الجزيرة:
2025-07-05@00:24:39 GMT

لبنان في قلب التحول الإقليمي.. صناعة حل أم عجز مديد؟

تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT

لبنان في قلب التحول الإقليمي.. صناعة حل أم عجز مديد؟

لم تكد تمضي دقائق على انتهاء الهدنة في قطاع غزة، حتى استأنفت إسرائيل توجيه ضرباتها ضد المدنيين في القطاع المحاصَر، ولكن مع تركيز أكبر على القسم الجنوبي هذه المرة.

الواضح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اتخذ قراره بالهروب من نتائج الحرب الكارثية، عن طريق الهجوم والاندفاع نحو الأمام.

والأكيد أن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة، وعدم إمكانية نتنياهو توظيفَ أي انتصار عسكري على المستوى الداخلي؛ للتخفيف من حدة النقمة عليه، جعله يائسًا ومستعدًا للذهاب إلى النهاية في مغامرته غير المحسوبة مع حركة حماس، حاملًا معه هذه المرّة هدف إنجاز "المنطقة العازلة"، التي باتت حديث كل الأروقة الدبلوماسية.

فنتنياهو مع القادة العسكريين والأمنيين باتوا يبحثون عن حبل نجاة يخفّف من وطأة الحساب ولجان التحقيق؛ نتيجة الإخفاق الكبير الذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول مع أول طلقة من عبور "طوفان الأقصى".

الشارع الإسرائيلي- الذي يعيش صدمة من تداعيات "طوفان الأقصى"، وهو ما سيبقى محفورًا في وعيه الجمعي- ما زال بغالبيته مؤيدًا للحرب. لكن مزاجه قد يتبدل في حال بقيت نتائج الميدان سلبية، إلى جانب التراجع الاقتصادي المدوي، والعجز المديد في السياسة والأمن.

نتنياهو وائتلافه الحكومي مُرتعبان من أرقام الاستطلاعات، ولا سيما أن إعلان انتهاء الحرب سيقود فورًا إلى انتخابات جديدة؛ لذلك رسمت الحكومة الإسرائيلية ثلاثة أهداف لها لجولتها الجديدة؛ أهمها تحقيق المنطقة العازلة في غزة، وإبعاد حزب الله عن الحدود باتجاه الليطاني، وتنفيذ اغتيالات تعطي صدى في الداخل الإسرائيلي، وتعيد له بعض الثقة بقيادته.

وخلال الأيام الماضية كُشف النقاب عن طرح نتنياهو المنطقةَ العازلةَ من خلال قنواته السرية مع الأردن، ومصر، والسعودية، فيما التواصل قائم مع قطر كوسيط في ملف إطلاق الرهائن.

أرفق ذلك بتسريب خُطة تقضي بتقسيم قطاع غزة إلى عشرات المناطق الصغيرة، وسط تلميحات للجيش الإسرائيليّ بأنّه يتوقع أن تستغرق الجولة العسكرية الجديدة في جنوب غزة وقتًا أطول من الشمال، بحيث تستمر حتى شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، ولو مع هدن مؤقتة.

من المعروف عن جغرافيّة قطاع غزة أنها بطول حوالي 40 كيلومترًا، ولكن بعرض يتراوح ما بين 5 إلى 12 كيلومترًا، ويقطن القطاع زهاء مليونين و300 ألف فلسطيني.

وبالتالي، فإن المنطقة العازلة التي تطالب بها إسرائيل، تعني الإبقاء على مساحة ضئيلة للفلسطينيين تكون أقرب إلى المنطقة الرمزية؛ ما سيؤدي إلى إحراج أكبر لإدارة بايدن وعواصم أوروبية وعربية، وخاصة أن الجميع عاد ليطرح حل الدولتين.

وعليه فإنّ هذا المسار بات يؤشر بوضوح إلى إسقاط إسرائيل- حكمًا- خيارَ حل الدولتين الذي تصر واشنطن على تطبيقه- ولو صوريًا- قبيل الدخول بجولة انتخابية رئاسية منتظرة.

لذلك كان منطقيًا إعلان واشنطن معارضتها أيةَ خطوة تؤدي إلى تقليص مساحة غزة، وبالمقابل تتمسك الحكومة اليمينية الإسرائيلية بفكرة المنطقة العازلة، ولو أنها ألمحَت إلى إمكانية تقليص العمق الذي تطرحه لها من كيلومترين إلى كيلومتر أو أقلّ.

خلال زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، أطلق العديد من الرسائل التي بدت أكثر حزمًا هذه المرة. وهذا ما أعطى انطباعات جديدة في جولته الأخيرة

هل الفيتو الأميركي يبدو حازمًا؟

فإسرائيل من جهتها، أظهرت أنها مستمرة في مشروعها، وهي باشرت هجومها البري في القطاع الجنوبي عبر خان يونس، مسقط رأس يحيى السنوار، ومحمد ضيف، وهدفها يبقى إفراغ الجنوب على غرار الشمال، وهذا ما استدعى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى توجيه ملاحظة علنية للإسرائيليين نابعة من الدروس التي تعلمها الأميركيون من العراق، ومفادها؛ أنّ حماية المدنيين ليست مجرد مسؤولية أخلاقية، بل ضرورة إستراتيجية؛ خشية أن يؤدي عكس ذلك إلى استبدال النصر التكتيكي بهزيمة إستراتيجية.

وعلى هامش أعمال مؤتمر المناخ- الذي عقد في دبي- أعلنت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس أن واشنطن لن تسمح بإعادة الترحيل القسري للفلسطينيين، أو إعادة رسم الحدود. وأعادت التأكيد على ضرورة ترتيبات أمنية مقبولة لإسرائيل والشركاء المعنيين بحرب غزة.

وفي موازاة ذلك شكك الرئيس الفرنسي في إمكان تحقيق إسرائيل أهدافَها، في ظل ما نُقل عن اتصال متوتر بين البابا فرنسيس، والرئيس الإسرائيلي.

هذه المواقف تظهر التباين الموجود بين إسرائيل وداعميها حول النتائج المطلوبة من الحرب، فيما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بات يؤيّد البحث حول مستقبل غزة والصورة السياسية قبل وقف الحرب؛ أي إنجاز العناوين العريضة للتسوية الشاملة. وهذا ما يفتح الباب حول الوضع في ساحات المنطقة، وفي طليعتها: اللبنانية، والسورية، والعراقية.

ولذلك لا بد من التوقف مليًا أمام الآتي:

العراق: مع الظهور العنيف المستجد لداعش في شمال العراق، فالاشتباكات عادت مع الجيش في محافظة نينوى. والمعروف أن عناصر داعش يستغلون الفراغات الأمنية الموجودة، خصوصًا ما بين محافظتي صلاح الدين وديالى، وما بين كردستان وكركوك.

سوريا: عاد التحفيز الأكبر للاحتجاجات الشعبية في السويداء والمنطقة الجنوبية القريبة للحدود مع إسرائيل. فقد سُجِّل انخراطٌ أوسع شمل قطاعات جديدة، ومشاركة للنقابات الحرة. وكان معبرًا جدًا اقتحامُ المتظاهرين- في مدينة شهبا شمال السويداء- مقرَّ حزب البعث، وتفريغ محتوياته، وهو ما يعزز الانطباع بإنشاء منطقة عازلة، هُويتها سورية، ولكنها ستتمتع بحكم ذاتي مستقل.

لبنان: عاد القلق من احتمال تنفيذ الموساد الإسرائيلي عمليات اغتيال وَفق التهديد الإسرائيلي، وخاصة أنّ التلميحات أظهرت وجود توجّه جديد تحت عنوان: "تطبيق القرار 1701″، والهدف إبعاد البنية العسكرية لحزب الله عن الجنوب.

وبات أغلب الظن أن ما يشهده لبنان الآن هو أقرب إلى مرحلة تحضيرية واستباقية منه إلى الشروع في تنفيذ البرنامج. والسبب أنه لا بد من تأمين المروحة الإقليمية قبل ذلك؛ أي إنجاز التفاهمات مع إيران على مستوى الإقليم.

لذا وخلال زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، أطلق العديد من الرسائل التي بدت أكثر حزمًا هذه المرة. وهذا ما أعطى انطباعات جديدة في جولته الأخيرة.

لكن تبقى ثلاث إشارات أساسية لها رابط واضح بالتطورات الإقليمية، فهو تعمد إظهار تحركه باسم الدول الخمس: (الولايات المتحدة، وقطر، والسعودية، ومصر، وفرنسا)، ولذلك كان الإعلان عن عشاء سفراء هذه الدول في قصر الصنوبر.

إضافة إلى إظهاره التطور في الموقف السعودي لناحية انخراطه في الملف اللبناني، وهو ما كانت تتمنع عنه السعودية طوال المراحل الماضية؛ ما يعني أن الوقت قد حان للتحرك، وهذا ما أعلنه سرًا السفير السعودي وليد البخاري، من تَماهٍ سعودي – قطري – فرنسي بدعم أميركي، في الملف اللبناني.

أما الإشارة الثانية للودريان، فهي حديثه عن أن الحرب في غزة ستسرع عملية انتخابات الرئاسة في لبنان لا العكس كما هو سائد. والربط هنا مع ضرورة أن يكون للبنان رئيس وحكومة شرعية؛ لحضور مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط، يجري التحضير له على ما يبدو لمواكبة إعادة رسم الخارطة السياسيّة الجديدة للمنطقة.

بالمقابل سعى لودريان لإظهار مؤشرات تتعلّق بحسابات المؤسسة العسكرية في لبنان، وقضية التمديد لقائد الجيش الذي يحظى بدعم أميركي – سعودي – قطري، وحديثه إلى الأطراف السياسية بضرورة تجاوز الصراعات الضيقة والشخصية، والانخراط في سياق التحولات الكبرى التي عمّت وستعمّ كافة أرجاء الشرق الأوسط. إضافة إلى المخاطر المرتفعة والظروف الدقيقة التي تنتظر لبنان وجنوبه.

ولذلك تعمّد لودريان أن يكون حاسمًا من خلال قطع اجتماعه برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وهي رسالة مقصودة في حد ذاتها، للقول؛ إنه لا أحد من الأطراف مستعد لمجاراة أي طرف لمصالحه.

يحصل كل ذلك، في ظل استمرار رسائل التحذير الدبلوماسية للبنان من أن استمرار المواجهات سيؤدي إلى تصعيد إسرائيلي في المرحلة المقبلة؛ لأن إسرائيل وحكومتها المتطرفة لن تكون قادرة على تحمل البقاء تحت ضربات حزب الله وقوته النارية.

وهنا تنقسم الآراء، بين من يعتبر أن ما يجري سيكون هدفه تثبيت الوقائع من دون الدخول في حرب واسعة ومفتوحة، وأن الرسائل الدولية تندرج في إطار الضغط فقط، وبين من يرى أن التحذيرات الدولية الكثيفة مشابهة جدًا لتحذيرات فرنسية عمل على توجيهها الرئيس فرنسوا ميتران إلى لبنان عشية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982، حيث إن اللبنانيين حينها لم يتعاطوا معها بجدية.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المنطقة العازلة وهذا ما

إقرأ أيضاً:

كيف تُعيد حرب إسرائيل وإيران تشكيل الشرق الأوسط؟

 

إذا كان مستقبل أي منطقة عادةً ما يرتبط بالعديد من العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية وغيرها، فإن مستقبل الشرق الأوسط اليوم يرتبط بعامل رئيسي، وهو الآثار والتداعيات المترتبة على الحرب بين إسرائيل وإيران التي بدأت في 13 يونيو 2025، ووضعت أوزارها مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين البلدين في 24 يونيو الجاري. فالطريقة التي وضعت نهاية الحرب، سوف تطرح تأثيراتها في شكل المنطقة، وتوازن القوى بين دولها، ومستقبل علاقاتها الدولية.

فقد تم إعلان وقف إطلاق النار بعد يومين من الهجوم العسكري الأمريكي ضد مواقع البرنامج النووي الإيراني؛ أي أنها انتهت بعد عملية عسكرية أمريكية تُعد الأكبر من نوعها منذ عدة عقود. وأعقب هذا الهجوم يوم من العمليات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، فقامت إسرائيل بتوسيع مجال أهدافها، ليشمل المطارات، ومراكز الحرس الثوري، والباسيج، والسجون، والمطارات، والمؤسسات الاقتصادية والتعليمية؛ وذلك في سياق سيطرة شبه كاملة واستباحة للمجال الجوي الإيراني. بينما قامت إيران، في نفس اليوم، بهجوم بالصواريخ على إسرائيل، استهدف مدن تل أبيب وحيفا وبئر السبع، وآخر على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، بعد أن كانت قد أبلغت السلطات الأمريكية بموعد الهجوم وهدفه؛ مما قلل للغاية من آثاره واستدعى شكر الرئيس ترامب لها.

وحتى الآن، لا أحد يعرف على وجه الدقة حجم الأضرار الناجمة عن الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، ومدى استقرار وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حكومتا إيران وإسرائيل أو نص الاتفاق، وعن شكل وطبيعة ما سوف يترتب عليه من إجراءات سياسية، والمفاوضات التي من المُتوقع حدوثها، ونتائجها. ومع ذلك، يثور السؤال عما هو مستقبل الشرق الأوسط؟ وكيف يؤثر ما حدث في إعادة تشكيل وتوزيع عناصر القوة فيه؟

مواقف الأطراف:

على المستوى الجيوبولوتيكي، تبدو هناك أكثر من إجابة لهذا السؤال، فقد تسعى إسرائيل إلى تصدر المشهد الإقليمي واستكمال إعادة تشكيله وفقاً لرؤيتها ومصالحها، وقد ينشأ توازن للقوى بين إسرائيل وإيران تحت إدارة أمريكية وربما بتنسيق مع تركيا، أو أن تتحرك عدد من الدول العربية وتركيا لبناء توافق إقليمي لا يعتمد فقط على العلاقات بين إسرائيل وإيران. وسوف يُسهم سلوك دول الإقليم في ترجيح الاتجاه إلى أي من هذه الصور.

فقد انتهت الحرب بعد أن اتضح بجلاء الاختلال النوعي في ميزان القوى بين إسرائيل المدعومة أمريكياً، وإيران التي حاربت منفردة. ويمكن توضيح مواقف الأطراف الأساسية في التالي:

1- إسرائيل: سوف تسعى تل أبيب إلى الاستفادة من هذا الوضع وتحقيق أكبر قدر من أهدافها التي تتضمن القضاء على البرنامج النووي والصاروخي لإيران، والعمل على خلق الظروف لتغيير النظام الحاكم في طهران، فضلاً عن هدف إعادة تشكيل الشرق الأوسط الذي تحدث عنه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عدة مرات على مدى عامين، للتخلص من أي مصدر للتهديد العسكري ضد إسرائيل قادر على إلحاق الضرر والأذى بها، وفقاً لرؤيته، على نحو ما حدث في فلسطين وسوريا ولبنان. يُضاف إلى ذلك، هدف الإسراع في تنفيذ خطط تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، والضغط على الدول المجاورة لقبولهم تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية، وكذلك هدف تشجيع الأقليات في بعض الدول العربية ضد حكوماتها ودعمها لإضعاف التماسك الوطني فيها.

ومن المُتوقع أن يؤدي هذا السلوك الإسرائيلي إلى استمرار التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وسوف تظل إسرائيل متابعة ومراقبة لجهود إيران لإحياء مشروعها النووي والصاروخي، والتزامها ببنود الاتفاق الذي سوف تتوصل إليه طهران مع واشنطن، أو أي نشاط لها لإحياء دور أذرعها في المنطقة.

وقد يترتب على ذلك، ازدياد شكوك دول المنطقة في توجهات إسرائيل وتطلعاتها إلى مد نفوذها وسيطرتها؛ وبما يقود إلى زيادة التعاون بين مجموعة من الدول العربية متقاربة التوجهات والمشاغل؛ ومن ثم تصبح عنصراً فاعلاً في توازن القوى الإقليمي.

2- إيران: بالرغم من أن طهران رفضت “الاستسلام غير المشروط” الذي اقترحه ترامب، وأثبتت قدرتها على استهداف المدن الإسرائيلية حتى آخر أيام القتال؛ فإنه لم يكن من الوارد أن تدخل في مواجهة عسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة، فقررت قيادتها أن المصلحة الوطنية لبلادها تكمن في إنهاء الحرب.

وتبقى إيران بعد الحرب قوة إقليمية جريحة وضعيفة نسبياً، وخاصة بعد تآكل أذرعها في المنطقة. والأرجح أن إيران سوف تسعى إلى ترميم نظامها الدفاعي لتعويض خسائرها، وإعادة بناء قدراتها العسكرية، وربما تصل إلى الاقتناع بأن الوصول إلى القنبلة النووية هو أهم ضمانة لحماية أمنها في المستقبل كما حدث في حالة كوريا الشمالية. وإلى حين حدوث ذلك، سوف تتبع تكتيكات غير متناظرة لإدارة الصراع مع إسرائيل.

وتتوقع إيران أن تُسفر المفاوضات مع الولايات المتحدة عن إنهاء بعض العقوبات الاقتصادية أو الإفراج عن أرصدتها المالية المُجمدة؛ مما يتيح للاقتصاد الإيراني فرصة للانتعاش، وزيادة صادراته من النفط. في المقابل، فإنه إذا قبلت الحكومة الإيرانية المطلب الأمريكي بعدم تخصيب اليورانيوم على أراضيها، واستخدمت المعارضة المعلومات المتاحة عن إبلاغ طهران السلطات الأمريكية عن موعد وهدف الهجوم على قاعدة العديد؛ فإن الرأي العام في طهران قد ينفض عنها وينقلب عليها، ويختار حكومة من التيار المتشدد في الانتخابات القادمة.

3- الولايات المتحدة: أثبت واشنطن أنها القوة الدولية الوحيدة القادرة على حسم الصراعات في الشرق الأوسط، وشريك أساسي في توجيهها بما يتفق مع سياساتها ويخدم مصالحها، وذلك مقارنةً بالدور المحدود لكل من روسيا والصين. ومن المُرجح أن واشنطن سوف تسعى لفرض وجهة نظرها على طهران في القضايا محل الخلاف مثل تخصيب اليورانيوم، ودور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الرقابة والتفتيش؛ وذلك مقابل حوافز مالية واقتصادية.

4- الدول العربية: أدانت الدول العربية الهجوم الإيراني على قطر، واعتبرته مساساً بسيادتها، وربما أدى هذا إلى إحياء الشعور في بعض العواصم العربية بخطر القوة العسكرية الإيرانية واحتمال استخدامها ضد العرب أو على الأقل كعنصر مساند لتدخلها في الشؤون الداخلية العربية. وسبق ذلك إدانة الدول العربية للهجوم الإسرائيلي على إيران، واعتباره عدواناً على دولة ذات سيادة، فضلاً عن دعواتها المُتكررة إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، والمطالبة بعدم تصعيد الصراع، والعودة إلى مائدة المفاوضات. وبالفعل رحبت الدول العربية بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، لإنهاء أعمال التدمير ومنع مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، ومنها المخاوف من توظيف أنصار تنظيمات الإسلام السياسي التي تؤمن باستخدام العنف، للأوضاع الإقليمية الحالية في نشر أفكار التطرف والإرهاب، وتهديد الاستقرار السياسي في المنطقة.

مستقبل المنطقة:

ترسم هذه الملامح صورة قلقة، وغير مريحة لمستقبل الشرق الأوسط في الأجل القصير، فالطرفان المتحاربان احتفل كل منهما بالنصر في الميادين العامة، وما زالت التصريحات المتشددة تتردد على ألسنة قادة إسرائيل وإيران. وعمقت الحرب مشاعر الشك وعدم الثقة، وأوجدت مصادر لعدم الاستقرار الإقليمي، وسوف يزيد من ذلك شعور إسرائيل بالزهو بتحقيق الانتصار وسعيها لفرض ما تعتقده على إيران ودول المنطقة. ويبدو أن العنصر الحاسم في هذا الشأن هو موقف الرئيس ترامب وقدرة ممثليه على إدارة المفاوضات بشكل متوازن. ومن المُرجح أن يكون للدول العربية القريبة من واشنطن دور مهم في دعم هذا التوجه.

واتصالاً بذلك، ربما يؤدي وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران إلى إعطاء دفعة للإسراع بعقد اتفاق مماثل يُنهي القتال والتدمير في قطاع غزة، ويضع الأساس لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي باعتباره مصدراً لكثير من التوترات في الإقليم.

ويعتبر كثير من الدبلوماسيين والخبراء والباحثين، ومنهم هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الراحل، أن منطقة الشرق الأوسط هي “مرجل الصراعات في العالم”، والتي يتسم كثير منها بأنها صراعات اجتماعية ممتدة، تبدو مستعصية على الحل، واستمرت هذه السمة لصيقة بالمنطقة، على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ ومن ثم فإن الحديث عن عدم استقرار المنطقة واستمرار مصادر الخطر والتهديد فيها، ليس جديداً؛ لكن الجديد هو حجم الخسائر المادية والبشرية المترتبة عليها، ووجود مجموعة من دولها التي قررت الاستثمار في التنمية والسلم.

ختاماً، ربما يكون من المناسب الآن إثارة موضوع الحاجة إلى وجود نظام أمن جماعي إقليمي، يتضمن إجراءات وآليات بناء الثقة بين دول المنطقة، وبحث جذور الصراعات المزمنة التي تستخدم كمرجعية في إطار صراعات أخرى.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • غرفة صناعة دمشق وريفها تبحث مع المكتب الإقليمي لمنظمة العمل الدولية آفاق التعاون
  • العلويون في لبنان.. من الظلّ إلى الضوء.. طائفة في مرآة الهوية والانقسام الإقليمي
  • تقارير تكشف خطورة الطريق الذي شهد مقتل ديوغو جوتا
  • عضو فيلق القدس الإيراني الذي استهدف في خلدة بلبنان يدعى قاسم الحسيني
  • ما هو أسبوع تساقط الفانتوم الإسرائيلي الذي تحتفل به مصر؟
  • كيف تُعيد حرب إسرائيل وإيران تشكيل الشرق الأوسط؟
  • الشيخ قاسم: العدو الإسرائيلي يمثل خطرًا استراتيجيًا على المنطقة والعالم
  • جمعية المصارف: نُرحّب بهذا القرار الذي يهدف إلى حماية جميع المودعين
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • من انتصر في الحرب: إسرائيل أم إيران؟