طوفان الأقصى .. وانهيار المنظومة السياسية والأخلاقية الغربية
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
يمانيون – متابعات
ما يحدث في غزة من حرب إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين، كشف قبح الأنظمة الغربية التي تدّعي التحضر والحداثة وتتغنى باستمرار بما تسميه احترام حقوق الإنسان وانتهاجها أسلوب العمل الديمقراطي في الحكم وحرية الصحافة..
كل تلك الأمور ظهرت على حقيقتها في العدوان الصهيوني الأمريكي على مليوني مدني هم مجموع سكان قطاع غزة، ولم يعد بالإمكان تصديق المقولات الأمريكية والغربية التي تعرت وعرفها العالم.
برز الظلم الفادح للمدنيين من قبل الأنظمة الاستعمارية الصهيونية والأمريكية واستهتارها بحياة البشر والأعراف الإنسانية ونازية النظام العالمي الأحادي تجاه شعوب العالم الثالث.
لقد هبت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية بكل امكانياتها العسكرية والاقتصادية للدفاع عن الكيان الصهيوني بكل ما تملك من قوة اقتصادية وعسكرية، فهذا الكيان ليس سوى دولة وظيفية أنشئت لحماية وخدمة المصالح الأمريكية والغربية في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية.
منذ تأسيسها وإلى اليوم تغدق الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية على “إسرائيل” الأموال الطائلة والمعدات والآليات العسكرية الحديثة حتى جعلت منها بُعبعاً عسكرياً مُخيفاً لإذلال الأنظمة في المنطقة وعين استخباراتية متقدمة إلى أن بلغ تصنيف جيشها الرابع على مستوى العالم، وأصبح الموساد مصدر رعب لكل دول المنطقة؛ كل تلك الآليات العسكرية والاستخباراتية وجهها العدو الصهيوني، وبخبث ضد المدنيين العزل في الضفة الغربية وقطاع غزة وبمباركة قوى الشر في العالم أمريكا ودول أوروبا الغربية.
وصلت حركة حماس إلى قناعة بأن الحل السياسي مع كيان الاحتلال الصهيوني ضرب من المحال جراء الأطماع الحقيقية له والمتمثلة في إقامة “دولة إسرائيل الكبرى” من الفرات إلى النيل، وبناءً على ذلك شرعت حماس في بناء قوة عسكرية لمواجهة دولة محتلة لا تؤمن إلا بالقوة وكان لحماس ما أرادت، فبعد سنوات من البناء العسكري لكتائب القسام، كان القرار في السابع من أكتوبر إيذانا بتنفيذ عملية طوفان الأقصى التي أذهلت العالم ودمرت أحلام الصهاينة الذين ظلوا طوال سنوات يتباهون بما يملكون من قوة عسكرية جبارة وأجهزة استخبارات لامثيل لها على مستوى العالم، إلى أن جاءت اللحظة المناسبة ليدمر أكثر من 1200 مقاتل تابع لكتائب القسّام الترسانة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية في ساعات، ليثبتوا للعالم أن “إسرائيل” ليست سوى نمرا من ورق وأن المقاتل الحقيقي هو من يمتلك قضية عادلة، وليثبتوا على أرض الواقع المقولة العسكرية القائلة بأن العامل الحاسم في المعركة هو الإنسان وليس السلاح.
بات لزاماً على الأكاديميات العسكرية والاستخباراتية على مستوى العالم أخذ عملية طوفان الأقصى على محمل الجد ودراستها بشكل مطول لاستخلاص الدروس والعبر منها.
إن الشيء المؤلم والذي يدمي قلب كل عربي ومسلم هو التخاذل العربي والإسلامي إزاء نصرة أبناء فلسطين، فقد أصبحت الأنظمة العربية والإسلامية أعجاز نخل خاوية بعدما أفرغتها أمريكا ودول أوروبا الغربية وباتت أيادٍ طيّعة في يد المستعمر والمحتل.
لكن التاريخ سوف يسجل بأحرف من نور الموقف المشرف للجمهورية اليمنية التي سخرت كل إمكانياتها لخدمة القضية الفلسطينية ودعم المقاتلين في الأراضي المحتلة، وأصدق تعبير على ذلك خروج الجماهير اليمنية لتبارك وتدعم طوفان الأقصى التي جاءت رد فعل على جرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني.
المصدر: ســــــبأ
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
"طوفان الأقصى".. معايير النصر والهزيمة
سعود بن صالح بن أحمد المعولي **
قد يكون من السابق لأوانه القول إنَّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد وضعت أوزارها، ولكن مع دخول المرحلة الأولى من خطة السلام- التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- حيِّز التنفيذ وسريان وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الخطوط المتفق عليها، وبدء تبادل الأسرى، نأمل أن تكون الحرب في طريقها لذلك، ولا شك أن هذه المرحلة تفرض سؤالًا مُلحًا عن المنتصر في هذه الحرب، هل هي إسرائيل أم حماس؟!
لعل صعوبة الإجابة على هذا التساؤل، تكمُن في اختلاف مفهوم النصر وفق منظور كل شخص، وزاوية النظر، فضلًا عن اختلاف طبيعة الحرب وأطرافها؛ فالحرب بين دول مُتكافئة القوة، ليست كالحرب بين دولة عُظمى ودولة نامية، وهذان النوعان من الحروب ليسا كالحرب بين جيش نظامي ومليشيات مُسلحة، والحرب بين دولة احتلال وفصيل مُقاوِم، ليست كأي حالة من الحالات السابقة. ورغم أن معايير النصر في المُجمل تدور حول النصر العسكري والسياسي والمعنوي والإنساني، إلّا أنه مع ذلك يصعُب الاتفاق على مفهوم النصر وفق هذه المعايير نفسها.
ورجوعًا إلى موضوعنا، فإنه لا يكاد يختلف اثنان على أن أكثر سؤال مُتداول في ساحات التواصل الاجتماعي اليوم هو ماذا جَنت حماس من طوفان الأقصى، وهل فعلًا حققت نصرًا؟ سيَّما وأن الحرب الوحشية التي شنتها القوات الإسرائيلية حصدت أرواح أكثر من 67 ألف شهيد بينهم أطفال ونساء وشيوخ، فضلًا عما يزيد عن 161 ألف مُصاب، وقرابة عشرة آلاف مفقود- حتى الآن على الأقل- وفق وزارة الصحة بغزة، ناهيك عما خلّفتهُ من دمار هائل في البنية التحتيّة في القطاع، بل وإعدامها لجميع أوجه الحياة فيه.
ولعَلَّ الوقوف على ما حققهُ كل طرف من مكاسب وخسائر جرَّاء هذه الحرب، وما سينتُج عن اتفاق تسويتها، قد يُسهِّل تحليل مفهوم النصر فيها، فلو أخذنا الجانب الإسرائيلي فإنه يمكن القول إن أبرز النتائج التي حققتها إسرائيل- على المستوى الدولي- تكمُن في توجيه ضربة قاسية لمحور المُقاومة؛ من خلال قصف إيران- أساس المحور- وتصفية قادتها العسكريين في زمنٍ قياسي، وتصفية قيادات "حزب الله" بذات الطريقة، ناهيك عن قصف وتعطيل قرابة 80% من القدرات الاستراتيجية العسكرية السورية، عقب سقوط نظام بشار الأسد- أو إسقاطه-، فضلًا عن قتل معظم أعضاء الحكومة اليمنية الحُوثية، هذه المُكاسب التي حققها الكيان الصهيوني على مستوى المنطقة جعل إسرائيل تظهر كدولة إقليمية تملك قوة ردع حاسمة وشرسة.
وبالنسبة للحرب على حماس، فقد استطاعت إسرائيل تصفية مُعظم زعماء الحركة وعلى رأسهم الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وهي في طريقها- حال تنفيذ بنود خطة ترامب- للخلاص من حماس كفصيل عسكري مُقاوم، وهو الذي اعتبرته على مدار الفترات السابقة تهديدًا وجوديًا لها، كما أنها بموجب التسوية ستستلم رهائنها الأحياء والأموات، وبذلك يُمكن القول إن إسرائيل حققت أهم أهدافها المُعلنة منذ اندلاع هذه الحرب، وهي التخلص من التهديد الوجودي لحماس، واستلام الرهائن.
ورغم المكاسب العسكرية التي حققتها إسرائيل عبر آلتها العسكرية الوحشية، إلّا أنه لا يُمكن القول إنها انتصرت، سيَّما على المستوى السياسي الاستراتيجي؛ إذ فقدت إسرائيل روايتها، تلك الرواية الكاذبة المُزيفة، التي لطالما روّجتها وتبجَّحت بها للعالم؛ بل ونجحت- على مدار أعوام- في تكريسها في الأذهان؛ لتتمظهر بمظهر الدولة الديمقراطية الوادعة، المُضطهد والمظلوم شعبها، والتي يتمنى جيرانها محوها من الوجود؛ فهذه الحرب عرّت إسرائيل أمام العالم، وأظهرتها على حقيقتها كدولة استعمار وحشيّة يديرها حفنة من المجرمين المُتطرفين، واليوم يتجلى واضحًا أن شعوب العالم أدركت أن تلك الرواية زائفة مُزورة، وأن القاتل كان يتقمص دور الضحيّة طوال تلك السنوات.
لقد انقلب المزاج العالمي من داعمٍ لإسرائيل إلى مُناهض لسياساتها الوحشية، وهذا الأمر انعكس على الحكومات حتى تلك الداعمة لها؛ والتي لم تجد بُدًا من التفاعل مع ضغوطات شعوبها، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، فمن كان يتصور أن يأتي يومٌ تعترف فيه دول كبريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية، وهي من أكثر الدول دعمًا لإسرائيل؛ بل هي من أنشأتها كخنجرٍ في خاصرة الشرق الأوسط، وكابوس جاثمٌ على أرض فلسطين التاريخية؟!
وهنا لعلّي أجد سانحة لإنصاف قيم ومبادئ حقوق الإنسان التي يدعو لها العالم المُتحضِّر، سيَّما بعد أن اهتزت الثقة فيها أكثر من اهتزازها بمُنتهكيها؛ فجزء كبير من الفضل يعود لهذه القيم في خروج ملايين البشر في العواصم الأوروبية مُنددين بالانتهاكات الإسرائيلية الوحشية، وما تمارسه من أصناف العذاب على أهالي قطاع غزة؛ إذ تلك الشعوب الأوروبية لم تخرج في مُظاهرات مليونيّة لمعرفتها بحقيقة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأحقيَّة الفلسطينيين في أرضهم، إنما ما حرَّك مشاعرها وأخرجها للشوارع إيمانها بأن ما يحدث في غزّة من إبادة وحشيةٍ جماعيةٍ وتطهيرٍ عرقيٍّ هو انتهاك سافر لأبسط مفاهيم حقوق الإنسان ومبادئ الإنسانية التي تقوم عليها دولهم، وخروج الشعوب دفع بالحكومات الغربية إلى التجاوب مع شعوبها تجنبًا لسخطها.
أما مُكاسب حماس من طوفان الأقصى، فلعّل أهمّها هو إجهاض مشروع تصفية القضية الفلسطينية سياسيًا؛ عبر مشاريع التطبيع التي كانت تسير على قدمٍ وساق في المنطقة مدعومةً من الولايات المتحدة الأمريكية، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة كملف ساخن ذي أولوية مطروح على طاولة المجتمع الدولي، فضلًا عن عزل إسرائيل سياسيًا؛ بل ومُلاحقة رئيس حكومتها وأهم مسؤوليها كمجرمين من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، والأهم من ذلك قلب الرأي العام العالمي عليها، وإظهارها على حقيقتها كدولة استعمارية بربرية، في موجة تعاطف -غير مسبوقة - تجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه، وهو الأمر الذي يُعد خسارة سياسية استراتيجية عظيمة لدولة الاحتلال، كما إن حماس من خلال طوفان الأقصى هدمت أسطورة الدولة التي لا تُقهر؛ إذ عجزت قوة إسرائيل- على مدار سنتين- من العثور على رهائنها واستعادتهم من حماس، كما عجزت عن القضاء على حماس كفصيل عسكري لا يملك سوى سِلاح تقليدي مُقارنةً مع ما تملكه إسرائيل من تجهيزات وسلاح نوعيٍّ ومُتقدم، فضلًا عن عجزها عن تحقيق أهدافها غير المُعلنة المُتمثلة في تهجير أهالي غزة والضفة الغربية، وضمهما لأراضي الاحتلال، كما كانت تُشير كل المُعطيات، أما عن مكاسب التسوية الحالية فأهمها وقف الإبادة الجماعية، والإفراج عن عدد من المُعتقلين في السجون الإسرائيلية وبعضهم من قادة حماس.
بعد هذا الاستعراض لأهم مكاسب وخسائر الطرفين، فإنه لتقييم هذه المسألة من المُهم استذكار أن حركات المُقاومة المُسلحة عبر التاريخ تستهدف قض مضجع المُحتل، وتقويض استقراره، وتذكيره بأنه لن يَهنئ في أرضٍ ليست أرضه؛ بُغية طرده وتحرير الأرض كهدفٍ نهائي، وإلا فإن المُقاوم إذ يقوم بهذه التضحية يعلم يقينًا أنه مُغامر، وليس لديه ما لدى المُحتل من ترسانة وتسليح وجاهزية، وأن الاحتلال لن يندَّحر من أول غزوة، ولا ثاني ولا ثالث، ولكنه سيُدرك يومًا أنْ لا مُقام له في أرضٍ يُرخص أبنائها أرواحهم لأجل تحريرها وهم لا يكلِّون من ذلك أبدًا جيلًا بعد جيل.
إذن هل انتصرت حماس؟
أعتقد أن شخصًا يتوارى خلف شاشته مُسترخيًا على كنفته ليس أهلًا للحديث عن مفهوم النصر في هذه الحرب، ولن يكون هناك من هو أقدر على الإجابة على هذا السؤال أكثر من الشعب الفلسطيني المُناضل نفسه، الذي اصطلى بنيران هذه الحرب المُستعرة وعانى ويلاتها، ودفع كُلفتها الباهظة، والذي يتوق- في الوقت نفسه- إلى تحرير وطنه، وطرد المُحتل الجاثم على أرضه منذ أكثر من سبعين عامًا، ويتطلّع إلى الحرية والاستقلال عاجلًا غير آجل، فهو الأقدر على تقدير الثمن المُستعد لبذله في سبيل ذلك.
** نائب رئيس اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان