الخليج الجديد:
2025-07-03@11:44:37 GMT

محاولة فاشلة لإسكات ضمير

تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT

محاولة فاشلة لإسكات ضمير

محاولة فاشلة لإسكات ضمير

لا شيء حقيقياً سوى مداهنة ضميري، ومحاولة إقناعه أنني أشاركهم في ما هم فيه من جهاد واستشهاد! وقد فشلت المحاولة.

أتساءل كلما أردت الكتابة مجدّدا عن الذي يحدث هناك عمّا يمكن إضافته الى ما كتبته وكتبه غيري طوال أربعين يوما مضت.

اكتشفتُ أنني وقعت في فخّ الحلول السهلة، والتي لا يمكنها أن تفعل سوى أن تجعلني أشعر بالارتياح، عندما تنتهي المشكلة المعقّدة أمامي بالموت، لأنني لا أستطيع أن أساهم بالحل.

غزّة تقاتل المحتل اليوم وتدافع عن نفسها بعد حصار طويل أنهكها، ترسم خريطة معقدة لبشرية جرّبت الحرب والسلام، والجهل والعلم، والموت والحياة، فانحازت للحرب والجهل والموت..

* * *

لا وقت ولا حاجة لزخرفة القول، ما دام الدم البريء يشاغب الحياة كلها في مدن قطاع غزّة. أتساءل كلما أردت الكتابة مجدّدا عن الذي يحدث هناك عمّا يمكن إضافته الى ما كتبته وكتبه غيري طوال أربعين يوما مضت.

لكنني لست بحاجة لإجابة، فالسؤال مستمرٌّ ومتجدّد، وتبدو الإجابة عنه نوعا من الترف في سياق الموت بكل أشكاله المتاحة؛ تحت الأنقاض، وبالرصاص وبالقصف المباشر، وبانعدام الدواء، وبالجوع والعطش، وبالضياع في متاهة الحرب التي تتّسع يوما بعد يوم بلا كهرباء ولا إنترنت، ولا تواصل مباشر وحقيقيا بين الناس هناك.

في أحد المشاهد المصوّرة في غزّة لمن اضطروا للنزوح من الشمال الى الجنوب، رأيت مجموعة من الأطفال يستقلون عربة خشبية متهالكة يجرّها حمار، ويقودها رجل لا يبدو أنه يعرفهم.. اعترضتهم، بعد قليل، سيدةٌ اتضح لاحقا أنها والدتهم. كان المشهد مأساويا وسط الفرحة الصغيرة المقتنصة لهم من بين الدمار كله في المكان والزمان.

من الصعب أن لا يكون مشهدٌ كهذا في شكله الرمزي عنوانا لما يحدُث في غياهب المتاهة. مشاهد كثيرة تصوّرها الهواتف الصغيرة لتبثّها في العالم كله نوعا من التواصل متى ما توفّر قليل من طاقة الإنترنت وطاقة الكهرباء لأولئك الذين يحاربون حكومات الغرب بكل ما توصلت إليه من تقدّم في مجال الأسلحة، ممثلة بجيش الكيان الصهيوني. هل كتبت "تقدّم"؟ يا لها من مفارقة أن يتقدّم البشر على صعيد ما يمكن أن يبيد فيهم بشريّتهم شيئا فشيئا.

غزّة التي تقاتل المحتل اليوم وتدافع عن نفسها بعد حصار سنواتٍ أنهكها، ترسم لنا خريطة معقدة للبشرية في ما يمكن أن تصل إليه، بعدما جرّبت الحرب والسلام، والجهل والعلم، والموت والحياة، فانحازت للحرب والجهل والموت.. لينجو فيها، كما تظنّ، إنسانها المختار بعنايةٍ وإتقان؛ الأبيض الأوروبي الأميركي الذي ما زال منشغلا بوضع أسس الليبرالية والتقدّمية والديمقراطية والمساواة والحرية وحقوق الإنسان.. الذي يشبهه وحسب.

نعود إلى الكتابة عن غزّة التي تمارس حياتها المستحيلة عبر قوافل الموت الكامن حتى في حاضنات الأطفال الخدّج في مستشفياتٍ أصبحت الهدف المفضل للقصف والدمار الصهيوني. شعرتُ بتأنيب ضمير فتك بأعصابي بعد لحظة ارتياح خفي انتابني عندما قرأتُ خبرا عن موت الأطفال الخدّج في تلك الحاضنات، بعدما انقطعت عنها الكهرباء، وأصبحت قبورا زجاجية لهم.

اكتشفتُ أنني وقعت في فخّ الحلول السهلة، والتي لا يمكنها أن تفعل سوى أن تجعلني أشعر بالارتياح، عندما تنتهي المشكلة المعقّدة أمامي بالموت، لأنني لا أستطيع أن أساهم بالحل.

ماذا يعني أن أستمرّ في الكتابة، المملّة أحيانا، عما يحدُث؟ أو أن أعيد نشر ما يكتبه الآخرون في وسائل التواصل الاجتماعي بحماسةٍ وإلحاح؟ أو أن ألتقط صورا لأطفال العائلة وهم يرتدون الكوفية الفلسطينية، ويلوّنون خدودهم بألوان العلم الفلسطيني؟

أو أن أصفق لهم وهم يردّدون الإجابات النموذجية عندما أسألهم عن فلسطين وعاصمتها ومدنها؟ أو أن أدخل في معارك عابرة، وتافهة أحيانا، مع الذين انحازوا للعدو بكل صفاقة منذ اليوم الأول للمعركة؟ أو أن أحضر ندواتٍ ومحاضراتٍ وفعالياتٍ عما يحدُث تعقد في ظروفٍ مثالية لألتقط الصور في سياق فلسطيني خالص؟

أو أن أشجّع على جمع التبرعات، رغم أنني أعرف صعوبة أن تصل كما نشتهي شكلا وزمنا ومضمونا؟ أو أن أزيح والديّ وأخي الراحلين قليلا عن مقدّمة دعائي في صلاتي الليلية لأضع أطفال غزّة بدلا منهم؟

لا شيء حقيقياً سوى مداهنة ضميري، ومحاولة لإقناعه أنني أشاركهم في ما هم فيه من جهاد واستشهاد! وقد فشلت المحاولة.

*سعدية مفرح كاتبة وصحفية وشاعرة كويتية

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين غزة الاحتلال المعركة الكوفية البشرية الليبرالية الأطفال الخد ج

إقرأ أيضاً:

"الجزيرة 360" تُطلق فيلم "غزة.. صوت الحياة والموت" على أمازون برايم وأبل تي في

أعلنت منصة الجزيرة 360 عن طرح فيلمها الوثائقي الجديد "غزة.. صوت الحياة والموت" عبر منصتي أمازون برايم فيديو وأبل تي في، في خطوة تهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى هذا العمل الإنساني الهام، وتسليط الضوء على واقع الحياة اليومية في قطاع غزة أمام جمهور عالمي.

ويعتمد الفيلم في سرده على توثيق جميع الأصوات التي يعيشها أهالي غزة يوميًا، حيث ينقل المشاهد إلى تفاصيل الحياة تحت الحصار، ويُبرز التحديات الكبيرة التي تواجه السكان، وفي الوقت نفسه يسلط الضوء على قدرتهم اللافتة على التكيّف، والتشبث بالحياة رغم القصف والمعاناة المستمرة.

وفي تصريح لـ"العرب"، قال جمال الشيال، مدير منصة الجزيرة 360:
"نحن ملتزمون بإيصال القصص الإنسانية التي لا تجد مساحة كافية في الإعلام التقليدي. إطلاق هذا الفيلم عبر منصات كبرى مثل أمازون برايم وأبل تي في يُعد خطوة مهمة لنقل صوت غزة إلى العالم، وتعزيز التفاعل مع قضاياها من خلال إنتاج وثائقي عالي الجودة يلامس المشاعر ويثير التساؤلات."

وأكد الشيال أن الجزيرة 360 تسعى باستمرار إلى تطوير أدواتها الإعلامية وتوسيع حضورها الرقمي، من خلال توزيع إنتاجاتها الوثائقية على منصات عالمية، بما يضمن وصولها إلى شرائح متنوعة من المشاهدين، ويعزز التأثير الإنساني والإعلامي في آنٍ معًا.

ويُعد فيلم "غزة.. صوت الحياة والموت" تجربة بصرية وسمعية مميزة تنقل الواقع كما يعيشه سكان غزة، من زوايا مختلفة، بعيدًا عن الأطر النمطية، في محاولة لإعادة تشكيل الوعي العالمي حول ما يجري في القطاع.

ويتوفر الفيلم حاليًا على منصتي أمازون برايم فيديو وأبل تي في، ويمكن للمشاهدين الوصول إليه عبر البحث عن عنوانه.

 

مقالات مشابهة

  • أمريكية تصاب بتسمم زئبقي بسبب تناول التونة يوميا: ظننت أنني أتبع نظاما صحيا
  • ثورة الحسين عليه السلام : شعلة الإصلاح وقوة التأثير المستمر في ضمير الإنسانية
  • "الجزيرة 360" تُطلق فيلم "غزة.. صوت الحياة والموت" على أمازون برايم وأبل تي في
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • الجنسية البرتغالية ستصبح واحدة من أصعب الجنسيات التي يمكن الحصول عليها في أوروبا
  • «لو أنني ما فعلت لكان خيرا لي»
  • الرسم في اليوميات.. شوق إلى إنسان ما قبل الكتابة
  • محاولة استهداف فاشلة لسيارة في الجنوب.. إليكم التفاصيل
  • العمل التطوعي.. ضمير المجتمع ونهضته الصامتة
  • شاهد بالفيديو.. شاب سوداني يجهش بالبكاء أثناء سرده قصته مع “القطة” التي كان يطعمها كل يوم وعندما تعرض لضايقة مالية ردت له الجميل وجاءته بكيس فيه أموال والجمهور يصف الواقعة بالمعجزة الإلهية