العمل التطوعي.. ضمير المجتمع ونهضته الصامتة
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
د. ذياب بن سالم العبري
يُعد العمل التطوعي من أنبل صور العطاء الإنساني، وأصدق تجليات الانتماء المجتمعي، فهو لا يُقاس بالأجر، ولا يُقوَّم بالمال، لكنه يترك أثرًا عميقًا في روح الفرد، وفي وجدان المجتمعات التي تؤمن بقيم التعاون والتكافل والمسؤولية الجماعية.
وقد شكّل العمل التطوعي جزءًا أصيلًا من الهوية العُمانية عبر الأجيال، حيث ظهرت ملامحه في الأفلاج، والمزارع، والمجالس، وفي مساندة الضعيف، ومؤازرة الجماعة، دون أن يُطلب شكر أو يُنتظر مقابل.
في عُمان، كما في بقية دول العالم، بات من الواضح أن الجهود الحكومية وحدها لا تكفي لمواجهة كل التحديات، خاصة في المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية والبيئية. وهنا يأتي دور العمل التطوعي كـ"رئة إضافية" تُرفد المجتمع بطاقة بشرية متحمسة، وكمورد اجتماعي يُحسن استثماره عند تهيئة البيئة المناسبة له.
ولا يُمكن إغفال الفوائد العميقة التي يتركها العمل التطوعي على المتطوع نفسه؛ فإلى جانب خدمة المجتمع، يُسهم في صقل الشخصية، وبناء المهارات الحياتية، مثل القيادة، والانضباط، والتواصل الفعّال، وتعزيز الثقة بالنفس. ولذلك، تُولي العديد من الأنظمة التعليمية حول العالم أهمية كبيرة لتضمين العمل التطوعي ضمن البرامج التربوية، نظرًا لما يُحدثه من نضج مبكر في إدراك الدور الفردي في المجتمع.
ومن أبرز الجوانب التي باتت تستحق الاهتمام محليًا، ضرورة استثمار مواسم الإجازات، وعلى رأسها الإجازة الصيفية، لتوجيه طاقات الشباب إلى مبادرات تطوعية مدروسة، تعود عليهم بالنفع، وتُسهم في تنمية ولاياتهم ومجتمعاتهم. كما لا ينبغي إغفال مرحلة ما بعد التقاعد، التي تمثل مخزونًا وطنيًا من الخبرات والمعارف، يمكن أن يُستفاد منها بشكل أكبر إذا ما وُفِّرت قنوات تطوعية مُنظمة تستثمر هذه الطاقات في مجالات التدريب والإرشاد والمشورة.
ومع الثورة الرقمية التي يشهدها العالم، أصبح من الممكن اليوم تفعيل أدوات تقنية المعلومات الحديثة في تطوير العمل التطوعي، سواء من خلال المنصات الإلكترونية التي تُسهّل التسجيل والانضمام وإدارة المبادرات، أو من خلال تطبيقات الهواتف الذكية التي تُمكّن من الربط بين المتطوعين والفرص المتاحة في مختلف مناطق السلطنة. كما أتاح الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات إمكانيات جديدة لتوجيه الجهود نحو المجالات الأكثر احتياجًا، وتقييم الأثر المجتمعي لكل مبادرة.
وتُعد هذه التحولات الرقمية فرصة ذهبية لإعادة تشكيل منظومة العمل التطوعي في السلطنة، ودمجه ضمن برامج التحول المؤسسي والمجتمعي، بحيث لا يكون مجرد نشاط موسمي؛ بل جزءًا من النسيج الوطني الدائم، يقوم على التكامل بين الأفراد، والمؤسسات، والتكنولوجيا.
إن المطلوب اليوم هو أن يُنظر إلى العمل التطوعي كأحد أدوات بناء الوطن وتماسكه، لا كمجرد مبادرة خيرية عابرة. أن يُستثمر في الإنسان، ويُدمج ضمن الخطط الاستراتيجية، ويُفعَّل عبر المؤسسات التعليمية والمجتمعية، وأن يُحتفى به كقيمة سامية تليق بتاريخ هذا الشعب، وتطلعاته لمستقبل أكثر وعيًا وإنسانية.
ويُختَتم السؤال مفتوحًا كما يُفتَح باب التطوع دائمًا: أليس في وسع كل فرد أن يترك بصمته في حياة مجتمعة، ولو بخطوة صغيرة تُؤخذ في صمت؟
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مدينة تركية تتصدر عناوين العالم بلقب “عاصمة الفطور”.. إليك سر المائدة التي جمعت 52 ألف شخص
تركيا ـ في تقرير أثار اهتمام عشّاق الطعام حول العالم، أعلنت مجلة Islands الأميركية المتخصصة في السفر والثقافة والرحلات، مدينة فان (Van) الواقعة شرق تركيا، “عاصمة الفطور في العالم”. ووصفت المجلة العالمية الشهيرة موائد الفطور في فان بأنها “غنية، مُعدّة بعناية، وتقدم تجربة لا مثيل لها”.
اقرأ أيضامن 82 إلى 10 آلاف نسمة في ساعات.. حي في أنطاليا ينبض بالحياة…
الإثنين 30 يونيو 2025تصدّرت هذه المدينة التاريخية عناوين الصحف الدولية بفضل ثقافة الإفطار المتجذرة فيها، والتي لا تقتصر على تقديم الطعام فحسب، بل تحمل طابعًا اجتماعيًا وثقافيًا يميّزها عن أي مكان آخر في العالم.
رقم قياسي عالمي من ضفاف بحيرة فان
وسلط تقرير المجلة الضوء على الرقم القياسي الذي حققته المدينة عام 2014، حين دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية بتنظيمها “أكبر مائدة فطور في العالم” على ضفاف بحيرة فان، بمشاركة نحو 52 ألف شخص.
ومنذ ذلك الحدث التاريخي، رسّخت فان مكانتها كعاصمة للفطور التركي، وتحوّلت إلى محطة رئيسية لعشّاق الطعام المحليين والأجانب.
نكهات تقليدية وهوية مميزة
وصفت مجلة Islands فطور فان بأنه غني بالنكهات المحلية، مثل:
الطماطم، الزيتون، الخيار، البيض، النقانق الحارة (Sucuk)، أنواع الجبن المتنوعة، المربى، والعسل.
كما نوّه التقرير إلى شهرة فان بمنتجات الألبان مثل اللبن (الزبادي) والجبن المصنوع يدويًا، مؤكدًا أن هذه المنتجات تساهم في تشكيل هوية غذائية محلية متجذّرة.
من الخامسة صباحًا.. بازار الإفطار
وفيما أُطلق على أحد أبرز أركان المدينة اسم “بازار الإفطار”، فإن عشرات النكهات المختلفة تُقدَّم يوميًا ابتداءً من الخامسة صباحًا في قاعات الإفطار، حيث تنشط الحياة وتبدأ الطاولات بالامتلاء مبكرًا.
وسلط التقرير الضوء على وجهات شهيرة مثل:
• شارع إفطار فان (Van Kahvaltı Sokağı)
• قاعة الإفطار سوتجو كينان (Sütçü Kenan Kahvaltı Salonu)
أكثر من فطور.. تجربة ثقافية كاملة
لا تقتصر تجربة فان على الطعام، بل تشمل أيضًا وجهات ثقافية وتاريخية، إذ توصي المجلة بزيارة:
• كنيسة الصليب المقدس الأرمنية (Akdamar Kilisesi) في جزيرة أكدامار