لجريدة عمان:
2025-10-12@13:29:26 GMT

طوفان القدس يفرض واقعا جديدا

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

يوم الأربعاء 6 أغسطس 2014، نشرتُ مقالًا في جريدة «الرؤية» العمانية، بعد المعركة التي خاضتها حركة حماس مع الكيان الصهيوني في ذلك العام، تحت عنوان «حماس.. بين النصر والهزيمة». ومن المفارقات أنّ ما جاء في المقال كأنه يتحدّث عن معركة «طوفان القدس» الحالية، وعن بعض التساؤلات التي لا يزال يطرحها البعض عمّا حققته حركة حماس، ويرون أنّ النتيجة كانت باهظة الثمن.

حقيقة ينتابني العجب ممّن يتساءل عن النتائج التي حققتها حركة حماس في هذه المعركة ويحاولون التقليل من الإنجاز الكبير التي تحقق؛ فما حصل لم يحصل منذ لحظة إعلان الكيان الإسرائيلي عام 1948، لا في مستوى قوة الهجوم، ولا في عدد الخسائر البشرية والعسكرية والمادية التي لحقت بالعدو، فلا تقاس عوامل النصر والهزيمة بعدد القتلى أو بحجم الدمار الذي لحق بالفلسطينيين؛ وإنما تقاس بمدى النجاح في كسر إرادة الخصم، هذا إذا أخذنا في الاعتبار الحصار المفروض على غزة من سبع عشرة سنة، مع الفارق الكبير بين الطرفين في الإمكانيات والقدرات وغير ذلك.

في عام 2014، رأى كثيرون أنّ حركة حماس هُزمت، وارتفعت أصوات عربية من منابر صهيونية تسمى تجاوزًا عربية، تعلن ليل نهار أنّ إسرائيل انتصرت، وصدرت تصريحاتٌ من بعض المسؤولين العرب تؤكد أنّ حماس أخطأت ضد إسرائيل، ووصل الأمر بأن يهزأ البعض بالصواريخ الفلسطينية؛ وكنتُ أرد على البعض ممن علّق على مقالي ذلك بأنّ الحرب طويلة، وأنّ النصر لا يقاس بمعركة أو معركتين، وإنما يقاس بالنتيجة النهائية للحرب، وهي حرب طويلة ولا بد أن تكون هناك تضحيات وتكون هناك ضحايا؛ فالحرب ليست نزهة، وعبر التاريخ كله لم ينتصر دينٌ أو شعبٌ إلا بالتضحيات، والله لا ينصر المتخاذلين. وهزيمة معركة مهما كانت ليست المقياس الأخير لكسب الحرب، ولنا قدوة في سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي دخل معارك وانهزم في بعضها، والله سبحانه وتعالى بإمكانه أن ينصره وهو في بيته في المدينة المنورة دون أن يتحرك من مكانه، لكن بفضل تلك المعارك والغزوات ارتفعت كلمة «لا إله إلا الله» في الأرض، وهذه سنن الكون في أهمية الدفاع عن الدين والعقيدة والوطن. فإذا كان البعض لا يرى النجاحات التي حققها الفلسطينيون، ويحسب عدد الضحايا والخسائر من الجانب الفلسطيني فقط، فعلى بصر هؤلاء غشاوة، وعليهم أن يقارنوا بين المقاومة الفلسطينية قبل تسع سنوات وما هي عليه الآن من قوة، وأن يقارنوا بين الإمكانيات الإسرائيلية وإمكانيات المقاومة، وكيف تطورت خلال هذه الفترة البسيطة، وصنعت أسلحتها ذاتيًا، وهدمت الجدار الأكثر تطورًا في العالم، وقامت بالمبادرة في الهجوم، ردًا على انتهاكات الكيان للمسجد الأقصى الشريف، فقتلت وأسرت وأرهبت، فما حققته الآن عجزت عن تحقيقه الجيوش العربية النظامية، مما يثير ضغينة بعض هذه الجيوش.

نوجه سؤالًا للذين ينظرون إلى الإنجاز الفلسطيني بأنه مغامرة: كيف إذن يمكن أن تتحرر فلسطين؟ وهل هناك انتصار دون جهد وضحايا؟ تقول حكمة قديمة «ليس شرطًا أن تكون الضربة رقم مائة هي التي كسرت الصخر، وإنما الضربات التسع والتسعين السابقة»، وطوفان القدس ليس إلا ضربة من تلك الضربات التسع والتسعين، وما الضحايا إلا رقم ضمن الأرقام الكبيرة في طريق التحرير. لكن المؤلم أن يرى البعض أنّ كلّ ما حدث ليس إلا مسرحية متفق عليها بين الجانبين والهدف منها توطين الغزاويين في سيناء، وهو أمرٌ - بقدر ما يدعو إلى العجب - فإنه مؤلم، ولكن عزاءنا في ذلك أنّ هؤلاء لم يتعودوا على انتصارات كهذه في تاريخهم.

يتحمل الكيان الصهيوني مسؤولية ما جرى. ومن الخطأ تحميل الفلسطينيين المسؤولية - وهم الضحايا أكثر من 75 عامًا - ولا ينبغي أيضًا المساواة بين المجرم والضحية، كما أشارت إلى ذلك بعض البيانات العربية؛ وقد شاهدنا حملات تشويه مُغرضة لحماس وقادتها، ممّا دفع نشطاء إلى التذكير بأنّ النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- ‏حينما رأى آل ياسر يُعذّبون حتى الموت قال لهم: «صبْرًا آل ياسر»، ولم يقل لهم غامرتُم وتهوّرتُم وكان عليكم التراجع. ومن السخف مثلًا أن يقول الكاتب الطاهر بن جلون في مقال لصحيفة «لو بوان» الفرنسية يوم الجمعة 13 أكتوبر 2023، «إنّ ما فعلته حماس في هجومها ضد إسرائيل لم تكن لتفعله الحيوانات»، وتطاول على رجال المقاومة الفلسطينية الأبطال، فوصفهم بأنهم «بلا ضمير، بلا أخلاق، ولا إنسانية». ويبدو أنّ تَطَلّعَ ابن جلون لجائزة نوبل أعماه عن رؤية الحقيقة ولم يقرأ أو يستوعب ما قاله الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، الذي اتسم بالموضوعية، عندما كتب مقالًا في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، حمل فيه الكيان الإسرائيلي مسؤولية ما حصل، وأنّ السبب وراء كلّ ما حصل هو الغطرسة الإسرائيلية: «فكرنا أنه مسموح لنا أن نفعل أيّ شيء، وأننا لن ندفع ثمنًا ولن نعاقب على ذلك أبدًا»، وعدّد الإساءات التي ارتكبها الصهاينة ضد الفلسطينيين قائلا: «نعتقل، نقتل، نسيء معاملة، نسلب، نحمي مستوطِني المذابح، نزور قبر يوسف، ومذبح يشوع، وكلها في الأراضي الفلسطينية، نطلق النار على الأبرياء، نقتلع عيونهم ونهشّم الوجوه، نرحّلهم، نصادر أراضيهم ونَنْهَبُهم، ونخطفهم من أسِرّتهم، ونقوم بتطهير عرقي، أيضًا نواصل الحصار غير المعقول». ويحمّل ليفي، بنيامين نتنياهو المسؤولية كاملة عمّا حدث، ويقول إنّ عليه أن يدفع الثمن. وإذا كان ليفي قد بكى بمرارة الضحايا الإسرائيليين، إلا أني أعتقدُ أنّ تسميتهم بمدنيين من الخطأ الكبير، فهؤلاء جميعهم غزاة وينطبق عليهم ما ينطبق على العسكريين، ولا أدري لماذا تظهر دائمًا الإنسانية عندما يتعلق الأمر بالصهاينة ولا ينطبق على الفلسطينيين من الشيوخ والنساء والأطفال؟! وهناك آلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال دون محاكمة، وأغلبهم بريء، فيما تُعتبر غزة أكبر سجن عرفته البشرية، يضم أكثر من مليوني سجين في مساحة ضيقة جدًا، لكن الإنسانية تظهر فقط عندما يتعلق الأمر بغير هؤلاء.

ولم تسلم المرأة الفلسطينية من التنكيل الصهيوني، ففي العاشر من شهر أغسطس الماضي، تعرضت خمس نساء فلسطينيات من مدينة الخليل للتنكيل من قبل مجندات أجبرنهن على خلع ملابسهن. وحسب التحقيق فإنّ مجندتين إسرائيليتين مسلحتين كانتا ضمن دورية عسكرية ومعهما كلب مهاجم، أجبرتا النساء الفلسطينيات على السير عاريات، وهددتا بإطلاق الكلب نحوهن إذا لم يُطِعن الأوامر، واعتبرت حركة حماس الحادثة -وقتها- تصعيدًا خطيرًا، ودعت حركة الجهاد الإسلامي إلى تصعيد المواجهة، فيما هددت مجموعة «عرين الأسود» بالثأر وأنها ستخرج لجيش الاحتلال من حيث لا يحتسب، وهذه الحادثة لم تجد ذلك الصدى المتوقع في وسائل الإعلام العربية إلا ما ندر، لكنها كانت شرارة من شرارات طوفان القدس.

أثبتت حركة حماس أنّ مقولة «الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر» إنما هي مجرد أسطورة نسجها الإسرائيليون وحدهم أمام تخاذل العرب وتشتتهم، وظلوا أسرى مقولة أنّ إسرائيل تستطيع أن تحتل العواصم العربية ببساطة، فها هم الفلسطينيون يفرضون الآن أنفسهم، على غير ما جرى في كلّ الحروب العربية، وها هم الفلسطينيون يطورون من قدراتهم العسكرية رغم الحصار الشديد، وها هم يستعدون لقتال طويل، وهذا تحوّل كبير في الاستراتيجية القتالية لديهم. ولن تكون المنطقة بعد طوفان الأقصى هي نفسها قبل الطوفان، فقد تغيرت الموازين، وسيكون الفلسطينيون أصحاب القرار وبيدهم مفاتيح التفاوض من منطلق القوة، وليس معنى هذا أنّ كلّ العقبات أمامهم قد زالت، فهناك عداوات كبيرة ستنشأ بهدف تطويعهم وكسر شوكتهم، وهناك حملات تشويه كبيرة وكثيرة ستطال أبطال المقاومة؛ لأنهم أحرجوا الكثيرين، لكنهم فرملوا الهرولة إلى التطبيع. وعبر التاريخ كله؛ فإنّ العالم يحترم القويّ ويحتقر الضعيف والمستسلم، ولا يحترم من يتفاوض من موقف الضعف.

صحيح أنّ الكيان الصهيوني ارتكب مجازر وجرائم، إلا أني أجد نفسي أميل إلى ما سبق وأن قلته في مقالي السابق المنشور عام 2014: «نعم؛ نقولها بصراحة إنّ حماس انتصرت على إسرائيل وفرضت واقعًا جديدًا، وهذا ليس كلامًا عاطفيًا أو حماسًا وقتيًا؛ إنما هو حقيقة اعترفَ بها الإسرائيليون أنفسهم، ويعرفها العرب تمامًا، رغم أنهم «َجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا»، وسأظل على إيماني وقناعاتي بانتصار حماس، تمامًا كما سأظل على إيماني بانتصار حزب الله على إسرائيل عام 2006، وكذلك سأظلّ على إيماني بأنّ القوة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وليس مفاوضات الاستسلام؛ وفي كلّ الأحوال فإنّ المفتاح بيد الفلسطينيين أنفسهم، وقد حان الوقت لكل الشامتين والمستهزئين أن يسكتوا؛ فالمقاومة الفلسطينية أعادت إلينا الكرامة المفقودة، رغم الأرواح الفلسطينية التي أزهقت».

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: طوفان القدس حرکة حماس

إقرأ أيضاً:

محلل عسكري إسرائيلي: حماس لن تسلم سلاحها قبل قيام الدولة الفلسطينية 

#سواليف

قال المحلل العسكري الإسرائيلي #آفي_يسخاروف، إنّ حركة “ #حماس ” خرجت من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير وهي في موقع قوة نسبية، بعدما حصلت – وفق تقديره – على ضمانات دولية تمنع “إسرائيل” من استئناف الهجمات طالما تستمر #المفاوضات حول المراحل اللاحقة من “ #صفقة_ترامب ”.

ويعتقد يسخاروف أن هذه المفاوضات قد تمتد زمنًا طويلًا، ما يتيح لحماس التقاط أنفاسها، واستعادة حضورها الميداني والإداري في قطاع غزة، مستفيدة من #المساعدات_الدولية المتوقعة لإعادة الإعمار. غير أنّ التساؤل الذي يطرحه المحلل هو: كيف ستتعامل “إسرائيل” مع أي محاولة من حماس لإعادة بناء قدراتها العسكرية؟ إذ من المؤكد – على حد قوله – أن الحركة ستسعى لذلك سريعًا قبل الوصول إلى اتفاق نهائي.

ويضيف يسخاروف أنّ حماس حققت ما هو أهم من المكاسب الميدانية: اعترافًا دوليًا غير مسبوق، وإنجازات سياسية واضحة تمثلت في عزل “إسرائيل” دبلوماسيًا، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في العالم. ويرى أن الأمل الوحيد أمام “إسرائيل” هو أن يسمح وقف إطلاق النار الطويل بفكّ عزلتها الدولية التي وقعت فيها بسبب موجة من “العداء لـإسرائيل” من جهة، وبسبب “سياساتها الفاشلة” من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة ملاحظات حول أسئلة النائب المرايات عن مديونية الضمان على الحكومة 2025/10/10

ويشير المحلل إلى أنّ التحول الحاسم في الموقف الأمريكي – المتمثل بقرار الرئيس دونالد ترامب إلزام #نتنياهو بوقف الحرب – جاء بعد محاولة “إسرائيلية” فاشلة لاستهداف قيادة حماس في قطر. فبينما كانت قيادة الحركة مجتمعة في الدوحة لبحث المقترح الأمريكي، حاولت “إسرائيل” اغتيال عدد من القادة هناك، ما أثار غضب واشنطن ودفع طاقم ترامب إلى ممارسة ضغط هائل على تل أبيب، نظرًا إلى اعتبار قطر حليفًا استراتيجيًا في ملفات اقتصادية وأمنية، وليس مجرد راعية لحماس. وبهذا الضغط وُلدت “خطة السلام” الأمريكية الجديدة، رغم إدراك الجميع أنها لن تُنفذ بالكامل.

ويتابع يسخاروف أن ما لن تحققه “إسرائيل” في هذه المرحلة واضح: فحماس لن تتخلى عن سلاحها، لا الآن ولا في المستقبل القريب، قبل قيام دولة فلسطينية. وهي لن تُهزم ولن تُباد، ما يجعل شعار “النصر الكامل” الذي يردده نتنياهو فارغًا من المعنى. كما ترفض الحركة أي وجود لقوة حكم أجنبية غير فلسطينية داخل القطاع، في حين لن تحصل هي بالمقابل على السيطرة الكاملة على غزة ولا على الإفراج عن جميع الأسرى “الثقيلين” الذين طالبت بهم. ومع أنّ أسماء المفرج عنهم لم تتضح بعد، إلا أنّ هذه المسألة – بحسب يسخاروف – لن تعيق تثبيت وقف إطلاق النار.

أما مستقبل الاتفاق، فيراه هشًا ومؤقتًا ما لم يُستكمل الجانب السياسي من “خطة ترامب”. فـ”إسرائيل” – كما يقول – تحتاج إلى إدخال سلطة بديلة لحماس في غزة كي تحقق تغييرًا استراتيجيًا، وقد وافقت بعض الدول العربية مبدئيًا على المشاركة في قوة مشتركة إلى جانب السلطة الفلسطينية، بهدف نزع سلاح حماس ضمن تهديد دولي صريح باستئناف الحرب في حال الرفض. لكن إذا استمرت “إسرائيل” في رفض دور السلطة الفلسطينية وأصرت على أن تفكيك حماس سيحدث “بمعجزة”، فعليها الاستعداد لجولة جديدة من الحرب. الفارق الوحيد في المرة القادمة، كما يختم، أنّ “المنظمات الفلسطينية لن تمتلك رهائن أحياء”.

ويختم يسخاروف بالإشارة إلى أنّ حماس أبلغت الوسطاء بعدم تمكنها من العثور على جثامين تسعة من المختطفين الذين قُتلوا في الحرب، ما يعني وجود تسع عائلات “إسرائيلية” بلا جثث لدفنها. ويؤكد أنّ على حكومة الاحتلال الإصرار في الأشهر المقبلة على استعادة هذه الجثامين، محذرًا من تكرار سيناريو عائلة الجندي هدار غولدين، التي ما تزال تنتظر منذ أحد عشر عامًا تسلّم جثمان ابنها.

مقالات مشابهة

  • إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال في القدس
  • نشر نص الوثيقة.. تفاصيل الاتفاق بين حركة الفصائل الفلسطينية وإسرائيل
  • نتنياهو: قضينا على كل مراكز القوة لدى حركة حماس
  • مصدر: قائمة الأسرى التي تسلمتها حماس لا تتضمن كبار القادة
  • حركة فتح الانتفاضة:وقف اطلاق النار وتبادل الأسري انتصار للمقاومة الفلسطينية
  • محلل عسكري إسرائيلي: حماس لن تسلم سلاحها قبل قيام الدولة الفلسطينية 
  • دعوات إسرائيلية للاعتناء بالمجموعات التي قاتلت بالقطاع
  • رئيس حركة حماس في غزة: تسلمنا ضمانات تؤكد انتهاء الحرب بشكل كامل
  • مكتب رئيس وزراء الاحتلال: من المتوقع أن يزور ترامب القدس يوم الأحد
  • : تسارع الاستيطان يهدد قيام الدولة الفلسطينية