الجزيرة:
2025-12-13@16:15:47 GMT

لماذا غاب العرب عن كعكة واردات النفط الأوروبية؟

تاريخ النشر: 10th, July 2023 GMT

لماذا غاب العرب عن كعكة واردات النفط الأوروبية؟

في إطار سعي أوروبا لتعويض تراجع واردات الغاز الطبيعي الروسية، الذي كان يمثل نسبة عالية من استهلاكها، يبدو أن قراراتها لإحلال البديل لا يحكمها عامل السعر وحده، لكنها تسعى من خلال عقودها الجديدة إلى تحقيق مصالح إستراتيجية أخرى أيضا، وعلى رأسها إعطاء الأفضلية لتشجيع التجارة البينية بين دولها لمواجهة معدلات البطالة المرتفعة هناك، لا سيما أن بعضها يعاني من عجز تجاري كما هي الحال في بريطانيا.

وتشير الأرقام إلى أن الغاز الروسي -الذي كان يمثل 39% من واردات بريطانيا في 2021- انكمش خلال العام الماضي إلى 19%، وتم تعويض هذا الفارق من مصادر بديلة يكشف النظر فيها عن تلك المصالح الإستراتيجية التي تسعى أوروبا لتحقيقها على هامش تعاملها مع أزمة الطاقة لديها.

يمكننا مثلا أن نلاحظ شراءها كميات كبيرة من الغاز من حليفها الأميركي، الذي بدأ المنافسة للحلول محل روسيا في سوق الغاز الأوروبي والآسيوي، بل وفي بعض بلدان الشرق الأوسط كالكويت وتركيا، حتى قبل نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، في حين لم تمتد مساعيها للحصول على البديل إلى دول مثل إيران؛ التزاما بالعقوبات الأميركية.

نلاحظ كذلك أنها ضمنت استمرار أغلب كميات الغاز المتدفقة إليها عبر خطوط الأنابيب من الجزائر وليبيا وأذربيجان، إذ تمثل عائدات هذا الغاز موارد مالية للحكومتين الجزائرية والليبية تساعدهما على مراقبة سواحلهما ومنع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وهو الدافع ذاته الذي جعل الاتحاد الأوروبي يبادر مؤخرا إلى تقديم المساعدات إلى تونس بعد عودة الهجرة غير النظامية عبر حدودها.

زاد الاتحاد الأوروبي كذلك وارداته من الغاز المصري، سعيا إلى تحقيق هدفين: أولهما إدماج الاقتصاد الإسرائيلي في الاقتصاد العربي تحت مظلة "منظمة غاز شرق المتوسط"؛ إذ تورد إسرائيل الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب، لتتم إسالته فيها ثم يعاد تصديره إلى الدول الأوروبية. وثانيهما مكافأة الحكم في مصر الذي نجح في إيقاف مسارات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا منذ عدة سنوات.

ورغم ذلك، لم تقم الدول الأوروبية بعقد اتفاقات توريد طويلة الأجل، ربما لإدراكها أن الأزمة لن تطول كثيرا مع تضرر الاقتصاد الروسي من الحرب، وفي ظل سعيها لجذب روسيا إلى مائدة المفاوضات لحل الأزمة مع أوكرانيا، ولحاجتها كذلك إلى الطاقة الروسية "الأرخص" التي كانت تأتيها عبر أنابيب الغاز والنفط، ويسير هذا كله بالتوازي مع الأهداف البيئية الأوروبية لتقليل الانبعاثات الكربونية، عبر التوسع في مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح وتقليل استخدام الوقود الأحفوري من فحم أو نفط أو غاز طبيعي.

تشجيع التجارة الأوروبية البينية

تهدف أوروبا إستراتيجيا إلى بناء مخزون يكفل لها الاستغناء التدريجي عن الغاز الروسي، وإلى إعادة بناء شبكة واردات جغرافية جديدة، وذلك بعد فرض سقف (عقابي) على الواردات من روسيا عبر خط أنابيب نورد ستريم بعد غزوها الأراضي الأوكرانية، وهو الخط ذاته الذي توقف تماما بعد ذلك لتضرره بعمليات تفجير في سبتمبر/أيلول الماضي.

والبديل الأول لها لتحقيق ذلك هو الدول الأوروبية المنتجة للغاز من غير أعضاء الاتحاد الأوروبي؛ فقد زادت وارداتها من تلك الدول بنحو 85.5 مليار متر مكعب، إلى جانب 7 مليارات متر مكعب من النرويج التي تعد المورد الرئيسي للغاز في أوروبا، وكان البديل الثاني هو الولايات المتحدة التي ارتفعت الواردات منها إلى 41 مليار متر مكعب.

أما البديل الثالث فكان زيادة الكميات المستوردة من بلدان أخرى مثل قطر التي زادت الواردات منها إلى 5.5 مليارات متر مكعب، ومصر إلى 4 مليارات متر مكعب، وأنجولا 2.1 مليار متر مكعب، ثم كميات أقل من ترينيداد وتوباغو وبيرو ودول أفريقية.

أوروبا لم تكن مستعدة للغاز العربي (المسال) ذي التكلفة العالية، كما أنها لا تسعى وراء عقود طويلة الأجل تحسبا لتوقف الحرب وعودة الغاز الروسي

أحد البدائل الأوروبية المحتملة كذلك هي الغاز الجزائري، الذي كان يتم تصديره بالأنابيب عبر المغرب إلى إسبانيا، وتوقف بسبب الخلافات السياسية بين البلدين بذريعة انتهاء العقد، فقد يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تذليل العقبات السياسية التي تحول دون وصول هذا الغاز، وذلك بعد أن يتأكد من وجود مخزون كاف للتصدير في الجزائر بعد استيعاب الاستهلاك المحلي الذي استنفد 45% من الإنتاج العام الماضي. والوضع ذاته ينطبق على حل الخلافات بين الجزائر والنيجر التي دفعت الأخيرة إلى إعاقة وصول الغاز النيجيري عبر الأنابيب إلى الجزائر ليصل من هناك إلى أوروبا.

ورغم أن صادرات الغاز العربية إلى أوروبا زادت خلال العام الماضي بما مجموعه 4.7 مليار متر مكعب عن 2021 (82.7 مليار متر مكعب في 2022)، فإن نصيبها النسبي تراجع من 16.4% في 2021 إلى 15% في 2022، نظرا لزيادة استيراد أوروبا للغاز العام الماضي.

من بين حصة الغاز العربي المصدرة إلى أوروبا العام الماضي كان نصيب الجزائر 44.9 مليار متر مكعب، وقطر 28 مليارا، ومصر 6.5 مليارات، وليبيا 2.5 مليار، وسلطنة عمان 800 مليون متر مكعب.

لماذا غاب العرب؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تستغل الدول العربية فرصة الاحتياج الأوروبي للغاز، خاصة قبل فصل الشتاء لتزيد صادراتها إليها؟

تسهم طبيعة تجارة الغاز الطبيعي في توضيح الإجابة؛ إذ إنها تعتمد في الأغلب على العقود طويلة الأجل التي تصل إلى 10 سنوات وأكثر، وهذا يربطها بأسواق محددة لآجال طويلة (السوق الآسيوية في الأغلب).

والواقع أن أوروبا لم تكن مستعدة للغاز العربي الذي يباع في معظمه في شكله (المسال) مما يجعله أكثر تكلفة من ذلك الذي تستورده عبر الأنابيب ليتم تسييله في مصافيها، كما أنها كما ذكرنا لا تسعى وراء عقود طويلة الأجل، بل إلى ارتباطات مؤقتة وعاجلة تحسبا لتوقف الحرب الروسية الأوكرانية وعودة الغاز الروسي "الأرخص" إلى التدفق عبر خطوط الأنابيب.

في ضوء هذا الواقع حافظت الدول الخليجية على أسواقها التقليدية، حيث اتجه 60% من الغاز القطري العام الماضي إلى آسيا، مقابل 21% إلى أوروبا و19% إلى الشرق الأوسط، وحرصت الحكومة القطرية في مفاوضاتها مع الدول الأوروبية على توقيع عقود طويلة الأجل.

واتجهت 92% من صادرات الغاز العُماني إلى آسيا خلال العام الماضي، مقابل 5% إلى أوروبا، و93% من غاز الإمارات العربية المتحدة توجه إلى آسيا و5% إلى الشرق الأوسط، في حين تستهلك السعودية كامل إنتاجها محليا، أما الكويت فهي مستوردة للغاز الطبيعي.

كانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي عدلت سياساتها التصديرية لتوجه 73% من غازها المُسال إلى أوروبا للاستفادة من ارتفاع سعره، في حين وقعت اتفاقا لاستيراد الغاز الإسرائيلي وتسييله، كما حولت كثيرا من محطات توليد الكهرباء إلى استخدام المازوت بدل الغاز الطبيعي.

وتهدف مصر من ذلك إلى اقتناص حصيلة دولارية تعالج النقص الحاد الذي تعاني منه خزينتها، إضافة إلى الظهور بمظهر الداعم للصديق الأوروبي وقت الشدة، إذ تحتاج لمؤازرة ذلك الصديق للتوصل لحل لتعثر اتفاقها مع صندوق النقد الدولي وشروطه لإقراضها، وأملا كذلك في أن تعيد الدول الأوروبية النظر في توقيتات الحصول على أقساط قروضها المستحقة، وتحويل بعضها إلى استثمارات مثلما فعلت ألمانيا مؤخرا.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی العام الماضی إلى أوروبا

إقرأ أيضاً:

لماذا نستقبل أشخاصًا من السويد؟.. ترامب يعيد استخدام وصف الدول القذرة ويصعّد خطابه ضد الهجرة

عبّر وزير الدفاع الصومالي، أحمد معلم فقي، عن رفض بلاده لأي محاولة لـ"التقليل من شأن الصوماليين أو إهانتهم".

أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب استخدام تعبير "الدول القذرة" خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا يوم الأربعاء، مصعّداً خطابه المناهض للهجرة ومطلقاً تصريحات جديدة تستهدف دولاً أفريقية وآسيوية ومن الكاريبي.

وقال أمام الحشود إنه تساءل في اجتماع سابق: "لماذا نستقبل أشخاصاً من دول قذرة؟ لماذا لا نستقبل أشخاصاً من السويد أو النرويج؟"، مضيفاً بسخرية: "دعونا نحصل أيضاً على بعض الأشخاص من الدنمارك".

وجاء تبنّي ترامب العلني لهذا الوصف رغم أنه كان قد نفى في العام 2018 استخدام التعبير نفسه عندما أثار ضجة واسعة خلال ولايته الأولى.

كما توجه ترامب بعبارات أكثر قسوة تجاه المهاجرين القادمين من الصومال، واصفاً البلاد بأنها "كارثية، قذرة، مثيرة للاشمئزاز وتستشري فيها الجريمة".

وأثارت تصريحاته موجة تنديد جديدة، إذ قال السيناتور الديمقراطي إد ماركي عبر منصة "إكس" إن تصريحات ترامب "تؤكد أجندته العنصرية"، بينما دافع النائب الجمهوري راندي فاين عنه قائلاً إن "الرئيس يتحدث بلغة يفهمها الأميركيون".

الصومال ترد على تصريحات ترامب

من جانبه عبّر وزير الدفاع الصومالي أحمد معلم فقي عن رفض بلاده "التقليل من شأن الصوماليين أو إهانتهم"، وذلك في رسالة إلى وكالة رويترز.

وقال فقي إن على الرئيس الأميركي التركيز على الوفاء بتعهداته للناخبين "بدلا من الانشغال بالصومال"، مؤكداً أن الشعب الصومالي معروف بعمله الجاد وصلابته وقدرته على الصمود رغم ما واجهه من حروب وإهانات ومحاولات لإقصائه.

وأضاف الوزير أن الصوماليين "تغلبوا على جميع من حاول إذلالهم، ونجحوا في الاستمرار رغم كل التحديات"، معبراً في الوقت نفسه عن امتنانه للدعم العسكري الأميركي في محاربة المسلحين المرتبطين بتنظيم القاعدة، مع رفضه القاطع لوصف ترامب للصوماليين.

Related العفو الدولية: إدارة ترامب تتعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي لتعقّب المهاجرين الداعمين لفلسطين"يستثني المهاجرين غير النظاميين".. ترامب يدعو إلى تعداد سكاني جديد في الولايات المتحدة"يأكلون الكلاب والقطط".. لماذا اتهم ترامب المهاجرين بأكل الحيوانات الأليفة؟ تصعيد متزامن مع حادث واشنطن

وتصاعد خطاب ترامب بعد حادثة إطلاق النار في واشنطن في 28 تشرين الثاني / نوفمبر، والمتهم فيها شاب أفغاني بقتل جنديين من الحرس الوطني. واستغل ترامب الحادثة للدعوة إلى ما سماه "الهجرة العكسية"، وهو مفهوم يرتبط بالترحيل الجماعي للأجانب ويستند إلى أفكار اليمين المتطرف حول "الاستبدال الكبير".

وعقب عودته إلى السلطة، جمدت إدارته طلبات الهجرة لمواطني 19 دولة يصنفها ترامب ضمن "العالم الثالث"، في مقابل إبداء استعداده لاستقبال مزارعين بيض من جنوب أفريقيا قائلاً إنهم يتعرضون للاضطهاد.

وامتد هجومه ليطال الجالية الصومالية في مينيسوتا، كما استهدف النائبة الديمقراطية إلهان عمر مستخدماً تعابير مهينة بشأن حجابها، ومجدداً الدعوة لترحيلها رغم حصولها على الجنسية الأميركية منذ ثلاثة عقود.

جذور فكرية

ويرى محللون أن خطاب ترامب ومسؤولين في البيت الأبيض يعكس توجهات قومية متشددة تعود إلى عشرينات القرن الماضي، حين فضّلت الولايات المتحدة مهاجري شمال وغرب أوروبا فقط. ويتكرر في تصريحات مقربين منه ربط الهوية الأميركية بالعرق الأبيض والثقافة الأنغلو-ساكسونية والمذهب البروتستانتي.

وفي سياق هذا الخطاب، وصفت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم بعض المهاجرين بـ"مصاصي الدماء"، بينما كتب مستشار البيت الأبيض ستيفن ميلر عبر "إكس" أن "الكذبة الكبرى للهجرة الجماعية" تكمن في أن المهاجرين وأحفادهم "يعيدون إنتاج ظروف وأهوال بلدانهم الأصلية المضطربة".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • الدولار يتماسك والنفط والأسهم الأوروبية والأميركية تخسر
  • المخاوف الأوروبية والهواجس الروسية
  • مؤسسة النفط تستعرض الشراكات التي تقيمها مع الشركات الأوروبية وسبل تطويرها
  • وزير النفط والغاز: ليبيا تمتلك واحدا من أكبر مخزونات الغاز في المنطقة، وستكون جزءا من حل أزمة الطاقة الأوروبية
  • ميسرة بكور: بعض الدول الأوروبية تتصرف وفق مصالحها الوطنية على حساب المصلحة المشتركة
  • لماذا لا نستقبل أشخاصًا من السويد؟.. ترامب يعيد استخدام وصف الدول القذرة ويصعّد خطابه ضد الهجرة
  • لماذا نستقبل أشخاصًا من السويد؟.. ترامب يعيد استخدام وصف الدول القذرة ويصعّد خطابه ضد الهجرة
  • 25 مليار قدم مكعب | اكتشاف غازي جديد ينعش آمال الاقتصاد المصري .. وخبير يوضح
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها