أظهرت قطر درجات من الخيال تفتقر إليها معظم الجهات الفاعلة الأخرى ذات المصالح الخاصة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد نجاحها في التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح الأسرى مقابل المساعدات الإنسانية والإفراج عن السجناء الفلسطينيين.

ووفق تقرير لموقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، فإن التوصل لاتفاق الهدنة المؤقتة، يعد "انتصاراً للدبلوماسية القطرية في أوقات الحرب المظلمة، وهو أيضاً انتصار للقوة الناعمة لوسيطها قطر".

ولعبت الدولة الخليجية الصغيرة نسبياً، دوراً كبيراً في إيجاد طريقة دبلوماسية للخروج من أزمة الأسرى في غزة، مما سمح بدخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى القطاع، مع تجنب حدوث تصعيد إقليمي أكبر، على الأقل في الوقت الحالي.

ويعتمد دور الوساطة الذي تلعبه قطر على السعي وراء الأهمية من خلال الاعتماد المتبادل، مما يجعل من نفسها شريكًا لا غنى عنه يربط بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، والقوى الصغيرة والعظمى، وشركاء التفاوض غير المحتملين والمنافسين الأيديولوجيين.

ووفق التقرير، فإن ترسيخ قطر مكانتها كمركز جيوسياسي للوساطة والحوار هو "عنصر أساسي في نهج الإمارة الذي يركز على الشبكة في إدارة شؤون الدولة".

ويضيف: "إنه جزء أساسي من الحمض النووي لدولة قطر، حيث تم تكريس الالتزام بالوساطة في المادة (7) من دستورها لعام 2003، بعدما اكتشفت عائلة (آل ثاني) الحاكمة، أن موقف الحياد المبدئي يمكن أن يوفر للدولة الصغيرة، المحشورة بين القوى المتنافسة، إمكانية الوصول والنفوذ والأهمية، والتي يمكن أن تترجم بدورها إلى نفوذ وعمق استراتيجي".

اقرأ أيضاً

قطر تعلن بدء سريان هدنة غزة في الـ7 صباح الجمعة وتسليم الأسرى 4 عصرا

وفي فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، تتمتع الدوحة بنقطة فريدة واحتكار لبيئة دبلوماسية منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وفي ذلك الوقت، حاولت دون جدوى التوسط في صفقة بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة، حماس وفتح.

وبينما فشلت وساطتها، أضافت جهود الوساطة جهات اتصال مهمة إلى دفتر عناوين قطر، والتي يمكن أن تتصل بها خلال حروب غزة المتعاقبة.

وفي عام 2012، ضغطت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على الدوحة، لمنح "حماس" مكتبًا سياسيًا في البلاد، بعد مغادرة قادتها سوريا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن استضافة "طالبان" بناء على طلب الولايات المتحدة، يعني أن قطر لا غنى عنها، بينما تعمل واشنطن على الانسحاب من حربها الطويلة في أفغانستان.

وبالمثل، فإن علاقة قطر الفريدة مع إيران، والتي بنيت على البراغماتية بدلا من الثقة المتبادلة العميقة، كانت مفيدة للإدارات الأمريكية المتعاقبة التي حاولت التحدث إلى قيادة الجمهورية الإسلامية من خلال قنوات موثوقة.

اقرأ أيضاً

كبير المفاوضين القطريين: هكذا تأثر اتفاق الهدنة باستهداف إسرائيل مجمع الشفاء

وفي سبتمبر/أيلول، توسطت قطر في صفقة رهائن بين إيران والولايات المتحدة.

وعلى خلفية مكانة قطر كوسيط موثوق به، لم يكن من المستغرب أن تتطلع الولايات المتحدة بشكل خاص بسرعة إلى قطر، حتى هبت لإنقاذ الموقف، بعدما جرى بين إسرائيل والمقاومة في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما بعدها.

وأثبتت الدوحة أنها وسيط موثوق به بين إسرائيل و"حماس"، منذ حرب غزة 2008-200، فكل اتفاقات وقف إطلاق النار التي تم الاتفاق عليها بين الجانبين على مدى الـ14 عاما الماضية لم تكن ممكنة لولا أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والأجنحة السياسية والمسلحة لحركة "حماس"، تثق في قطر باعتبارها وسيطا شفافا.

وخلافا لدول إقليمية أخرى، لا تمتلك قطر الأمتعة التاريخية التي يمكن أن تقوض دورها كوسيط، حتى لو كانت مغامراتها في الربيع العربي، لا تزال تؤثر على صورة الدولة الخليجية.

وساعد دور الدوحة في التوسط في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مع "طالبان"، وتسهيل إخراج قوات "الناتو" ومواطنيه في عام 2021، في التخلص من معظم ذكريات نشاطها خلال الربيع العربي.

كما ساعدت القناة الخلفية المهمة لقطر بين واشنطن وطهران على مر السنين في هذا الصدد.

اقرأ أيضاً

رئيس الموساد الإسرائيلي يبحث في قطر تنفيذ هدنة غزة وصفقة تبادل الأسرى

وبالنسبة للولايات المتحدة، أصبحت قطر حليفها الأكثر أهمية وموثوقية في الخليج، في وقت يتقرب جيرانها من روسيا والصين.

ورغم أن موقف قطر بشأن فلسطين واضح، وهو عدم التطبيع مع إسرائيل ما لم تلتزم بحل الدولتين، فقد أثبتت الدوحة نفسها وسيطا واقعيا، قادرا على وضع العقلانية أولا، والعواطف ثانيا.

وقد أتاحت القدرة على ترك "الأنا" عند الباب للمفاوضين القطريين، التعامل مع نظرائهم الغربيين الذين غالبًا ما لديهم وجهات نظر متعارضة تمامًا، بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة.

وكان تعاطف قطر مع ضحايا هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول عنصراً حاسماً في إقامة علاقة مع الوسطاء الإسرائيليين، مما يشير إلى غضب الدوحة من "الفظائع التي ارتكبت باسم حماس".

وقد التقى سفيرا قطر لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأقارب الأسرى، مما أكد بوضوح التزام قطر ببذل كل ما في وسعها لإطلاق سراح هؤلاء الأسرى.

وفي صراع أظهر فيه الفصيلان المتحاربان الانقسام والافتقار إلى التماسك، حماس بسبب بنيتها الشبكية، وإسرائيل بسبب مشهدها السياسي والأمني المستقطب، تمكنت قطر من التحدث بصوت واحد، والسبب في ذلك هو أن الدولة الصغيرة المتجانسة لم تشتت انتباهها السياسة الداخلية.

اقرأ أيضاً

لماذا قطر هي الوسيط الأول في الشرق الأوسط؟.. الجارديان تجيب

وتمت الوساطة في مساحة مخصصة للغاية، حيث يستمر اتخاذ القرارات ضمن دائرة محدودة على المستوى الاستراتيجي الأعلى.

وفي بيئة معلومات شديدة الاستقطاب وسريعة الحركة، حيث يكون السيرك الإعلامي والروايات السياسية في كثير من الأحيان أكثر أهمية من العمل والسياسة، كان وسطاء قطر صبورين للغاية.

كما ظلت الطلبات والمطالبات من كل من حماس وإسرائيل تتغير، خاصة وأن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل رفضت مرارا وتكرارا الحلول الدبلوماسية من أجل تسجيل نقاط سياسية.

ومع ذلك، ووفق تقرير "ميدل إيست آي"، فيبدو أن الوقت لعب لصالح قطر، مع استمرار تصاعد الغضب الشعبي في إسرائيل ضد السياسات الفاشلة، وافتقار حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإستراتيجية.

ويضيف: "وبالنظر إلى المستقبل، فإن هذه الصفقة تعتبر نصراً مؤقتاً، ونأمل أن تتمكن من وضع الأسس لإطار دبلوماسي لإبطاء النهج العسكري الوحيد الذي تفضله إسرائيل حتى الآن".

ويختتم التقرير بالقول: "يجب على قطر الآن أن تثبت قدرتها على اتخاذ الخطوة التالية، واستخدام هذا الزخم لتوسيع الصفقة إلى ما بعد المدى القصير، حيث ذلك سيكون بمثابة انقلاب جيوسياسي إذا تمكنت قطر الصغيرة من حشد الحكومات الغربية والشركاء العرب لبناء اتفاق طويل الأجل، يمكن أن يشكل في نهاية المطاف الأساس لحل الدولتين".

اقرأ أيضاً

هنية: نقترب من التوصل لاتفاق هدنة مع إسرائيل وسلمنا ردنا لقطر

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: قطر وساطة وساطة قطر حماس المقاومة إسرائيل الفلسطينيون اقرأ أیضا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

حماس تربط استئناف المفاوضات بتحسّن الأوضاع في غزة.. وإسرائيل تلوّح بالتصعيد

من المرتقب أن يصل ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إلى إسرائيل يوم الخميس، بحسب ما نقلت "جيروزاليم بوست". اعلان

وأوضحت الصحيفة أن حركة حماس أبلغت هذا الموقف إلى الوسطاء بعد أيام من تقديمها ورقة موقف إلى الجانب الإسرائيلي، ردّت عليها إسرائيل بالرفض القاطع، ولا سيما في ما يتعلق بمطلب الحركة القاضي بالإفراج عن أسرى فلسطينيين أحياء مقابل تسليم جثث رهائن إسرائيليين.

وفي تطور لافت، نقلت هيئة البث الإسرائيلية العامة "كان" عن مسؤول رسمي أن إسرائيل تدرس ضمّ المنطقة المحيطة بقطاع غزة وتحويلها إلى منطقة عازلة، كإجراء أمني يهدف إلى الفصل بين القطاع والمناطق الإسرائيلية. وأضافت الهيئة أن هذه الفكرة تم طرحها أمام الوسطاء يوم الثلاثاء الماضي.

Related محادثات الدوحة تصل إلى طريق مسدود.. إسرائيل تتهم حماس والحركة: ويتكوف خالف سياق المفاوضات الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية يؤكدان دعمهما لحل الدولتين ويحثان حماس على نزع سلاحهابعد سحب وفود التفاوض من الدوحة.. مصدر في حماس يكشف أسباب فشل المفاوضات لوقف الحرب

وفي السياق ذاته، صرّح وزير دفاع إسرائيل يسرائيل كاتس، الأربعاء، بأن "إسرائيل تبذل جهودًا استثنائية لتأمين إطلاق سراح الرهائن، بينما تمارس ضغوطًا مكثفة على حماس داخل غزة"، محذرًا من أن "عدم استجابة الحركة قريبًا سيؤدي إلى ثمن باهظ جداً"، على حد وصفه.

زيارة أمريكية رفيعة وتحذيرات من التصعيد

من المرتقب أن يصل ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إلى إسرائيل يوم الخميس، بحسب ما نقلت "جيروزاليم بوست".

وتأتي زيارة ويتكوف في وقت يحذر فيه مسؤولون إسرائيليون من احتمال تصعيد ميداني في حال عدم تحقيق تقدم في ملف الرهائن خلال الأيام المقبلة.

لكن التحركات السياسية داخل إسرائيل تثير قلق الإدارة الأمريكية، إذ أفاد تقرير لموقع "يديعوت أحرونوت" بأن المبعوث الأمريكي بريت ويتكوف يشعر بالقلق من تأثير الضغوط السياسية الداخلية، ولا سيّما من قبل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على مسار المفاوضات. وأشار التقرير إلى أن ويتكوف قد يسعى لعقد لقاء مباشر مع الوزيرين في محاولة لإقناعهما بعدم عرقلة التوصّل إلى اتفاق محتمل.

دعوة لعقد "اتفاق شامل"

وفي الداخل الإسرائيلي، طالب منتدى عائلات الرهائن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإعلان موقف واضح بشأن استعداده لتوقيع اتفاق شامل. وجاءت هذه الدعوة بعد أن أرسل نتنياهو رسالة مصوّرة لعائلات المحتجزين عبر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، اللواء الاحتياطي غال هيرش، بحسب ما أوردته "كان".

من جهته، قال مكتب رئيس الوزراء في بيان رسمي: "سنواصل التصرف بمسؤولية كما اعتدنا، وسنواصل السعي لإعادة الرهائن وهزيمة حماس، إذ لا سبيل لتحقيق السلام للإسرائيليين والفلسطينيين إلا عبر هذا الطريق".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • مصدر: إسرائيل وأمريكا قد تغيران استراتيجيتهما بشأن غزة بعد انسحاب حماس من المفاوضات
  • جولة جديدة خلال أيام - صحيفة: حراك وتكثيف لمحاولات إحياء مفاوضات غزة
  • حماس تربط المفاوضات بتحسن الوضع الإنساني في غزة
  • حماس تربط استئناف المفاوضات بتحسّن الأوضاع في غزة.. وإسرائيل تلوّح بالتصعيد
  • شريف عامر عن تصريحات حماس: كأنها تضرب نفسها بالرصاص في قدمها
  • إسرائيل ترسل تعديلاتها على رد حماس.. وحديث عن "ضغط أميركي"
  • الوطني الفلسطيني: مصر تتحرك بكل ثقلها.. وحماس يجب أن تفضل الفلسطينيين على نفسها
  • إسرائيل ترسل تعديلاتها على رد حماس.. وحديث عن "ضغط أميركي"
  • تحفظات إسرائيلية جديدة تعرقل تقدم صفقة التبادل ووقف إطلاق النار في غزة
  • مفاوضات غزة: الوسطاء سلّموا حماس اعتراضات إسرائيل على ردّها.. ما هي؟