موسكو- بشكل دراماتيكي ومفاجئ خالف توقعات أكثر المراقبين السياسيين والعسكريين الروس تشاؤما بمستقبل الأزمة بين مجموعة فاغنر ووزارة الدفاع الروسية، وفيما يتطابق مع حالات التمرد العسكري، جاءت دعوة قائد المجموعة يفغيني بريغوجين الشعب الروسي إلى العصيان المدني ضد قيادة الجيش، متهمًا وزير الدفاع سيرغي شويغو باستهداف مواقع للمجموعة في أوكرانيا والتسبب في مقتل عدد كبير من عناصرها.

وفي حين نفت وزارة الدفاع اتهامات بريغوجين، قامت المخابرات الروسية من جانبها بفتح قضية جنائية ضد قائد فاغنر، وقد يواجه -في حال تمت محاكمته- عقوبة السجن من 12 إلى 20 عاما، وفقا لمكتب المدعي العام.

بريغوجين دعا الروس إلى العصيان المدني ضد قيادة الجيش، في حين فتحت المخابرات الروسية دعوى قضائية ضده (الأناضول) تطورات متسارعة

وبدأ تحرك قوات بريغوجين من مدينة روستوف على نهر الدون، المدينة الإستراتيجية والمقر اللوجستي المهم للقوات الروسية جنوبي البلاد، التي تقع على بعد 60 كيلومترا من الحدود الدولية مع أوكرانيا. وقامت قواته بالسيطرة على مرافق المدينة الإدارية والعسكرية، مما أدى إلى شل عمل أجهزة السلطة والإدارة المحلية بشكل شبه كامل.

وإلى جانب ذلك، سيطرت فاغنر على المواقع العسكرية كافة في فارونيغ القريبة كذلك من الحدود الدولية مع أوكرانيا، التي تعرضت لقصف أوكراني متقطع عدة مرات في السابق.

وحمل بيان وجّهه بريغوجين إشارات واضحة بأن الأزمة قد ذهبت إلى خط اللاعودة، فقد انتقل إلى تنفيذ ما هدد به منذ أسابيع قليلة، بعد ما عُرفت بـ"أزمة العقود" مع وزارة الدفاع.

كما أنها المرة الأولى التي يتعرض فيها للرئيس فلاديمير بوتين شخصيا وبشكل مباشر، بعد أن كان يرى أنه قد يكون الوسيط أو "الحل والربط" مع وزير الدفاع سيرغي شويغو، وفق مراقبين روس.


خيانة وطعنة في الظهر

من جانبه، أصدر الرئيس بوتين بيانا "حازما" وجهه إلى الأمة، وكان واضحاً فيه توجه الكرملين إلى القضاء على "تمرّد" بريغوجين. وشدد فيه على ضرورة "نبذ أي صراع خلال فترة العملية الخاصة"، وعلى أن "مصير شعبنا يتقرر الآن"، وأن "الإجابة ستكون قاسية"، وأن الذين "سلكوا طريق الابتزاز سيعانون عقابا لا مفر منه"، متهما بريغوجين بالخيانة و"الطعن في الظهر".

وفي خطوة استباقية وفي ما يبدو تحسبا لخروج الأزمة عن السيطرة، صادق بوتين على قرار يمنح السلطات صلاحية احتجاز أي شخص يخالف قوانين الطوارئ المعلنة في البلاد.

وبينما تشهد موسكو ومدن روسية أخرى تعزيزات أمنية مشددة هي الأولى من نوعها بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتعرض العاصمة للهجوم بالمسيرات الأوكرانية أكثر من مرة، يجمع مراقبون روس على أن التحدي الجديد المتمثل في إحباط محاولة التمرد و"خنقها" في مهدها لا يقل أهمية عن مسار الحرب في أوكرانيا ونتائجها، بل قد يتجاوز في خطورته وأهميته هذه الحرب.

 

المحللون يرون أن تحركات فاغنر الآن "أكبر هدية" يمكن أن تُقدَّم لأوكرانيا والغرب (رويترز) خلط أوراق

وبرأي المحلل السياسي فيتالي يفدوكيموف، فإن تحرك بريغوجين سيُعقّد الأوضاع ويعيد خلط الأوراق، مرجحا أن تلجأ السلطات الرسمية إلى التعامل مع التمرد بصرامة، حتى لو أدى ذلك إلى التصفية الجسدية لبريغوجين ومعاونيه.

ويصف يفدوكيموف -في حديث للجزيرة نت- التطورات الحاصلة الآن بأنها "أكبر هدية" يمكن أن تُقدَّم لأوكرانيا والغرب، لا سيما من قبل رأس حربة القوات الروسية في أوكرانيا، الذي كان يعد الخصم الأول للجيش الأوكراني، والمطلوب الأول من بين العسكريين الروس على قائمة العقوبات الغربية.

وفي هذا السياق، يشير يفدوكيموف إلى مسارعة رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريل بودانوف إلى تأييد تمرد فاغنر، معتبرا أن أوكرانيا من خلال ذلك حصلت على "جرعة معنويات"  لم تكن تحلم بها، لا سيما في ضوء تعثر الهجوم المضاد الذي كانت تتوعد بنتائج قوية له.

هروب إلى الأمام

أما الكاتب في الشؤون العسكرية فلاديمير أولسكي، فرأى أن خطوة بريغوجين جاءت نتيجة سقوط رهانه على معالجة الأزمة مع وزير الدفاع، وشعوره بـ"مظلومية" بسبب عدم تقدير دور مجموعته في الحرب بأوكرانيا والتعامل مع مقاتليه كمتطوعين عاديين.

وبرأيه، فإنه في حال عدم السيطرة على تبعات التمرد، فستكون له ارتدادات ملموسة في أكثر من اتجاه، وعلى رأسها تشتيت وإرباك عمل القوات الروسية في أوكرانيا.

ويشير في هذا السياق إلى حساسية وخطورة سيطرة قوات فاغنر على مدينة روستوف، فهي تمثّل رأس الحربة في مواجهة الهجوم الأوكراني المضاد، ومن المؤكد أن خروجها من العملية العسكرية سيؤثر بشكل مباشر على أداء القوات الروسية في أوكرانيا ويجعلها أكثر "رخاوة" أمام أي تقدم محتمل لقوات كييف.

إلى جانب ذلك، يلفت أولسكي إلى أن المدينة تضم قيادة القوات المشتركة الروسية المسؤولة بشكل مباشر عن العمليات العسكرية في أوكرانيا، فضلًا عن خطوط الإمداد الحيوية التي تمر من خلالها.

امتحان صعب

بالموازاة مع ذلك، يعتبر المحلل العسكري أن تقدم قوات فاغنر نحو "ليبيتسك" (420 كلم جنوب شرق موسكو) وسيطرتها عليها سيكون محفوفًا بمخاطر، من أبرزها تمدد رقعة المواجهات، وإدخال البلاد في دوامة قد تضعفها نظرًا إلى القدرات الكبيرة للمجموعة، وتجاربها الكبيرة في حروب المدن (خارج نطاق روسيا).

وبرأيه، فإن الدولة الروسية، رغم ذلك، ستتعامل بوتيرة سريعة وحازمة مع فاغنر، لأن خروج الأمور عن السيطرة يضع البلاد أمام أخطر تهديد وجودي منذ الحرب العالمية الثانية.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي: نعزز قوتنا العسكرية بسبب ترامب

صرحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس،اليوم السبت، بأن القارة تعزز إنفاقها الدفاعي بعد "معاملة قاسية" من إدارة ترامب، داعيةً إلى علاقات أقوى لمواجهة "القوة الاقتصادية" للصين.

وفي حديثها خلال منتدى شانجريلا العسكري في سنغافورة، ردّت كالاس على تعليقات وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، الذي وصف إصرار الرئيس دونالد ترامب على زيادة الإنفاق العسكري بأنه "معاملة قاسية".

وزير الدفاع الإسرائيلي من الضفة الغربية: حركة الاستيطان ستستمربلدية خزاعة بغزة: المنطقة أصبحت منكوبة نتيجة هجمات الاحتلال المستمرةزلزال يضرب جنوب جزر فيجي بقوة 5.2 درجة على مقياس ريخترترامب يقدم نصيحة لـ ماكرون بعد صفعة بريجيت | فيديو

وعلقت كالاس ساخرةً عندما سُئلت لاحقًا عن خطاب هيجسيث: "إنه حب على أي حال، لذا فهو أفضل من لا حب على الإطلاق".

وأكدت كالاس أن علاقة بروكسل بواشنطن لم تنقطع، قائلةً إنها تحدثت إلى هيجسيث أمس الجمعة.

وأضافت: "لقد سمعتم خطابه. كان في الواقع إيجابيًا جدًا بشأن أوروبا، لذا هناك بالتأكيد بعض الحب هناك". 

الناتو 

وقد دأب ترامب على الضغط على دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) لزيادة الإنفاق الدفاعي، مطالبًا بما يصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، ومؤكدًا أن واشنطن لن تتسامح بعد الآن مع المتطفلين.

وقالت كالاس: "هناك دول مختلفة في أوروبا، وقد أدرك بعضنا منذ زمن طويل حاجتنا إلى الاستثمار في الدفاع".

قالت: "لقد غيّر الاتحاد الأوروبي مساره وأعاد تصور نموذجنا الخاص".

اضافت : "من الجيد، نبذل المزيد من الجهود، ولكن ما أريد التأكيد عليه هو أن أمن أوروبا وأمن المحيط الهادئ مترابطان إلى حد كبير".

وأشارت كالاس إلى أوكرانيا، حيث يعمل جنود من كوريا الشمالية بالفعل، وتزود الصين روسيا بالمعدات العسكرية.

وقالت كالاس: "كانت هناك بعض الرسائل القوية للغاية في خطاب وزير الدفاع الأمريكي بشأن الصين".

وقالت كالاس إن الاتحاد الأوروبي يريد بناء "شراكات تخدم مصالحنا المشتركة" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك في مجال الدفاع والاقتصاد.

الصين

واختلفت كالاس مع الاقتراحات بأن تركز واشنطن على منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأن تركز أوروبا على منطقتها الخاصة.

قالت: "أعتقد حقًا أنه إذا نظرنا إلى القوة الاقتصادية للصين، فأعتقد أن الدول الكبرى أو القوى العظمى تبالغ أحيانًا في تقدير قوتها". 

وأضافت كالاس أنه لا يمكن مواجهة الهيمنة الاقتصادية للصين إلا بالتعاون مع "شركاء متشابهين في التفكير مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، واليابان، وكوريا الجنوبية... وسنغافورة".

وفي وقت سابق، قال هيجسيث للمندوبين: "إننا نحث حلفائنا في أوروبا على امتلاك المزيد لأمنهم الخاص والاستثمار في الدفاع".

وأضاف: "بفضل الرئيس ترامب، فإنهم يزيدون جهودهم".
 

طباعة شارك وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كالاس كايا كالاس معاملة قاسية إدارة ترامب وزير الدفاع الأمريكي هيجسيث

مقالات مشابهة

  • عاجل. أوكرانيا تقدّر كلفة الضرر اللاحق بالطائرات العسكرية الروسية بـ7 مليارات دولار
  • الدفاع الروسية: إحباط الهجوم الأوكراني على المطارات العسكرية في 5 مقاطعات
  • الدفاع الروسية تعلن التصدي لهجمات أوكرانية على المطارات العسكرية
  • أوكرانيا: استهدفنا عشرات المقاتلات الروسية
  • ‏وزارة الدفاع الروسية تعلن سيطرة قواتها على بلدة "أوليكسييفكا" في منطقة "سومي" شرقي أوكرانيا
  • أوكرانيا تعلن تفجير قطار عسكري للقوات الروسية
  • الدفاع المدني بغزة:آلاف من الأسر الفلسطينة باتت بلا مأوى
  • قواعد جديدة للجيش السوري.. هل تُنقذ المؤسسة العسكرية من الفوضى أم تبقى بيانات بلا فعل؟
  • وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي: نعزز قوتنا العسكرية بسبب ترامب
  • الدفاع الروسية: سيطرنا على 13 منطقة أوكرانية خلال أسبوع