الذكاء الاصطناعي تنقصه نعمة النسيان.. فما تبعات ذلك؟
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
عندما اكتشف براين هود أن "تشات جي بي تي" نسب إليه ماضياً إجرامياً، وجد هذا السياسي الأسترالي نفسه في مواجهة معضلة ينكبّ المهندسون جاهدين على محاولة حلّها، وتتمثل في كيفية تعليم الذكاء محوَ الأخطاء.
فالخيار القانوني المتمثل في تلويح براين هود في أبريل/نيسان الفائت برفع دعوى تشهير على شركة "أوبن إيه آي" (منشئة "تشات جبي بي تي") لا يبدو حلاً مناسباً.
ويرى المختصون أن مسألة "إلغاء التعلّم" أي جعل الذكاء الاصطناعي ينسى بعض ما تلقّنه، ستكون بالغة الأهمية في السنوات المقبلة، وخصوصاً في ضوء التشريعات الأوروبية لحماية البيانات.
وتؤكد أستاذة علوم المعلومات في جامعة "آر إم آي تي" في ملبورن ليسا غيفن أن "القدرة على محو البيانات الموجودة في قواعد بيانات التعلّم هي موضوع مهم جداً". لكنها ترى أن جهداً كبيراً لا يزال مطلوباً في هذا المجال نظراً إلى النقص الحالي في المعرفة في شأن كيفية عمل الذكاء الاصطناعي.
ففي ظل الكم الهائل من البيانات التي يُدرَّب الذكاء الاصطناعي عليها، يسعى المهندسون إلى حلول تتيح تحديداً أكبر، بحيث تُزال المعلومات الخاطئة من مجال معرفة أنظمة الذكاء الاصطناعي بغية وقف انتشارها.
خواريزمية تعالج المشكلة؟
واكتسب الموضوع زخما خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، على ما يوضح لوكالة فرانس برس الباحث الخبير في هذا المجال، مقداد كرمانجي، من جامعة وارويك البريطانية. وعملت "غوغل ديب مايند" المتخصصة في الذكاء الاصطناعي على معالجة هذه المشكلة، إذ نشر خبراء من الشركة الأميركية الشهر المنصرم مع كورمانجي، خوارزمية مخصصة لمحو البيانات في نماذج لغوية مهمة، كنموذجَي "تشات جي بي تي" و"بارد" (من "غوغل").
وانكبّ أكثر من ألف خبير شاركوا في مسابقة أطلقتها الشركة الأميركية على العمل ما بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول لتحسين أساليب "إلغاء تعلّم" الذكاء الاصطناعي. وتتمثل الطريقة المستخدمة المشابهة لما توصلت إليه أبحاث أخرى في هذا المجال، في إدخال خوارزمية تأمر الذكاء الاصطناعي بعدم أخذ بعض المعلومات المكتسبة في الاعتبار، ولا تتضمن تعديل قاعدة البيانات.
ويشدد مقداد كرمانجي على أن هذه العملية يمكن أن تكون "أداة مهمة جداً" لتمكين أدوات البحث من الاستجابة مثلاً لطلبات الحذف، عملاً بقواعد حماية البيانات الشخصية.
ويؤكد أن الخوارزمية التي تم التوصل إليها أثبتت فاعليتها أيضاً في إزالة المحتوى المحميّ بموجب حقوق المؤلف أو في تصحيح بعض التحيزات. لكنّ آخرين كمسؤول الذكاء الاصطناعي في "ميتا" (فيسبوك وإنستعرام) يانّ لوكان، يبدون أقل اقتناعاً بهذه الفاعلية. ويوضح لوكان لوكالة فرانس برس أنه لا يقول إن هذه الخوارزمية "غير مجدية أو غير مثيرة للاهتمام أو سيئة"، بل يرى أن "ثمة أولويات أخرى".
ويعتبر أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة إدنبره، مايكل روفاتسوس أن "الحل التقني ليس الحل الناجع". ويشرح أن "إلغاء التعلم" لن يتيح طرح أسئلة أوسع، ككيفية جمع البيانات، ومن المستفيد منها، أو من يجب أن يكون مسؤولا عن الضرر الذي يسببه الذكاء الاصطناعي.
ومع أن قضية براين هود عولجت، من دون تفسير، بعدما حظيت باهتمام إعلامي واسع أثمرَ تصحيح البيانات التي تعالجها "تشات جي بي تي"، فإنه يعتبر أن الأساليب التي ينبغي استخدامها في الوقت الراهن يجب أن تبقى يدوية. ويقول الرجل الأسترالي "ينبغي أن يتحقق المستخدمون من كل شيء، في الحالات التي تعطي فيها روبوتات الدردشة معلومات خاطئة".
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
شاهد كيف جعلت مدرسة ألفا الذكاء الاصطناعي معلما بدل البشر
الجميع يعلم أن الذكاء الاصطناعي هو تقنية تعلمت وتدرّبت على محتوى من صنع البشر، ولكن من كان يتوقع يوما أن هذه التقنية المُحدثة ستكون المسؤول الأول عن تعليم أجيال وتصبح المعلم المشرف على أبنائنا؟
وفي أول تجربة لإدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم بشكل كامل قامت مدرسة "ألفا" (Alpha) التي تقع في ولاية تكساس الأميركية باستبدال طريقة التعليم التقليدية داخل الصفوف بمعلمين من الذكاء الاصطناعي ومنصات تعليمية ذكية تتكيف مع مستوى كل طالب.
في مدرسة "ألفا" يقضي الطلاب فترة الصباح في تعلم المواد الأساسية مثل الرياضيات والقراءة والعلوم، وكل طالب يتعلم بمنهج شخصي ومخصص له بحسب مستواه واحتياجاته، إذ إن الذكاء الاصطناعي يقيم معرفة الطالب بشكل فوري ويحدد الأجزاء التي لم يتقنها بعد، ويتأكد من أنه تعلم جميع الدروس جيدا قبل أن ينتقل إلى المرحلة التالية (مرحلة النشاطات).
وقد حقق هذا النهج نتائج مبهرة بحسب موقع "فوكس نيوز" (FoxNews) الإخباري حيث صُنفت نتائج طلاب مدرسة "ألفا" بأنها من ضمن أفضل النتائج متفوقة على أعلى النتائج في البلاد بنسبة 1-2%، وصرحت ماكنزي برايس الشريكة المؤسسة لمدرسة "ألفا" خلال مقابلة على برنامج "فوكس آند فريندز" (Fox & Friends): "نستخدم معلمين من الذكاء الاصطناعي وتطبيقات متكيفة لتوفير تجربة تعلم مخصصة بالكامل"، وأضافت "إن طلابنا يتعلمون بشكل أسرع بل وأفضل بكثير، وتُصنف فصولنا الدراسية ضمن أفضل الفصول على مستوى البلاد بتفوق يصل إلى 2%".
إعلانوفي مدرسة "ألفا" يمكن للطلاب إكمال يوم دراسي كامل في ساعتين فقط، ويُخصص باقي اليوم في بناء مهارات عملية مثل التحدث أمام الجمهور والعمل الجماعي والمعرفة المالية مما يحقق توازنا بين الإتقان الذاتي والمشاركة المجتمعية.
وذكرت برايس -وهي عالمة نفس وخريجة جامعة ستانفورد- أنها أطلقت برنامج "ألفا" بعد أن عادت بناتها من المدرسة وهن يشعرن بالملل والكسل، كانت الفكرة بسيطة وجريئة وهي "تقليص الحصص الدراسية الأساسية إلى ساعتين يوميا باستخدام التكنولوجيا، وإتاحة بقية اليوم للطلاب للنمو بطرق أخرى".
يُذكر أن أول فرع لمدرسة "ألفا" افتتح في مدينة أوستن عام 2016 وذلك بعد عامين من التطوير، واليوم يضم 150 طالبا، ومع النتائج المبهرة وإلحاح أولياء الأمور، بدأت المدرسة توسّع نفوذها ليشمل جميع أنحاء البلاد، وقد أعلنت عن خطط لافتتاح 7 فروع جديدة بحلول خريف 2025.
وتشمل المواقع القادمة تكساس وفلوريدا وأريزونا ونيويورك والتي سيتوفر فيها التعليم بالذكاء الاصطناعي من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثامن، كما ستصل مدرسة "ألفا" إلى ولاية كاليفورنيا ولكن سيشمل فيها التعليم كامل المرحلة الثانوية، وتختلف الرسوم المدرسية باختلاف الموقع ويتراوح متوسطها بين 40 ألفا و50 ألف دولار سنويا.
كيف تعمل مدرسة "ألفا"؟تعتمد مدرسة "ألفا" على نماذج الذكاء الاصطناعي لتقوم بدور المعلم، بالإضافة إلى تطبيقات تعليمية ذكية تتكيف مع مستوى كل طالب، والتي تستطيع تقييم المستوى وتساعد على فهم المحتوى قبل الانتقال إلى المرحلة التالية.
وتخصص المدرسة ساعتين فقط في الفترة الصباحية لتعليم المواد الأساسية، وفي فترة بعد الظهر يشارك الطلاب في ورشات عمل ومشاريع جماعية حول مهارات الحياة مثل الخطابة والقيادة وريادة الأعمال والبرمجة والنقاش، ويتاح للطلاب الأكبر سنا فرص تدريب عملي أو البحث، وهي أنشطة لا توفرها المدارس العادية.
إعلانوبالنسبة للمعلمين البشريين في "ألفا" فلا يُدرّسون الطلاب بالطريقة التقليدية حتى إنهم لا يصححون الواجبات، وتقتصر وظيفتهم في الإرشاد ودعم الطلاب وتحفيزهم ومساعدتهم في البقاء على المسار الصحيح.
إدارة ترامب تشجع دمج الذكاء الاصطناعي في التعليموقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي أمرا تنفيذيا لدمج الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية من مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الـ12 في جميع أنحاء البلاد، وذلك بهدف تنمية الخبرات التكنولوجية لدى الأجيال القادمة.
وأمر ترامب بإنشاء فريق عمل خاص داخل البيت الأبيض يكون معنيا بتعليم الذكاء الاصطناعي، كما ألزم وزيرة التعليم ليندا مكماهون بإعطاء الأولوية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في برامج التدريب التي تمولها الوزارة للمعلمين.
ومن جهة أخرى أعلن ترامب عن إطلاق مسابقة جديدة أطلق عليها اسم "تحدي الذكاء الاصطناعي الرئاسي"، وهي فرصة للطلاب والمعلمين لإبراز قدراتهم في هذا المجال مؤكدا على أهمية تدريب المعلمين، ليس فقط ليدرسوا الذكاء الاصطناعي، بل ليستخدموه داخل الفصول الدراسية لتحسين جودة التعليم.
ومن الجدير بالذكر أن حوالي نصف طلاب مدرسة "ألفا" في مدينة براونزفيل هم أبناء موظفي شركة "سبيس إكس" (SpaceX) التابعة للملياردير إيلون ماسك الذي كان يشغل منصبا في وزارة الكفاءة الحكومية.
تحديات التعليم في مدرسة "ألفا"يعتقد بعض منتقدي مدرسة "ألفا" أن طلابها يقضون وقتا طويلا أمام الشاشات، لكن في الحقيقة هم لا يستخدمون الشاشات في الدراسة إلا لمدة ساعتين فقط، وهو أقل مما يقضيه كثير من الطلاب في المدارس التقليدية التي تعتمد على التعليم الرقمي طوال اليوم.
ورغم أن طريقة "ألفا" تبدو مناسبة أكثر للطلاب الذين لديهم دافع ذاتي قوي، ولكن لا يزال من غير الواضح مدى نجاح هذه الطريقة مع الطلاب الذين يحتاجون إلى رقابة مكثفة أو شرح مباشر من المعلمين، وفكرة استبدال المعلمين البشريين بنماذج ذكاء اصطناعي تثير الكثير من الجدل، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالطلاب الأصغر سنا الذين قد يواجهون صعوبة في التعلم الذاتي من دون وجود معلم.
إعلانولكن المدرسة ترد على هذا النقد بالقول إن دور المعلم لم يُلغَ بل تغير، فالمعلمون في "ألفا" لا يشرحون المواد كما في المدارس التقليدية، بل يعملون كمرشدين ومدربين يركزون على تحفيز الطلاب ومتابعتهم بدلا من تقديم المحتوى الدراسي بأنفسهم.
وتمثل مدرسة "ألفا" جزءا من حركة تعليمية جديدة تسعى إلى إعادة تشكيل التعليم باستخدام التكنولوجيا، والنتائج التي حققتها حتى الآن أظهرت أن التعليم المخصص لكل طالب والذي يركز على إتقان المهارات بدلا من الحفظ يمكن أن يكون بديلا قويا للتعليم التقليدي، ولكن لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كان هذا النموذج سيستمر على المدى الطويل، وهل سيكون متاحا للجميع أم فقط لفئة محددة.
وفي حال نجحت "ألفا" في توسيع هذه الطريقة مع الحفاظ على جودتها، فقد نشهد تغييرا كبيرا في طريقة تقديم التعليم، لكن من غير المؤكد حتى الآن ما إذا كانت هذه المدرسة ستحل محل المدارس التقليدية أو ستقدم بديلا مميزا.
على كل حال، طريقة مدرسة "ألفا" تدفعنا لإعادة التفكير في شكل المدرسة الحديثة، فحين نرى طلابا يتعلمون بضعف السرعة ويشاركون في أنشطة حقيقية ومفيدة، يظهر سؤال مهم: ماذا لو أردنا تصميم مدرسة من جديد في هذا العصر، هل ستكون شبيهة بما نعرفه اليوم؟