الأصدقاء.. واختلاف الأعمار!
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
عِندما تفكِّر في أقرب أصدقائك، مَنِ الَّذي يتبادر إلى ذهنك؟ ربَّما زميلك في الغرفة الجامعيَّة الَّذي اعتدت أن تثقَ به. ربَّما زميلك في العمل الأوَّل الَّذي كنتَ تستمع إليه وتضحك معه بعد كُلِّ اجتماع، أو الجار الَّذي لعبت معه عِندما كنتَ طفلًا. بغَضِّ النظر عن الطريقة الَّتي قابلتَ بها هؤلاء الأشخاص، فمن المحتمل أن يكُونَ لدَيْهم شيء رئيس مشترك: أنَّهم جميعًا في نَفْس عمرك! جميل أن يكُونَ أصدقاؤنا وزملاؤنا من نَفْس العمر، لكن ألا تعتقدَ أيضًا بأنَّ قضاء وقتنا مع مِثل هذه المجموعة الضيِّقة من النَّاس يُمكِن أن يغذِّيَ الفصل العمري ويعزلَنا؟ بل وأحيانًا يمنعنا من وجهات نظر الأجيال الأخرى ونقاط الاتِّصال الَّتي قَدْ تكُونُ مفاجئة.
بطبيعة الحال نجد أنَّ النَّاس يلتقون في المسجد أو كانوا جيرانًا، لكن أيضًا بالعمل وهو المكان الأكثر شيوعًا لبدء الصداقات بَيْنَ الأجيال. لا سِيَّما وأنَّ الكثير منَّا يقضي جزءًا كبيرًا من ساعات يقظتنا هناك. وعلى الرغم من أنَّ ذلك الإعداد الهرمي قَدْ يمنع الروابط في البداية، خصوصًا بَيْنَ الموظفين الصغار والكبار، إلَّا أنَّ الروابط يُمكِن أن تصبحَ أكثر مساواة مع مرور الوقت. وفي الواقع، تميل العلاقات بَيْنَ الأجيال إلى الإثراء المتبادل. فعلى سبيل المثال، البرامج الَّتي تديرها بعض المراكز الصيفيَّة أو المدارس خلال الإجازة المدرسيَّة، تسمح للصغار والكبار بقضاء بعض الوقت معًا، فتشهد جميع الأطراف تحسُّنًا في الصحَّة والسَّعادة. من ناحية أخرى، تكوين صداقات أصغر سنًّا يُمكِن أن يساعدَ كبار السِّن على إيجاد طُرق ذات معنى لقضاء فترة تقاعدهم، وقَدْ ينخرطون في الأعمال الاجتماعيَّة الَّتي يقودها الشَّباب. بل وقَدْ يجد الآخرون متعة في التعرض لأفكار جديدة. علاوةً على ذلك، نسمع كثيرًا كيف أنَّ الأفراد الأكبر سنًّا، يذكرون أنَّ أصدقاءهم الأصغر عمرًا ساعدوهم على الشعور بأنَّهم أصغر سنًّا. ولعلِّي أقول هنا بأنَّ هذه العلاقات، يُمكِنها مقاومة الصوَر النمطيَّة حَوْلَ الكيفيَّة الَّتي يجِبُ أن يتصرَّفَ بها كبار السِّن. فمثلًا أحد كبار السِّن كان يقول مازحًا: بأنَّه لا يريد مغادرة النَّادي الرياضي مبكرًا لمجرَّد أنَّه كبير بالسِّن، ولَمْ يكُنْ مضطرًّا إلى ذلك مع رفاقه الأصغر سنًّا! وهكذا الحال أيضًا بالأشخاص الأصغر سنًّا، فحديثهم وتحاورهم مع الأشخاص الَّذين عاشوا أحداثًا مناخيَّة خاصَّة بهم وتجاوزوها كثيرًا، ستعلِّمهم كيف أنَّه من الأسهل أن نرى أنَّ هناك ضوءًا في نهاية النَّفق. ألَسْتَ معي، بأنَّ ذلك الفرد الأصغر عمرًا وفي جميع علاقاته مع الأشخاص الأكبر سنًّا، يشعر أيضًا بحرية أكبر في مشاركة عناصر شخصيَّته الَّتي تغيَّرت. في حين أنَّ رفاقه في الكُلِّيَّة ـ مثلًا ـ يعرفون نسخة محدَّدة جدًّا مِنْه، وربَّما لَنْ يسمحوا له بالخروج من هذا الدَّوْر. في حين أنَّ أصدقاءه الأكبر سنًّا يدركون أنَّ النُّموَّ الشخصي هو مجرَّد جزء من الحياة. ختامًا، بلا شكٍ يقدِّم الأصدقاء الأكبر سنًّا أيضًا المزيد من الأمثلة على الشَّكل الَّذي يُمكِن أن يبدوَ عَلَيْه النُّمو والَّذي يحتاج أن يدركَه من حَوْلهم الأصغر سنًّا، وبالتَّالي هذا لا يحصر النَّاس في رؤية ضيِّقة للعالَم. وهنا بلا شكٍّ، يجِبُ أن نعيَ بأنَّ ذلك المُجتمع الَّذي يختلط بحُرِّيَّة أكبر عَبْرَ الأجيال سيكُونُ أقلَّ عزلة، وسيستفيد الجميع من ذلك. فليس من الضروري أن يكُونَ جميع أصدقائك في نَفْس العمر!
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
“ترامب يضغط على نتنياهو لأجل مصر”.. الصفقة الأكبر بين مصر وإسرائيل تقترب من لحظة الحسم
مصر – كشفت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية أن صفقة تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر، البالغة قيمتها 35 مليار دولار، تقترب من لحظة الحسم.
وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين يجد نفسه في موضع حرج، إذ يتعين عليه الموازنة بين الالتزام بأسعار غاز منخفضة في السوق المحلية، وتنفيذ صفقة استراتيجية تخدم مصالح إسرائيل الجيوسياسية والاقتصادية، لكنها قد تهدد القدرة الشرائية للمواطنين في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
وتنص الصفقة التي جرى الإعلان عنها قبل أربعة أشهر على أن تبيع شركتا “نيو ميد إنيرجي” و”لوثيان” 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر حتى عام 2040، مقابل 35 مليار دولار، في ما يعد أضخم صفقة تصدير في تاريخ إسرائيل.
وتأتي الصفقة كتحديث وتوسيع لاتفاقية التصدير الحالية الموقعة عام 2019، والتي كانت تنص على تصدير 60 مليار متر مكعب فقط.
وبحسب الخطة، سيبدأ التنفيذ الفعلي في النصف الأول من 2026، بتصدير 20 مليار متر مكعب، يليها 110 مليارات متر مكعب إضافية بعد الانتهاء من مشروع توسعة حقل لوثيان (المرحلة 1B)، الذي سيرفع الإنتاج السنوي، شريطة الحصول على ترخيص تصدير رسمي من وزارة الطاقة.
وتشير “كالكاليست” إلى أن شركات الغاز كانت ترفض ضخ استثمارات تصل إلى مليارات الدولارات في مشروع التوسعة دون وجود عقد تصدير طويل الأمد يضمن عوائد مستقرة — وهو ما توفّره هذه الصفقة.
ولفتت الصحيفة إلى أن كوهين واجه تحدّيين رئيسيين: أولاً: أن سعر التصدير إلى مصر أعلى بكثير من السعر المحلي، ما يخلق حافزًا قويًّا للشركات لتصدير الغاز بدلاً من بيعه في السوق المحلية، مما قد يرفع أسعار الكهرباء وتكاليف الصناعة.
ثانيًا: أن السوق الإسرائيلية تفتقر إلى المنافسة الحقيقية. فشركة “شيفرون” (المالكة لـ39.7% من حقل لوثيان و25% من حقل تمار) تُسيطر تشغيليًّا على غالبية الإنتاج، بينما يكاد المورد المنافس الوحيد (كريش) ينفد.
وفي هذا السياق، طالبت وزارة المالية — ضمن قانون “الترتيبات” الاقتصادي الحالي — بتعديل قواعد السوق عبر فرض قيود ذكية على التصدير، لا لتجميده، بل لضمان وفرة الغاز محليًّا.
ويرى خبراء الوزارة أن الحل يكمن في خلق “فائض اصطناعي” في العرض المحلي، عبر إلزام شركات الغاز بالاحتفاظ بكميات أكبر من الغاز في السوق مما يحتاجه الاقتصاد فعليًّا. هذا الفائض سيولّد منافسة بين الشركات لبيعه، ما يؤدي إلى خفض الأسعار تلقائيًّا.
واقترحت الوزارة أن لا يتجاوز التصدير 85% من الفارق بين القدرة الإنتاجية والطلب المحلي، لضمان أمن الإمدادات الداخلية.
لكن شركات الغاز اعترضت بشدة على هذه الخطة، محذرة من أنها:
تضر بجاذبية الاستثمار في قطاع الغاز الإسرائيلي، تقوض الاستقرار التنظيمي، وقد تؤدي إلى إلغاء تطوير احتياطيات الغاز المستقبلية.كما أكدت أن الصفقة مع مصر كانت ستلغى لولا وجود ضمانات بتنفيذها كما هو مخطط. وأشارت إلى أن إلغاء مشروع توسيع لوثيان سيكلّف الدولة خسارة تصل إلى 60 مليار شيكل، تشمل:
35–40 مليار شيكل من ضرائب “شينسكي” (الضريبة الخاصة على موارد الطاقة)، 22–25 مليار شيكل إضافية من إتاوات وضرائب أخرى.في المقابل، ترى وزارة المالية أن الاحتفاظ بالغاز تحت الأرض قد يوفّر تكاليف هائلة للمستهلكين والصناعة، نظرًا لتأثير ارتفاع أسعار الغاز المباشر على أسعار الكهرباء وتكاليف الإنتاج.
وشددت “كالكاليست” على أن الصفقة لا تهدد أمن إمدادات الغاز المحلي، إذ التزمت الشركات بعدم السماح بأي نقص، خاصةً في ظل الاعتبارات الأمنية التي تتطلب ضمان استقلالية الطاقة على المدى الطويل.
لكن القضية، وفق الصحيفة، تتجاوز الاقتصاد المحلي لتصل إلى حسابات جيوسياسية معقدة:
مصر، الشريك الاستراتيجي، تمرّ بأزمة طاقة حادة بعد تراجع إنتاجها من الغاز، رغم الطلب المرتفع على الكهرباء والصناعة. هناك شعور مصري بالإهمال من جانب إسرائيل، خصوصًا مع تقارب القاهرة من الدوحة. الصفقة تحمل أيضًا أهمية استراتيجية لأوروبا، التي تبحث عن بدائل للغاز الروسي، ويمكن للغاز الإسرائيلي أن يُوجّه عبر مصر إلى الأسواق الأوروبية.وفي الختام، خلصت “كالكاليست” إلى أن القرار الحالي يشكل مواجهة ثلاثية الأبعاد:
وزارة المالية: تدافع عن المستهلك وتحارب التضخم. شركات الغاز: تحمي أرباحها واستقرار البيئة الاستثمارية. وزارة الطاقة: تحاول الموازنة بين غلاء المعيشة، والأمن الطاقي، وتنمية القطاع.ورغم أن القرار الرسمي بيـد وزير الطاقة إيلي كوهين، فإن الصحيفة تشير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيكون الطرف المحوري، خاصة أن ترامب يمارس ضغطًا شخصيًّا لضمان تنفيذ الصفقة. وفي ظل الأولويات السياسية والدبلوماسية، قد لا يولى ارتفاع تكلفة المعيشة نفس الأهمية لدى نتنياهو مقارنة بالتزاماته الدولية.
المصدر: صحيفة “كالكاليست”