طلاب من أجل العدالة في فلسطين.. ماذا تعرف عن الحركة التي أشعلت الجامعات الأميركية ضد إسرائيل؟
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
أمام المكتبة التذكارية بجامعة كولومبيا، تراصت على الدرج (1) سبعة أكفان صغيرة ملفوفة وملطخة باللون الأحمر، بجانبها وُضعت أعلام فلسطينية وصور أشجار الزيتون وألواح من الخشب كُتبت عليها عبارات مثل "10,600 روح أُزهقت"، و"4,412 طفلا"، و"دعوا غزة تعيش"، في إشارة إلى ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حتى ذلك الحين.
هذا الاحتجاج البسيط الذي حضره مئات الطلاب عُدَّ "خطاب تهديد وترهيب"، وأوقفت جامعة كولومبيا على إثره فرع "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" وغيره من المجموعات الطلابية المتضامنة مع فلسطين حتى نهاية الفصل الدراسي، وهو الإجراء الذي لاقى معارضة شديدة بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. في المقابل، أشادت منظمة "StandWithUS" الإسرائيلية التي تصف نفسها بأنها منظمة تعليمية غير حزبية بقرار جامعة كولومبيا على صفحاتها الخاصة (2) بوسائل التواصل الاجتماعي، هذا بعدما راسلت المنظمة عدة جامعات أميركية لحثهم على محاسبة مثل هذه المجموعات الطلابية، التي بحسبهم "تبث روح الكراهية" في الحرم الجامعي.
لم يكن هذا هو التضييق الوحيد الذي تعرضت له حركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، فقد حُظر فرع الحركة الطلابية في "جامعة برانديز" الأميركية بدعوى أنهم "يؤيدون حماس علنا"، كما حُظر فرع الحركة في جامعة "جورج واشنطن" بعدما رفع ثلاثة من أعضائها شعار "المجد لشهدائنا" على أحد مباني الدراسة، وذلك خلال موجة قمع متزايدة طالت أعضاء الحركة بالجامعات الأميركية في كل أنحاء البلاد، وكان آخرها دعوة أحد المشرعين الجمهوريين (3) بسحب الزمالات والمنح الدراسية من طلبة الجامعات المؤيدين للمقاومة الفلسطينية علنا في فلوريدا.
مَن هم "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"؟
في الآونة الأخيرة، انتقلت أصداء الحرب من غزة إلى أروقة الجامعات الأميركية، ولعبت التنظيمات الطلابية دورا محوريا في التعبئة العامة وتنظيم المظاهرات والمسيرات الحاشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني، داعين إلى وقف إطلاق النار، ومنددين بدعم وتمويل الولايات المتحدة للعدوان الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة، نتيجة لذلك حُلَّت المجموعات الطلابية المؤيدة للقضية الفلسطينية وحُظرت نشاطاتها الطلابية، وكان من بين هذه المجموعات "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SJP)، التي تُعَدُّ الحركة الأبرز والأكثر نشاطا ضد إسرائيل والاحتلال الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية.
تأسست (4) الحركة الطلابية عام 1993، وأصبح لها على مدار العقود الفائتة أكثر من 200 فرع داخل مختلف الجامعات الأميركية، وتسعى الحركة لتثقيف الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على حدٍّ سواء بماهية الوضع الحالي في فلسطين والقضايا المتعلقة بالشعب الفلسطيني. تشير الحركة في صفحاتها الرسمية (5) إلى أن مهمتها هي الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وكذلك المطالبة بالعدالة والمساواة لكل المضطهدين في جميع أنحاء العالم. وينصب تركيز المجموعة على زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية وفهم النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والمساواة، لكنها في الوقت ذاته تقف ضد جميع أنواع التمييز والعنصرية، بما في ذلك كراهية النساء ومعاداة الإسلام ومعاداة السامية والطبقية والاستعمار والتعصب، كما تهدف الحركة إلى تعزيز الوعي السياسي بحركات التحرير الأخرى، مثل حركة تحرير السود وحركة تحرير السكان الأصليين (6).
منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، وما تبعها من عدوان إسرائيلي غير مسبوق على قطاع غزة، نظمت مختلف (7) الجماعات العربية والفلسطينية واليهودية العديد من المسيرات والتظاهرات، وساندت مجموعةُ "إس جيه بي" الطلابية المقاومةَ الفلسطينية علنا من خلال تنظيم فعاليات للتنديد بالاحتلال الإسرائيلي، وشملت الاحتجاجات حملات للمقاطعة ودعوات لسحب الاستثمارات من الشركات التي تتعامل مع إسرائيل، كما رفعوا شعارات تندد بجرائم الحرب المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، واتهموا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وتطهير عِرقي، الأمر الذي جعل اتهامات معاداة السامية ومناصرة "الإرهاب" تلاحق "إس جيه بي" داخل أروقة الجامعات الأميركية.
يشير العديد من الطلاب الذين تضامنوا بجرأة (8) مع الفلسطينيين إلى أنهم تعرضوا لحملات شيطنة وتشهير وترهيب وطرد واستهداف، وأن مناصرتهم للقضية الفلسطينية جرت مساواتها مع دعم الإرهاب من قِبل الحكومة ورؤساء الجامعات ورؤساء العمل والسياسيين من كل المستويات. ويحكي ستيفن حمد (اسم مستعار)، ممثل طلابي في حركة "إس جيه بي" بجامعة جورج واشنطن، في تصريح لمنصة "PRISM" الإعلامية المستقلة أن فرع الحركة تعرض للتدقيق المكثف في الأسابيع الأخيرة، سواء من قِبل إدارة الجامعة أو وسائل الإعلام المحلية.
بعد أنشطتها الأخيرة ضد القمع الإسرائيلي، تلقّت الحركة بيانا (9) حاد اللهجة من رئيسة جامعة جورج واشنطن شددت فيه على كراهية -ما وصفته- مظاهر الاحتفال بالإرهاب والترويج للخطابات والصور التي تمجد العنف. مثل هذه التعليقات هي تكتيكات -بحسب حمد- تستخدمها إدارات الجامعات للتخويف، وكأنهم يرون في الحركات الطلابية المناصرة لفلسطين تهديدا للكيان الصهيوني أو الكيانات التي تدعمه.
لهذا رفعوا قضية على ولاية فلوريدا
أثناء حفل تخرجهم في "جامعة كولومبيا" الأميركية قبل أيام، وقف نشطاء (10) مجموعة "إس جيه بي" أمام الحرم الجامعي يلقون عباءات التخرج والقبعات على الأرض احتجاجا على ما تعرضوا له في الآونة الأخيرة من تضييق وتهديدات منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وذلك لمساندتهم الصريحة والمعلنة للقضية الفلسطينية، ليتحول الأمر بعدها إلى صراع بين حرية التعبير و"معاداة السامية".
كانت حركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" قد شاركت بطريقة نشطة في تنظيم العديد من الاحتجاجات والمظاهرات المتضامنة مع فلسطين داخل الأروقة الجامعية الأميركية خلال الأسابيع الماضية، ففي "جامعة ستانفورد" نشر فرع الحركة بيانا (11) أعقب عملية "طوفان الأقصى" مباشرة، أشاروا فيه إلى أن أحداث يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول هي جزء من نضال مستمر منذ عقود ضد قمع الاحتلال الإسرائيلي الذي دام أكثر من 75 عاما، منددين بالتغطية الإعلامية المختزلة التي صوّرته وكأنه هجوم أتى من العدم بلا مقدمات، من دون إظهار الحصار الذي تفرضه إسرائيل جوا وبرا وبحرا على قطاع غزة، والطريقة التي يتحكم بها الاحتلال الإسرائيلي في المياه والكهرباء وحتى عدد السعرات الحرارية التي يمكن أن تدخل إلى القطاع يوميا، وهو ما حوَّل غزة إلى أكبر سجن مفتوح في التاريخ بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش". كما أقر بيان فرع الحركة (12) بجامعة كولومبيا حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال بموجب نصوص القانون الدولي.
مثل هذه البيانات التي رفضت إدانة المقاومة الفلسطينية وانتزاعها من سياقها هي التي جعلت "إس جيه بي" محاطة باتهامات معاداة السامية من كل جانب، ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى بدأت الجامعات الأميركية تباعا في حظر "إس جيه بي" وتعليق أنشطتها الطلابية بدعوى خطاب الكراهية وانتهاك سياسات الجامعات وتنظيم فعاليات داخل الحرم الجامعي دون تصريح.
تفاقم الأمر (13) عندما أمر رون ديسانتيس، حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري، جامعات الولاية بحل فروع حركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، زاعما دون أي دليل مثبت أن المجموعة الطلابية تقدم دعما ماديا للجماعات الإرهابية، وهو ما يُعد "جناية" بموجب قانون فلوريدا.
من المعروف عن ديسانتيس، وهو أحد المرشحين المرتقبين للرئاسة الأميركية، موقفه الداعم لإسرائيل، فلم يتوانَ حاكم فلوريدا عن إرسال الإمدادات إلى إسرائيل منذ بدء الحرب الوحشية على قطاع غزة، كما دعم عقد جلسة تشريعية خاصة لفرض عقوبات جديدة على إيران زاعما دعمها لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وذلك رغم عدم وجود أي أدلة تشير إلى تورط إيران في الأحداث الجارية (14).
في المقابل دافعت (15) أليكس موري، مديرة الدفاع عن حقوق الحرم الجامعي في منظمة "FIRE"، عن المجموعة الطلابية قائلة إنها لم تتجاوز الخطوط الحمراء لحرية التعبير. وقامت موري بمراسلة العديد من الجامعات الأميركية مطالبة إياها بعدم معاقبة الطلاب على مشاعرهم المتضامنة مع فلسطين. وأشارت إلى أنها غير متفاجئة من رد الفعل العنيف تجاه "إس جيه بي"، وذلك لأن خطابهم لا يحظى بالشعبية في مثل هذه الأوقات التي تتعرض فيها المؤسسات التعليمية لضغوط هائلة من أجل مكافحة ما يعتبرونه "معاداة للسامية"؛ إذ يهدد الجمهوريون الآن بوقف تمويل الجامعات التي لا تتخذ إجراءات جدية تجاه الطلاب المؤيدين لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس).
في النهاية، قررت مجموعة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" رفع دعوى قضائية (16) ضد الولاية والجامعة وإدارة ديسانتيس في محكمة فيدرالية، وذلك ردا على قرار ديسانتيس بحل فروع المجموعة داخل الولاية. وأشارت "إس جيه بي" أن مثل هذه الإجراءات التي اتُّخِذت ضدهم ترقى إلى مستوى فرض الدولة رقابة على حرية التعبير، كما أصدرت المجموعة بيانا أكدوا فيه حقهم بوصفهم طلابا داخل الحرم الجامعي الأميركي في المدافعة عن حقوق الإنسان وتعزيز الوعي العام والمطالبة بحل عادل ومعقول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك دون إسكات أصواتهم بالقوة من قِبل الحكومة.
المصادر: STUDENT PROTESTS FOR GAZA TARGETED BY PRO-ISRAEL GROUPS FOR ALLEGED CIVIL RIGHTS VIOLATIONS StandWithUs Florida Republicans target scholarships, grants for students supporting Hamas Students for Justice in Palestine STUDENTS FOR JUSTICE IN PALESTINE – KENT Students for Justice in Palestine – 2 أميركا.. من وراء المظاهرات المؤيدة لغزة والمنددة بإسرائيل؟ College students face backlash while voicing support for Palestine Thoughts on Recent Campus Events and the War in Israel and Gaza Columbia University Grads Throw Away Caps and Gowns in Protest of Banning of Pro-Palestine Groups From the Community | Stanford Students for Justice in Palestine Columbia Students for Justice in Palestine Statement of Solidarity Florida orders state universities to disband pro-Palestinian student group, saying it backs Hamas هل تنجح ضغوط الجامعات الأميركية على طلابها المؤيدين لفلسطين؟ Students for Justice in Palestine becomes flashpoint in college antisemitism, free speech debate Pro-Palestinian student group in Florida sues DeSantis
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة الجامعات الأمیرکیة جامعة کولومبیا معاداة السامیة الحرم الجامعی على قطاع غزة العدید من مع فلسطین مثل هذه إلى أن
إقرأ أيضاً:
أحمد الرحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل
عام مضى منذ أن انقلبت الحرب التي ظن الرئيس بشار الأسد قد حسمها لصالحه، بعد أن تمكنت قوة من مقاتلي المعارضة من التقدم من إدلب، المحافظة السورية الواقعة على الحدود مع تركيا، ودخول دمشق بقيادة أحمد الشرع يوم الـ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي بات اليوم رئيسًا انتقاليًا، فيما يعيش الأسد في منفى في روسيا.
لا تزال سوريا غارقة في الدمار، ففي كل مدينة وبلدة، يعيش الناس داخل أبنية هشة، محروقة ومجوفة من الداخل بفعل سنوات من حرب طاحنة، ورغم تراكم أزمات "سوريا الجديدة"، فإن هذا البلد يبدو اليوم أقل اختناقًا بعد زوال الثقل القاسي الذي فرضه النظام المخلوع لسنوات طويلة.
تمكن أحمد الشرع من شق طريقه باتجاه الخارج والذي على ما يبدوا كان أسهل بكثير من الداخل، فقد نجح في إقناع السعودية والدول الغربية بأنه يمثل "أفضل فرصة لقيام مستقبل مستقر في سوريا"، كما وحضي بدعم أمريكي وأوروبي كبير تمخض عنه رفع العقوبات عن بلاده، أما في الداخل، فالصورة قد تكون مختلفة، حيث يدرك السوريون نقاط الضعف ومشكلات بلادهم أكثر من أي جهة أجنبية.
ورغم تأكيد الشرع أن بلاده منهكة من الحرب، وإنها لا تمثل تهديدًا لجيرانها ولا للغرب، مؤكدًا أنهم سيحكمون "لصالح جميع السوريين"، غير أن إسرائيل رفضت تلك الرسالة تمامًا ولم تقتنع كليا بالنوايا، فيما يواصل الرئيس ترامب الدفع باتجاه إنجاح اتفاق بين سوريا وإسرائيل الذي بات يواجه الكثير من العراقيل بسبب شروط يفرضها نتنياهو.
لاستقراء ما يمكن أن تحمله الأيام من أحداث بشأن سوريا، وحجم المنجزات والإخفاقات التي واكبت حكومة أحمد الشرع خلال عام مضى، أجرى موقع "عربي21" لقاءًا خاصا مع الخبير العسكري والمحلل السياسي العميد أحمد الرحال، وفيما يلي نص المقابلة:
أين ترى سوريا اليوم بعد عام من التحرير؟ هل تسير ضمن خطوات مدروسة باتجاه تحقيق العدالة والمساواة التي يرمي إليها الشعب، أم أن الإخفاقات كثيرة؟
نحن أمام إنجاز كبير، وهو إسقاط نظام الأسد، ومع ذلك لدى الشعب السوري مطالب أكبر بكثير مما تحقق، ولكن السلطة لا تملك عصا سحرية لتغيير الواقع، ومع وجود إخفاقات كبيرة، فإن هناك ثلاثة ملفات ضاغطة إن لم تُنفّذ فنحن في مشكلة، وهي ترسيخ الأمن، وإعادة بناء المجتمع، فضلاً عن الحاجة لمؤتمر حوار وطني وإعلان دستوري جديد وتأسيس حكومة تشاركية تعددية.
هل استطاع الرئيس أحمد الشرع محو سمة الإرهاب عنه، وتمكّن من إقناع الرأي العام بأنه تحول من مجاهد إلى رجل دولة؟
زيارة أحمد الشرع للبيت الأبيض دليل على وجود قناعة عربية ودولية بأن الرئيس السوري أزال عنه سمة تهمة الإرهاب، لكن المشكلة ليست في الرئيس الشرع، بل في بعض قيادات الصف الأول في هيئة تحرير الشام، وما حدث في الساحل السوري والسويداء من انتهاكات، وإن كانت فردية، دليل على ضرورة تغيير سلوك هؤلاء.
ما تفسيرك لطبيعة الحراك المعارض لحكومة أحمد الشرع في بعض المحافظات كالسويداء واللاذقية؟ مجلة الإيكونوميست ترجح اندلاع انتفاضة قريبًا ضد قادة سوريا الجدد. هل يمكن وصفها فعلًا بالانتفاضة؟
بقدر النجاحات الكبيرة التي حققتها السياسة السورية في الخارج، لكنها أخفقت في كثير من ملفات الداخل. لذا، من الضروري وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وخاصة في المفاصل الأمنية والعسكرية، لتجنب ما حدث في بعض المحافظات، والتي على إثرها خرجت تظاهرات معارضة للحكومة في دمشق. وفي المحصلة، تتحمل الحكومة المسؤولية لمعالجة الانقسامات وتجنب الخطر، رغم عدم وجود مخاوف من تطور الوضع للتصادم مع السلطات على غرار ما حصل في عام 2011، لكن بالتأكيد نحن بحاجة إلى مشروع وطني يجمع لا يفرق.
هل من المنصف اتهام سوريا الجديدة بأنها تخلت عن القضية الفلسطينية ولم تعد ضمن سلم أولوياتها، وباتت دمشق خارج معادلة الحكومات العربية المعادية لإسرائيل؟
قرارات الحكومة في دمشق واضحة، وهي أنها قسمت موضوع التفاوض مع إسرائيل إلى شقين، الأول هو اتفاق أمني يعيد الأمور إلى ما كانت عليه ما قبل 18-12-2024، بمعنى العودة إلى الاتفاق الموقع عام 1974، وهذا أمر لا يعني بالضرورة السلام مع إسرائيل، ولطالما أكد الرئيس الشرعي ووزير الخارجية الشيباني أن سوريا ملتزمة بالموقف العربي، ومفاده لن نمنح إسرائيل سلامًا على بياض، ولا يعني أيضًا التخلي عن القضية الفلسطينية، فالنتيجة هو مجرد اتفاق وليس تطبيع.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
البعض يتهم حكومة الرئيس أحمد الشرع بالخضوع لإسرائيل، مستدلين بذلك بسلسلة الهجمات التي شنها الاحتلال على سوريا والتي لم تكن تُذكر خلال حكم الأسد، ما رأيك؟
نتيجة للتفاهمات التي كانت موجودة ما بين نظام الأسد وإسرائيل، تُرجمت إلى عدم شن الاحتلال هجمات على سوريا، وليس معنى هذا أن إسرائيل كانت تتخوف من الجيش السوري، فبعد عام 1973، لم يشكل الجيش للاحتلال رقمًا صعبًا، ونذكر هنا ما قاله رامي مخلوف عام 2011، أن أمن دمشق من أمن إسرائيل، كما أن تل أبيب هي من عارضت إسقاط نظام الأسد حتى تيقنت عام 2024، أن إيران لا تخرج من سوريا طالما نظام الأسد موجود، وبالتالي رفعت الغطاء عنه.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
قبل أيام حذر مسؤولون إسرائيليون من خطورة دعم الرئيس ترامب لأحمد الشرع على أمن دولة الاحتلال، هل فعلاً سوريا بوضعها السياسي والاقتصادي الهش حاليًا تشكل تهديدًا لإسرائيل؟
كلام الرئيس، والشارع، وكل القيادة السورية كان واضحًا، وهو أننا اليوم لا نبحث عن عداء مع أحد، ولا نريد أن نبحث عن حرب مع أحد، بل نريد بناء مؤسسات الدولة، وتأمين معيشة المواطن السوري. وبالتالي، الكلام عن كون دمشق تمثل تهديدًا لإسرائيل بعيد عن المنطق، والحقيقة أن نتنياهو يبحث عن الذرائع للتحرش بسوريا منذ وصول الشرخ للسلطة، ومفاد رسالة تل أبيب أنها لن تنتظر سبع سنوات للوقوع في كمين طوفان الجولان كما حدث مع طوفان الأقصى.
كانت غزة حاضرة في هتافات الجيش السوري خلال مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير، هل تم بتوجيه مركزي أم باجتهاد فردي، أم إنها ورقة ضغط للدفع باتجاه تسريع الاتفاق مع إسرائيل؟
الخطاب السوري تجاه القضية الفلسطينية وغزة والضفة الغربية واضح، وهو في وجدان كل مواطن سوري، وهذا ما لمسناه خلال ترويض الهتافات في الاستعراض العسكري الذي حدث في دمشق بذكرى التحرير، وما يبدر من تصريحات بشأن دعم فلسطين هي مواقف معنوية فردية، ليس معناها أن ترسل سوريا جيشًا للقتال ضد إسرائيل.
لا ننكر وجود مؤيدين وحلفاء حتى اللحظة للرئيس المخلوع الأسد، سواء في الداخل أو الخارج، ولكن هل تعتقد أن ما تضمنته الفيديوهات المسربة وهو برفقة لونا الشبل قد أطاح بصورته؟
عام 2021، خسر بشار الأسد ما كان يملكه من دعم وتأييد لدى الطائفة العلوية، حيث تيقنوا أنه لا خير يرتجى منه، خاصة وأن البروباغاندا الإعلامية والاستخباراتية التي عمل عليها النظام تفككت خلال أعوام الحرب الأخيرة، كما أن إعلانه عن عدم قدرته على تأمين الرواتب وتقديم الخدمات، كلها أسباب فاقمت من السخط الشعبي ضد الأسد، لذا فإن ظهوره خلال المقاطع المصورة وهو يستهزئ بالجيش وقادته، بما فيها الميليشيات الوافدة التي كانت تدعمه، أكدت لمن لم يتأكد بعد مدى الاستخفاف الذي كان يتعامل به بشار الأسد مع مؤسسات وقطاعات الدولة، كما كشفت تلك المقاطع أن سوريا كانت تفتقد أساسًا لوجود رئيس يمتلك مواصفات الهيبة التي تؤهله لقيادة بلد غارق بالأزمات.
تعرض لأول مرة .. تسريبات تكشف أحاديث بين الأسد ولونا الشبل#سوريا#قناة_التغيير_الفضائية pic.twitter.com/6ea7dGdvs5 — قناة التغيير الفضائية (@AlTaghierTV) December 6, 2025
تباطؤ مسار العدالة مع الذكرى السنوية للتحرير
لا يمتد نفوذ الشرع إلى شمال شرقي سوريا، حيث يفرض الأكراد سيطرتهم على نحو 25 بالمئة من مساحة البلاد، ولا إلى أجزاء من الجنوب، حيث يسعى الدروز، إلى إقامة دولة مستقلة بدعم من حلفائهم الإسرائيليين، وعلى الساحل، يخشى العلويون تكرار "المجازر" التي تعرضوا لها في آذار/مارس الماضي رغم تعهد دمشق بالتحقيق ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والتي اتضح تورط العديد من الفصائل المنضوية ضمن الحكومة.
مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعرب عن قلقه الشديد بشأن بطء وتيرة العدالة، وقال متحدث باسم المكتب إن السلطات الانتقالية اتخذت خطوات مشجعة لمعالجة الانتهاكات السابقة، لكنها ليست سوى بداية لما ينبغي القيام به، وأشار المكتب إلى أن بعض السوريين تحركوا بأنفسهم، أحياناً بالتعاون مع قوات الحكومة، مؤكدًا أن المئات قُتلوا خلال العام الماضي على يد قوات الأمن والجماعات الموالية لها، وعناصر مرتبطة بالحكومة السابقة، ومجموعات مسلحة محلية، وأفراد مسلحين مجهولين.
وأضاف أن الانتهاكات الأخرى شملت العنف الجنسي، والاعتقالات التعسفية، وتدمير المنازل، والإخلاءات القسرية، والقيود على حرية التعبير وحرية التجمع السلمي. وأوضح أن المجتمعات العلوية والدروز والمسيحيين والبدو كانت الأكثر تضررًا من موجات العنف، التي غذّتها خطابات كراهية متصاعدة على الإنترنت وخارجه، وهو ما شددت عليه منظمات حقوق عالمية، مثل العفو الدولي وهيومن رايتس ووتش، اللذين دعوا السلطات السورية إلى العمل من أجل خلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية.
بعد عام على سقوط الأسد، ينبغي للسلطات السورية، بدعم من المجتمع الدولي، العمل لخلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية. pic.twitter.com/K3e5HdOIgw — هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) December 9, 2025
"إسرائيل" واستغلال ضعف سوريا
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الشرع وحكومته يمتلكون ما يكفي من القوة للصمود في وجه أزمة أخرى بالخطورة نفسها، فإسرائيل ما تزال تمثل تهديدًا حاضرًا بالنسبة للسوريين، وفق تقرير لشبكة "بي بي سي"، فبعد سقوط الأسد، شن الاحتلال سلسلة واسعة من الغارات الجوية بهدف تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية للنظام السابق، كما وتقدم جيشه خارج مرتفعات الجولان المحتلة للسيطرة على أراض سورية إضافية ما زال يحتفظ بها حتى اليوم، واستغلت إسرائيل الفوضى في سوريا لإضعاف بلد تعتبره عدوًا، عبر تدمير أسلحة قالت إن من الممكن أن توجه ضدها.
أما محاولات الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل فقد تعثرت خلال الشهرين الماضيين تقريبًا. تريد دمشق العودة إلى اتفاق أنجز برعاية هنري كيسنجر عام 1974، حين كان وزيراً للخارجية الأمريكية، بينما يصر نتنياهو على بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي التي استولى عليها، ويطالب بأن تنزع سوريا السلاح في منطقة واسعة جنوب دمشق، وخلال الشهر الماضي، كثفت إسرائيل توغلاتها البرية داخل سوريا. وتقدر نشرة "سوريا ويكلي"، التي توثق بيانات العنف، أن عدد هذه التوغلات كان أكثر من ضعف المتوسط الشهري طوال هذا العام.
وزير "إسرائيلي".. "الحرب مع سوريا حتمية"
صرح وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، أن الحرب مع سوريا "حتمية"، في ظل تصاعد التوترات الميدانية واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وجاء موقفه تعليقا على تسجيلات تظهر جنودا من الجيش السوري وهم يهتفون لغزة خلال مسيرة عسكرية أقيمت الاثنين احتفالا بالذكرى الأولى لـ"عيد التحرير"، ما أثار قلقا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
من هتافات الجيش السوري في مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير الأولى:
غزة، غزة، غزة شعار، نصر وثبات، ليل ونهار
طالعلك يا عدوي طالع، طالعلك من جبل النار
اعملك من دمي ذخيرة، واعمل من دمك أنهار
pic.twitter.com/9GXwRMlxgO — سعيدالحاج said elhaj (@saidelhaj) December 8, 2025
وكتب شيكلي المنتمي لحزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو تدوينة مقتضبة على حسابه في منصة "إكس"، أرفقها بخبر حول هتافات الجنود السوريين، واكتفى فيها بعبارة: "الحرب حتمية"، ورغم أن الحكومة السورية الحالية لم تظهر أي تهديد عسكري مباشر للاحتلال فإن الأخير يواصل تنفيذ توغلات داخل الأراضي السورية وغارات جوية أودت بحياة مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية تابعة للجيش السوري.
عام على سقوط الأسد.. ماذا تغير في سوريا؟
ومع مرور عام على تحرير سوريا وسقوط نظام الأسد، يعود السوريون بذاكرتهم إلى تلك اللحظات المفصلية في تاريخ بلادهم، لتبقى شاهدة على بداية مرحلة جديدة في تاريخ دمشق، ورغم كم الأزمات إلا أن هناك الكثير من المنجزات، منها تبييض السجون، حيث أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه تم تحرير 24 ألفًا و200 معتقل كرقم تقديري، في حين لا يزال مصير 112 ألف معتقل ومختف قسريًّا مجهولًا حتى اللحظة.
كما تم رفع معظم التدابير التقييدية المرتبطة بنظام الأسد ورموزه خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد والتجارة الدولية، وفق المجلس الأوروبي والخزانة الأمريكية، فضلا عن عودة سوريا إلى الخريطة الدبلوماسية وسط حراك متسارع على مستوى رفيع، لإعادة دمجها في المنظومة الإقليمية، وفق كارنيفي للسلام الدولي، وعلى الصعيد الاقتصادي، قال تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن هناك استقرارَا جزئيَا في سعر الصرف بعد تحسنه، وسط تقارير عن توفير أكبر للسلع نتيجة إعادة فتح خطوط التوريد.