عزمي بشارة: فشل إسرائيل في الحرب مصلحة لكل دول المنطقة
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
رأى المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة أن مصلحة الجميع، دولاً وقوى في المنطقة، تكمن في ألا تحقق إسرائيل أهدافها من الحرب على غزة، واعتبر أن الشروط الثلاثة لتوقف إسرائيل عدوانها تُختصر بأن يُضرب الإجماع الإسرائيلي حول الحرب، وبأن يختلّ الاتفاق الأميركي ــ الإسرائيلي على هدف العدوان، أي القضاء على حركة حماس، وأن تتخذ البلدان العربية الرئيسية خطوات حقيقية من نوع التهديد الجدي بقطع العلاقات مع إسرائيل.
على صعيد آخر، أعرب عن اعتقاده بأن أي دخول لحزب الله اللبناني في الحرب لن يغيّر الأوضاع في غزة، بل من شأنه زيادة الثمن الذي تدفعه الدولة العبرية.
وقال المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، في مقابلة مع التلفزيون العربي من مدينة لوسيل في دولة قطر، إنه طالما أن هناك إجماعاً إسرائيلياً على استعادة التوازن والهيبة والانتقام بواسطة الحرب، وطالما أن الاتفاق الأميركي ــ الإسرائيلي متواصل على هدف الحرب، وطالما أن لا خطوات حقيقية من الدول العربية، فإن حرب الإبادة على القطاع مستمرة.
وفي هذا السياق، شدد على أنه "في ظل موازين القوى الحالية، الحسم ميدانيٌّ حصراً، ذلك أن فرض وقف إطلاق للنار مستحيل حصوله إلا بتغيير على مستوى الإجماع الإسرائيلي حول الحرب، وباختلال في الاتفاق الأميركي ــ الإسرائيلي على الهدف المركزي للحرب أي القضاء على "حماس"، وباتخاذ البلدان العربية مواقف عملية حقيقية من نوع قطع علاقاتها مع إسرائيل أو التهديد الحقيقي بقطعها". في المحصلة، "ليس وقت المبادرات السياسية حالياً، بل للمقاومة والقتال والصمود" برأي بشارة.
وحذّر من أنه إذا أكملت إسرائيل مخططها بالاتفاق مع أميركا، ستتضاعف الغطرسة الأميركية والإسرائيلية مع جميع بلدان المنطقة وقواها، متسائلاً "كيف سيتم التعاطي مع هذه البلدان باحترام وهم لم يتمكنوا من إدخال مساعدات وإجلاء جرحى حتى؟". انطلاقاً من ذلك، اعتبر بشارة أن فشل إسرائيل في تحقيق هدفها من الحرب مصلحة لكل دول المنطقة وقواها.
وبرأيه، هناك عامل قد يغيّر من مسار الحرب، هو أن تتخذ البلدان العربية خطوات تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل وقطع العلاقات معها بدل الاكتفاء باستدعاء سفراء مثلاً، وهذا أمر من شأنه أن يغيّر الحسابات الأميركية المعنية بشدة بتقارب عربي ــ إسرائيلي من شأنه طمأنتها لتكمل إيلاء الأولوية لمشاريعها في الشرق الأقصى، ذلك أن "لا بديل عن العرب بالنسبة لواشنطن في المنطقة" على حد تعبير بشارة.
في هذا الإطار، وصف رفض المسؤولين العرب بمناقشة "اليوم التالي" للحرب ومن يحكم غزة من بعد "حماس" مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في عمّان اليوم السبت، وإصرارهم على أن الموضوع الوحيد الجدير بمناقشته حالياً هو وقف إطلاق النار، بالأمر الجيد.
كذلك خلص بشارة إلى أن كلام مسؤولين عرب عن ضرورة إنشاء محاكم دولية لمحاكمة مسؤولين إسرائيليين، لا قيمة حقيقية كبيرة له "لأن من يُحاكم هو المهزوم دائماً تاريخياً". بدلاً من ذلك، لفت بشارة إلى أن "أضعف الإيمان أن تفتح مصر معبر رفح من دون تنسيق مع إسرائيل بما يتعلق بالمساعدات والجرحى على الأقل".
ورداً على سؤال حول مسار العدوان وأهدافه بالنسبة لدولة الاحتلال، كرر بشارة رأيه بأن للحرب هدف واحد بالنسبة لإسرائيل لا هدفان: القضاء على حركة حماس. أما هدف تحرير الأسرى الإسرائيليين "فهو تابع للأول وليس هو المهم". لا بل إن قول حكام تل أبيب إن إطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين هو من أهداف الحرب "كلام يناقض نفسه لأن القصف قد يقتل بعض هؤلاء الأسرى وقد يُضعف رغبة حماس في الإفراج عنهم، ثم إن القيادة الإسرائيلية اليوم ترفض هدنة لأكثر من 24 ساعة لإطلاق سراح المدنيين، وهذا لا يعبّر عن أي اهتمام لديها بحياة الأسرى الإسرائيليين" وفق تقدير الدكتور بشارة.
وذكّر المفكر العربي بأن حركة "حماس" أعلنت موافقتها على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل جميع الأسرى الفلسطينيين وهذا كلام ردده مسؤولون إسرائيليون قبل حماس، لكن هذا أمر مستحيل حصوله لأنه سيصوَّر على أنه إنجاز للمقاومة وصناع القرار الإسرائيلي لن يوافقوا عليه".
وكشف بشارة أن المشكلة حالياً لا تكمن في عدد مَن يطلق سراحه، بل في أمرين بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين: أولاً أنهم يفاوضون على هدن إنسانية يرفضون أن تتجاوز فترتها الـ24 ساعة مقابل إطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، وثانياً موضوع الوقود، إذ أننا أمام دولة وصل بها الحال إلى درجة أنها تعرض السماح بإدخال بعض الوقود مقابل استعادة الرهائن الموجودين في القطاع، بينما الهدنة ضرورية لجمع الرهائن في حال تقدم مفاوضات إطلاق سراحهم، يقول بشارة.
ورداً على سؤال عن احتمال أن يتغير الموقف الأميركي المؤيد بشكل مطلق للعدوان، أجاب بشارة بأن ذلك ممكن "إذا حصل تغير كبير في الرأي العام الأميركي، وهذا وارد إن صمدت المقاومة". ولاحظ أن تغيراً بدأ يظهر بالفعل في الرأي العام الأميركي وحتى الأوروبي، رغم أن معظم وسائل الإعلام الغربي "متواطئة مع الحرب" بحسب كلام بشارة الذي لفت إلى أن هناك شعور عام بأن الناس في الغرب بدأت تتعب وترى كمّ الأكاذيب.
أما عن الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فأوضح الدكتور بشارة أنه لم يكن متوقعاً من نصر الله أن يعلن حرباً في خطاب، ولم يكن مطلوباً أن يعلن الحرب، وذكّر بأن الغالبية من اللبنانيين ترفض انخراط لبنان في حرب شاملة، وحزب الله بعدما انخرط أكثر فأكثر في الشأن اللبناني تصرّف ببراغماتية في عدم تفجيره مواجهة شاملة. وقال عن هذا الموضوع إن حزب الله حالياً يتسبب في تدفيع إسرائيل ثمناً، "ولكن لا تتغير طبيعة الحرب على غزة بما يحصل على الحدود مع لبنان أي أن انخراط حزب الله في حرب شاملة لا يغيّر في مسار ما يحصل في غزة".
وتوقف عند واقع أن ما يحصل على الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية "هو تغيير لقواعد الاشتباك"، بمعنى أن الخسائر التي يجب أن يدفعها أي من الطرفين قبل الوصول إلى حرب شاملة أصبحت أكبر بكثير مما كانت عليه سابقاً، بدليل أن حصيلة القتلى من الطرفين، في الاشتباكات الحاصلة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ورغم أنها كبيرة، لم تؤدِّ إلى حرب شاملة، بينما حصيلة أقل بكثير سُجلت في 2006، أدّت إلى حرب بحجم التي رأيناها في ذلك العام.
وأعرب بشارة عن قناعته بأن "لا قرار بالحرب بالنسبة لإسرائيل ولحزب الله، لكن قد تتدحرج الأمور نحو ذلك وهذا الأمر قد يكون إقليمياً أيضاً". وحذّر مدير "المركز العربي" من أن "الأصوات الإسرائيلية التي تدعو إلى ضرب حزب الله بعد غزة كثيرة جداً"، وخلص إلى أن نظرية توازن الردع انتهت بالنسبة لإسرائيل لأن هذا التوازن لا يكون إلا مع دول وليس مع تنظيمات وفصائل، بالتالي، إن لم يتحوّل حزب الله إلى جزء عضوي أكثر في النسيج السياسي اللبناني، أي إن لم يصبح هو الدولة اللبنانية، فإن الرغبة الإسرائيلية بالقضاء عليه ستزداد.
وفي شأن متصل، أعرب بشارة عن ثقته بأن ليست لدى إيران نية المشاركة في الحرب، ووصف مواقفها في اليمن والعراق وسورية بأنها تتعلق بمصالح إيرانية إقليمية تدخل فيها حسابات لا علاقة لها بإسرائيل وبالقضية الفلسطينية. وقال إن ما يحصل من استهداف قواعد أميركية في العراق مثلاً رسائل ردّ إيرانية على الرسالة الأميركية التي تتعلق بإرسال حاملات طائرات وبوارج عسكرية أميركية إلى المنطقة.
وعن تضامن الشعب السوري، بعد كل معاناته، مع القضية الفلسطينية، قال بشارة إنه تضامن لا يتم تقديره بالشكل الكافي. أما بالنسبة لغياب النظام عن السمع في ما يتعلق بالحرب على غزة، فأعرب بشارة عن اعتقاده بأن هذه إحدى نتائج "انتهاء سورية كدولة" بعد كل ما ارتكبه النظام من حرب على شعبه وسوء إدارة الأزمة في بلده منذ 12 عاماً إلى درجة "عادت سورية ساحة لا دولة" وفق تعبيره.
على صعيد آخر، ورداً على سؤال حول احتمال تنفيذ سيناريو تهجير سكان غزة إلى سيناء، ذكّر بشارة بأن التهجير سياسة منهجية منذ تأسيس دولة إسرائيل، والأمر حاصل في الضفة الغربية والقدس وغزة منذ عقود نتيجة التضييق على حياة سكان تلك المناطق. وبرأيه، فإنّ حلم التخلص مرة واحدة من أهل قطاع غزة، ومع أنه موجود في رغبات مسؤولين إسرائيليين كثر، لكن تحققه مستحيل طالما أن البلدان المعنية بالموضوع ترفض ذلك، خصوصاً مصر، بالتالي يصعب أن تتخلص إسرائيل من فلسطينيي غزة إلا عن طريق إبادة.
وبخصوص مستوى الضغط الشعبي الإسرائيلي الممارس على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو حالياً، لفت بشارة إلى أن هناك تشكيك دائم بقدرته على قيادة المعركة وليس هناك ثقة بينه وبين قيادة الجيش لذلك اضطر إلى إدخال جنرالات سابقين إلى كابينيت الحرب.
كذلك في ما يتعلق بالضغط عليه على خلفية الأسرى الإسرائيليين، فهذا ضغط موجود حالياً ولكنه لم يصل إلى درجة الانفجار بعد، وهذا، بحسب تقدير بشارة، أمر لا بد أن حركة حماس تعوّل عليه لأن سياسة نتنياهو بهذا القصف الهمجي يناقض هدف إطلاق سراح هؤلاء بوساطة ما.
وبالنسبة لمواقف السلطة الفلسطينية وأداءها منذ بدء العدوان على غزة والحرب الإسرائيلية الضمنية على الضفة الغربية، لاحظ بشارة غياباً للسلطة عن أوجه سياسية كثيرة من الحدث، داخلياً ومع الدول العربية. وعن هذا الموضوع، ذكّر بشارة بأن السلطة لم توقع اتفاق أوسلو مع المستوطنين، متسائلاً "لماذا لا تواجههم أجهزتها الأمنية في مناطق الضفة الغربية، ذلك أن هؤلاء خارجين حتى عن القانون الإسرائيلي؟".
وعن أوجه التقصير السياسي للسلطة، تطرّق بشارة إلى عدم تحديدها بشكل واضح ودقيق لمطالبها من الدول العربية مثل مصر حيال فتح معبر رفح مثلاً.
وكان للحراك العالمي المناهض للحرب حيز واسع من مقابلة التلفزيون العربي مع الدكتور عزمي بشارة الذي وصف ذلك الحراك الحاشد في الغرب خصوصاً بأنه "الذخر الرئيس للبعد الأخلاقي الإنساني الكوني لقضية فلسطين" بعيداً عن أي أيديولوجيا. وبالنسبة لمشاركة يهود كثر في الغرب بالتظاهرات الحاشدة ضد الحرب الإسرائيلية، اعتبر أنها الدليل الأوضح أن المشكلة ليست مع اليهود، بل مع الصهيونية ومع سياسات إسرائيل ومع الاستعمار والاحتلال، "لذلك من المهم أن نخاطب العالم بقيم كونية أخلاقية إنسانية"، وفق كلامه.
عن الكلفة الإنسانية لهذا العدوان الذي يكاد يدخل شهره الثاني، شدد بشارة على ضرورة عدم الاعتياد على هذه المجازر و"التطبيع" معها. وفسّر هذه الحصيلة الهائلة من الشهداء بأن الحرب وُضعت لها قاعدة غير أخلاقية منذ البداية، عبّرت عنها مصطلحات مسؤولين إسرائيليين مثل الرئيس إسحاق هرتسوغ الذي جزم بعدم وجود أبرياء في غزة "وإلا لثاروا على حركة حماس"، أو وصف وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت سكان القطاع بـ"الحيوانات البشرية" من دون أن يدينهما أي مسؤول غربي.
ولاحظ بشارة كيف أنه في البداية كان المسؤولون الإسرائيليون يحاولون تبرير جرائمهم مثلما حصل في مجزرة مستشفى المعمداني، لكنهم اليوم لم يعودوا مضطرين للتبرير حتى، بما أن قصف المستشفيات والمدارس لم يجد أي إدانة من قبل زعماء العالم.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: الأسرى الإسرائیلیین ــ الإسرائیلی مع إسرائیل إطلاق سراح حرب شاملة حرکة حماس بشارة إلى حزب الله ر بشارة حرب على ما یحصل على غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
المعهد الإسرائيلي للبحوث البيولوجية.. مختبر إسرائيل الغامض
مؤسسة حكومية إسرائيلية تتبع مباشرة لرئيس الحكومة، ويقع مقرها في مدينة نس تسيونا الواقعة على بعد 20 كيلومترا إلى الجنوب من تل أبيب وسط إسرائيل، وتتركز مهمتها الأساسية في إعداد أبحاث ودراسات علمية وأمنية في مجالات البيولوجيا والكيمياء وعلوم البيئة.
تولي إسرائيل أهمية إستراتيجية لمعهد الأبحاث البيولوجية نظرا لدوره المحوري في تطوير قدراتها في مجال الحرب البيولوجية، وكذلك في ظل مخاوفها من تعرضها لهجمات بيولوجية محتملة. وقد دفع هذا القلق المعهد إلى تنفيذ سلسلة من عمليات المحاكاة بهدف الاستعداد لمواجهة أي هجوم بيولوجي أو إشعاعي قد يهدد أمن إسرائيل في المستقبل.
وتحيط أنشطة المعهد بسريّة كبيرة، إذ تتجنب وسائل الإعلام الإسرائيلية نشر معلومات تفصيلية أو حساسة تتعلق به. ومع ذلك، أوردت وثيقة مسربة صادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) إشارات نادرة إلى طبيعة هذه الأنشطة، مما سلط الضوء جزئيا على الدور الغامض الذي يؤديه المعهد.
وتعرضت مختبرات المعهد يوم 13 يونيو/حزيران 2025، إلى دمار واسع بعد قصف إيراني استهدفه.
النشأة والتأسيسفي 18 فبراير/شباط 1948، بادر ديفد بن غوريون، أحد أبرز قادة الحركة الصهيونية، إلى تشكيل فريق من المستشارين العلميين بهدف تأسيس "فيلق العلوم"، وأسندت إليه مهمة البحث العلمي والتطوير التقني. وأُطلق على هذا الكيان اسم "همد"، وكُلف ألكسندر كينان -الذي كان آنذاك زعيما للمليشيات الطلابية في كلية الطب بالجامعة العبرية- بوضع خطط لتطوير المعرفة المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية، والشروع في عمليات تصنيعها.
بعث ديفد بن غوريون برسالة إلى تاجر الأسلحة إيهود أفريل، دعاه فيها إلى البحث عن علماء يهود من أوروبا الشرقية يمتلكون خبرات تمكّنهم إما من "تعزيز القدرة على قتل أعداد كبيرة من البشر، أو على العكس علاج أعداد كبيرة منهم"، مؤكدا أن كلا الهدفين لا يقل أهمية عن الآخر. وبالفعل نجح أفريل في العثور على مثل هؤلاء العلماء.
وعقب إعلان قيام إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948، أصدر ديفد بن غوريون قرارا بإنشاء وحدة بيولوجية سرية ضمن الجيش الإسرائيلي عُرفت باسم "همد بيت".
إعلانوفي 1952، أصبحت هذه الوحدة النواة التي انبثق عنها المعهد الإسرائيلي للأبحاث البيولوجية، والذي ورث عنها القيادة والبنية التحتية، وتولى تنفيذ أبحاث عسكرية متقدمة، خاصة في مجالي السلاحين الكيميائي والبيولوجي.
انبثقت فكرة تأسيس المعهد من البروفيسور دافيد آرنست برغمان الذي كان يقود سلاح العلوم في الجيش الإسرائيلي ويعمل مستشارا علميا لرئيس الوزراء بن غوريون، وعُرف لاحقا بلقب "أبو المشروع النووي الإسرائيلي"، ولعب دورا مركزيا في تأسيس معهد وايزمان للعلوم.
عُيِّن أستاذ الميكروبيولوجيا في الجامعة العبرية بالقدس ألكسندر كينان، أول مدير للمعهد، وبدأ بتجميع فريق من الكيميائيين والبيولوجيين للعمل على إنتاج وتطوير أسلحة كيميائية وبيولوجية، إلى جانب أبحاث متخصصة في الأمراض المعدية والجراثيم الوبائية لاستخدامها في السياقات العسكرية والدفاعية.
وكان المعهد الذي أُشرف عليه ومُوّل من قبل شعبة البحوث في الجيش، يركّز في بداياته على دراسة أمراض مثل الطاعون والتيفوئيد والجمرة الخبيثة وداء الكلب والسموم المعوية، كما اهتم بدراسة الحشرات الناقلة للأمراض كالبعوض وبق الفراش، وذلك في إطار تطوير وسائل هجومية ودفاعية ذات طابع بيولوجي.
تفرض إسرائيل طوقا من السرية المشددة على أنشطة المعهد الإسرائيلي للأبحاث البيولوجية، لا سيما تلك المرتبطة بالأمن، لما له من أهمية إستراتيجية في تطوير قدراتها في المجال البيولوجي.
وبقيت الأدلة على امتلاك إسرائيل أسلحة بيولوجية نادرة، إلى أن ظهرت أولى المؤشرات عام 1983، عندما كشفت وثيقة صادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) رصد أقمار التجسس التابعة للولايات المتحدة منشأة يُشتبه في استخدامها لإنتاج وتخزين غاز الأعصاب في منطقة ديمونة بصحراء النقب.
ونبهت الوثيقة إلى أن الولايات المتحدة بدأت بمراقبة النشاط الإسرائيلي الكيميائي والبيولوجي منذ أوائل سبعينيات القرن الـ20، وأكدت أن إسرائيل شرعت في بناء ترسانة من الأسلحة البيولوجية والكيميائية لتكون مكمّلة لترسانتها النووية، لا سيما في المعهد الإسرائيلي السري للبحوث البيولوجية.
وتعززت هذه الشكوك مع توجيه اتهامات للمعهد بإنتاج مواد سامة استُخدمت في عمليات اغتيال نفذها الموساد الإسرائيلي، من أبرزها محاولة اغتيال الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، في 25 سبتمبر/أيلول 1997، باستخدام مادة سامة. فضلا عن اغتيال القيادي في كتائب القسام محمود المبحوح في دبي بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2010، والقيادي في الجبهة الشعبية وديع حداد عام 1978، عبر دس مادة سامة له في قطعة شوكولاتة بلجيكية.
وتُناط بمفوض الأمن في وزارة الجيش الإسرائيلي مسؤولية حفظ وأرشفة المعلومات المتعلقة بالمعهد.
أقسام المعهديتكون المعهد من 9 أقسام متخصصة في البحث العلمي، وهي:
قسم الكيمياء التحليلية. قسم الرياضيات التطبيقية. قسم الكيمياء الحيوية والوراثة الجزيئية. قسم التكنولوجيا الحيوية. قسم الفيزياء البيئية. قسم الأمراض المعدية. قسم الكيمياء العضوية. قسم علم الأدوية. قسم الكيمياء الفيزيائية. إعلانوأنشأ المعهد الإسرائيلي للأبحاث البيولوجية مكتبة علمية متخصصة تُعد من أهم دعائم العمل البحثي داخله، تضم عشرات الآلاف من الكتب والموسوعات والمجلات والدوريات العلمية التي جُمعت من مختلف أنحاء العالم. وتشكل هذه المكتبة مصدرا أساسيا يعتمد عليه العلماء الإسرائيليون في أبحاثهم، إلى جانب مكتبة إلكترونية متطورة توفر وصولا رقميا شاملا للمحتوى العلمي.
وفي إطار توسيع نشاطه التجاري، أسس المعهد أيضا شركة "أبحاث علوم الحياة الإسرائيلية المحدودة"، لتتولى مسؤولية تسويق وتوزيع بعض منتجات المعهد للأغراض التجارية، بما يشمل تصديرها إلى الأسواق الخارجية.
خدمات المعهدويقدّم المعهد عددا من الخدمات المتخصصة لمختلف الجهات الحكومية الإسرائيلية، وعلى رأسها وزارة الدفاع ووزارة التربية والتعليم، إضافة إلى الشركات والمصانع الإسرائيلية.
وتشمل هذه الخدمات إجراء فحوص دقيقة لضمان جودة المنتجات، والتحقق من مطابقتها للمعايير الصحية والبيئية المنصوص عليها في القوانين الإسرائيلية.
ويشارك المعهد دراساته وبحوثه وبراءات اختراعه مع وزارتي الدفاع والصحة في الولايات المتحدة. وينظم المعهد مؤتمرا علميا مركزيا في إسرائيل مرة كل عام، بحضور المئات من الباحثين والعلماء من مختلف دول العالم، إذ يشاركون اهتماماتهم ومعلوماتهم وبحوثهم، ويصدرون في نهاية المؤتمر كتابا يلخص مقرراته ومحاضراته.
اختراق أمنيفي عام 1983، هزّت فضيحة تجسس كبرى المعهد الإسرائيلي للأبحاث البيولوجية، بعد أن أُدين نائب مدير المعهد البروفيسور ماركوس كلاينبرغ، بتهمة نقل معلومات حساسة إلى الاتحاد السوفياتي على مدى 18 عاما، تتعلق ببرامج تطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية في إسرائيل.
وقد حكمت عليه السلطات الإسرائيلية بالسجن مدة 20 عاما، في واحدة من أبرز قضايا التجسس في تاريخ الدولة.
وبسبب حساسية القضية وخشية كشف أسرار البحث والتطوير العسكري، فرض جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) تعتيما تاما على تفاصيل المحاكمة، ومنع النشر الإعلامي حولها.
كارثة بايلورفي عام 1992، تحطمت طائرة شحن إسرائيلية من طراز "بوينغ 747″ فوق مبنيين سكنيين في حي بايلور بالعاصمة الهولندية أمستردام، مما أسفر عن مقتل 43 شخصا. وأعلنت السلطات الإسرائيلية حينها أن الطائرة كانت تنقل شحنة مدنية تضم فاكهة وعطورا وأجهزة حاسوب.
لكن في السنوات التالية ظهرت مؤشرات صحية مثيرة للقلق بين سكان الحي المنكوب، تمثلت في ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض عصبية وسرطانية، وتزايد حالات الولادة بتشوهات خلقية، وهو ما أثار الشكوك إزاء طبيعة الشحنة الحقيقية.
وفتحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تحقيقا في الحادثة، لتكشف أن الطائرة كانت في الواقع تحمل مواد خطيرة موجهة إلى المعهد الإسرائيلي للأبحاث البيولوجية. وتضمنت الشحنة 190 لترا من مادة "ثنائي ميثيل فوسفات الميثيل"، إلى جانب حمض الهيدروفلوريك ومادة الإيزوبروبانول، وهي مكونات تدخل في تصنيع غازات الأعصاب السامة مثل غاز السارين.
وقدّر خبراء في المجال البيولوجي أن هذه الكمية تكفي لإنتاج نحو 270 كيلوغراما من غاز السارين، وهي كفيلة بالقضاء على سكان أكبر مدن العالم.
تجارب مثيرة للجدلبين عامي 1998 و2006، أجرى المعهد الإسرائيلي للأبحاث البيولوجية تجربة سرّية لاختبار لقاح تجريبي ضد مرض الجمرة الخبيثة، استُخدم فيها 716 جنديا متطوعا من الجيش الإسرائيلي دون إخبارهم بالآثار الجانبية المحتملة للقاح، وهو ما تسبب لاحقا بمعاناة عدد منهم من مضاعفات صحية مختلفة.
وأثار ذلك موجة جدل دفعت مكتب الأخلاقيات التابع للجمعية الطبية الإسرائيلية إلى فتح تحقيق رسمي. وفي ديسمبر/كانون الأول 2008، صدر تقرير صادم خلُص إلى أن التجربة افتقرت لأي أساس علمي أو طبي، وأنها تنتهك بشكل مباشر مبادئ "إعلان هلسنكي" الذي ينظّم أخلاقيات التجارب الطبية على البشر.
إعلانولم تتوقف الانتقادات عند هذا الحد؛ ففي مارس/آذار 2023، وجّه مراقب الدولة الإسرائيلي انتقادا لاذعا للمعهد على خلفية ادعائه عام 2020 تطوير لقاح فعّال ضد فيروس كورونا. وقال المراقب في تقريره إن المعهد "قدّم توصيفا مضللا لفعالية اللقاح وتكاليف تطويره"، معتبرا أن الإعلان كان يفتقر إلى الشفافية ويهدف لتعزيز الصورة المؤسسية أكثر من تقديم حل علمي حقيقي.