.. وتحمل مادة:(بعث) معاني عدة، منها: إرسال المبعوث وحده؛ للقيام بمهمة الاستنهاض، واليقظة، وإحياء الموات، والنشر، وحلِّ عقال المكتوف، وإطلاقه للعمل، والانطلاق، ومنها الاستعدادُ للأهبة، والأمل في العمل، والنهوض من الوهدة، ومنها الاندفاعُ نحو النفع، والتأثير، والتواصي بالخير، والحث عليه، ومنها فعلُ كلِّ ما في الوُسْعِ للتغيير نحو الأفضل، والأنفع، والأجدى، وهذا فحوى، ومضمون، ودلالة البعث في المعجم اللغوي، وهو بالفعل ما قام به الرسول الكريم، ونهض له، وعاش لأجله.


وقوله:(فيهم) تعني أنه تغلغل في طواياهم، ووصل إلى آخرهم، والحرف (في) يفيد الظرفية، وكأنه بسيرته العظيمة، وبسنَّته المباركة قد دخل بيوتهم، وملأت سيرتُه قلوبَهم، وأنارتْ أفئدتهم، وضَوَّأَتْ كلَّ مكان يُوجَدون فيه، وملأ عليهم حياتهم، وأسعد عمرَهم بجمالِ سيرته، وكمالِ سنته، فانظرف في حيواتهم، وعَدَّلَ سلوكياتِهم، وغيَّر أوضاعهم إلى الأوضاع العالية التي ما ظنوا يومًا أن يصلوا إليها، أو أن معنى قوله:(فيهم) قد جاء بمعنى (منهم)، فهو من بني جلدتهم ، وليس ملاكا، فهو بشرٌن ولكنْ يوحى إليه من الله، واختاره اللهُ ليكون خاتمَ النبيين، وهو هدية، ومِنَّةٌ، ورحمة الله للعالمين، فالحرف:(في) إما أنه على أصله(أي يفيد الظرفية)، وإما أنه قد حُمِلَ على معنى (من)، وإما أنه قد ورد بمعنى (اللام)، أي: بعثه الله لهم، أي لصالحهم، ولمنفعتهم، فالحرف:(في) لها معانٍ ثلاثةٌ: إما الظرفية، وإما النفع، والإفادة، والكسب، وإما أنها قد أفادت معنى (من) أي: بعثه منهم، وهذا من جلال، وقدر معاني(في) في هذا السياق القرآني الكريم، وكلها تصبُّ في صالحهم، وتفهمنا أنها لنفعهم، ولخيرهم، ولإفادتهم في كل عمرهم.
وقوله:(رسولًا) بالتنكير تفيد تعظيمه، وكماله، أيْ: رسولًا مختارًا اختيارًا إلهيًا، اختاره من مليارات البشر لكماله، وصدقه، وجلال سيرته، وجمال سريرته، وتمام نقائه، وصفائه، وحبه لله، ولدينه، ولخلقه:(وما أرسلناكَ إلّا رحمةً للعالمين)،(بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ)،(رسولٌ مِنَ اللهِ يتلو صُحفًا مُطهّرةً فيها كُتبٌ قَيّمةٌ)، (رسولٌ من أنفُسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ)، صاحب الخلق العظيم:(وإنّكَ لعَلى خُلقٍ عظيمٍ).
فالتنكير له دلالاته التي لا تنتهي، وتستوعبُ شخصيتَه الشريفةَ بكمالها، ونبلها، وجمالها، والتنكير ـ كما قال أهل البلاغة ـ يفيد العموم، والشمول.
وقوله:(من أنفسهم) أي بشر مثلهم حتى لا يقال:(أنزله الله ملاكًا، والملك لديه من القوة، والقدرة ما ليس لنا نحن البشر، فشاءتْ حكمة الله أن ينزله بشرًا، فهو واحدٌ منا، وعاش قبل البعث بين الناس، عرفه الجميع، ويحفظون كل سيرته، وخبروا أخلاقه، وتعشقوا سيرته، وصار بينهم قدوة قبل البعث حتى لقَّبوه بالأمين، وبالمأمون، فأمسوا يقولون:(حضر الأمين)، و(رأينا المأمون)، وهو يقول رأيه الذي ارتضيناه جميعًا، وسلَّمْنا به، فصار ينادى عليه بصفاته:(الأمين، والمأمون)، وهنا روايات كثيرة تصفه بالأمين، والمأمون، من الخير أن نأتي برواية واحدة تبيِّن لنا كيف كانت سيرته، وكيف كان الناس يصفونه، وينادونه، فمن ذلك ما قاله بجير بن زهير بن أبي سلمى، أخو كعب بن زهير بن أبي سلمى(الذي صار فيما بعد أحد شعراء الرسول الثلاثة الذين دافعوا عن الإسلام، ورسول الإسلام) فبعد أن أسلم (بجير) قال قصيدة طويلة جاءت ردًّا على عتاب أخيه كعب له (إذ لم يكن كعب قد أسلم بعدُ) يعاتب أخاه بجيرًا على إسلامه، واتباعه رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، يقول بجير ردًّا على كعب الذي قال:
سقاك بها المأمون كأسًا روية
فأنهلك المأمونُ منها وعلكا

د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
[email protected]

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: رسول ا

إقرأ أيضاً:

فعاليات ووقفات نسائية في صنعاء بذكرى ميلاد السيدة فاطمة الزهراء

وعكست الفعاليات بساحات الرسول الأعظم في غضران بمديرية بني حشيش، وخط المائة بقاع سهمان، مديرية بني مطر، والثلاثين جوار مستشفى الصماد لمديريات صنعاء الجديدة وسنحان وبلاد الروس وخولان، ومدرسة الشهيد القاسمي لمديرية مناخة، الوعي المتنامي للمرأة اليمنية بأهمية إحياء ذكرى ميلاد فاطمة البتول الزهراء.

وأُلقيت في الفعاليات التي شهدت حضورًا واسعًا كلمات، أشارت إلى الارتباط الصادق برسول الله محمد صلى الله عليه وآله، وعبرت عن الالتزام بنهجه، والتمسك بسيرته في واقع الأمة.

واعتبرت الذكرى، محطة إيمانية تربوية للتذكير بتضحيات الزهراء وصبرها وإيمانها وجهادها، بما يعزّز وعي المجتمع في مواجهة الحرب الناعمة وكافة المشاريع التي تستهدف الهوية الإيمانية تحت عناوين مضللة.

وأكدت الكلمات، أن الاحتفال بميلاد “أم أبيها” فاطمة الزهراء يعد من مظاهر الانتماء للهوية الإيمانية، ويُجسّد اعتزاز المرأة اليمنية بتعظيم المناسبات المرتبطة برسول الله وآل بيته.

وأشارت إلى أن المرأة اليمنية، وهي تُحيي ذكرى ميلاد البتول التي تمثل الأنموذج القدوة لنساء المسلمين، تجدّد موقفها الثابت في الانتصار لدين الله ومواجهة قوى الاستكبار العالمي التي تحاول استهداف اليمن أرضًا وإنسانًا.

ونوهت بتضحيات نساء اليمن في معركة الدفاع عن الوطن، وبدورهن في دعم الجبهات وإسناد المرابطين وتعزيز الصمود الشعبي في مواجهة العدوان والحصار.

ولفتت المتحدثات إلى أن إحياء الذكرى في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن، فرصة للتعرف على صفات الزهراء وأخلاقها، وترجمتها في واقع الأسرة والمجتمع قولًا وعملًا، كما أنها تمثل رسالة واضحة لقوى العدوان بصمود المرأة اليمنية وثباتها.

كما أكدت أن المرأة اليمنية، متمسكة بنهج الزهراء ونساء آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله، وستظل رمزًا للعزة والكرامة والصمود في نصرة قضايا الحق، وتحقيق العزة للأمة.

وجددّت الكلمات، التأـكيد على الالتزام بأخلاق وأهداف مشروع المسيرة القرآنية الذي يعبر عن الأمة وقيمها ومبادئها في مواجهة أخطر مشروع تدميري يستهدف هويتها من قبل أمريكا والكيان الصهيوني وأدواتهما في المنطقة.

تخللت الفعاليات فقرات إنشادية عبرت عن مدى ارتباط المرأة اليمنية بسيدة نساء العالمين وسيرتها ومكانتها في المجتمع اليمني.

عقب الفعاليات، نظمّت حرائر محافظة صنعاء وقفات احتجاجية للتنديد بجرائم العدو الصهيوني في قطاع غزة وخروقاته المتكررة لاتفاقات وقف إطلاق النار واعتداءاته المتواصلة على المقدسات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

واستنكر بيان صادر عن الوقفات، مواقف الأنظمة العربية المتخاذلة تجاه جرائم الكيان الغاصب بحق أبناء الشعب الفلسطيني من قتل وتنكيل.

وأكد مساندة المرأة اليمنية لكافة الخيارات التي تتخذها القيادة الثورية لنصرة فلسطين والتصدي لأي تهديدات تستهدف اليمن، ومواصلة تنظيم الفعاليات والوقفات المؤيدة للشعب الفلسطيني بكافة الوسائل والإمكانات المتاحة.

وحذر البيان، من مساعي العدو استهداف المرأة اليمنية ومحاولاته سلخها عن هويتها الإيمانية وقيمها وأخلاقها عبر أدوات إعلامية وثقافية وفكرية، داعيًا كافة النساء إلى اليقظة والحذر والتمسك بالهوية التي تحفظ لها كرامتها وتصون المجتمع.

وجددّ ثبات موقف المرأة اليمنية في دعم الجبهات وإسناد المرابطين وتعزيز الصمود والثبات في مواجهة العدوان وقوى الاستكبار وإفشال مخططاتهم الهادفة تدمير الوطن وأمنه واستقراره.

وحث البيان على استمرار حملة المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والإسرائيلية والشركات الداعمة لهما، باعتباره سلاح فعال لإضعاف العدو اقتصاديًا.

مقالات مشابهة

  • فعالية لإدارة تنمية المرأة في بني مطر بذكرى ميلاد الزهراء
  • جلال كشك.. الذي مات في مناظرة على الهواء مباشرة وهو ينافح عن رسول الله
  • علي جمعة يوضح الفرق بين القلب والفؤاد..فتعرف عليه
  • جوهرة الكون وسيدة الفطرة
  • فعاليات ووقفات نسائية في صنعاء بذكرى ميلاد السيدة فاطمة الزهراء
  • مستشفى السبعين في الأمانة ينظم فعالية خطابية بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء
  • فعالية نسائية حاشدة في الحديدة بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء
  • وضعتني في موقف صعب لا أحسد عليه.. حماتي قررت مصيري
  • قائد الثورة يهنئ الأمة الإسلامية بمناسبة ميلاد الزهراء - نص البيان
  • فضل التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلوات.. داوم عليه وترى تغييرا فى حياتك