لجريدة عمان:
2025-06-26@19:42:33 GMT

صراحة الحديث بين بايدن وشي

تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT

في عام 1979، حينما أصبح دينج شياوبنج أول زعيم لجمهورية الصين الشعبية يزور الولايات المتحدة، كانت الزيارة محاطة بأجواء التودد. ففي مسابقة لرعاة البقر في تكساس، ارتدى الثوري السابق، الذي لم تكن قامته تتجاوز خمسة أقدام، قبعة زنتها خمسة جالونات، أثارت إعجاب الجمهور وأعطت الأميركيين الانطباع بأن دينج، على حد تعبير كاتب سيرته الذاتية عزرا فوجل، كان «أقل شبها بأولئك الشيوعيين وأكثر شبها بنا».

ونشأ نمط: في العقود التي تلت ذلك، غالبا ما كان الجانبان يدفنان الخلافات -على الأيديولوجية، والملكية الفكرية، وحقوق الإنسان- تحت لفتات المودة، من أجل الفوائد طويلة المدى.

ولكن الأسبوع الماضي لم يشهد مسابقات لرعاة البقر أو ارتداء لقبعات، عندما التقى الزعيم الصيني الحالي شي جين بينج بالرئيس جو بايدن، بعد عام مرهق من الانتقادات المتبادلة وانعدام الثقة منذ آخر لقاء بينهما. خلال تلك الفترة، اتهم شي الولايات المتحدة بالسعي إلى «احتواء وتطويق وقمع» بلده، ووصف بايدن شي بـ«الديكتاتور». وبرغم تشابك الاقتصادين الأضخم في العالم تشابكا عميقا، تزايدت الخلافات بين الحكومتين بشأن مطالبات الصين بتايوان وجهود أمريكا لتقييد القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا الحساسة، وتعارض المواقف بشأن الحروب في أوروبا والشرق الأوسط. وغرقت العلاقات في صمت بارد بعد أن طار بالون مراقبة صيني إلى الأراضي الأمريكية في الشتاء الماضي وأسقطته القوات الجوية.

وفي ظل هذه المخاطر العالية، وجَّه بايدن الدعوة لشي إلى قمة مختصرة في الخامس عشر من نوفمبر، بالتزامن مع اجتماع الدول المطلة على المحيط الهادئ في سان فرانسيسكو، لتكون هذه أول زيارة يقوم بها شي إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من ست سنوات. وبرغم منعة شي السياسية على المستوى الداخلي -وقد تخلص من قيد فترات الولاية ومن أي منافسين سياسيين ظاهرين- فقد كانت لديه الأسباب لإبداء المرونة. فبعد عقود من النمو المرتفع، أصبح الاقتصاد الصيني في حالة ركود، إذ قامت الشركات الأجنبية، الفزعة من جراء العداء لإصلاحات السوق واعتقال رجال الأعمال الصينيين البارزين، بخفض الاستثمار المباشر إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، فضلا عن نزوح رجال الأعمال الصينيين ونخبة الخريجين الشباب. ومن أجل القمة، لجأ الزعيمان والوفدان المرافق لهما إلى جنوب المدينة، حيث عقار فيلولي، وهو قصر على طراز عصر النهضة الجورجي كان بمثابة خلفية لمسلسل «الأسرة الحاكمة» الرأسمالي الذي أذيع في الثمانينيات. (ومن المفيد أن مسلسل «الأسرة الحاكمة» حقق نجاحا كبيرا في الصين).

بدأ بايدن وشي، وقد جلسا قبالة أحدهما الآخر، بتعليقات مهذبة، وإن تكن كاشفة. فقال بايدن إنه «من المهم للغاية أن يفهم أحدنا الآخر بوضوح، من زعيم إلى زعيم، دون أي مفاهيم خاطئة أو سوء فهم». ويعكس الحديث عن «المفاهيم الخاطئة» قلق واشنطن من إحاطة شي نفسه بالعديد من الموالين لدرجة أنه «لا يمكن أن يتأكد أحد من كيفية تصفية المعلومات الواردة من العالم الخارجي قبل أن يراها» حسبما قال فيكتور شيه، خبير الاقتصاد السياسي في جامعة هارفارد بسان دييجو. ومن الأمثلة البارزة على ذلك أن بايدن أراد دحض الشكوك الصينية بأن الأمريكيين يشجعون تايوان على إعلان الاستقلال، ولكنه أراد أيضا توضيح تصميمه على الدفاع عنها ضد أي هجوم. وعندما قال: إن الزعماء يجب أن يضمنوا عدم «انحراف المنافسة إلى صراع»، اعترف شي بأن من شأن الصراع أن تكون له «عواقب لا تحتمل»، لكنه أضاف قوله: «إنني لم أزل أعتقد أن المنافسة بين الدول الكبرى ليست بالاتجاه السائد في الوقت الراهن». ولجأ إلى ديناميكية مختلفة فقال: «إن كوكب الأرض كبير بما يسمح بنجاح البلدين».

وبرغم رقة الصورة، فقد سلطت الضوء على رغبة شي في أن تتنحى الولايات المتحدة من الطريق، بتقليص دورها في الصراعات الدائرة حول تايوان، وأوكرانيا، وبحر الصين الجنوبي، والشرق الأوسط. وقال جود بلانشيت -متخصص في الشؤون الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية-: إن الولايات المتحدة لا تعتزم ذلك، ومن ثم فقد كشفت التصريحات عن «الهوة بين الزعيمين». وأضاف بلانشيت قوله: «إن لقاءات قادة الولايات المتحدة الشخصية بشي سوف تقل أكثر فأكثر، وسيظل شي يشعر بالإحباط من الاتجاه الذي تمضي فيه السياسة الأمريكية».

بعد غداء عمل، والمشي سريعا أمام الكاميرات، غادر شي لحضور مأدبة في فندق حياة ريجنسي. واستقبله المتظاهرون هاتفين: «التبت حرة!»، ولكن القاعة في الداخل امتلأت بالرؤساء التنفيذيين والمستثمرين، الذين كانوا لا يزالون حريصين على تحقيق الربح في الصين، فدفعوا ما يصل إلى أربعين ألف دولار مقابل فرصة الجلوس إلى طاولته. كرر شي انزعاجه من المنافسة -«السؤال الأول بالنسبة لنا هو: هل نحن خصمان أم شريكان؟»- واقترح وصول مزيد من دببة الباندا الجديدة قريبا إلى حديقة حيوان سان دييجو. وقد صفق له الحاضرون وقوفا. وأعلن بايدن، الذي ظهر منفردا في مؤتمر صحفي نادر، عن اتفاقات لاستئناف الاتصالات العسكرية المنتظمة ومكافحة انتشار الفنتانيل fentanyl ، وتطوع بقوله إنه لم يتم التوصل إلى صفقات بشأن قضايا أخرى، بما في ذلك إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في الصين. ولكن، جنبا إلى جنب مع اتفاق المناخ الذي تم التوصل إليه مسبقا لخفض انبعاثات الوقود الأحفوري من خلال مضاعفة استخدام الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أمثاله، أثبتت النتائج أنه من الممكن إيجاد أرضية مشتركة. قال بايدن: «لقد اتفقنا أنا وهو على أن يتصل أي منا هاتفيا بالآخر مباشرة، فيجد على الفور أذنا مصغية». وأضاف أن هناك قيمة في «مجرد التحدث مجرد الصراحة مع أحدنا الآخر اجتنابا لسوء الفهم». (وبروح الصراحة، عندما سأل مراسلٌ بايدن عما إذا كان قد غير رأيه بشأن كون شي ديكتاتورا، أجاب بالنفي).

لا ينبغي أن يتوقع أحد أن تعود الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين إلى البهجة الظاهرة، والمضللة، التي سادت قبل جيل مضى. ففي بادرة على استمرار المشاكل في المستقبل، ذكرت وسائل إعلام رسمية صينية أن شي أبلغ بايدن بأنه سيتخذ «إجراءات ملموسة»، وليس مجرد كلام، لنزع فتيل المخاوف من أن أمريكا تدعم استقلال تايوان. وهدف بايدن، في الوقت الراهن، واقعي إلى حد ما: وهو تجنب الصمت الخطير الذي يسمح بنمو الشكوك والاستياء.

لم يبتهج الجميع بتحدث الرجلين مرة أخرى. فقبل اللقاء، أصدر الأعضاء الجمهوريون في «لجنة مجلس النواب المختارة لشؤون الحزب الشيوعي الصيني» رسالة شجبوا فيها اللقاء ووصفوه بـ«العلاقة غير المجدية الشبيهة بالزومبي» مع الصين. لكن بايدن دائما يفضل المحادثات، مهما كانت غير كاملة، في تقليد يرجع إلى الحرب الباردة. في عام 1950، صاغ ونستون تشرشل، بين فترات عمله كرئيس للوزراء، كلمة «القمة summit» لوصف أمله في عقد اجتماع رفيع المستوى مع السوفييت. ولم يحصل تشرشل قط على قمته -فلم تصبح القمم سمة متكررة للعلاقات بين السوفييت والغرب إلا في وقت لاحق- ولكن في خطاب ألقاه أمام البرلمان في عام 1953، طرح رؤيته للقاء، في مكان منعزل، «يسود فيه شعور عام بين المجتمعين بأنهم قد يفعلون شيئا أفضل من تمزيق الجنس البشري، وأنفسهم، إلى فتات».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

بين التأييد والرفض.. الذكاء الاصطناعي يدخل قطاع التعليم في الولايات المتحدة

في محاولة لجعل الطلاب يحبون مادة الهندسة، لجأت المعلمة آنا سيبولفيدا إلى وسيلة غير تقليدية، "الذكاء الاصطناعي"، وطلبت من روبوت المحادثة "تشات جي بي تي" مساعدتها في ربط المفاهيم الرياضية بلعبة يعشقها طلابها، وهي كرة القدم. اعلان

لم تمضِ ثوانٍ حتى قدّم التطبيق خطة درس متكاملة من خمس صفحات تحت عنوان: "الهندسة في كل مكان في كرة القدم – في الملعب، في الكرة، وحتى في تصميم الملاعب". تضمنت الخطة شرحاً لموقع الأشكال والزوايا داخل ملعب كرة القدم، وأسئلة تحفيزية، ومشروعاً عملياً لتصميم ملعب باستخدام أدوات القياس.

 تقول سيبولفيدا، وهي معلمة في مدرسة ثنائية اللغة في دالاس: "استخدام الذكاء الاصطناعي غيّر قواعد اللعبة بالنسبة لي. يساعدني في إعداد الدروس، والتواصل مع أولياء الأمور، وزيادة تفاعل الطلاب."

 هذه التجربة ليست حالة فردية، بل تمثّل تحولاً واسعاً في كيفية استخدام المعلمين الأميركيين للتكنولوجيا. فقد أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة "غالوب" بالتعاون مع "مؤسسة عائلة والتون" أن 60% من معلمي المدارس العامة الأميركية استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي خلال العام الدراسي الماضي، لا سيما بين معلمي المرحلة الثانوية والمعلمين في بدايات مسيرتهم.

Related"فيسبوك" "يوتيوب" و"تويتر" يخوضون معركة ضد شركة ذكاء اصطناعي تعمل مع الشرطة اليابان تدعو الاتحاد الأوروبي للتعاون في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي"تشات جي بي تي" في مأزق: دعوى ضد OpenAI بعد أن اتّهم روبوت الدردشة رجلاً بقتل أطفاله

وبحسب الاستطلاع، الذي شمل أكثر من 2000 معلم في أبريل الماضي، فإن أولئك الذين يستخدمون هذه الأدوات أسبوعيًا يقدّرون أنها توفّر لهم نحو ست ساعات عمل في الأسبوع. وتقول الباحثة في مؤسسة "غالوب"، أندريا مالك آش، إن هذه النتيجة تسلط الضوء على قدرة الذكاء الاصطناعي على تخفيف ضغوط العمل والمساهمة في تقليل ظاهرة "احتراق المعلمين".

بين التسهيل والتحدي: متى يُصبح الذكاء الاصطناعي عبئًا؟

 رغم الإقبال المتزايد، تتعامل الولايات الأميركية بحذر مع إدخال الذكاء الاصطناعي إلى قاعات الدراسة. فقد أصدرت نحو 24 ولاية توجيهات تنظيمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس، إلا أن تطبيقها يظل متفاوتًا بين المناطق والمدارس.

 وتقول مايا إسرائيل، أستاذة تكنولوجيا التعليم بجامعة فلوريدا: "علينا أن نتأكد من أن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل تقدير المعلم. لا بأس باستخدامه في تصحيح الأسئلة الموضوعية، لكن التقييم الحقيقي يتطلب فهماً إنسانياً لا تستطيع الأداة توفيره دائماً."

 تحذيرات المعلمة تنبع من مخاوف حقيقية يتشاركها الكثير من المعلمين، أبرزها أن الإفراط في استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي قد يضعف مهارات التفكير النقدي لديهم، ويقلل من قدرتهم على الصبر في مواجهة التحديات المعرفية.

من أداة تعليمية إلى وسيلة لتعزيز المهارات

 مع ذلك، لا يغيب الجانب الإيجابي عن تجربة المعلمين مع الذكاء الاصطناعي. تقول ماري مكارثي، معلمة الدراسات الاجتماعية في إحدى مدارس منطقة هيوستن، إن التكنولوجيا لم تغيّر فقط طريقة تدريسها، بل منحتها توازناً أفضل بين العمل والحياة. وتضيف: "بفضل التدريب الذي حصلت عليه من مديريتي التعليمية، تمكنت من تعليم طلابي كيفية استخدام الأدوات الذكية بذكاء ومسؤولية."

 وترى مكارثي أن دور المعلم لم يعد مجرد ناقل للمعرفة، بل مرشد يعلّم طلابه كيف يبحرون في بيئة رقمية معقدة: "إذا لم نعلّم الطلاب كيف يستخدمون الأدوات الجديدة، فلا نلومهم إن أفسدتها عليهم."

 في مدرسة متوسطة بضواحي شيكاغو، توازن معلمة الفنون ليندسي جونسون بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي. ففي مشروعها النهائي، طلبت من طلابها رسم بورتريه لشخص مؤثر في حياتهم، ثم استخدمت أدوات توليد الصور داخل منصة "كانفا" لمساعدة الراغبين في تصميم الخلفيات.

 توضح جونسون: "هدفي كمعلمة هو تعريف الطلاب بالأدوات المتاحة وتعليمهم كيف تعمل. بعضهم رحّب بالمساعدة، بينما اختار آخرون الاعتماد على رؤيتهم الشخصية."

 أما دارين باركيت، معلم اللغة الإنجليزية في كولورادو، فيرى في الذكاء الاصطناعي حليفاً له، إذ يستخدمه في إعداد الدروس وتصحيح الاختبارات، وفي المقابل أصبح أكثر قدرة على تمييز النصوص التي تعتمد عليه. "غياب الأخطاء الإملائية، والتركيب المعقد للجمل من أبرز العلامات"، كما يقول.

المستقبل بيد من يعلّمه

رغم الجدل الدائر، تتقاطع شهادات المعلمين عند نقطة واحدة: الذكاء الاصطناعي لن يُلغي دورهم، لكنه سيُعيد تشكيله. وبينما يسعى بعض المعلمين لاحتواء هذه التكنولوجيا وتطويعها، يخشى آخرون من أن تتحول إلى اختصار يُضعف العملية التعليمية بدل أن يعززها.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: الولايات المتحدة الأمريكية لن تنخرط في حروب بلا نهاية
  • هل تنجرف الولايات المتحدة نحو حرب ضد الصين بسبب تايوان؟
  • بين التأييد والرفض.. الذكاء الاصطناعي يدخل قطاع التعليم في الولايات المتحدة
  • عاجل | الملك يغادر أرض الوطن في زيارة خاصة إلى الولايات المتحدة
  • النشطاء: على أوروبا أن تضمن أمنها بنفسها بعيدا عن الولايات المتحدة
  • د. منال إمام تكتب: ترامب علامة فارقة في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث
  • مشاهد توثق آثار الدمار الذي سببته الفيضانات في الصين.. فيديو
  • هل تقود الولايات المتحدة إلى صفقة شاملة في غزة؟
  • "النحل الإفريقي القاتل" يثير الذعر في الولايات المتحدة
  • عراقجي يحذر الولايات المتحدة: "جاهزون للرد مجددا"