتعد ظاهرة الاحتراق النفسي، "عارض طويل الأمد، يرتبط حدوثه بالضغوط النفسية المُتكررة".
"الصحة": قتيل كل 5 دقائق.. والتصعيد "إعدام" لسكان #غزة https://t.co/YLsqMuEtxT
— 24.ae (@20fourMedia) October 15, 2023"ستترك المشاهد المأساوية شظاياها على الجيل بأكمله" وفقاً لمطارنة، ويضيف "المشاهد الدموية، لها أثرها على الأطفال بشكل مريع، لأنهم يأخذون الصورة دون فهم محتواها".
وقال مطارنة: "الحروب على مر التاريخ صنعت حالة من القلق والخراب، وخلّفت أجيالاً هشّة مرعوبة".
من جانبه يوضح الخبير الإعلامي خالد القضاة لـ 24 "أن المُتابعة الإعلامية الحثيثة للمواجهات الحاصلة، من الطبيعي أن تعرّضنا كمشاهدين للقلق والاضطراب".
ويردف موضحاً أن هذا النوع من التغطية الإخبارية "المُتمثلة ببث الحروب والإعلام العسكري"، تسبب للصحافيين القائمين بها الإنهاك المهني، كونهم جزءًا من إيصال الصورة الإخبارية.
ويستذكر القضاة أساسيات المعالجة الصحافية في الحروب مُعلقاً "على الإعلام أن يقدم الأرقام، والبيانات والإحصائيات وصور الدمار، وتغطية ما يدور من أحداث رغم قسوتها، لأن هذه الوظيفة الأساسية التي تقع على عاتقه".
حرب #غزة.. جثث في "شاحنات المثلجات" مع ارتفاع القتلى https://t.co/Fxf8C46vi8
— 24.ae (@20fourMedia) October 15, 2023وتعد التغطية الإعلامية الحالية بحسب القضاة "نوع من الإفصاح عما يجري، ونقل للحقيقة بمأساويتها"، والأهم وفقاً للقضاة "الدقة في تحري المعلومات المُقدمة للجمهور".
وبحسب القضاة "الإعلام اليوم، هو مرآة تعكس ما يدور على أرض الواقع، وتنقل ما يجري من مواجهات، رغم أثر المشاهد المنشورة على النفس".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
هل المريض النفسي مسؤول عن تصرفاته؟
المسؤولية الشخصية عن الأفعال تعتبر حجر الزاوية في أي مجتمع منظم، فهي تحدد الحقوق والواجبات القانونية والأخلاقية للأفراد، لكن عندما يتعلق الأمر بالمريض النفسي، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا. فالاضطرابات النفسية قد تؤثر على التفكير، الشعور، والقدرة على التحكم بالسلوك، ما يجعل تقييم المسؤولية تحديًا كبيرًا للأطباء والقانون. من بين هذه الحالات: الفصام، الاكتئاب الشديد، اضطراب ثنائي القطب، واضطرابات السيطرة على السلوك. السؤال المركزي هنا: هل الأفعال التي يقوم بها الشخص المصاب باضطراب نفسي تُعد تصرفات إرادية يمكن تحميله المسؤولية عنها، أم أن المرض يقلل أو يلغي هذه المسؤولية؟
فهم طبيعة المرض النفسيالاضطرابات النفسية تتراوح من حالات بسيطة مثل القلق والاكتئاب الخفيف إلى حالات شديدة مثل الفصام والاضطرابات الذهانية. هذه الحالات تؤثر على قدرة الشخص على التفكير المنطقي واتخاذ القرارات الصحيحة. على سبيل المثال، الفصام قد يسبب هلاوس وأوهام تجعل الشخص يفسر الواقع بشكل مشوه، بينما الاكتئاب الشديد يمكن أن يقلل قدرة الفرد على التعامل مع المواقف اليومية واتخاذ القرارات المناسبة. بالإضافة إلى ذلك، بعض الاضطرابات تؤثر على التحكم العاطفي، ما يزيد احتمال التصرف بطرق متطرفة أو عدوانية دون وعي كامل بالنتائج.
المسؤولية القانونية والمرض النفسيالقوانين في معظم الدول تفرق بين الأشخاص السليمين عقليًا والمصابين باضطرابات نفسية تؤثر على وعيهم أو قدرتهم على التحكم بسلوكهم. في القانون الجنائي، يوجد مفهوم "عدم المسؤولية الجنائية بسبب المرض العقلي"، والذي يعني أن الشخص الذي لم يكن قادرًا على فهم طبيعة فعله أو التمييز بين الصواب والخطأ نتيجة اضطراب نفسي قد يُعفى من العقوبة التقليدية. يتم تحويل مثل هؤلاء الأفراد غالبًا إلى علاج طبي بدلاً من السجن، وذلك لضمان سلامتهم وسلامة المجتمع، مع الاعتراف بأن مرضهم أثر بشكل جوهري على قدرتهم على التصرف بشكل مسؤول.
أمثلة قانونية على تحديد المسؤوليةفي الولايات المتحدة، يُستخدم قانون M’Naghten لتقييم قدرة المريض النفسي على التمييز بين الصواب والخطأ وقت ارتكاب الجريمة. في المملكة المتحدة، تتيح القوانين التمييز بين من ارتكب فعلًا عن عمد وبين من كان تحت تأثير اضطراب نفسي يعيق تقييمه للواقع. هذه الأمثلة توضح كيف تحاول الأنظمة القانونية موازنة حماية المجتمع مع حقوق المرضى النفسيين، وتعكس الجهود لتطبيق العدالة بطريقة تراعي الحالة العقلية للفرد، بدلًا من الحكم عليه بنفس المعايير التي تُطبق على الأفراد الأصحاء عقليًا.
المسؤولية الأخلاقية للمريض النفسيحتى عندما يعفي القانون المريض النفسي من العقوبة، يظل السؤال الأخلاقي قائمًا: هل الشخص مسؤول عن أفعاله؟ يرى بعض الفلاسفة أن المسؤولية الأخلاقية تتطلب قدرة عقلية كاملة على اتخاذ القرار، وبالتالي فإن المرض النفسي يحد من هذه القدرة. بالمقابل، هناك رأي آخر يركز على حقوق الضحايا، معتبرًا أن المجتمع يحتاج إلى ضمان العدالة والتعويض، مهما كانت حالة المريض النفسي. هذا الصراع بين الأخلاق والقانون يوضح صعوبة تقييم المسؤولية بشكل مطلق، ويؤكد أهمية النظر إلى كل حالة على حدة بناءً على طبيعتها ودرجة تأثير المرض.
العوامل التي تحدد المسؤوليةتحديد مدى مسؤولية المريض النفسي يعتمد على عدة عوامل رئيسية. أولها نوع المرض وشدته، فبعض الحالات مثل الفصام الحاد تقلل القدرة على اتخاذ قرارات واعية، بينما حالات القلق أو الاكتئاب قد تؤثر جزئيًا فقط على الحكم. ثانيًا، الوعي والإدراك، الشخص الذي يفهم طبيعة أفعاله ونتائجها يكون أكثر مسؤولية. ثالثًا، القدرة على التحكم في السلوك، بعض الاضطرابات تمنع السيطرة على الانفعالات، ما يقلل المسؤولية. وأخيرًا، التاريخ المرضي والتقييم الطبي الدقيق، الذي يساعد المحاكم والأطباء على تحديد مدى تأثير المرض النفسي على تصرفات الفرد.
الأدلة العلمية من الطب النفسيالدراسات الحديثة في علم الأعصاب النفسية تشير إلى أن بعض الاضطرابات النفسية تغير البنية العصبية للدماغ، خاصة في مناطق التحكم بالسلوك واتخاذ القرار مثل القشرة الأمامية الجبهية واللوزة الدماغية. هذه الاختلالات تؤثر على قدرة الفرد على تقييم المواقف والتحكم بردود أفعاله. مثل هذه النتائج تدعم الفكرة القائلة بأن بعض الأفعال الناتجة عن المرض النفسي ليست تصرفات إرادية بالمعنى الكامل، بل هي نتيجة خلل في الوظائف العصبية المرتبطة بالوعي والتحكم.
حالات مثيرة للجدلهناك العديد من الحالات التي تسببت في جدل واسع بين القانون والطب النفسي، مثل مرضى الفصام أو اضطرابات ثنائية القطب الذين ارتكبوا أفعال عنف أو جرائم أثناء نوبات ذهانية. في هذه الحالات، غالبًا ما تشير التقييمات النفسية إلى أن القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ كانت محدودة جدًا. هذه الأمثلة تثير تساؤلات حول العدالة، حقوق الضحايا، وضرورة توفير الرعاية الطبية المناسبة قبل اتخاذ أي إجراءات قانونية صارمة.
التقييم النفسي وعلاقته بالمسؤوليةالتقييم النفسي الشامل يعد أداة أساسية لتحديد مدى مسؤولية المريض النفسي عن أفعاله. يشمل هذا التقييم مقابلات سريرية، اختبارات عصبية، وتحليل السلوك السابق. يساعد هذا التقييم في فهم درجة تأثير المرض على قدرة الشخص على اتخاذ القرارات والسيطرة على أفعاله. كما يساهم في تحديد ما إذا كانت الحاجة للعلاج النفسي مستمرة بعد الحدث، أو إذا كان الشخص بحاجة إلى تدخل قانوني محدود، ما يوازن بين حماية المجتمع وحقوق المريض.
باختصار، المريض النفسي قد يكون مسؤولًا جزئيًا أو محدودًا عن أفعاله، اعتمادًا على نوع المرض وشدته، ودرجة وعيه وتحكمه بسلوكه. القوانين الحديثة تحاول التمييز بين الأفعال المرتكبة عن عمد وتلك الناتجة عن اضطرابات عقلية، بينما الأخلاق توازن بين حماية الضحايا وفهم تأثير المرض. التقييم النفسي والعصبي الدقيق، إلى جانب العلاج المستمر، يعدان عناصر أساسية لضمان التعافي وتقليل الأفعال الضارة، مع احترام حقوق المجتمع والفرد، الفهم العلمي والقانوني والأخلاقي معًا يوفر إطارًا متوازنًا للتعامل مع هذه الحالات الحساسة والمعقدة.
المصادر- مستشفى الطب النفسي.
- مصحة لعلاج الإدمان.