من ميناء (قنا) الحضرمي الشهير على البحر العربي يمتد إلى غزة شريان تجاري يعد واحد من أهم الطرق التجارية في العالم القديم ، وهو ما أصطلح على تسميته ب (طريق اللبان) حيث يحمّل اللبان بالإضافة إلى بضائع الشرق وبهارات الهند على القوافل ، والذي يمر بحواضر الممالك اليمنية القديمة جميعها (شبوة ، تمنع ، مارب وقرناو) وعدد من المحطات الخدمية الفرعية الأخرى والتي ازدهرت من عائدات (العشور) أو الجمارك ، وما أشبه الليلة بالبارحة .
العرب عموماً : ألم يتحوّل البحر الأحمر من بحيرة عربية إلى بحر تصارع وتهيمن عليه أمريكا والقوى الاستعمارية الأخرى وفي مقدمتها العدو الصهيوني ؟؟ الا يشكل عمل الأنصار الوطني العربي الإنساني والأخلاقي هذا فارقاً ؟ إلى الشقيقة مصر : ألا يصيب فعل الأنصار هذا أحلام إسرائيل في إقامة قناة مائية أخرى على القرن الشرقي للبحر الأحمر مما سيصيب قناة السويس في مقتل ، وبالتالي خنق مصر من ثاني مصادر قوتها بعد أن خُنقت مائياً بسد النهضة ؟ أليس هذا الفعل هو نفسه ما فعلته اليمن مع مصر في الحرب الأخيرة مع إسرائيل ، بأن أغلق الأولى باب المندب والثانية قناة السويس ؟؟ ما الذي تغيّر إذن؟؟ وعالمياً : لن يحافظ على سلامة طرق الملاحة الدولية غير أهلها – الدول المطلة عليها – كما فعلت عبر العصور ، وليس القوى الخارجية المتصارعة والتي ستسخر هيمنتها لمصالحها فقط وتحرم منها غيرها ، كما حصل مع المضائق التركية (البوسفور والدردنيل) ابان الحرب العالمية الأولى وظلت تصيغ المعاهدات التي تكفل مصالحها الأنانية فقط ثم تعدلها بما يتناسب مع تغير موازين القوى انتهاء بإتفاقية (مونترو) . فإذا أردتم سلامة طرق الملاحة الدولية فعليكم جعل هذه الممرات خالية من القواعد العسكرية الأجنبية ، كما عليكم العمل على دعم تحقيق جهود السلام العادل في هذه المنطقة الحيوية وغيرها . لقد أدرك الأنصار أهمية هذه الورقة الحساسة وفهموا بذكائهم الفطري أهميتها الجيوسياسية بينما لم ير فيها الرئيس السابق سوى فرصة لتهريب الخمور !! بينما سخرها الأنصار لانتزاع الحقوق ولتحقيق السلام العادل ، وقد كانت بين أعينهم طوال 8 سنوات من العدوان الغاشم على اليمن لكنهم لم يفعلوها إلا الآن لنصرة شعبنا الفلسطيني وقضاياه ولوقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة ، وهنا يكمن نبل وسمو هؤلاء القوم . وأخيراً لقد أرست إيران بدهائها الفارسي المعروف قبلنا هذه القاعدة يوم قررت أمريكا تصفير صادراتها النفطية ، فوقفت وقالت بالفم المليان : أما يصدر الجميع نفطهم كلهم أو يتوقف الجميع عن التصدير وهددت بإغلاق مضيق هرمز الحيوي مما يهدد بحرمان العالم كله من مصادر الطاقة . نحن اليوم في اليوم في اليمن نقول كما قالت إيران : إما سلام لكل شعوب المنطقة أو لا سلام ولا طرق آمنة , ولم نقل حتى للجميع، بل قلنا فقط لا أمان لسفن العدو الإسرائيلي المعتدي وقد حدده الأنصار بذكاء بفترة زمنية محددة وهي وقف العدوان على غزة ، فأين الغلط في هذا ؟؟ أما إذا واصل الصهاينة غطرستهم فسوف يتكرر النداء التالي : تحتكم الماء وفوقكم الرجال ينزلون من السماء ولن تمروا ولو على رقابنا !! سلام ..
*العنوان مقتبس حرفياً من اسم كتاب لمؤلف يوناني مجهول من القرن الميلادي الأول ، يتحدث عن أسرار الملاحة في البحر الأحمر أو الإرتري كما سماه .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أمريكا.. من إرث الإبادة إلى هندسة الخراب العالمي
هذا النموذج الاستيطاني الذي قام على أنقاض أمة كاملة هو الذي يفسر -اليوم- الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي؛ فكلا الكيانين يشتركان في سياسية الإحلال وإبادة السكان الأصليين عن طريق التهجير والتدمير والقتل. فواشنطن ترى في الكيان الإسرائيلي امتداداً لنفسها، ولذلك تستمر في توفير الغطاء السياسي والعسكري للكيان ليمارس جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، معتبرةً أن السيطرة على موارد الشعوب هي حق طبيعي لـ "شرطي العالم".
إن الشرطَ الأَسَاسيَّ لمسيرة التاريخ الأمريكي وصيرورته وكل ما حقّقه من قوة وإنجازات مادية هو غياب الفضائل والحكمة والعقل والأخلاق والروح والعاطفة والرحمة والإنسانية، وسيادة التوحش والإباحية والكراهية والقسوة والانحلال الخلقي، أي باختصار نفي كُـلّ فضيلة إنسانية وأخلاقية وروحية عن الشخصية الأمريكية الرئيسية القيادية والنخبوية التي لعبت الدور الحاسم في أحداث التاريخ الأمريكي.
تبدأ القصة الدموية للولايات المتحدة من نقطة الصفر، حيث تأسس هذا الكيان على أشلاء السكان الأصليين بعد إبادتهم والاستيلاء على أراضيهم بقوة السلاح، لتؤسس واشنطن نهجها القائم على التوسع عبر الدماء.
ولم تكد تجف دماء التأسيس حتى دشنت أمريكا سلسلة حروبها الخارجية، كان أبرزها العدوان المبكر على شعب "نيكاراغوا" في عام 1833، مؤسسةً بذلك لسياسة "الحديقة الخلفية" في جنوب القارة الأمريكية، ومستخدمة عملاء محليين لضمان هيمنتها التي لا تزال مستمرة في اعتدائها على هذا الشعب حتى اليوم.
ومع طي صفحة الحرب العالمية الثانية، دشنت واشنطن حقبة جديدة من "إرهاب الدولة" المنفرد؛ ففي السادس والثامن من أغسطس 1945، ارتكبت الجريمة النووية الوحيدة في التاريخ بقصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، حاصدة أرواح ثلاثمائة ألف مدني في لحظات، ومخلفة إرثاً من التشوهات الخلقية يلاحق الأجيال.
امتدت الأذرع الأمريكية لتفتك بشبه الجزيرة الكورية مدمرة إياها ومكرسة تقسيمها إلى دولتين، قبل أن تغوص في وحل فيتنام في عدوان استمر عقدين من الزمان، وانتهى عام 1975.
هناك، أحرق الجيش الأمريكي الأخضر واليابس بمادة "العامل البرتقالي" السامة وقنابل "النابالم" المحرمة دولياً.
لم تتوقف الشهية العدوانية عند حدود آسيا، بل امتدت لتشمل المنطقة العربية والإسلامية؛ فخاضت حروباً مباشرة ومدمرة ضد أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن وإيران، مستخدمة أسلحة دمار شامل كاليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض الذي فتك بعشرات الآلاف من العراقيين، وصولاً إلى احتلالها الحالي لمناطق في سوريا، وتدخلاتها في الصومال، وتهديداتها المستمرة لكوبا وفنزويلا وإيران بذريعة البرنامج النووي.
وتتويجاً لهذا المسار التصعيدي، أوصلت السياسة الأمريكية الوضع في أوكرانيا إلى حافة الهاوية، مهددة الأمن القومي الروسي بشكل وجودي، ما أجبر موسكو على شن عمليتها العسكرية في فبراير 2022. وبدلاً من الحل، حولت واشنطن أوكرانيا إلى ساحة استنزاف لروسيا، مزودة كييف بكافة الأسلحة الفتاكة لفرض عزلة دولية على موسكو.
في عملية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أطاحت واشنطن عام 1954 برئيس غواتيمالا المنتخب ديمقراطيًا خاكوبو آربنز، ونصّبت هذه العملية الديكتاتورية العسكرية بقيادة كارلوس كاستيو أرماس، وهو الأول في سلسلة حكام مستبدين مدعومين أمريكيًا، واستعادت واشنطن مصالحها العسكرية والاقتصادية في غواتيمالا، التي شهدت -بسبب هذا الانقلاب- حربًا أهلية دامت 36 عامًا، سقط فيها أكثر من 200 ألف قتيل.
وفي جمهورية الدومينيكان يعتبر رافائيل ليونيداس تروخيو مولينا، ديكتاتور جمهورية الدومينيكان المدعوم أمريكيًا، مسؤولا عن مقتل ما بين عشرين ألفا وثلاثين ألف شخص في بلده، استمر في الحكم من 1930 وحتى اغتياله عام 1961، ثم جرى انتخاب حكومة جديدة ديمقراطيًا بقيادة اليساري خوان بوش، عام 1962، إنما تمت الإطاحة به في العام التالي، في ظل اتهامات أمريكية له بالضعف في مواجهة الشيوعية.
وفي 1965، تدخلت واشنطن خلال تمرد، لإعادة بوش للحكم، عبر جنرالات موالين لها، لكنها فشلت، فاحتلت هذا البلد بما يزيد عن أربعين ألف جندي.
وأُجريت في العام التالي انتخابات فاز بها موالون لواشنطن.. وأظهرت وثائق سرية (تم الكشف عنها عام 1980) أن تلك الانتخابات لم تكن نزيهة.
في 1983، احتلت واشنطن جزر غرينادا خشية امتداد نفوذ الاتحاد السوفيتي إليها، ولم تكن واشنطن راضية عن استيلاء الاشتراكي موريس بيشوب على السلطة في الجزيرة، عبر انقلاب غير دموي، عام 1979، ونتيجة لذلك الاحتلال قُتل بيشوف رميًا بالرصاص، وأصبحت الجزيرة تحت النفوذ الأمريكي.
في 1973 انقلب الجيش والشرطة في تشيلي على الرئيس المنتخب، سلفادور أليندي، وخلفه الجنرال أوغستو بينوشيه.
تحت حكم بينوشيه -الذي دام 27 عامًا- اختفى ثلاثة آلاف و200 سياسي في ظروف غامضة، واعتُقل أكثر من ثلاثين ألفًا آخرين تعرضوا للتعذيب في السجون، وكشفت المخابرات الأمريكية، عام 2000، عن وثائق تظهر أنها هي التي هيأت -بالتعاون مع جيش تشيلي- انقلاب بينوشيه.
خلال الثورة في المكسيك، أرسلت واشنطن قواتها لمحاربة الثوار دعما لنظام الديكتاتور الجنرال بروفيريو دياز، الذي سيطر على البلد لأكثر من ثلاثين عامًا، وفي 1913، أيدت واشنطن الانقلاب الدموي على ماديرو؛ للحفاظ على نفوذها، وتم تعيين الجنرال فيكتوريانو هويرتا رئيسًا.
عام 1915 يحتل الجيش الأمريكي هايتي للحفاظ على مصالح واشنطن الاقتصادية بها، وخلال الاحتلال، لقي آلاف الأشخاص حتفهم، حيث دعمت واشنطن الديكتاتور جان فيلبرون غيوم، ونظام العبودية، كما ساعدت شركات أمريكا الشمالية في مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي (الدونم يساوي ألف متر مربع)، وفي 1934 انسحبت واشنطن من هايتي، تاركة جيشًا مخلصًا لها، وبعد ستين عامًا أعادت احتلالها بزعم “الحفاظ على الديمقراطية”، بعد الإطاحة بنظام جان برتران أريستيد، عبر انقلاب، انتهى هذا التدخل بمغادرة الجنرال راؤول سيدراس، الذي كان يقف خلف الانقلاب، لهايتي، وظل فيها جنود أمريكيون وآخرون من الأمم المتحدة.
إن تتبّع المسار التاريخي للولايات المتحدة يكشف بوضوح أنّ السلوكيات العدوانية التي طبعت الحاضر ليست طارئة ولا منفصلة عن جذورها الأولى؛ فهي امتداد طبيعي لبنية قامت على الإبادة والتوسع القسري ومصادرة حق الشعوب في الحياة والاختيار، فمنذ أن بُنيت الدولة الأمريكية على ركام ملايين الضحايا من السكان الأصليين، وهي تواصل تمددها في العالم تحت الشعارات ذاتها: تفوق القوة، وشرعية السيطرة، وحق “الهيمنة الأخلاقية” المفترضة.
لقد أثبتت التجارب الدموية الممتدة من آسيا إلى أمريكا اللاتينية، ومن "الشرق الأوسط" إلى أوروبا الشرقية، أن واشنطن أكبر مصدر لعدم الاستقرار في العالم، مستخدمة أدوات متشابكة من الحصار والانقلابات والاحتلالات المباشرة والحروب بالوكالة. وكل هذا يجري تحت مظلة خطاب يبرّر القوة ويمحو الضمير الإنساني، ويعيد إنتاج منطق “الحديقة الخلفية” على نطاق عالمي.
واليوم، بينما تتورط الولايات المتحدة في صراعاتٍ مفتوحة بلا مخرج، وتخوض مغامرات استراتيجية تستنزف قوتها وتزيد من عزلة نفوذها، تظهر ملامح انتقالها من مرحلة “الدولة المهيمنة” إلى مرحلة “الدولة التي تحفر قبر نفوذها بيدها”، فإصرارها على فرض إرادتها بالقوة، وتجاهلها التحولات الكبرى في موازين القوى، يجعلها تسير بخطى ثابتة نحو انتحار استراتيجي لا يقل خطورة عن الجرائم التي رافقت صعودها.
وهكذا يتأكد أن التاريخ الأمريكي، الذي بدأ بالإبادة والاقتلاع، يمضي اليوم نحو نهايات تُشبه بداياته: صراع داخلي، ارتباك خارجي، وتآكل مكانة دولية لم تعد واشنطن قادرة على إنقاذها بالقوة أو الخطاب، فالعالم يتغير، والشعوب تنتفض، ومشروع الهيمنة الذي طالما استند إلى الدم والدمار يتهاوى أمام جغرافيا سياسية جديدة، ترفض الخضوع وتعيد كتابة قواعد الصراع والقوة.