كيف رسخت قطر نفسها على رأس الوسطاء بين الفلسطينيين وإسرائيل؟
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
أظهرت قطر درجات من الخيال تفتقر إليها معظم الجهات الفاعلة الأخرى ذات المصالح الخاصة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد نجاحها في التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح الأسرى مقابل المساعدات الإنسانية والإفراج عن السجناء الفلسطينيين.
ووفق تقرير لموقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، فإن التوصل لاتفاق الهدنة المؤقتة، يعد "انتصاراً للدبلوماسية القطرية في أوقات الحرب المظلمة، وهو أيضاً انتصار للقوة الناعمة لوسيطها قطر".
ولعبت الدولة الخليجية الصغيرة نسبياً، دوراً كبيراً في إيجاد طريقة دبلوماسية للخروج من أزمة الأسرى في غزة، مما سمح بدخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى القطاع، مع تجنب حدوث تصعيد إقليمي أكبر، على الأقل في الوقت الحالي.
ويعتمد دور الوساطة الذي تلعبه قطر على السعي وراء الأهمية من خلال الاعتماد المتبادل، مما يجعل من نفسها شريكًا لا غنى عنه يربط بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، والقوى الصغيرة والعظمى، وشركاء التفاوض غير المحتملين والمنافسين الأيديولوجيين.
ووفق التقرير، فإن ترسيخ قطر مكانتها كمركز جيوسياسي للوساطة والحوار هو "عنصر أساسي في نهج الإمارة الذي يركز على الشبكة في إدارة شؤون الدولة".
ويضيف: "إنه جزء أساسي من الحمض النووي لدولة قطر، حيث تم تكريس الالتزام بالوساطة في المادة (7) من دستورها لعام 2003، بعدما اكتشفت عائلة (آل ثاني) الحاكمة، أن موقف الحياد المبدئي يمكن أن يوفر للدولة الصغيرة، المحشورة بين القوى المتنافسة، إمكانية الوصول والنفوذ والأهمية، والتي يمكن أن تترجم بدورها إلى نفوذ وعمق استراتيجي".
اقرأ أيضاً
قطر تعلن بدء سريان هدنة غزة في الـ7 صباح الجمعة وتسليم الأسرى 4 عصرا
وفي فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، تتمتع الدوحة بنقطة فريدة واحتكار لبيئة دبلوماسية منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي ذلك الوقت، حاولت دون جدوى التوسط في صفقة بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة، حماس وفتح.
وبينما فشلت وساطتها، أضافت جهود الوساطة جهات اتصال مهمة إلى دفتر عناوين قطر، والتي يمكن أن تتصل بها خلال حروب غزة المتعاقبة.
وفي عام 2012، ضغطت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على الدوحة، لمنح "حماس" مكتبًا سياسيًا في البلاد، بعد مغادرة قادتها سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استضافة "طالبان" بناء على طلب الولايات المتحدة، يعني أن قطر لا غنى عنها، بينما تعمل واشنطن على الانسحاب من حربها الطويلة في أفغانستان.
وبالمثل، فإن علاقة قطر الفريدة مع إيران، والتي بنيت على البراغماتية بدلا من الثقة المتبادلة العميقة، كانت مفيدة للإدارات الأمريكية المتعاقبة التي حاولت التحدث إلى قيادة الجمهورية الإسلامية من خلال قنوات موثوقة.
اقرأ أيضاً
كبير المفاوضين القطريين: هكذا تأثر اتفاق الهدنة باستهداف إسرائيل مجمع الشفاء
وفي سبتمبر/أيلول، توسطت قطر في صفقة رهائن بين إيران والولايات المتحدة.
وعلى خلفية مكانة قطر كوسيط موثوق به، لم يكن من المستغرب أن تتطلع الولايات المتحدة بشكل خاص بسرعة إلى قطر، حتى هبت لإنقاذ الموقف، بعدما جرى بين إسرائيل والمقاومة في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما بعدها.
وأثبتت الدوحة أنها وسيط موثوق به بين إسرائيل و"حماس"، منذ حرب غزة 2008-200، فكل اتفاقات وقف إطلاق النار التي تم الاتفاق عليها بين الجانبين على مدى الـ14 عاما الماضية لم تكن ممكنة لولا أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والأجنحة السياسية والمسلحة لحركة "حماس"، تثق في قطر باعتبارها وسيطا شفافا.
وخلافا لدول إقليمية أخرى، لا تمتلك قطر الأمتعة التاريخية التي يمكن أن تقوض دورها كوسيط، حتى لو كانت مغامراتها في الربيع العربي، لا تزال تؤثر على صورة الدولة الخليجية.
وساعد دور الدوحة في التوسط في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مع "طالبان"، وتسهيل إخراج قوات "الناتو" ومواطنيه في عام 2021، في التخلص من معظم ذكريات نشاطها خلال الربيع العربي.
كما ساعدت القناة الخلفية المهمة لقطر بين واشنطن وطهران على مر السنين في هذا الصدد.
اقرأ أيضاً
رئيس الموساد الإسرائيلي يبحث في قطر تنفيذ هدنة غزة وصفقة تبادل الأسرى
وبالنسبة للولايات المتحدة، أصبحت قطر حليفها الأكثر أهمية وموثوقية في الخليج، في وقت يتقرب جيرانها من روسيا والصين.
ورغم أن موقف قطر بشأن فلسطين واضح، وهو عدم التطبيع مع إسرائيل ما لم تلتزم بحل الدولتين، فقد أثبتت الدوحة نفسها وسيطا واقعيا، قادرا على وضع العقلانية أولا، والعواطف ثانيا.
وقد أتاحت القدرة على ترك "الأنا" عند الباب للمفاوضين القطريين، التعامل مع نظرائهم الغربيين الذين غالبًا ما لديهم وجهات نظر متعارضة تمامًا، بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة.
وكان تعاطف قطر مع ضحايا هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول عنصراً حاسماً في إقامة علاقة مع الوسطاء الإسرائيليين، مما يشير إلى غضب الدوحة من "الفظائع التي ارتكبت باسم حماس".
وقد التقى سفيرا قطر لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأقارب الأسرى، مما أكد بوضوح التزام قطر ببذل كل ما في وسعها لإطلاق سراح هؤلاء الأسرى.
وفي صراع أظهر فيه الفصيلان المتحاربان الانقسام والافتقار إلى التماسك، حماس بسبب بنيتها الشبكية، وإسرائيل بسبب مشهدها السياسي والأمني المستقطب، تمكنت قطر من التحدث بصوت واحد، والسبب في ذلك هو أن الدولة الصغيرة المتجانسة لم تشتت انتباهها السياسة الداخلية.
اقرأ أيضاً
لماذا قطر هي الوسيط الأول في الشرق الأوسط؟.. الجارديان تجيب
وتمت الوساطة في مساحة مخصصة للغاية، حيث يستمر اتخاذ القرارات ضمن دائرة محدودة على المستوى الاستراتيجي الأعلى.
وفي بيئة معلومات شديدة الاستقطاب وسريعة الحركة، حيث يكون السيرك الإعلامي والروايات السياسية في كثير من الأحيان أكثر أهمية من العمل والسياسة، كان وسطاء قطر صبورين للغاية.
كما ظلت الطلبات والمطالبات من كل من حماس وإسرائيل تتغير، خاصة وأن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل رفضت مرارا وتكرارا الحلول الدبلوماسية من أجل تسجيل نقاط سياسية.
ومع ذلك، ووفق تقرير "ميدل إيست آي"، فيبدو أن الوقت لعب لصالح قطر، مع استمرار تصاعد الغضب الشعبي في إسرائيل ضد السياسات الفاشلة، وافتقار حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإستراتيجية.
ويضيف: "وبالنظر إلى المستقبل، فإن هذه الصفقة تعتبر نصراً مؤقتاً، ونأمل أن تتمكن من وضع الأسس لإطار دبلوماسي لإبطاء النهج العسكري الوحيد الذي تفضله إسرائيل حتى الآن".
ويختتم التقرير بالقول: "يجب على قطر الآن أن تثبت قدرتها على اتخاذ الخطوة التالية، واستخدام هذا الزخم لتوسيع الصفقة إلى ما بعد المدى القصير، حيث ذلك سيكون بمثابة انقلاب جيوسياسي إذا تمكنت قطر الصغيرة من حشد الحكومات الغربية والشركاء العرب لبناء اتفاق طويل الأجل، يمكن أن يشكل في نهاية المطاف الأساس لحل الدولتين".
اقرأ أيضاً
هنية: نقترب من التوصل لاتفاق هدنة مع إسرائيل وسلمنا ردنا لقطر
المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: قطر وساطة وساطة قطر حماس المقاومة إسرائيل الفلسطينيون اقرأ أیضا یمکن أن
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: اسرائيل تتعمد ارتكاب جرائم قتل الفلسطينيين
غزة.جنيف.لندن"وكالات": اعتبر منسّق الشؤون الانسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر اليوم أن "المشاهد المروّعة" لمقتل فلسطينيين أثناء سعيهم للحصول على مساعدات في غزة سببها "خيارات متعمدة" لحرمانهم وسائل البقاء على قيد الحياة في القطاع الذي تحاصره إسرائيل.
وكان الدفاع المدني في القطاع أعلن الثلاثاء مقتل 27 شخصا "عندما أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار من دبابات وطائرات مسيرة على آلاف المواطنين الذين تجمعوا قرب دوار العلم..وكانوا في طريقهم إلى مركز المساعدات الأميركي في رفح (جنوب) للحصول على مساعدات غذائية".
وقال فليتشر في بيان "يشاهد العالم، يوما تلو الآخر، المشاهد المروّعة لفلسطينيين يتعرضون لإطلاق النار أو الاصابة أو القتل في غزة، وهم يحاولون ببساطة الحصول على الطعام".
وأضاف " (الثلاثاء)، وصل عشرات القتلى الى المستشفيات بعدما أعلنت القوات الإسرائيلية أنها فتحت النار. هذه هي نتيجة سلسلة من الخيارات المتعمدة التي حرمت بشكل منهجي، مليوني شخص من الأساسيات التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة"
وكرر فليتشر الدعوة التي أطلقها الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش لفتح تحقيق مستقل في الحوادث قرب مراكز المساعدات، موضحا "هذه ليست حوادث معزولة، ويجب محاسبة الجناة"، مشددا على أنه لا ينبغي لأحد أن "يخاطر بحياته لإطعام أطفاله".
وأكد فليتشر ضرورة السماح للعاملين في المجال الانساني بأداء مهماتهم في القطاع المحاصر.
وقال "لدينا الفرق، والخطة، والإمدادات، والخبرة. افتحوا المعابر، جميعها. اسمحوا بدخول المساعدات المنقذة للحياة على نطاق واسع، من جميع الاتجاهات. ارفعوا القيود المفروضة على نوعية وكمية المساعدات التي يمكننا إدخالها. اضمنوا عدم توقف قوافلنا جراء التأخيرات والرفض. أطلقوا سراح الرهائن. نفذوا وقف إطلاق النار".
ودعت الحكومة البريطانية اليوم إلى إجراء "تحقيق فوري ومستقل" في سلسلة من الحوادث القاتلة قرب مواقع توزيع المساعدات في قطاع غزة هذا الأسبوع.
وقال وزير شؤون الشرق الأوسط هاميش فالكونر إن سقوط فلسطينيين قتلى أثناء سعيهم للحصول على الطعام "أمرٌ مقلق للغاية"، ووصف الإجراءات الإسرائيلية الجديدة لتوزيع المساعدات بأنها "لا تراعي أبسط المبادئ الإنسانية".
وأطبقت إسرائيل حصارها على قطاع غزة اعتبارا من الثاني من مارس ومنعت إدخال أي مساعدات، قبل أن ترفعه بشكل جزئي بعد نحو شهرين. الا أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تعتبر أن كميات المساعدات التي تسمح الدولة العبرية بدخولها هي مجرد "قطرة في محيط" حاجات سكان القطاع الذين يتجاوز عددهم المليوني نسمة.
وتوقفت مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة عن توزيع المساعدات اليوم في وقت تضغط فيه على إسرائيل لتعزيز تدابير سلامة المدنيين خارج محيط مواقع التوزيع، وذلك بعد مقتل عشرات الفلسطينيين الذين كانوا يسعون للحصول على المساعدات هذا الأسبوع.
وقالت مؤسسة غزة الإنسانية إنها طلبت من الجيش الإسرائيلي "توجيه حركة المشاة بطريقة تقلل من احتمالات الفوضى أو التصعيد" بالقرب من الأماكن العسكرية، ووضع إرشادات أكثر وضوحا للمدنيين، وتعزيز التدريب لدعم سلامة المدنيين.
وقالت مصادر طبية إن أكثر من 80 شخصا قتلوا جراء إطلاق النار عليهم وأصيب المئات بالقرب من نقاط توزيع بداية من يوم الأحد وعلى مدار ثلاثة أيام، بينهم 27 على الأقل قتلوا الثلاثاء.
وذكر سكان أن جنودا إسرائيليين فتحوا النار على الحشود التي تجمعت قبل الفجر أملا في الحصول على طعام. ونفى الجيش ذلك لكنه أقر أمس الثلاثاء بأن جنوده أطلقوا النار على "مشتبه بهم" تجاهلوا الطلقات التحذيرية وكانوا يقتربون من أفراده. وقال متحدث باسم المؤسسة "أولويتنا القصوى هي الحفاظ على سلامة المدنيين المتلقين للمساعدات وكرامتهم". وحذر متحدث عسكري إسرائيلي المدنيين من التحرك في المناطق المؤدية إلى مواقع المؤسسة اليوم، معتبرا إياها "مناطق قتال".
وقالت وزارة الصحة في غزة إن الضربات الإسرائيلية قتلت 95 فلسطينيا على الأقل خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، بينهم نساء وأطفال في مدرسة تؤوي عائلات نازحة تعرضت للقصف قرب مدينة خان يونس بالجنوب.
وأعلنت إسرائيل مقتل أحد جنودها في المواجهات، بعد الإعلان عن مقتل ثلاثة في اليوم السابق.
ومن المقرر أن يصوت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) والسماح بتوفير المساعدات الإنسانية في أنحاء القطاع.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك الثلاثاء "هذا أمر غير مقبول.. يخاطر المدنيون بحياتهم، ويفقدونها في حالات كثيرة، وهم يحاولون فقط الحصول على الطعام". وأضاف أن نظام توزيع المساعدات الذي تدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل "كارثة محققة، وهذا بالضبط ما يحدث".