الأوقاف: خطبة الجمعة القادمة تحت عنوان «الإيجابية»
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
خطبة الجمعة2023.. حددت وزارة الأوقاف، خطبة الجمعة، 8 ديسمبر 2023، تحت عنوان الإيجابية.
وفي هذ الإطار تقدم «الأسبوع» لزوراها ومتابعيها نص الخطبة التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف، ويأتي هذا ضمن خدمة مستمرة تقدمها لقرائها، في كافة الموضوعات المتنوعة، ويمكنكم المتابعة من هنــــــــــا.
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير، الإسلامُ دينُ الإيجابيةِ.
إنَّ الإيجابيةَ أصلٌ عظيمٌ مِن أصولِ الإسلامِ، وهي ميزةٌ عظيمةٌ ميّزَ اللهُ تعالَى بهَا المسلمَ، فالإسلامُ يدعُو إلى إيجابيةِ الفردِ نحوَ نفسِهِ ونحوَ المجتمعِ، ولا نبالغُ إذا قلنَا أنَّ الإيجابيةَ هي الدينُ، فالدينُ لم يقمْ في أرضِهِ علي السلبيةِ والخمولِ والتقاعسِ والكسلِ، وإنَّمَا قامَ علي الإيجابيةِ، منذُ أنْ خاطبَ اللهُ نبيَّهُ ﷺ فقالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ* وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}(المدثر:1-7).
فالإسلامُ يحرصُ على أنْ يكونَ المسلمُ عضوًا فعالًا إيجابيًّا منتجًا، نافعًا لنفسِهِ وأهلِهِ ومجتمعِهِ، فلا يكونُ إمعةً، فَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وإِن أساؤوا فَلَا تظلموا “. (الترمذي).
وهكذا المسلمُ يرىَ الأملَ دائمًا غيرَ منقطعٍ، وينظرُ إلى الواقعِ وإنْ اشتدَّ عليهِ بإيجابيةٍ وتفاؤلٍ، وفي الحديثِ ” إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ “. (رواه مسلم عن أبي هريرة). قال النوويُّ: “رُوِيَ أهلكُهُم على وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: رَفْعُ الْكَافِ وَفَتْحُهَا، وَالرَّفْعُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ أَشَدُّهُمْ هَلَاكًا. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْفَتْحِ فَمَعْنَاهَا هُوَ جَعَلَهُمْ هَالِكِينَ لَا أَنَّهُمْ هَلَكُوا فِي الْحَقِيقَةِ”.(شرح النووي على مسلم).
فالإيجابيةُ تعنِي أنْ يكونَ المسلمُ فيضًا مِن العطاءِ، ثابتًا حينَ تدلهُم الخطوبُ، لا ييأسُ حين يقنطُ الناسُ، ولا يتراخَى عن العملِ حينَ يفترُ العاملون، يصنعُ مِن الشمعةِ نورًا، ومِن الحزنِ سرورًا، متفائلًا في حياتِه، شاكرًا في نعمائِهِ، صابرًا في ضرائِهِ، قانعًا بعطاءِ ربِّهِ لهُ.
إنَّ هناك فرقًا شاسعًا بينَ الإيجابيةِ والسلبيةِ كالفرقِ بينَ الليلِ والنهارِ، والوجودِ والعدمِ. والدليلُ على هذا قولُهُ تعالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (النحل:76) فقد سمَّى اللهُ السلبيَّ في هذه الآيةِ ” كلاًّ” والإيجابيَّ بـ ” يأمرُ بالعدلِ”.. و”كَلٌّ” أصعبُ مِن سلبي.. لأنَّ سلبِي معناها غيرُ فعالٍ، أما كَلٌّ فمعناها الثقيلُ الكسولُ، وقبلَ هذا فهو “أبكمٌ” لا يتكلمُ ولا يرتفعُ له صوتٌ!! وهذا عبءٌ على المجتمعِ، لأنَّ النظرةَ التشاؤميةَ هي الغالبةُ عليهِ في كافةِ تصرفاتِهِ، وهذه الشخصيةُ ضعيفةُ الفاعليةِ في كافةِ مجالاتِ الحياةِ.
وأمَّا الآخرُ فإنَّهُ ” يأمرُ بالعدلِ” فهو هنَا الشخصيةُ المنتجةُ في كافةِ مجالاتِ الحياةِ حسبِ القدرةِ والإمكانية، فهو يوازنُ بينَ الحقوقِ والواجباتِ (أي ما لهُ وما عليهِ) مع الهمةِ العاليةِ والتحركِ الذاتِي، والتفكيرِ الدائمِ لتطويرِ الإيجابياتِ وإزالةِ السلبياتِ. هل مِن المعقولِ أنْ يتساوَى هذا وذاك؟ لا يستوون!!!
الفرقِ بينَ الإيجابِي والسلبِيالإيجابِيُّ يفكرُ في الحلِّ، والسلبِيُّ يفكرُ في المشكلةِ!!
الإيجابِيُّ يساعدُ الآخرين، والسلبِيُّ يتوقعُ المساعدةَ مِن الآخرين!!
الإيجابِيُّ يرىَ حلًّا لكلِّ مُشكلةٍ، والسلبِيُّ يرىَ مشكلةً في كلِّ حلٍّ!!
الإيجابِيُّ الحلُّ صعبٌ لكنَّهُ ممكنٌ، والسلبِيُّ الحلُّ ممكنْ لكنَّهُ صعبٌ!!
الإيجابِيُّ لديهِ أحلامٌ يحققُهَا، والسلبِيُّ لديهِ أوهامٌ وأضغاثُ أحلامٍ يبددُهَا!!
الإيجابِيُّ يرى في العملِ أملًا، والسلبِيُّ يرى في العملِ ألمًا!!
الإيجابِيُّ ينظرُ إلى المستقبلِ ويتطلعُ إلى ما هو ممكنٌ، والسلبِيُّ ينظرُ إلى الماضِي ويتطلعُ إلى ما هو مستحيلٌ!!
الإيجابِيُّ يختارُ ما يقولُ، والسلبِيُّ يقولُ ما يختارُ!!
الإيجابِيُّ يتمسكُ بالقيمِ ويتنازلُ عن الصغائرِ، والسلبِيُّ يتشبثُ بالصغائرِ ويتنازلُ عن القيمِ!!
الإيجابِيُّ يصنعُ الأحداثَ، والسلبِيُّ تصنعُهُ الأحداثُ!!
هذا هو الفارقُ بينَ الإيجابِي والسلبِي، فمَا مِن صفةٍ إيجابيةٍ إلّا والزموهَا، وما مِن صفةٍ سلبيةٍ إلّا واجتنبُوهَا!!
ثانيًا:: الإيجابيةُ في حياةِ الرسولِ والصالحين.
إنَّ الناظرَ في سيرةِ الرسولِ ﷺ يرى الإيجابيةَ واضحةً في كلِّ معانِيهَا، مِن يومِ أنْ كان غلامًا يتيمًا إلى حينَ وفاتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، وكذلك ربَّى أصحابَهُ على معانِي الإيجابيةِ الفاعلةِ، لقد كان يقولُ لهُم:” بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ”. (ابن ماجة). ويقولُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ”.(مستدرك الحاكم). ويقول: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ».(مسلم).
وكان يكرَهُ أنْ يرَى الرجلَ سلبيًّا فارغًا بلا عملٍ، وإذا اشتكَى إليه الرجلُ القويُّ قلةَ المالِ، قالَ لهُ: ” اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ”.(أبوداود). وكان يشجعُ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ ويقولُ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا “.(البخاري)، بل كان يشجعُ الأعمالَ الصغيرةَ ويثيبُ عليهَا. فهذه المرأةُ التي كانتْ تقمُّ المسجدَ فماتتْ، ودفنوهَا دونَ علمِهِ فغضبَ وقَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا. فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ».(مسلم).
إنَّ مقياسَ الخيريةِ في الناسِ ليسَ أنْ يقدمَ الواحدُ منهُم عملًا عظيمًا، وإنَّما الخيريةُ حين يقدمُ الواحدُ ما هو قادرٌ على أدائِهِ بعدَ استنفادِ جهدِهِ وطاقتِهِ، ولهذا نرَى النبيَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يستعملُ إيجابيةَ كلِّ صحابِي بما هو قادرٌ عليهِ وبمَا هو أهلٌ لهُ، حتى صارَ كلُّ صحابِي أمةً وحدَهُ، ففي الجانبِ العسكرِي استفادَ مِن فكرِ سلمانَ الفارسِي رضي اللهُ عنه وخلفيتِهِ الحضاريةِ فاقترَحَ الخندقَ، والحبابُ بنُ المنذرِ يقترحُ الوقوفَ على الماءِ يومَ بدرٍ، وآخرُ ينصبُ المنجنيقَ في غزوةِ الطائفِ، وأبو بصيرٍ يخططُ لحربِ عصاباتٍ بعيدًا عن بنودِ صلحِ الحديبيةِ، وأمَّا الجانبُ الاقتصادِيُّ فنرَى ذلك الصحابيَّ الذي يؤرقُهُ كثرةُ أبناءِ المهاجرين والأنصارِ، فينقلُ زراعةَ القمحِ إلى الحجازِ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ يصفقُ بالسوقِ حتى لا يكونَ عالةً على غيرِهِ!! وفي جانبِ الفكرِ والتربيةِ يسارعُ عبدُ اللهِ بنُ عمروِ بنِ العاصِ لتدوينِ الحديثِ، وزيدُ بنُ ثابتٍ لجمعِ القرآنِ ويسارعُ في تعلمِ العبرانيةِ والسريانيةِ!!
لقد كان مِن النتائجِ المبهرةِ التي ورثتهَا هذه التربيةُ النبويةُ، أنْ خُرِّجَ القادةُ والخلفاءُ والوزراءُ والعلماءُ، وخُرِّجَ الجنودُ والمرابطون، يتسابقونَ في البذلِ والعطاءِ والتضحيةِ والفداءِ، لعلمِهِم أنَّ المرءَ يهيئُ لنفسِهِ مقعدًا في الجنةِ.
عمرو بن الجموح لـ رسول الله هل من قتل اليوم دخل الجنة؟إنَّ ربيعةَ بنَ كعبٍ الأسلمِي رضي اللهُ عنه يتقدمُ فيقولُ: يا رسولَ اللهِ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» (الترمذي)، وجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ - وهو أعرجٌ- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ الْيَوْمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ:(نَعَمْ) قَالَ: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أرجعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ” (صحيح ابن حبان). واستشهدَ فدخلَ الجنةَ مع عرجتِهِ وعذرِهِ.
أختمُ هذا العنصرَ برجلٍ ضربَ أروعَ الأمثلةِ في الإيجابيةِ: “يُروَى أنَّ مسلمةَ بنَ عبدِ الملك كان في جملةٍ مِن الجندِ يحاصرون إحدى قلاعِ الرومِ، وكانت محصنةً، وكانَ الدخولُ إليها صعبًا إلّا مِن نقبٍ فيهَا تخرجُ منهُ أوساخُ المدينةِ، فوقفَ مسلمةُ ينادِي في الجندِ: مَن يدخلُ النقبَ ويزيحُ الصخرةَ التي تحبسُ البابَ ويبكرُ حتى ندخلَ…
فقامَ رجلٌ قد غطَّى وجهَهُ بثوبهِ وقال أنا يا أميرَ الجندِ، ودخلَ النقبَ وفتحَ البابَ ودخلَ الجندُ القلعةَ فاتحين.. وبعدَهَا وقفَ مسلمةُ بينَ الجندِ يُنادِي على صاحبِ النقبِ حتى يكرمَهُ على ما فعلَ، وكان يرددُ: مَن الذي فتحَ لنَا البابَ؟ فما يجيبُهُ أحدٌ! فقال: أقسمتُ على صاحبِ النقبِ أنْ يأتينِي في أيِّ ساعةٍ مِن ليلٍ أو نهارٍ. فطُرِقَ بابُ مسلمةَ طارقٌ ليلًا، فيلقاهُ مسلمةُ مستبشرًا!! أنت صاحبُ النقبِ؟! فقال الطارقُ هو يشترطُ ثلاثةَ شروطٍ حتى تراهُ. قال مسلمةُ وما هي؟ قال: ألَّا ترفعَ اسمَهُ لدى الخليفةِ، ولا تأمر لهُ بجائزةٍ، ولا تنظر لهُ بعينٍ مِن التمييزِ، قال مسلمةُ: أفعلُ لهُ ذلك!! فقال الطارقُ: أنَا صاحبُ النقبِ وانصرفَ، وتركَ جيشَ مسلمةَ ذاهبًا إلى سدِّ الثغورِ في أماكنَ أخرى، ويُذكرُ أنَّ مسلمةَ كان يدعُو بعدَهَا قائلًا في سجودِهِ: اللهُمَّ احشرنِي مع صاحبِ النقبِ.” (مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور، وعيون الأخبار لابن قتيبة).
ثالثًا: دعوةٌ إلى الإيجابيةِ.
أيُّها المسلمون: هذه دعوةٌ إلى الإيجابيةِ الفعالةِ في بناءِ المجتمعِ امتثالًا لِمَا جاءَ في القرآنِ والسنةِ، وإذا تأملنَا القرآنَ في قصصهِ وأحداثِه، نجد أنّ الطيورَ والحشراتِ لها مواقفُ إيجابيةٌ بناءةٌ وفعالةٌ، فهذا هدهدُ سليمانَ عليهِ السلامُ مثلًا رائعًا في الإيجابيةِ، ذاك الطائرُ الصغيرُ في حجمهِ، الكبيرُ في همهِ وإيجابيتِه، العظيمُ في تفكيرِه، قد انفردَ بعملٍ إيجابِي أدخلَ أمةً كاملةً في الإسلامِ، فالمسلمُ أولَى مِن الهدهدِ بالعملِ الإيجابِي والسعيِ وراءَ المصالحِ والبحثِ عن الخيرِ، فالقرآنُ العظيمُ قصَّ علينَا خبرَ الهدهدِ في تقصيهِ للحقائقِ والأخبارِ ونقلِهَا، وقصَّ علينَا خبرَ النملِ في حركتِه وحرصِه على قوتِه ومدَى تعاونِه، وقصَّ علينَا خبرَ النحلِ في تعاونِه وتعاضدِه، أفلا يكونُ الإنسانُ أولَى مِن هذه الطيورِ والحشراتِ بالمشاركةِ الإيجابيةِ والعملِ الدؤوبِ والحركةِ المتعاقبةِ المثمرةِ!!
إنَّ السيدةَ هاجرَ ضربتْ لنَا أروعَ الأمثلةِ في الإيجابيةِ، فمثلًا في السعيِ بينَ الصفَا والمروةَ ونحن نقلدُهَا وهى تبحثُ عن الماءِ لولدِهَا إسماعيل، كان مِن الممكنِ أنْ تجلسَ بجوارِ إسماعيلَ تبكي، أو تسعَى مرةً واحدةً، ولكنّهَا ظلتْ تسعَى! فجعلَ اللهُ السيدةَ هاجرَ رمزًا للإيجابيةِ، وجعلَ عن طريقِهَا عبادةً نتعلمُ منهَا الايجابيةَ!!
إنَّ القلبَ ليحزنُ حينما يُري الشبابُ وهم في أعزِّ قواهم العقليةِ والجسديةِ، ومع ذلك يفنِي الشبابُ قوتَهُ وشبابَهُ في الفراغِ والسلبيةِ وفي كلِّ ما حرّمَ اللهُ تباركَ وتعالَي مِن ملاهٍ ومشاربَ وخمورٍ ومجونٍ وغيرِ ذلك، ولو لم يكنْ الإنسانُ في حاجةٍ للعملِ، لا هو ولا أسرتُهُ، لكانَ عليهِ أنْ يكونَ إيجابيًا ويعملَ للمجتمعِ الذي يعيشُ فيهِ فإنَّ المجتمعَ يعطيهِ، فلابُدَّ أنْ يأخذَ منهُ، على قدرِ ما عندَهُ!!
يُروَى أنَّ رجلًا مرَّ على أبي الدرداءِ الصحابِي الزاهدِ فوجدَهُ يغرسُ جوزةً، وهو في شيخوختِه وهرمِه، فقال له: أتغرسُ هذه الجوزةَ وأنت شيخٌ كبيرٌ، وهي لا تثمرُ إلّا بعدَ كذا وكذا عامًا؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَّ أنْ يكونَ لي أجرُهَا ويأكلُ منهَا غيري!! وأكثرُ مِن ذلك أنَّ المسلمَ لا يعملُ لنفعِ المجتمعِ الإنسانِي فحسب، بل يعملُ لنفعِ الأحياءِ، حتى الحيوانِ والطيرِ، والنبيُّ ﷺ يقولُ: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” [البخاري]، وبذلك يعمُّ الرخاءُ ليشملَ البلادَ والعبادَ والطيورَ والدوابَ!!
فعليكُم بالمشاركةِ والإيجابيةِ والجدِّ والاجتهادِ في بناءِ بلدِكُم، فمشاركتُم أمانةٌ مِن أجلِ صلاحِ البلادِ والعبادِ.
إنَّ مجتمعَنَا في حاجةٍ إلى الإيجابيةِ في جميعِ مجالاتِ الحياةِ، في الفكرِ والدعوةِ.. في الاقتصادِ…في السياسةِ … في العملِ والإنتاجِ … في التعليمِ … في الصحةِ… في الزراعةِ… في الصناعةِ… في التجارةِ….إلخ، إنّنَا إنْ فعلنَا ذلك سبقنَا جميعَ حضاراتِ المشرقِ والمغربِ!!
اقرأ أيضاًالأوقاف: «الحق في الحياة والمواثيق الدولية».. موضوع خطبة الجمعة اليوم
"الوعي الرشيد وأثره فى مواجهة التحديات".. موضوع خطبة الجمعة لوعظ الغربية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأوقاف الإيجابية الجمعة الخطبة الجمعة الخطبة الجمعة اليوم خطبة خطبة الأوقاف خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة اليوم خطبة الجمعة اليوم مباشر خطبة الجمعة غدا خطبة الجمعة مكتوبة خطبة بدير خطبة د خالد بدير ی الإیجابیة خطبة الجمعة والسلب ی فی کافة
إقرأ أيضاً:
علّق على ضابطة مسلمة فاعتُقلوه.. مادا حدث مع محمود آباد في الهند؟
أصبح البروفيسور علي خان محمود آباد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أشوكا، أحدث أهداف الكراهية التي يصنعها القوميون الهندوس في الهند بدعم من الشرطة والقضاء.
تُنسب إلى محمود آباد جريمة لم يرتكبها، ويُطلب منه الآن أن يُثبت براءته – في تجلٍّ كلاسيكي لمبدأ "مذنب حتى تثبت براءته". وكلما أصرّ على براءته، ازداد الشك ضده، إذ إن المحكمة العليا في الهند قد شككت بالفعل في نواياه، وأدلت بملاحظات سلبية بحقه، قبل أن تُشكّل فريق تحقيق خاص (SIT) لمراجعة منشورين على فيسبوك يتضمنان 1530 كلمة. وعلى الرغم من وضوح منشوراته، يُتوقع من محمود آباد أن يفسر ويبدد الشكوك التي أثارتها أعلى سلطة قضائية في البلاد.
في هذين المنشورين، وجّه محمود آباد انتقادات لباكستان بسبب إيوائها للإرهابيين، في الوقت ذاته الذي أشاد فيه بالتحرك العسكري الهندي ضد جارتها.
وسلّط الضوء على التصفيق الذي نالته ضابطتان عسكريتان – إحداهما مسلمة – لتمثيلهما موقف الهند على الساحة الدولية. لكنه حذّر من أن استمرار اضطهاد المسلمين في الهند، سيجعل من هذه الصور "الشاملة" محض نفاق.
ما كتبه محمود آباد سبقه إليه كثيرون بطرق مختلفة. ومع ذلك، ظهرت فجأة رينو باتيا، رئيسة لجنة المرأة في ولاية هاريانا، في مؤتمر صحفي وهي في حالة غضب، متهمةً محمود آباد بإهانة الضابطتين.
إعلانوقد أثارت اتهاماتها استغراب الكثيرين. وردّ محمود آباد عبر محاميه، موضحًا منشوراته بالتفصيل. لكن باتيا لم تقتنع، حتى دون أن تقدّم أي دليل على مزاعمها. وعندما سألها أحد مذيعي التلفزيون إن كانت تستطيع تحديد أي كلمات أو جمل مهينة للضابطتين، لم تتمكن من ذلك. ومع هذا، أصرت على أن شعورها بالإهانة دليل كافٍ على أن شيئًا ما في منشورات محمود آباد لا بد أنه كان فظيعًا. وأضافت أنها ليست مضطرة لتحديد العبارات المسيئة، فذلك من مسؤولية الشرطة.
بعد هذه الاتهامات، خضعت منشورات محمود آباد لتدقيق مكثف من قبل كثيرين ووسائل الإعلام. ولم يُعثر على أي محتوى مسيء أو مهين. وأعرب أكاديميون وأعضاء في المجتمع المدني عن دعمهم لمحمود آباد، وعبّروا عن غضبهم من تصرفات لجنة المرأة.
وعندما أصبحت مزاعم باتيا موضع تندر علني، تقدّم عضو في حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، الحزب القومي الهندوسي الحاكم، بشكوى لدى شرطة هاريانا، مدّعيًا أن محمود آباد قال شيئًا مهينًا له ولغيره- في إشارة إلى نفس المنشورات على فيسبوك.
وبناءً على هذه الشكوى، وجّهت الشرطة إلى محمود آباد تهمًا خطيرة، منها التحريض على العداء بين الجماعات الدينية، والإساءة للمشاعر الدينية، والمسّ بكرامة النساء. وقد أُلقي القبض عليه فورًا.
كان محمود آباد واثقًا من أن قراءة دقيقة لما كتبه ستكشف عن زيف التهم الموجهة إليه، فلجأ محاموه إلى المحكمة العليا مطالبين بإطلاق سراحه ووقف التحقيقات. ولكن، وقبل انعقاد الجلسة، أصدر نحو 200 أكاديمي، من بينهم رؤساء جامعات ومؤسسات أكاديمية، بيانًا دعوا فيه المحكمة إلى اتخاذ موقف حازم ضده. واتهموه بمحاولة "زعزعة الانسجام الطائفي، وتقويض نزاهة المؤسسات، والنيل من المساواة الجندرية". ووصفوا منشوراته بأنها "تمييز ضد النساء متنكر في ثوب البحث الأكاديمي الزائف"، وطالبوا المحكمة بأخذ تبعاتها الاجتماعية والقانونية بعين الاعتبار.
إعلانخلال الجلسة، قرأ محامي محمود آباد المنشورات بصوت عالٍ أمام المحكمة. لكن المحكمة أبدت شكوكًا، معتبرة أن كلماته تحمل معاني مزدوجة وتلميحات مبطنة. وقالت هيئة القضاة: "من يمتلك عقلًا تحليليًا سيفهم اللغة… الكلمات قد تبدو بريئة، لكنها قد تستهدف جمهورًا غير مقصود".
ثم قررت المحكمة العليا تشكيل فريق تحقيق خاص (SIT) مكوّن من ثلاثة ضباط شرطة كبار، لـ"فهم تعقيدات اللغة وتقديرها بشكل صحيح".
بهذا، أعطت أوامر المحكمة الانطباع بأن كلمات محمود آباد لا يمكن أخذها على ظاهرها، وأنها – رغم كونها تبدو غير مؤذية – قد تحمل نوايا خفية أو رسائل مضمنة.
وقد أثار هذا القرار صدمة في الرأي العام، إذ تساءل كثيرون: هل يصعب على المحكمة قراءة المنشورات وتحليلها بنفسها؟ ألا يملك القضاة العقول التحليلية اللازمة لفهم ما كتبه محمود آباد؟ أليس هذا هو عملهم؟ أم إن المحكمة تتهرّب من اتخاذ موقف صريح؟
سيعمل فريق التحقيق تحت ظلال الافتراضات المسبقة التي أبدتها المحكمة، وهي افتراضات تميل ضد محمود آباد. فكيف له أن يبدد مثل هذه التصورات المسبقة أصلًا؟
وفي الوقت نفسه، يزداد الغموض حول قضية محمود آباد. إذ بدأت الشرطة بالتحقيق في خلفيته العائلية، وهويته كمسلم متدين، وأصوله الباكستانية، وسفره إلى الخارج. وستُستخدم هذه العوامل الآن كإطار يتم من خلاله تفسير منشوراته.
وتنهمك وسائل الإعلام في شيطنته. وسرعان ما ستتلاشى كلماته الحقيقية وسط ضباب الدعاية، ليحل مكانها تصور نمطي لمسلم خبيث، ماكر، ومتآمر، يُرسّخ في المخيلة الجماعية للهندوس.
وقد مثل محمود آباد أمام فريق التحقيق. وفي الأثناء، أعلنت منظمة "أخيل بهاراتيا فيديارثي باريشاد" (ABVP) – الجناح الطلابي لحزب BJP – عن خطط لتنظيم مظاهرة عامة ضده. وطالبت جامعة أشوكا بفصله من عمله، بدعوى أنه كتب منشورات "معادية للوطن".
إعلانكما انضم الناطق باسم "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، الهيئة الأم لحزبَي BJP وABVP، إلى الأصوات المطالبة باتخاذ إجراءات ضده.
نرى أمامنا ذات السيناريو المعتاد- الذي استُخدم لتشويه سمعة أكاديميين مثل عمر خالد وشارجيل إمام- وتحويلهم إلى أعداء داخل النظام القومي الهندوسي بمساعدة الإعلام والشرطة والقضاء.
كل ما يمكن فعله الآن هو الأمل بأن يبقى ضباط الشرطة على قدر من الثبات، وألا يتأثروا بتعليقات المحكمة أو ضجيج الدعاية، وأن يقرؤُوا كلمات محمود آباد – التي صاغها عقل مسلم- بعيون دستورية. فهذه الكلمات تنادي بالتعاطف، والفهم، والعدالة، والمساواة، والكرامة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline