إن الحرب الجارية فى الأراضى المحتلة تشهد واحدة من أعنف الهجمات التضليلية فى عصرنا الحالى؛ مستهدفة المقاومة والشعب الفلسطينى، وهو ما يترجم فى أخبار زائفة كثيرة تتناقلها وسائل الإعلام الغربية، وبلغ من انتشارها وتضليلها انها استطاعات أن تخترق الجدار إلى صانعى القرار ورؤساء الدول.

سأتحدث هنا كأكاديمى، وسأحاول أن انحى الجانب الوطنى والعربى الذى يتملكنى جانبًا … كى أدلى برأى علمى فى مشهد اعلامى لا يرقى إلى المهنية ولا إلى الاخلاقيات التى تعلمناها وتحكمنا.

.

متحدثا عن: الصورة والخبر: من حيث الصياغة، النقل والترجمة اخترقت وسائل الإعلام الغربية أبسط قواعد وأخلاقيات العمل الصحفى فى أثناء تغطيتها للأحداث الجارية حاليا فى قطاع غزة، حيث عمدت إلى تصوير الجانب الإسرائيلى كضحية لعملية «طوفان الأقصى»، التى أطلقتها «حماس»، دون الالتفات كثيرا أمام الرد الإسرائيلى الشرس، الذى أطاح بمدينة مدنية تحت شعار (الدفاع عن النفس وحق الرد).

لقد طال هذا الاختراق مؤسسات إعلامية مرجعية عريقة 

ان أكبر مثال على هذا هو ما حاوله الإعلام الغربى ولا سيما التابع لآلة الدعاية الإسرائيلية والمتحالف معها، من تشويه لصورة إطلاق سراح المستوطنة عبر تحريف كلامها، مما كشف جليا وفضح مؤسسة الأنباء المرموقة عالميا: ولكنّ الأمر أدّى إلى ردود فعل فى وسائل التواصل، حيث انتقدت بشكل كبير هذه المغالطات، معبّرةً أنها باتت تفضح الإعلام الغربى المؤيد للدعاية الإسرائيلية، وخاصة من مؤسسات إعلامية دولية عريقة.

نأتى إلى الصورة.. التى أصبحت أيضاً عديمة أو متشككة المصداقية، فالمشاهدون وصُناع الخبر بدأوا يميلون بشكل أكثر إلى عدم تصديق الصور الآتية من مناطق الصراع، خاصة وأن المشاهدين الآن باتوا على علم بأن هذه الصور تُستَغل فى صناعة القرار السياسى.. 

ثم ناتى إلى صياغة الخبر : فنجد هنا الكيل بمكيالين فى اختيار المصطلحات المنحازة: حين ظهر فى انحيازها للرواية الإسرائيلية، إذ جاء فى التغريدة عند وصف الأحداث، أن الإسرائيليين «يتعرضون للقتل، بينما جرى وصف الفلسطينيين بأنهم (يموتون)»، وكأن الوفيات الفلسطينية عرضية أو غير متعمدة، أو مجهولة السبب، بينما تحدد بوضوح سبب وفيات الإسرائيليين نتيجة «أعمال عنف».

ان انتشار المواد المضللة والكاذبة يحدث طوال الوقت، لكن «الجديد مع بداية الأحداث فى غزة، هو أن بعض وسائل الإعلام الغربية ومسئولين كباراً غربيين، منهم رؤساء دول، رددوا هذه المزاعم دون تحقق من صحتها أو استقصاء تأكيدها من طرف مستقل، ومما يدلل على ذلك تراجعهم عن ما تم الإدلاء به اعتذارًا.

يمكننى أن ارى الصورة هنا بوضوح: من الصعب جدًا لأى مؤسسة إعلامية أن تكون مستقلة، لا سيما مع ظهور الإعلام الجديد فى السنوات الأخيرة، وهنا أركز على موارد التمويل التى أصبحت محدودة.

فان أرادت المؤسسة الاستمرار، عليها البحث عن موارد تمويل، تكون فى الغالب بأيدى شركات ومراكز قوى عالمية. - تؤيد الرواية الإسرائيلية والكيان الإسرائيلى.

اود أن أؤكد أن الماكينة الصهيونية، والمتمثلة باللوبى الصهيونى وأدوات الإعلام المنتشرة فى العواصم الغربية، لا تعمل بمعزل عن أدوات الحرب، بل هى أسلحة حرب قاطعة. 

ولعلى فى نهاية حديثى استشهد (بشاهد من أهله).. فهناك كتاب جدير بقراءته؛ مؤلفته صحفية ألمانية متخصصة: مونيكا هوبر: حيث انتقدت فيه التغطية الإعلامية للأحداث العربية من خلال تزييف الصور.. لتبرز وجهة الآليات الإعلامية الغربية المغالطة والمخالفة للحقيقية.. ادعوكم لقراءته.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: عمرو الليثي الحرب الجارية الأراضى المحتلة الشعب الفلسطيني

إقرأ أيضاً:

جرجس إبراهيم يكتب: إعادة ترتيب المشهد الكنسي

يُعدّ قداسة البابا تواضروس الثاني نموذجًا حيًّا للنضج الفكري والإداري في قيادة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في عصرٍ تتسارع فيه التحديات والمتغيرات.

لقد انعكس نضج البابا الفكري في انفتاحه على القضايا المجتمعية والإنسانية، وتجلى ذلك في خطابه المتوازن الذي يدعو إلى المحبة والسلام والتسامح، محافظًا بذلك على صورة الكنيسة كمنارة روحية ووطنية.

أما على الصعيد الإداري، فقد قدّم نموذجًا للإدارة المسيحية الرشيدة وتطوير آليات العمل الرعوي والإداري، مما ساهم في إعادة ترتيب المشهد الكنسي بشكل فعّال.

ومن أبرز ملامح هذا النضج الإداري رؤيته الإصلاحية، إذ اختار الأنبا يؤانس أسقف أسيوط سكرتيرًا للمجمع المقدس للكنيسة، الأمر الذي يضفي روحًا جديدة على الكنيسة ويكسبها قدرة أكبر على مواجهة التحديات المعاصرة.

إن هذا الاختيار يمثل مرحلة فارقة في تاريخ الكنيسة القبطية، إذ يُسهم بشكل جوهري في إعادة ترتيب المشهد الكنسي وتجديد حيويته، لتظلّ الكنيسة صرحًا شامخًا يجمع بين الأصالة والمعاصرة في آنٍ واحد.

ولم أكن متحمسًا للكتابة عن هذا القرار لعدة أسباب؛ أولها العلاقة الأبوية التي تربطني بالأنبا يؤانس، فهو كما يقولون: "شهادتي فيه مجروحة"، ولكنني لم أستطع الصمت أمام هذا الحدث الجليل، للحق وللتاريخ، أقول إن تولي الأنبا يؤانس منصب سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية سيكون علامة مضيئة، ونقطة فاصلة، ومرحلة جديدة في عمر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

إن قرار اختيار الأنبا يؤانس جاء كإعلان لتجديد شباب الكنيسة القبطية؛ فهو رجل نشيط لا يهدأ، وإيمانه ثابت، وشجاعته لا يُرقى إليها شك، كما أنه يحتضن فكرة الكنيسة الوطنية المصرية المتميزة والمستقلة.

أراد البابا تواضروس من هذا الاختيار أن يترك أثرًا باقيًا في تاريخ الكنيسة، فهو شديد الإحساس بميراث الكنيسة والتحديات التي تواجهها، قوة رياح التغيير داخل الكنيسة، والمطامع المستجدة لجيل مختلف من الشباب.

يملك الأنبا يؤانس الكثير من المقومات اللازمة لهذا المنصب؛ فهو راهب متعلم، وكاتب وخطيب متمكّن، وشخصيته قوية، إلى جانب الكثير من صفات الزعامة، وقوة الاحتمال والمثابرة التي لا شك فيها، كما أنه أذكى مما يقدّره الآخرون، وهو أيضًا أكثر التزامًا بمقدّرات الدولة المصرية، إذ لطالما خصّصت الكنيسة جزءًا كبيرًا من حيويتها عبر الأجيال المتعاقبة لخدمة الدولة المصرية.

ورغم فرحتي الكبيرة بهذا الاختيار، فإنني أشفق جدًا على الأنبا يؤانس من هذه المسؤولية الكبيرة، لكنني واثق من قدرته على إعادة شمل الكنيسة، وعلى ترتيب وتنظيم شؤونها، فهو يجمع بين العمق الروحي والدقة الإدارية، وهو نموذج يُحتذى به في القيادة الكنسية المتّزنة.

فالأنبا يؤانس يُعدّ من أبرز الشخصيات الكنسية التي ساهمت في إعادة تنظيم شؤون الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، خاصةً خلال فترة خدمته كسكرتير خاص لقداسة البابا شنودة الثالث، حيث امتدت خدمته في هذا المنصب لمدة 21 عامًا، مما أتاح له تأثيرًا كبيرًا في إدارة وتنظيم الشؤون الكنسية، بالإضافة إلى إشرافه على العديد من الملفات الكنسية الهامة، الأمر الذي مكّنه من المساهمة في صياغة السياسات الكنسية وتنظيم العمل داخل الإيبارشيات.

ويُعتبر الأنبا يؤانس نموذجًا للقائد الكنسي الذي يجمع بين الروحانية العميقة والحكمة الإدارية؛ فقد ساهم بشكل فعال في إعادة ترتيب وتنظيم شؤون الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على مدار أكثر من ثلاثين عامًا، سواء من خلال خدمته كسكرتير خاص للبابا شنودة الثالث أو كأسقف على إيبارشية أسيوط، مما جعله شخصية محورية في تاريخ الكنيسة المعاصر.

مقالات مشابهة

  • جنود باللواء السابع: صعوبات في توفير قطع الغيار للدبابات الإسرائيلية بقطاع غزة
  • اقتحام مكتب السيستاني في دمشق وبغداد توجه رسالة لإدارة الشرع
  • سموتريتش يطلق خطة لتسريع ضم الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة
  • جرجس إبراهيم يكتب: إعادة ترتيب المشهد الكنسي
  • وزير الإعلام يُدشّن من مكة المكرمة منصة الصور السعودية للعالم
  • برخصة المشاع الإبداعي.. وزير الإعلام يُدشّن منصة الصور السعودية
  • من مكة المكرمة.. وزير الإعلام يُدشّن منصة الصور السعودية للعالم
  • المشهد العالمي والتناقضات السياسية
  • مرصد حقوقي: 21 انتهاكا ضد الحريات الصحفية في اليمن خلال مايو الماضي
  • الرئيس السيسي: نتطلع لصياغة خارطة طريق لتعزيز نفاذ الدول النامية للتمويل الميسر منخفض التكلفة