باستخدام "السياسة المكوكية"، سطع نجم وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، بعد حرب عام 1973، وكان "رجل السلام" الذي أفضت جهوده إلى توقيع معاهدة بين مصر وإسرائيل لاحقا، وكان له مواقف عدة حول قضضايا منطقة الشرق الأوسط، فما أبرز تلك المواقف؟

حرب أكتوبر

في الشرق الأوسط، شكل كيسنجر ما يعرف باسم "الدبلوماسية المكوكية" للفصل بين القوات الإسرائيلية والعربية بعد تداعيات حرب يوم الغفران عام 1973، وفق تقرير لشبكة "سي إن إن".

واندلع هذا الصراع بعد أسبوعين من أداء كيسنجر اليمين كوزير للخارجية مع احتفاظه بمنصبه في البيت الأبيض كمستشار للأمن القومي.

وكانت حرب الستة عشر يوما التي بدأت في 6 أكتوبر 1973، بهجمات منسقة على إسرائيل من قبل مصر وسوريا، أصعب الاختبارات في حياة كيسنجر المهنية، حسبما تشير صحيفة "واشنطن بوست".

وهددت الحرب وجود إسرائيل، وأشعلت مواجهة مع الاتحاد السوفييتي، وألهمت السعودية وغيرها من المصدرين العرب لفرض حظر نفطي أدى إلى شل تدفق الوقود في العالم.

وساعدت "دبلوماسيته المكوكية" الشهيرة بعد حرب عام 1973 في استقرار العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب.

وتفاوض كيسنجر على إنهاء حرب يوم الغفران عام 1973 التي أشعلتها الهجمات المشتركة بين مصر وسوريا على إسرائيل، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

ويعرف كيسنجر بدوره كوسيط بين اسرائيل والدول العربية، وفي 1973 بعد الهجوم المباغت للدول العربية على إسرائيل، نظم جسرا جويا كبيرا لمد الحليف الإسرائيلي بالأسلحة.

وجاء وقف إطلاق النار في أعقاب الجسر الجوي الأميركي المثير للأسلحة إلى الدولة اليهودية والذي أثبت أهميته لدرء التقدم الأولي للجيوش العربية. 

كان هو ومسؤولون أميركيون آخرون يشعرون بالقلق من أن الصراع قد يتصاعد إلى أول صراع عسكري مباشر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، الراعي الرئيسي للقاهرة ودمشق.

وفي النهاية، كانت نتائج الحرب إيجابية في معظمها، وانتهى القتال عندما وافق الرئيس المصري، أنور السادات، على إجراء محادثات عسكرية مباشرة مع الإسرائيليين. 

وكان كيسنجر قادرا على الحفاظ على أساسيات "الانفراج" مع استبعاد السوفييت من مفاوضات السلام التي تلت ذلك. 

ومن أجل تمديد وقف إطلاق النار الهش وتحقيق الاستقرار في العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب، قام كيسنجر بما أصبح "مهمته المميزة".

وابتداءً من يناير 1974، ذهب إلى الشرق الأوسط 11 مرة للترويج لاتفاقيات فض الاشتباك العسكري التي من شأنها تسهيل حقبة جديدة من مفاوضات السلام.

وكانت أكثر مهمات "الدبلوماسية المكوكية" شهرة هي الماراثون الذي استمر 34 يوما في ذلك الربيع، حيث زار القدس 16 مرة ودمشق 15 مرة، وسافر إلى ستة دول أيضًا

ولم تسفر هذه الماراثونات عن أي اتفاقات سلام دائمة خلال فترة تولي كيسنجر مهام منصبه، لكنها نجحت في تحقيق الاستقرار في منطقة مضطربة وجعلت الولايات المتحدة "وسيط حصري" بالشرق الأوسط، مع استبعاد الاتحاد السوفييتي.

السلام بالشرق الأوسط

كان كيسنجر من أشد المنتقدين للسياسة الخارجية لجيمي كارتر وبيل كلينتون، قائلا إن "الرئيسين يريدان تحقيق قفزة سريعة للغاية نحو السلام في الشرق الأوسط"، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

ولكن بالنسبة لكيسنجر، لا يمكن أن يحدث ذلك إلا "خطوة بخطوة".

حرب العراق

وبعد دخول الولايات المتحدة وحلفائها العراق عام ٢٠٠٣، عقد كيسنجر اجتماعات مع الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، ونائبه، ديك تشيني، لتقديم المشورة لهما بشأن السياسة هناك، حسبما ذكرت "بي بي سي".

 وقال لهما إن "الانتصار على التمرد هو استراتيجية الخروج الوحيدة".

وفي حديثه عن الحرب في العراق على وجه التحديد، قال كيسنجر لصحيفة "نيويورك تايمز"، بعد ذلك بعام إن بوش "أراد تحويل العراق إلى نموذج لإمكانية التطور الديمقراطي داخل العالم العربي"، وفق ما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس".

الربيع العربي

وفي مقال رأي بصحيفة "واشنطن بوست" في أغسطس 2012، تحدث كيسنجر عن الأحداث التي شهدتها المنطقة عام 2011، فما يعرف بثورات الربيع العربي.

 وكتب في مقاله" غالبا ما يتم الاحتفال بالربيع العربي من خلال تلاوة أسماء المستبدين الذين تمت الإطاحة بهم، لكن الثورات، في النهاية، سيتم الحكم عليها في المقام الأول من خلال ما تبنيه، وليس ما تدمره".

وأضاف:" إذا أخطأت الولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة بالتركيز المفرط على العنصر الأمني، فإنها تخاطر الآن بالخلط بين الشعبوية الطائفية والديمقراطية".

ووسط هذه الهزات، يتجدد الجدل حول محددات السياسة الخارجية الأميركية، حيث يحكم الواقعيون على الأحداث من منظور الاستراتيجية الأمنية؛ ويرى المثاليون فيها فرصة لتعزيز الديمقراطية.

لكن الاختيار ليس بين الاستراتيجي والمثالي، وإذا لم نتمكن من الجمع بين العنصرين، فلن نتمكن من تحقيق أي منهما، حسبما قال كيسنجر في المقال المطول.

اتفاق السعودية وإيران

في مقال رأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في مارس الماضي، تطرق الكاتب إلى الاتفاق بين السعودية وإيران وما قاله كيسنجر حيال ذلك.

وكتب ديفيد إغناتيوس في مقاله: "قال لي كيسنجر خلال مقابلة أجريت معه هذا الأسبوع إنني أرى أنه تغيير جوهري في الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط".

ونقل عن كيسنجر قوله "السعوديون يوازنون الآن بين أمنهم لدى الولايات المتحدة والصين".

حرب غزة

بعد الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في الشهر الماضي، قال كيسنجر إن إسرائيل مضطرة إلى فرض عقوبة ردا على ذلك، وإن وقف إطلاق النار السريع أمر مستحيل، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وقال في مقابلة مع ماتياس دوبفنر، الرئيس التنفيذي لشركة أكسل سبرينغر، لقناة فيلت التلفزيونية الألمانية، إن محادثات السلام "لا يمكن تصورها بالنسبة لي" إذا "تمكن الإرهابيون من الظهور علانية واحتجاز الرهائن وقتل الناس".

وردا على سؤال حول شعوره تجاه احتفال العرب بهجوم حماس في شوارع برلين من خلال توزيع الحلوى، قال كيسنجر إنه "لا يوجه اللوم للشعب الألماني".

لكنه قال إنهم سمحوا لعدد كبير جدا من الأجانب بدخول البلاد.

وأضاف: "لقد كان من الخطأ الفادح السماح بدخول هذا العدد الكبير من الأشخاص من ثقافات وأديان ومفاهيم مختلفة تماما، لأن ذلك يخلق مجموعة ضغط داخل كل دولة تفعل ذلك".

وكان كيسنجر يشتهر بنظارتيه السوداوين السميكتين وفرض نفسه صورة للدبلوماسية العالمية عندما عينه الرئيس الأميركي الأسبق، ريتشادر نيسكون، مستشارا للأمن القومي في العام 1969 ومن ثم وزيرا للخارجية.

وقد احتفظ بالمنصبين معا من 1973 إلى 1975 وطبع لعقود الدبلوماسية الأميركية، حتى بعدما ترك منصبه كوزير للخارجية.

ورغم استقالة نيكسون عام 1974 جراء فضيحة ووتريغايت، صمد كيسنجر في منصبه وزيرا للخارجية في عهد خلفه جيرالد فورد حتى العام 1977، وفق وكالة "فرانس برس".

وقد حاز في 1973، تقديرا لجهوده السلمية خلال حرب فيتنام، جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الفيتنامي لي دوك ثو بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في إطار النزاع.

وعن السنوات الثماني التي قضاها في الخدمة الحكومية، والتي امتدت من عام 1969 حتى عام 1977، منح الرئيس الأميركي السابق، جيرالد فورد، كيسنجر وسام الحرية الرئاسي.

والأربعاء، توفي كيسنجر، عن 100 عام، في منزله بولاية كونيتيكت، بحسب ما أعلنت مؤسسته.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الشرق الأوسط على إسرائیل عام 1973

إقرأ أيضاً:

اضطرابات واسعة في حركة الطيران بالشرق الأوسط عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران

تشهد حركة الطيران في الشرق الأوسط اضطرابات كبيرة بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، حيث أغلقت كل من الأردن والعراق مجالهما الجوي بشكل مؤقت، ما أدى إلى تأجيل وإلغاء عشرات الرحلات الجوية وتحويل مسارات عدد آخر.

بدورها، أعلنت الخطوط الجوية السورية تعليق جميع رحلاتها المقررة اليوم، الجمعة، من وإلى الإمارات والسعودية، وأوضحت أن القرار نابع من إغلاق الأجواء في الدول المجاورة، مؤكدة أنها تتابع التطورات الأمنية في المنطقة بشكل متواصل.

في السياق ذاته، ألغت شركة “مصر للطيران” ثلاث رحلات كانت متجهة إلى كل من بغداد، عمان، وبيروت، فيما أعلنت وزارة الطيران المدني المصرية رفع حالة التأهب في مطار القاهرة وكافة المطارات تحسباً لهبوط طائرات عابرة قد تضطر لتغيير مساراتها. وأفادت مصادر ملاحية باستقبال مطار القاهرة 9 طائرات أجنبية لغرض التزود بالوقود بعد تعديل مساراتها بسبب إغلاق الأجواء الإقليمية.

وفي الإمارات، ألغت شركة “طيران الإمارات” جميع رحلاتها المقررة إلى العراق، الأردن، لبنان، وإيران، بما في ذلك الرحلات المتجهة إلى طهران ليوم غد. وأوضحت الشركة أن القرار يأتي ضمن إجراءات السلامة المعتمدة في أعقاب الهجوم، تحسباً لأي رد إيراني محتمل.

كما أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن تعليق رحلاتها مؤقتاً إلى إيران والعراق، في ضوء التصعيد الأمني المستمر في المنطقة.

يأتي هذا الارتباك في حركة الطيران في وقت تزداد فيه المخاوف من اتساع نطاق التصعيد العسكري، ما يضع شركات الطيران في تحدٍّ متزايد لضمان سلامة رحلاتها وركابها وسط الأجواء غير المستقرة.

مقالات مشابهة

  • ريبيرو قبل الظهور الأول: أشارك في كأس العالم ولا أحد يعرفني.. والأهلي الأهم بالشرق الأوسط
  • مستقبل وطن : التصعيد بالشرق الأوسط عواقبه وخيمة.. ومصر حصن الاستقرار
  • محللون: الاعتداءات الإسرائيلية على إيران تصعيد سافر يهدد الأمن بالشرق الأوسط
  • اضطرابات واسعة في حركة الطيران بالشرق الأوسط عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران
  • هل ستعقد جولة جديدة من المفاوضات النووية وسط تصاعد التوتر بالشرق الأوسط؟.. مصدر أمريكي يجيب لـCNN
  • أسعار النفط تقفز 4% لأعلى مستوى في شهرين إثر تزايد التوتر بالشرق الأوسط
  • أسعار النفط تسجل أكبر ارتفاع يومي لها منذ أكتوبر نتيجة توترات الشرق الأوسط
  • التوترات تتصاعد.. إخلاء موظفي سفارات أميركية بالشرق الأوسط
  • البنتاغون يُجيز المغادرة الطوعية للأفراد العسكريين بعد توترات متنامية بالشرق الأوسط
  • البيت الأبيض: ترامب على علم بحركة الأفراد الأمريكيين بالشرق الأوسط