سودانايل:
2025-06-27@01:50:55 GMT

جنوب السُّودان.. ماضيه وصيرورته (7 من 21)

تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT

shurkiano@yahoo.co.uk

قد يصح القول بأنَّ الاستعمار البريطاني استعانت بالجمعيَّة الملكيَّة الجغرافيَّة، ومنظمات التبشير الكنسي في برامج استفاد منها النفوذ البريطاني الذي كان يسعى سعياً حثيثاً إلى بسط الهيمنة على العالم، واستغلال موارد البلدان. غير أنَّ هناك ثمة حقيقة هامة ينبغي ألا يستغفلها أحد ويتجاهلها ألا وهي محاربة تجارة الرِّق في السُّودان، وبخاصة في جنوبه.

في سبيل هذا الهدف النبيل عهد الخديوي إسماعيل باشا لضابط بريطاني يُدعى صمويل بيكر مهمة التوغل إلى الجنوب السُّوداني لمكافحة الرِّق، وأعقبه الجنرال تشارلز غوردون كحاكم لمديريَّة خط الاستواء لإتمام مهمة سلفه بيكر.
كان في استقبال صمويل بيكر في إحدى زرائب العبيد في الجنوب مدير الزريبة المدعو بخيت أغا، الذي كان يمثل دور المضيف، وكان يتميَّز برباطة جأش وهدوء تعلمهما من أقرانه الأتراك والعرب. بخيت أغا نوبويَّاً كان من جبال النُّوبة في جنوب كردفان، ثمَّ إنَّه كان قد انخرط في خدمة جون بيثريك، الذي صار فيما بعد القنصل الإنجليزي في الخرطوم، ثمَّ تدرَّج إلى رتبة عسكريَّة في فوج الجنود الزنوج. في هذا الفوج انضمَّ إلى الحملة الفرنسيَّة ضد مقاتلي خواريز في المكسيك العام (1863-1867م)، وبعد عودته رافق صمويل بيكر في رحلته إلى منابع النيل الأبيض. بعد إزاحته من الخدمة العسكريَّة بواسطة صمويل بيكر، تمَّ تعيينه في مصلحة الخدمة المدنيَّة محافظاً لمديريَّة مكراكا بواسطة غوردون باشا. علاوة على بخيت أغا، كان هناك مسؤولان من النُّوبة هما فضل الله وريحان أغا، ولأنَّهما كانا من إقليم واحد كانا ينادي بعضهما بعضاً إخوان. أما نائب بخيت أغا التركي المدعو عطروش أغا فكان كثير الشكوى ضد رئيسه النوبوي. برغم من وضع عطروش الوضيع، وهو الذي كان يعمل سقاءً من قبل في الخرطوم، إلا أنَّه كان مشبعاً بنمط من الحقد والنكاية شديد ضد ما اعتبره نوبويَّاً ذا لون أسود.
لا جدال في أنَّ بخيت أغا لم يكن هو اسم ذاك النُّوبوي قبل الاسترقاق، فللنُّوبة أسماؤهم التي بها يتسمون، إلا أنَّه في ذلك الرَّدح من الزمان كان النَّخاسون يبدِّلون أسماء عبدانهم بأخرى توحي بأنَّهم أمسوا أصحاب حظوة ونجدة في النعت القدحي، وذلك بوقوعهم في الأسر. أي حظوة ونجدة تلك التي تكبِّل صاحبها مقرَّناً في الأصفاد! فلعلَّك واجدٌ أسماء مثل بخيت إيَّاه، والله جابو، وفضل السيد وغيرها كلها كانت أسماء يطلقونها على العبدان في ذلك الحين من الزمان. إذ أشار الدكتور منصور خالد إلى هذه التصنيفات الطبقيَّة الاجتماعيَّة في سفره "الفجر الكاذب.. نميري وتحريف الشريعة"، الصادر في دار الهلال العام 1986م، والأستاذة نوريس محمد سيف الدين في بحثها القيم "أحباش مصر بين الرِّق والعتق في القرن التاسع عشر"، الصادر في مكتبة الأنجلو-المصريةَّ العام 2009م، وفي الدراسة التي نشرها الأستاذ عثمان نواي الموسومة "السُّودان.. من العنصريَّة إلى التطهير الإثني"، الصادرة بواسطة النخبة للطباعة والنشر والتوزيع العام 2017م، وكذلك استكثرنا في هذا الأمر في كتابنا "التركيَّة في كردفان.. جبال النُّوبة وأهوال الاسترقاق"، الصادر في دار المصوَّرات للطباعة والنشر والتوزيع العام 2022م.
أما "أغا" فإنَّه لكلمة تركيَّة من المصدر "أغمق"، وتعني الكبر وتقدُّم السن، وقيل إنَّها من الكلمة الفارسيَّة "أقا"، وتُطلق في التركيَّة على الرئيس والقائد وشيخ القبيلة والخادم الخصي. ومن هنا جاء اسم سليم أغا، وهو أحد الأرقاء من النُّوبة الذي بات له شأن وشأو عظيمين، وأمسى ذائع الصيت في بريطانيا في القرن التاسع عشر. وهناك ثمة أغوات (جمع أغا) كثر في ذلك الردح من الزمان في مصر منهم عبد الله أغا، ومحمد محمود أغا، وخليل أغا، وبلال أغا وغيرهم كثيرين.

للمقال بقايا باقيات،،،  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مؤمن الجندي يكتب: أشرف محمود.. الذي علق فأنطق الهوية

في بعض الوجوه تسكن أوطان، وفي بعض الأصوات تنام ذاكرة شعب بأكمله.. هناك وجوه لا تُنسى، لا لأنها لامست الشاشات، بل لأنها لامست القلوب دون استئذان.. أشرف محمود… ليس مجرد اسم لمعلق رياضي، بل حكاية مصرية تمشي على قدمين، رجل حين يتحدث، تسمع في صوته رائحة الشاي على مصطبة الجد في آخر النهار، تسمع أنين أبو الهول وصبر الفلاح، ودفء السلام عليكم من جارٍ لا يغلق بابه.

مؤمن الجندي يكتب: مهما صفق الواقفون مؤمن الجندي يكتب: عندما ينطق الوجه مؤمن الجندي يكتب: أزرار السوشيالجية مؤمن الجندي يكتب: بين العرق والذهب وصمت الكادحين

هو لا يعلّق على المباراة فحسب، بل يُمسك بالميكروفون كمن يُمسك بفرشاة ألوان، يرسم بها مشهدًا حيًّا تنقلك من الملعب إلى الحارة، من الهدف إلى الضحكة المصرية الخجولة، ومن تمريرة سحرية إلى حكمة قالها الأب زمان: "اللي ملوش كبير يشتري له كبير".

تراه فلا تتساءل عن معدنه، هو معدن "ابن البلد" النقي، صادق كالنيل، بسيط كالرغيف، نظيف كضحكة طفل في عز المولد.

أشرف محمود لم يجمّل نفسه، لم يصطنع شخصية، بل اختار أن يكون هو... فقط هو، وفي زمن يتصارع فيه الناس على الأضواء، كان هو الضوء ذاته، ضوءٌ يُشبه عيون أمك حين تدعو لك، ويُشبه نبرة أبيك حين يقول لك: "راجل يا ابني".

هو لا يركض خلف "الترند"، بل يمشي على خطى الكبار، لا يلهث خلف اللقطة، بل يصنعها بهدوء، كالفلاح حين يحرث الأرض.. يعلم أن الخير سيأتي.

أشرف محمود ليس ظاهرة صوتية، بل ظاهرة هوية وطنية.. هو مصر حين تتحدث بعقلها وقلبها ولسانها السمح، أثناء التعليق على المباريات.

في هذا الرجل تتجلى الهوية المصرية بكل ما فيها: بشهامتها، بكرامتها، بخفة ظلها، بجدعنتها، بحكمتها، بلغتها العربية، وبإيمانها العميق أن الأصل هو الأصل.. مهما تبدّلت الأزمان.


قبل النهاية، نحن في زمن امتلأت فيه الشاشات بالتصنع، والمنصات بالتصيد، لكن خرج هذا الصوت المصري الدافئ في بطولة مونديال الأندية، من الميكروفون لا يشبه إلا نفسه.. لا يستعير لهجة، ولا يبالغ في تعبير، ولا يتكلّف حماسة رغم خروجه عن شعوره.. لكنه فجأة! أصبح "تريند"، ولم يكن ذلك لأنه يملك خطة تسويق، أو فريق سوشيال ميديا محترف، أو يسعى خلف "اللايك والشير"، بل لأنه فقط قرر أن يكون كما هو: مصريًا جدًا.. بصوته، بكلماته، بنُكاته، بحماسه، وبهدوئه حين يجب أن يهدأ.

أشرف محمود لم يعلّق على المباريات فحسب، بل منحها طعمًا ولونًا ورائحة.. جعل المتابع يشعر أن المباراة تُلعب في ساحة بيتنا، وأن الهدف ليس مجرد كرة في الشباك، بل حكاية تُروى على القهوة، وضحكة تنطلق من القلب، وعصبية ابن بلد يعرف قيمة اللحظة.

لقد أصبح تريند.. لا لأنه أراد، بل لأن الناس اشتاقت لما يُشبهها.. وأشرف يشبهنا جدًا.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا

مقالات مشابهة

  • تفعيل برنامج الدبلوم العام في كلية التربية جامعة جنوب الوادي بنظام الساعات المعتمدة
  • سكرتير عام نادي قضاة جنوب سيناء يتقدم ببلاغ ويطالب بتعويض ضد محام أساء لقضاة مصر
  • الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على مبنى التلفزيون الإيراني
  • قصة الممثل المصري المسيحي الذي ألقى خطبة الجمعة على زملائه
  • رَئيس الوُزراء يُصدر قراراً لصالح الطُلاب في السُّودان بمُراجعة نِـسب القَبول في الجَامعاتِ
  • بالأسماء.. إصابة 9 عاملات في انقلاب ميكروباص بزراعي أبوقرقاص جنوب المنيا
  • "القسام" تنشر فيديو كمين خان يونس الذي هزّ إسرائيل
  • "القسام" تعرض مشاهد الكمين المركب الذي أسفر عن مقتل 7 جنود إسرائيليين في خان يونس
  • مؤمن الجندي يكتب: أشرف محمود.. الذي علق فأنطق الهوية
  • العرباوي: نندد بالعدوان الوحشي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني