صحيفة الاتحاد:
2025-12-11@16:22:20 GMT

كيف نعيش «السعادة المستدامة»؟

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

شريف عرفة (أبوظبي)
من كان يصدق أن التقدم الصناعي الذي يهدف إلى تسهيل حياة الإنسان، سيكون له تأثير ضار على سعادته وصحته النفسية؟
كثيراً ما حذر الباحثون  من خطورة الاعتماد على المؤشرات الاقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي، كمقياس وحيد لتقدم المجتمعات.. فالمؤشرات الاجتماعية مثل الرضا عن الحياة ورأس المال الاجتماعي تحكي قصة مختلفة.

لهذا  ظهرت مؤشرات الرفاه التي تقيم مستويات المعيشة والصحة والتعليم والمشاركة وحيوية المجتمع واستخدام الوقت والفنون والثقافة وسلامة البيئة، كمقاييس تحاول تقييم مستوى السعادة في المجتمع..  
لكن العقود الماضية، ساد منظور أناني فردي للسعادة أدى لاستنزاف الكوب وعدم الاكتراث بالعواقب التي تتجاوز عمر الفرد نفسه، تقول الباحثة: ساهم سعينا لتحقيق السعادة في مسار غير مستدام أدى إلى فشل بيئي هائل ومعاناة إنسانية هائلة. لذا يمكن لأبحاث السعادة أن تشجع رؤية أوسع تربط مفهوم السعادة بمعان أكبر كالاستدامة. والتعريف الشهير للتنمية المستدامة بأنها «التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة».
هناك تحديان رئيسان لجهود الاستدامة. الأول هو النموذج الذي عفا عليه الزمن والقائل بأن النمو الاقتصادي يساوي التنمية (والذي يميل إلى التغاضي عن التكاليف البيئية للتنمية التقليدية، وبالتالي على سبيل المثال، الاعتقاد بأن تدمير الغابات، سيزيد من الناتج المحلي الإجمالي). التحدي الثاني هو الافتراض الشائع بأن الاستهلاك يؤدي إلى السعادة. يتم أخذ هذين التحديين في الاعتبار في أبحاث السعادة.
علم نفس الاستدامة
 في دراسة تحمل عنوان: كيف يمكن لدراسات السعادة أن تساهم في تحقيق المزيد من الاستدامة؟ وجدت الباحثة كاثرين أوبرايات من جامعة كيب تاون، أن مفهوم السعادة والاستدامة بينهما تداخل كبير تعكسه نتائج الأبحاث النفسية، ويتجلى في مفهوم السعادة المستدامة، الذي تعرفه الباحثة بأنه السعي وراء السعادة التي لا تستغل الآخرين أو البيئة أو الأجيال القادمة. بشكل يحمل إمكانيات كبيرة لرفاه الفرد والمجتمع والعالم.
سياسات السعادة والاستدامة 
من المدهش أن سياسات الاستدامة لا تحافظ فقط على البيئة، بل تزيد أيضا من مستوى سعادة البشر على المدى البعيد. كيف ذلك؟
عند تخطيط المدن بطريقة مستدامة، يتم إنشاء مساحات عامة تولي اهتماماً بالجمال، والتواصل الاجتماعي، ولعب الأطفال، وحركة أولئك الذين لا يملكون سيارة. حيث إننا لا نبني المدن من أجل الشركات أو السيارات، بل من أجل الناس .. من أجل البشر كبارا وصغاراً.. وبالتالي، بدلاً من الاكتفاء ببناء الطرق السريعة، يمكن إنسان المماشي بالتوازي مع ذلك. بالاستثمار في الأرصفة والحدائق والمتنزهات ومسارات الدراجات، إنشاء نظام النقل السريع والمواصلات العامة المريحة لتقليل استخدام السيارات، وزراعة الأشجار.. كل هذه ممارسات مستدامة.. تحافظ على البيئة وتخفض الانبعاثات الحرارية وتقلل تلوث الهواء، وفي نفس الوقت، تحسن الصحة النفسية!  تحسن جودة الهواء، وتشجع النشاط البدني والتواصل الاجتماعي والاستمتاع بجمال الطبيعة، وبالتالي تزيد السعادة. 

أخبار ذات صلة «أسرار الحياة البرية».. رسالة استدامة الكرة «صديقة البيئة».. حلم يتحقق مؤتمر الأطراف «COP28» تابع التغطية كاملة

السعادة والاستهلاك
في المجتمع الاستهلاكي، حيث أصبح الاستهلاك والسعادة مرتبطين بشكل لا ينفصم، يخلط الأفراد بين «السعادة» و«شراء السلع الثمينة».  ويشير عالم النفس دان جيلبرت، إلى أن كثيراً من الاقتصادات تزدهر على أساس الاعتقاد الخاطئ السائد على نطاق واسع بأن السعادة الشخصية مرتبطة بالإنتاج والاستهلاك، وهذا اعتقاد غير صحيح علمياً. إذ يكتشف الناس أن الوقت الذي يقضونه لكسب المزيد من المال لشراء المزيد من الأشياء، قد يكون سعياً غير فعال لتحقيق السعادة.  الاستهلاك المفرط لا يحقق الاستدامة، ولا السعادة أيضاً.. إذ يظل الإنسان يجري وراء سراب دائم، سلعة وراء أخرى، دون إشباع فجوة في أعماقه لا تريد إلا المعنى والقيمة المفقودة في المجتمع الاستهلاكي. 
تشير الدراسات أن الناس نوعان. هناك من لديهم أهداف «جوهرية» أي يسعون في حياتهم من أجل تلبية «الاحتياجات النفسية الذاتية» مثل التطور الشخصي، وقبول الذات، والعلاقات، واللياقة البدنية، والمشاركة المجتمعية والصالح العام.. ونوع آخر من الناس يسعون وراء الأهداف «الخارجية» مثل النجاح المالي و التباهي والشهرة والشعبية واستجداء تقدير الآخرين وإعجابهم. بحثاً عن الاعتراف الاجتماعي. وتشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أن الأفراد ذوي الأهداف الجوهرية، هم أقل مادية وأكثر ميلاً للانخراط في سلوك صديق للبيئة، مثل ركوب الدراجات وإعادة التدوير، من الأفراد ذوي التوجه القيمي الخارجي..أضف إلى ذلك أنهم يكونون أكثر سعادة كذلك.
سعادة ذات معنى 
تبني فكرة الاستدامة قيمة جوهرية، تضفي على السعادة طابعاً فلسفياً يزيدها عمقاً وارتباطاً بمعنى الحياة. كيف ذلك؟
تضرب الباحثة مثالاً بفكرة توضع الفرق بين السعادة بمفهومها المعتاد المرتبط بالمتعة اللحظية، وبين السعادة المستدامة. فمثلاً، يستمتع المرء حين يجلس في المقهى لكي يحتسي قهوته المفضلة. عند وضع عدسة السعادة المستدامة، يمكن رؤية هذه المتعة اللحظية في سياق أوسع. من خلال التفكير فيما إذا كان فنجان القهوة هذا أتى من شركة لها سياسات أخلاقية، تراعي حقوق العمال مثلاً أو تهتم بالبيئة، وما إذا كانت هذه المتعة اللحظية جاءت على حساب الآخرين أو البيئة الطبيعية أم لا. بمعنى آخر، هذه الطريقة في التفكير تفي على السعادة بعداً ومعنى يعمق التجارب الحياتية ويربطها بمعنى الحياة ودور الإنسان فيها، ما يزيد من تقديره الذاتي ورضاه عن نفسه وإحساسه بالإنجاز، وعي أمور تتجاوز بكثير فكرة السعادة اللحظية وحدها.  
تخيل معي ما سيصبح عليه عالمنا،  حين تكون الظروف التي يتم فيها تصنيع ملابسنا، وكيفية تصنيع ونقل فواكهنا، والمبيدات الحشرية التي يتم رشها في حقولنا، والممارسات التجارية غير العادلة وغير الأخلاقية، أموراً يدفعنا للاهتمام بها مجرد سعينا الشخصي للسعادة.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الاستدامة الغابات تلوث الهواء المناخ التغير المناخي كوب 28 مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ من أجل

إقرأ أيضاً:

دراسة صادمة: مراهقون يلجؤون إلى روبوتات الدردشة الذكية لدعم صحتهم النفسية

نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرًا لمحرر التكنولوجيا،  روبرت بوث، قال فيه إن الخبراء يحذرون من المخاطر، إذ تُظهر دراسة في إنكلترا وويلز أن المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما يلجؤون إلى روبوتات الدردشة الذكية وسط قوائم انتظار طويلة للخدمات.

ويوضح التقرير، أنه بعد إطلاق النار على صديق وطعن آخر، وكلتا الحالتين أدت إلى الوفاة، طلبت شان المساعدة من ChatGPT. كانت قد جربت خدمات الصحة النفسية التقليدية، لكن "الدردشة" كما تسميها، بعد أن تعرفت على "صديقها" الذكي، شعرت بأمان أكبر، وأقل ترهيبًا، والأهم من ذلك، أنها أكثر تواجدا عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع صدمة وفاة أصدقائها الصغار.


وبمجرد أن بدأت في استشارة نموذج الذكاء الاصطناعي، انضمت المراهقة من منطقة توتنهام إلى حوالي 40 بالمئة، من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما في إنجلترا وويلز المتأثرين بعنف الشباب والذين يلجأون إلى روبوتات الدردشة الذكية لدعم صحتهم النفسية، وفقا لبحث أجري على أكثر من 11 ألف شاب.

ووجدت الدراسة أن ضحايا العنف ومرتكبيه كانوا أكثر عرضة بشكل ملحوظ لاستخدام الذكاء الاصطناعي لمثل هذا الدعم مقارنة بالمراهقين الآخرين. وقد أثارت النتائج، الصادرة عن صندوق وقف الشباب، تحذيرات من قادة الشباب بأن الأطفال المعرضين للخطر "يحتاجون إلى إنسان وليس روبوتا"، كما تشير النتائج إلى أن برامج الدردشة الآلية تلبي طلبا لا تلبيه خدمات الصحة العقلية التقليدية، والتي لديها قوائم انتظار طويلة والتي يجدها بعض المستخدمين الشباب تفتقر إلى التعاطف. وتُعد الخصوصية المفترضة لبرنامج الدردشة الآلية عاملا رئيسيا آخر في دفع ضحايا الجرائم أو مرتكبيها إلى استخدامها.

بعد مقتل صديقيها، بدأت شان، البالغة من العمر 18 عاما، وهو ليس اسمها الحقيقي، في استخدام الذكاء الاصطناعي لسناب شات قبل التحول إلى ChatGPT، الذي يمكنها التحدث إليه في أي وقت من النهار أو الليل بنقرتين على هاتفها الذكي، وقالت: "أشعر أنه صديق حقيقي"، مضيفة أنه كان أقل ترويعا وأكثر خصوصية وأقل إصدارًا للأحكام من تجربتها مع خدمات الصحة العقلية التقليدية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) والجمعيات الخيرية.

كلما تحدثت معه كصديق، سيتحدث إليك كصديق في المقابل. إذا قلت للدردشة: "مرحبا يا عزيزتي، أحتاج إلى بعض النصائح". سيرد عليّ وكأنه صديقتي المفضلة، وسيقول: "مرحبا يا عزيزتي، فهمتكِ".
وجدت الدراسة أن واحدًا من كل أربعة من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما استخدم روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي لدعم الصحة النفسية في العام الماضي، وكان الأطفال السود أكثر عرضة لذلك بمرتين من الأطفال البيض. كان المراهقون أكثر ميلا للبحث عن الدعم عبر الإنترنت، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي، إذا كانوا على قائمة انتظار للعلاج أو التشخيص أو تم رفضهم، مقارنة بمن يتلقون الدعم شخصيًا بالفعل.

قالت شان أن الذكاء الاصطناعي "متاح على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع" ولن يُخبر المعلمين أو أولياء الأمور بما كشفت عنه. ورأت أن هذه ميزة كبيرة مقارنة بإخبار معالج نفسي في المدرسة، بعد تجربتها الشخصية لما اعتقدت أنه أسرار تُشارك مع المعلمين ووالدتها، وقالت إن الأولاد الذين شاركوا في أنشطة العصابات شعروا بأمان أكبر عندما طلبوا من روبوتات الدردشة النصيحة حول طرق أخرى أكثر أمانا لكسب المال بدلا من المعلم أو أحد الوالدين الذي قد يسرب المعلومات إلى الشرطة أو أعضاء آخرين في العصابة، مما يعرضهم للخطر.

قال شاب آخر، طلب عدم ذكر اسمه ويستخدم الذكاء الاصطناعي لدعم الصحة النفسية، لصحيفة الغارديان: "النظام الحالي معطل للغاية في تقديم المساعدة للشباب. تُقدم روبوتات الدردشة إجابات فورية. إذا كنت ستنتظر لمدة عام أو عامين للحصول على أي شيء، أو يمكنك الحصول على إجابة فورية في غضون دقائق قليلة... فمن هنا تأتي الرغبة في استخدام الذكاء الاصطناعي".

وقال جون ييتس، الرئيس التنفيذي لصندوق وقف الشباب، الذي كلف بإجراء البحث: "يعاني الكثير من الشباب من مشاكل في صحتهم النفسية ولا يستطيعون الحصول على الدعم الذي يحتاجونه. ليس من المستغرب أن يلجأ البعض إلى التكنولوجيا طلبا للمساعدة. علينا أن نبذل جهدا أفضل لأطفالنا، وخاصة الأكثر عرضة للخطر. إنهم بحاجة إلى إنسان لا روبوت"، وكانت هناك مخاوف متزايدة بشأن مخاطر روبوتات الدردشة عندما يتفاعل الأطفال معها لفترة طويلة.

تواجه شركة OpenAI، الشركة الأمريكية التي تقف وراء ChatGPT، العديد من الدعاوى القضائية، بما في ذلك من عائلات الشباب الذين انتحروا بعد تفاعلات طويلة مع روبت الدردشة، وفي حالة آدم راين، البالغ من العمر 16 عاما، من كاليفورنيا، والذي انتحر في نيسان/أبريل، نفت شركة OpenAI أن يكون روبوت المحادثة هو السبب. وقالت إنها تعمل على تحسين تقنيتها "للتعرف على علامات الضيق النفسي أو العاطفي والاستجابة لها، وتهدئة المحادثات، وتوجيه الناس نحو الدعم الواقعي".

وفي أيلول/ سبتمبر، أعلنت الشركة الناشئة أنها قد تبدأ في الاتصال بالسلطات في الحالات التي يبدأ فيها المستخدمون بالحديث بجدية عن الانتحار، قالت هانا جونز، الباحثة في مجال عنف الشباب والصحة النفسية في لندن: "أن يكون لديك هذه الأداة التي يمكنها إخبارك بأي شيء من الناحية الفنية - أشبه بقصة خيالية. لديك هذا الكتاب السحري الذي يمكنه حل جميع مشاكلك. هذا يبدو مذهلًا"، لكنها قلقة بشأن نقص التنظيم.


وقالت: "يستخدم الناس ChatGPT لدعم الصحة النفسية، في حين أنه غير مصمم لذلك. ما نحتاجه الآن هو زيادة اللوائح المدعومة بالأدلة، والتي يقودها الشباب أيضا. لن يُحل هذا الأمر باتخاذ البالغين قرارات نيابة عن الشباب. يجب أن يكون الشباب هم من يقودون عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بـ ChatGPT ودعم الصحة النفسية باستخدام الذكاء الاصطناعي، لأنه مختلف تمامًا عن عالمنا. لم ننشأ على هذا. لا يمكننا حتى تخيل معنى أن تكون شابا اليوم".

مقالات مشابهة

  • هند صبري تكشف سبب غيابها عن الساحة الفنية لمدة عامين مع "صاحبة السعادة"
  • دراسة صادمة: مراهقون يلجؤون إلى روبوتات الدردشة الذكية لدعم صحتهم النفسية
  • هند صبري في ضيافة «صاحبة السعادة» بهذا الموعد
  • افتتاح قرية الاستدامة في مدينة جميرا بدبي لتعزيز حماية البيئة
  • تأثير السوشيال ميديا على الصحة النفسية للمصريين في 2025.. حقائق صادمة
  • نائب وزير “البيئة” يؤكد أهمية الشراكات مع القطاع غير الربحي لتعظيم دور المسؤولية الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة
  • بعد حلقة صاحبة السعادة.. حاتم صلاح يوجه رسالة لإسعاد يونس
  • مؤسس حراك بدنا نعيش في غزة يصل إيطاليا.. ظهر سابقا إلى جانب أبو شباب
  • أمطار وغبار وصقيع.. كيف ينعكس الطقس على المزاج والصحة النفسية؟
  • أسرار الراحة النفسية للأمهات… خطوات صغيرة تغير الحياة