العرب الدولية:

حرب تخدم الفلول
الخرطوم – بدأ شرق السودان يعاني من توترات سياسية إثر لجوء قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وعدد من قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل إلى التحصن في الإقليم، وهو ما يجعله قابلاً للانفجار خاصة أن مكونات أهلية محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير في شرق السودان لمّحت إلى الدخول في الحرب إذا سنحت الفرصة، ما ينقل الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى مناطق أخرى.



وقال رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، الناظر الأمين ترك، إن المكونات الأهلية التي يتزعمها “ستدافع عن الوطن والدين بالروح حتى آخر نفس”، وهو ما يؤشّر على أن قبائل البجا غير مستبعد أن تدخل الحرب إذا تعرضت فلول البشير لمخاطر في إقليم الشرق، الأمر الذي يبرهن على أن أطرافا محسوبة على الحركة الإسلامية تسعى إلى تسخير الإدارات الأهلية لإدخال الشرق دوامة الصراع.

وجاءت تصريحات ترك خلال ملتقى أهل الشرق الذي انطلق السبت واستهدف توحيد مواقف القوى المختلفة في الإقليم، بما يخدم مصالح بقايا نظام البشير الذين يسعون لتشكيل موقف موحد يمنع تكرار حدوث اشتباكات وقعت في سبتمبر الماضي بين قوات الجيش وأحزاب تحالف شرق السودان الذي يقوده شيبة ضرار.

ويعد الملتقى أحد أشكال الالتفاف على مخرجات اتفاق جوبا للسلام الذي طالب بعقد مؤتمر سياسي شامل خلال ستة أشهر من توقيعه في أكتوبر 2020 لمناقشة قضايا الشرق، وهو ما رفضه رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا، وأدخل الشرق استقطابا قبليا حادا تخللته أعمال عنف وتجميد المسار في نهاية المطاف.

وانطلق بمدينة جبيت في ولاية البحر الأحمر ملتقى أهل الشرق لاستكمال مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية التي تم التوقيع عليها في كسلا، بمشاركة قيادات قبلية نحّت خلافاتها جانبا لتشكيل حاضنة شعبية تدعم فلول البشير، ما يفسر حضور الناظر ترك المحسوب على قبيلة الهدندوة، وناظر قبيلة البني عامر علي إبراهيم دقلل.

وأكد المحلل السياسي السوداني المهتم بشؤون شرق السودان أحمد خليل أن ترك لا يمثل كافة العموديات داخل مجلس البجا، لكن الواقع يشير إلى انخراط واضح لبعض الإدارات الأهلية في الصراع الدائر، لافتا إلى أن ترك عبر المواقع الأهلية التي يشغلها وعلاقته الوطيدة بالحركة الإسلامية أسهم في تقويض الفترة الانتقالية، وحشد كل ما يستطيع من قبائل لذلك، بينما هناك قطاعات عديدة في الشرق لا تتفق معه.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “أهالي الشرق لديهم استعداد لحمل السلاح إذا شعروا بأن بلدهم يواجه خطرا حقيقيا، لكن الحرب الحالية تخدم الفلول، وواجب الإدارات الأهلية في مثل هذه المواقف تحييد المواطنين وإبعادهم عن الاستقطاب الحاد في ظل أوضاع أمنية واقتصادية متدهورة”.

وذكر أن ترك لا يستطيع الدخول في معركة مباشرة ضد قوات الدعم السريع مع تقدمها عسكريا في الكثير من الولايات، وتندرج تصريحاته في إطار الاستعراض السياسي.

وتضمن خطاب ترك هجوما على قوات الدعم السريع واتهمها بـ”التمرد” على مؤسسات الدولة، ما يعكس توافق الرجل مع فلول البشير، ووجه أيضا اتهامات لقوى سياسية تسعى إلى تشكيل جبهة مدنية عريضة في إثيوبيا، وتعمد خلط رؤيته السياسية بشعارات دينية تجعله منسجما مع توجهات قيادات الحركة الإسلامية في السودان.

وقال ترك “الدين الإسلامي لا يمكن أن يُشترى بالدولار كما فعل المتواجدون في أديس أبابا”، في إشارة إلى القوى المدنية التي تجهز للإعلان عن الجبهة المدنية الديمقراطية (تقدم)، والتي ترمي إلى طرح رؤية متقدمة تحظى بتوافق سياسي يفضي إلى تسلّم حكومة مدنية السلطة في البلاد.

واتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بالتغطية على أنشطة مريبة لقيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل في شرق السودان عبر تسليح بعض القبائل دون أخرى لإشعال حرب أهلية في الإقليم، بغرض دعم الجيش. وقالت إن البرهان وأتباع النظام البائد يمارسون سياسات وألاعيب قديمة في الغش والخداع بمحاولة التغطية على نشاط عناصر المؤتمر الوطني في عدد من الولايات، خاصة في شرق السودان.

وقلل القيادي في مؤتمر البجا (تحالف الحرية والتغيير) محمد أحمد مختار من إمكانية أن تنخرط الإدارات الأهلية بالشرق في الحرب، ولم ينكر انحياز مجموعات إلى الحركة الإسلامية وعناصر تنظيم الإخوان، وأن هؤلاء قد يمثلون ظهيرا للجيش.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “انتقال الصراع إلى شرق السودان غير مستبعد، لكن احتمال حدوثه حاليا ضعيف؛ لأن الحسابات السياسية تمنع إشعال المنطقة التي لها حدود أو قريبة من دول مهمة مثل مصر وإريتريا والسعودية، وهي دول تدرك أن الصراع في هذه المنطقة له تداعيات خطيرة عليها”.

وذكر مختار أن خطاب ترك وسط مجموعات كبيرة من القبائل يستهدف تعزيز نفوذ الإسلاميين وعناصر المؤتمر الوطني في شرق السودان، ويعوّل الرجل على أن تكون هناك عودة جديدة لهؤلاء إلى السلطة تدعم حظوظه السياسية مستقبلا ليؤكد أن لدى أهالي الشرق رؤية في التعامل مع الأزمات التي يمر بها السودان.

وأظهر زعماء قبائل وسياسيون في شرق السودان عداء سافرا للحكومة المدنية التي تولاها عبدالله حمدوك، ولعبوا دورا لافتا في عرقلتها عندما أشرفوا على عملية قطع الطريق الواصل بين بورتسودان على البحر الأحمر والخرطوم لعدة أشهر.

ومؤخرا جرى حديث عن تشكيل سلطة سودانية في بورتسودان، غير متوافق عليها من قبل قوى سياسية عديدة، وهو أمر لم يتم إنزاله على الأرض منذ وصول البرهان إلى بورتسودان قبل حوالي شهرين وسط معارضة شعبية من قوى مدنية في الإقليم تعتبر أن الخطوة خطر داهم على الإقليم وشعبه ومستقبله، وهددوا بالوقوف في وجه هذا التوجه والعمل على صده حفاظًا على مواردهم.
https://alarab.co.uk/%D9%86%D8%A7%D8%B8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AC%D8%A7-%D9%8A%D9%84%D9%85%D8%AD-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%B7-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الإدارات الأهلیة المؤتمر الوطنی فی شرق السودان فی الإقلیم على أن

إقرأ أيضاً:

خطة ترمب لإيقاف حرب السودان ومستقبل الإسلاميين

صلاح شعيب ثمة تحركات وتصريحات دولية وإقليمية حفل بها الأسبوع الجاري في إطار سعي المجتمع الدولي لإيقاف حرب السودان. بخلاف اجتماع الرباعية وتصريح رمطان لعمامرة عند لقائه د. كامل ادريس بأن الأمم المتحدة عازمة على إيقاف الحرب، فقد مثلت زيارة الرئيس المصري للإمارات ومثيلتها التي قام بها مدير المخابرات الإثيوبي رضوان حسين إلى بورتسودان محاولة للتفاكر حول مستقبل الجيوبوليتيك في القرن الأفريقي، وتعد هذه الزيارة للمبعوث الإثيوبي الرفيع بمثابة انفتاح جديد لعلاقات البلدين للتعاون السياسي والأمني كما أشارت المصادر. الخطوة الأكثرة جدارة بالاهتمام هو اجتماع الرباعية المكونة من مستشار ترمب للشؤون الأفريقية وسفراء السعودية ومصر والإمارات، والذي أشار بيانه صراحة إلى أن الحرب لن تحقق أي انتصار حاسم لطرف دون آخر، وأنه لا بد من حل تفاوضي. وهذا الاجتماع يمثل بالأساس رغبة الإدارة الأميركية في إنهاء الصراع ضمن اهتمامات ترمب بإكمال فترته الثانية من خلال تحقيق السلام الدولي، بدءً بالضغط على الفلسطينيين والإسرائيليين للقبول باتفاق صفقة القرن، وضغوطاته المماثلة لإيقاف الحرب الروسية – الأوكرانية، وهذا مبدأ جديد سيرافق تراث ترمب الذي أحيا مبدأ الانعزالية للرئيس السابق مونرو، إذ يريد من خلاله موضعة السياسة الأميركية للاهتمام بالداخل، والتقليل من تدخلاتها الحربية المثيرة للجدل في الخارج. وقد بدأ ترمب رئاسته بالاعتماد على الداخل من خلال تجفيف الدعم للمؤسسات الأميركية التي تقدم العون للعالم بما فيها أوروبا، وأفريقيا، والمنظمات الدولية. اجتماع الرباعية حول الشأن السوداني، والذي انعقد تحت ظلال إدارة ترمب في واشنطن يتماشى مع التحركات الأخرى الإقليمية لتهيئة الأجواء لدفع طرفي الحرب للدخول في مفاوضات سوف تتدخل فيها الإدارة الاميركية عن كثب لوقف المأساة السودانية. والدليل على هذا أن ملف متابعة حرب السودان اضطلع به نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لانداو وكبير مستشاري شؤون أفريقيا مسعد بولس اللذين يمثلان ثقلين مهمين في موازنة الولايات المتحدة لإشراك الأطراف المعنية. فالخارجية الاميركية ظلت تولي السودان اهتماما لنصف القرن الأخيرة ونجحت دبلوماسيتها في التدخل لإنهاء حرب الجنوب وتبني الحل لأزمة دارفور فيما مثل الدبلوماسيون الذين يتولون الشأن الأفريقي اهتماما بدور الأقطار المهمة في القارة وانخراطها للضغط لإيقاف الحروب السابقة في القطر. المعضلة الوحيدة التي تجابه هذه التحركات هي مواقف الحركة الإسلامية التي ورثها المؤتمر الوطني، إذ ظل يعرقل الانتقال الديمقراطي منذ لحظاته الأولى، وعمل على اختطاف انقلاب الجيش على حكومة حمدوك، وإيقاده الحرب ومعارضتها لأية تسوية سلمية لا تتيح لها مقعدا في طاولة المفاوضات بين الجيش والدعم السريع. من الناحية الأيديولوجية يعارض الإسلاميون في المنطقة صفقة القرن التي ينوي بها ترمب كما اشرنا إلى تحقيق اختراق مدعوم بالاتفاقات الإبراهيمية التي يحاول استئنافها بعد إنهاء الوجود الإيراني في الشرق الأوسط وأقلمة أظافر حماس وانهاء حكم الرئيس السوري الأسبق بشار الاسد واحتواء الحوثيين. والإسلاميون السودانيون في إطار مناوئة التحركات الأميركية كما نعلم سعوا للاستعانة بروسيا ولكن الضغط المصري على البرهان حال دون التوصل إلى اتفاق مع روسيا لمنحها قواعد عسكرية في البحر الأحمر. بعض المصادر أكدت أن الشأن السوداني لم يغب في زيارة ترمب الأخيرة للشرق الأوسط، ولا بد أن اجتماعات الغرف المغلقة بينه والمسؤولين السعوديين والإماراتيين قد حسمت الموقف المتفق عليه بين الدولتين والولايات المتحدة، وبالتالي تعد إضافة مصر للتشاور ومنحها عضوية الرباعية بعد أن غُيبت في الرباعية السابقة دفعة جديدة للضغط، وسيكون لها ما بعدها من ناحية التوافق الدولي والإقليمي لوضع حد للحرب عبر التفاوض. وعليه ربما يعد لقاء محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي في الإمارات وظهورهما بتلك الحميمية إشارة إلى التوافق حول مستقبل تعاملهما مع الأزمة السودانية. لقد جاء الاتهام الاميركي للجيش باستخدام أسلحة كيماوية ليمهد المجال لهذه التحركات الخارجية رفيعة المستوى لابتدار جولة جديدة للتفاوض بين الجيش والدعم السريع. ولكن الجوهري في هذا الاتهام هو الضغط على البرهان للتخلص من تأثير الإسلاميين في سلطته، وحمله على الاقتناع بضرورة إنهاء فكرة الانتصار في الحرب. فضلاً عن هذا فإن مراقبين قدموا اتهامات عديدة طالت جماعة البراء وجماعات اسلاموية أخرى تشارك مع جنود الجيش بأنها مسؤولة عن استخدام هذه الأسلحة، خصوصاً بعد ظهور فيديوهات لإسلاميين يهددون فيها باستخدام أسلحة نوعية فتاكة. والجدير بالذكر أن تكوين البرهان لجنة للتحقيق في استخدام الجيش الأسلحة الكيماوية يعد بمثابة إشارة إلى أنه ينوي إخلاء مسؤوليته، وصنع كبش فداء من الجماعات المتطرفة التي تسند ظهره. هل ينجح ترمب في تحقيق السلام في السودان عبر التأثير على حلفائه دون الاصطدام مع الحركة الإسلامية التي تذخر أدبياتها بمواقف أيدلوجية ضد الولايات المتحدة، أم أن البرهان ربما يتخلص منها للاحتفاظ بوضع سلطوي في حال نجاح الخطة الاميركية لإنهاء الحرب عبر تسوية بين الجيش والدعم السريع؟ الأمر مرهون بقدرة الحركة الإسلامية بقلب ظهر المجن والتخلص من البرهان قبل شروعه في الاستجابة لضغط السعودية ومصر، وهما أكبر حليفين له، وللولايات المتحدة. ولكن فالبرهان – على كل حال – كما يعرفه الإسلاميون جيدا أن لا دين له، كما قال شيخ عبد الحي، ولذلك فإنه في سبيل بقائه عند السلطة يستطيع أن يفعل أي شيء. الوسومصلاح شعيب

مقالات مشابهة

  • نائب ترامب: نحاول إيقاف الصراع بغزة وهذه ليست إبادة
  • سلمى عبدالجبار تهنئ الشعب السوداني بعيد الأضحى المبارك
  • يوم صعب جدا في إسرائيل.. 21 قتيل وجريح في صفوف الجيش
  • إلغاء تأشيرات الطلاب واتساع رقعة الحرب التجارية الأميركية الصينية
  • الترجمان: لا وجه للمقارنة بين القوات المسلحة شرقًا والتشكيلات المسلحة التي تحيط بالدبيبة
  • مصادر تكشف لـCNN عن تحويل الجيش الأمريكي وسيلة تستخدمها أوكرانيا لمكافحة المسيرات إلى قواته بالشرق الأوسط
  • خطة ترمب لإيقاف حرب السودان ومستقبل الإسلاميين
  • ???? تنظيم العطاوة كان الأكثر تنظيماً بعد سقوط البشير
  • جامعة بنها الأهلية تستضيف ملتقى «وصال الأول للطلاب الوافدين».. مصر تمد جسور المعرفة والثقافة
  • محمدو: ظهور حميدتي في هذا التوقيت ليس سوى غطاء سياسي لتبرير الانتهاكات المتصاعدة التي ترتكبها الميلشيا