مولد السيدة نفيسة.. الصوفية يبدأون رحلة الاحتفال بذكرى أم الزاهدات
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
تحتفي الطرق الصوفية، اليوم الاثنين، بذكرى مولد السيدة نفيسة رضي الله عنها، حيث يتوافد أبناء الطرق المختلفة على مسجدها بمصر القديمة تزامنًا مع بداية أسبوع الدراويش والذي يسبق الاحتفال الرسمي للمشيخة العامة.
وتعد السيدة نفيسة رضي الله عنها ثاني أشهر نساء آل البيت في مصر بعد السيدة زينب رضي الله عنها، وهي ابنة حسن الأنور، وهو ابن زيد الأبلج، ابن الإمام الحسن سبط النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وابن الإمام علي كرم الله وجهه، ونجل السيدة فاطمة الزهراء البتول رضي الله عنها، وتتعدد ألقاب السيدة نفيسة رضي الله عنها بين محبيها من المصريين، فهي أم الزاهدات، ومنبع الرحمات، وكريمة الدارين.
ويقع مسجد السيدة نفيسة ومقامها في الجنوب الشرقي بسفح المقطم، على مقربة من مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها جنوب غربي القلعة، بمنطقة تعرف تاريخيًّا بدرب السباع (بين منطقة القطائع والعسكر)، التي كانت تعرف بكوم الجارح، وقد أزالت البلدية ما حول المشهد من مبانٍ ومقابر وغيرها، وجعلت له ميدانًا فسيحًا رائعًا، وجدَّدَتْ بعض المباني من حوله، وزيَّنَت الميدان بالنافورات والزروع.
ولم يجمع المؤرخون على شيء إجماعهم على أن السيدة نفيسة بنت الحسن مدفونة بمشهدها بمصر، والدولة الآن بصدد توسيع مسجدها الشريف.
وقد أخذ اسم نفيسة من النفاسة ورفعة الشأن والشرف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الأسماء الجميلة، ويغير بعض أسماء الصحابة بما هو أجمل وأكمل.
ولادتها وزواجها وأولادهاوقد ولدت السيدة نفيسة رضي الله عنها بمكة في النصف الأول من ربيع الأول سنة مئة وخمس وأربعين من الهجرة، وقضت صباها بـ (المدينة)، ملازمة القبر النبوي في أغلب الأوقات؛ إذ كان والدها أميرًا على المدينة للخليفة المنصور، وقد أدركت طائفة من نساء الصحابة والتابعين وتلقَّت عنهن، وحجت ثلاثين حَجَّة، أكثرها وهي تمشي على أقدامها، وكانت تحفظ القرآن الكريم وتفسره وتفقه به الرجال والنساء، صوَّامة قوَّامة، سخية غاية السخاء، ولها كرامات لا تحصى كعمتها (زينب بنت علي) رضي الله عنها.
وتزوجت في العشر الأولى من رجب سنة 161هـ، من أحد بني عمومتها، السيد إسحاق المؤتمن (شقيق السيدة عائشة دفينة مصر)، وهو ابن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد علي زين العابدين بن مولانا الإمام الحسين رضي الله عنهم جميعًا، ورزقت منه بـ (القاسم، وأم كلثوم).
ولمَّا ترك الإمام الحسن الأنور والد السيدة نفيسة ولاية المدينة، خلَّفَه عليها زوجها إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق واليًا للعباسيين؛ فهي بنت أمير وزوجة أمير من أهل البيت.
وجاء في كتاب : «مراقد أهل البيت في القاهرة» للشيخ محمد زكي إبراهيم، إنه في العشر الأواخر من رمضان سنة (193 هجرية) نزلت مصر مع زوجها وأبيها وابنها وبنتها؛ لزيارة من كان بمصر من آل البيت، بعد أن زارت بيت المقدس وقبر الخليل، واستقبلها أهل مصر عند العريش أعظم الاستقبال، حتى إذا دخلت مصر أنزلها السيد (جمال الدين عبد الله الجصاص) كبير تجار مصر، في داره الفاخرة، ثم انتقلت إلى دار (أم هانئ) بجهة المراغة المشهورة الآن بالقرافة، وهناك كان إكرام الله لها بأن شفى من ماء وضوئها الفتاة المُقعَدة بنت أبي السرايا أيوب بن صابر اليهودي؛ فأسلم أهلوها ومن كان معهم.
وحاول أبو السرايا نقل السيدة نفيسة إلى داره في درب الكروبيين، وكان لهذه القصة دوي هائل في أهل مصر، فلازموا دارها ليل نهار بالمئات، يلتمسون البركات، وينتظرون الدعوات.
وهنا أزمع زوجها العودة بها إلى الحجاز، فاستمسك أهل مصر بوجودها بينهم، ورأت في المنام جدها المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمرها بالإقامة في مصر؛ فوهبها (عبد الله بن السري بن الحكم) والي مصر دارَه الكبرى بدرب السباع، وهي الدار التي كانت لأبي جعفر خالد بن هارون السلمي من قبل، وحدد لزيارتها يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع؛ مراعاة لصحتها، وتمكينًا لها من عبادتها، وكانت تخدمها (زينب بنت أخيها يحيى المتوج)، حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى.
بعض مآثرهاوكان أهل مصر ربما شَكَوْا إليها انحراف الوالي؛ فوعظته وحذرته، وذكرته بعذاب الله وحقوق الناس، فما تزال به حتى يفيء إلى أمر الله.
وكانت مستجابة الدعاء فما دعت لأحد إلا استجاب الله له.
وكانت على شيء من طب العيون، تجمع فيه بين الطب المعتاد والطب الروحي، فيشفي الله قاصدها؛ ولهذا كان يُهْرَعُ مرضى العيون إلى مشهدها بعد وفاتها؛ التماسًا للشفاء، وكان من كراماتها أن أقامت الحكومة إلى جوار مشهدها مستشفى لأمراض العيون عُرِفَ باسمها، ولكن الحكومة عادت فنقلته إلى مكان آخر، ثم غيَّرت اسمه مع الأسف الشديد.
السيدة نفيسة والإمام الشافعيوكان لها دخل كبير في حضور الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضى الله عنه إلى مصر؛ ولهذا كان رضى الله عنه يكثر زيارتها والتلقِّي عنها، وفي صحبته عبد الله بن الحكم رضى الله عنه، وكان يصلي بها في مسجد بيتِهَا، وخصوصًا تراويح رمضان، وكانت تقدره رضى الله عنه، وتمدُّه بما يكفيه ويعينه على أداء رسالته العلمية الكبرى.
ولمَّا مات الشافعي رضى الله عنه في رجب سنة 204هـ، حملوه إلى دارها فصلَّت عليه مأمومة بالإمام أبي يعقوب البويطي، ودعت له، وشهدت فيه خير شهادة، وقد حزنت على وفاته حزنًا كبيرًا.
وفاتها ودفنهاوبعد وفاة الشافعي بدأت السيدة نفيسة تعد نفسها للقاء مولاها؛ فحفرت قبرها بيدها تباعًا في حجرتها بمنزلها الذي أهداه إليها والي مصر (عبد الله بن السري بن الحكم) بدرب السباع، وهو الذي أصبح فيما بعدُ مشهدها ومسجدها الحالي، وكانت تصلي في قبرها الذي حفرته بيدها في حجرتها، وقرأت فيه عشرات الختمات من القرآن تبركًا واستشفاعًا، بعد أن بناه خير البنائين؛ تسابقًا لمرضاتها ليرضى عنهم الله تعالى.
وفي يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان سنة 208هـ، اشتد مرضها، قالوا: وكانت تقرأ سورة الأنعام، حتى إذا وصلت إلى قوله تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام:127]، فاضت روحها إلى الرفيق الأعلى راضية مرضية.
بعض أحبائهاوكان ممن يتبرك بزيارته لها: مولانا أبو الفيض ذو النون المصري، والإمام أبو الحسن الدينوري، وأبو علي الروزباري، وأبو بكر الدقاق، وأبان الواسطي، والإمام إسماعيل المُزَنِي الشافعي، والإمام أبو يعقوب البويطي الشافعي، والفقيه عبد الله بن وهب القرشي المالكي، والإمام أبو جعفر الطحاوي الحنفي، وأبو نصر سراج الدين المغافري، والفقيه أبو بكر الحداد، والإمام أبو الحجاج الإشبيلي، والإمام يوسف بن يعقوب الهروي، والمحدِّث الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي، والإمام أبوعبد الله القضاعي، والإمام أبو زكريا السَّخَاوِي، والفقيه الإمام أحمد بن زروق المالكي الصوفي، وشيخ قراء مصر الإمام ورش المقرئ، والإمام المحدِّث الحافظ الشيرازي، والحافظ أبو طاهر السلفي، وأبو الحسن الموصلي... إلى مئات من سادات السادات، وأئمة الأئمة في علوم الدين والدنيا، مِمَّا يدل على رفعة قدرها، وعلو مقامها.
وقد جرَّب كبارُ أصحاب القلوب التوسل إلى الله بها، ودعاءه تعالى عند قبرها؛ فاستجاب لهم ربهم، ولا يزال سبحانه يستجيب لرواد هذا المشهد الحبيب، وهم دائمًا صفوة الصفوة من مصر والبلاد الإسلامية.
تاريخ مشهدهاوقد أنشأ قبرها أمير مصر عبد الله بن السري بن الحكم، ثم جَدَّدَهُ الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، ثم بَنَى قبته الخليفة الحافظ لدين الله الفاطمي، كما بنى الحافظ لكبار الفاطميين في جوار المشهد مقبرة (دخلت في المسجد الحالي عند توسعته).
ثم جدد المشهد الملك الناصر محمد بن قلاون، وهو الذي أنشأ المسجد بجوار المشهد، وأسند نظارته إلى الخليفة المعتضد بالله بن المستكفي بالله العباسي من سلالة خلفاء بني العباس، الذين هاجروا إلى مصر من العراق بعد أن دخلها المغول، وبعدها جددهما -أي المسجد والمشهد- الأمير عبد الرحمن كَتْخُدَا، ووقف عليه 450 فدانًا، وعددًا كبيرًا من الحوانيت والعقارات المختلفة، ثم جدده على وضعه الحالي الخديوي عباس حلمي الثاني، ثم جَدَّدَتْهُ الحكومة وأعلنت أنها ستوسعه.
أبوها وإخوتها وأبناؤهاوللسيدة نفيسة عشرة إخوة من أبيها الحسن الأنور، وأمهم أم سَلَمَة زينب بنت الحسن المثنى بن مولانا الحسن الإمام السبط بن الإمام علي، أمَّا هي رضي الله عنها فمن أم وحدها، غير أمهم أم سلمة رضي الله عنها.
وقد مات في مصر أبوها سيدي حسن الأنور المشهور أيضًا بالأكبر، وقبره معروف بحيِ مصر القديمة، ودفن معه في مشهده ابنه زيد أخو نفيسة، كما دفن بمصر أيضًا أخوها يحيى المتوج، وقبره معروف عند الإمام الليث في جوار مدفن سيدي يحيى (الملقب بالشبيه بالنبي صلى الله عليه وسلم)، وهو المشهور بـ (يحيى الحسيني)، وكان السلطان أحمد بن طولون قد استقدمه من الحجاز تبركًا به؛ فانتفع أهل مصر بطهارة أنفاسه ودعوته الطاهرة إلى الله حتَّى توفَّاه الله، وهذه القبور لسوء الحظ مهجورة ويُخْشَى اندثارها.
ويوجد بهذه المنطقة في شارع الخليفة قبر سيدي محمد الأصغر الشهير بـ (محمد الأنور) ابن زيد الأصغر بن الحسن الأكبر بن زيد الأكبر المعروف بالجواد بن الحسن ابن علي {.
فـ (محمد الأنور) على هذا هو ابن أخي السيدة نفيسة بنت الحسن الأكبر، ويظن بعضهم خطأ أنَّه عمها، وليس كذلك.
أمَّا زوجها إسحاق، فكان قد حضر لزيارتها كعادته، فإذا حضوره هذه المرة يصادف -من إكرامِ الله لها- يوم وفاتها، فتولى بنفسه جميع شئونها كوصيتها، وترك جسدها الشريف وديعة عند أهل مصر كطلبهم، ثم استصحب ابنها وابنتها (القاسم وأم كلثوم) معه إلى الحجاز رضي الله عنهم جميعًا.
من شعر السيدة نفيسة، قولها:في أمور تكون، أو لا تكون * سهرت أعين، ونامت عيون
والذي قد كفاك ما كان * بالأمس سيكفيك في غد ما يكون
قالوا: ولما حضرتها الوفاة جاء الطبيب إليها، فنظرت إلى من حولها، وقالت:
أبعدوا عنِّي طبيبي * ودعوني وحبيبي
زاد بي شوقي إليه * وهيامي ونحيبي
رضي الله عنها، وعن جميع أهل البيت.
هذه هي مولاتنا السيدة نفيسة الصغرى، أشهر آل البيت بعد مولاتنا السيدة زينب بنت عليٍّ رضي الله عنهما وعمَّن يحبهما.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السيدة نفيسة الطرق الصوفية مسجد السيدة نفيسة كريمة الدارين السیدة نفیسة رضی الله عنها صلى الله علیه وسلم عبد الله بن بن الحکم أهل مصر
إقرأ أيضاً:
فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
هناك عادة يتم تبريرها من جهة أن الجيران هم الذين يقومون بإعداد هذه الوجبات الأولى، وأن الوجبة تُعد غداء مثلًا بعد الدفن أو عشاء بعد الدفن كذلك، وأيضًا في الأيام الثلاثة التي فيها أيام العزاء يقوم الجيران بإعداد الطعام للمعزين الذين يأتون من أماكن بعيدة، فما حكم هذا التصرف؟
الحقّ أن في هذه التصرفات، مع التوسع فيها وإيجاد المسوغات، تركًا للسنة، أو أن فيها تركًا للسنة، وإصرارًا على الاستمرار في هذه العادات التي تثقل كاهل الأسر وتثقل كاهل المجتمع، ولا سبيل إلى التقليل منها إلا بتعاون الجميع، واليوم السبل ميسّرة، فإن الناس يسافرون ويذهبون ويجيئون، ولا يجدون حرجًا في تهيئة الطعام الذي يحتاجون إليه في أوقاته، فإما أن يكون لهم قريب أو صديق، أو أن يأكلوا طعامهم في شيء من هذه الأماكن المعدّة لذلك.
لكن أن يشتغل الناس بإعداد الطعام وهم في حالة دفن الميت، فهذا يمكن أن يضيع عليهم ما هم أولى بالاشتغال به من حضور الجنازة وتشييعها وأداء حق هذا المسلم الميت، وفيه كما تقدّم تشجيع على أن يأتي الناس من أماكن شتّى؛ لأنهم ألفوا أن يجدوا الطعام معدًّا، ولذلك فإنهم لا يكترثون بالمواقيت، بالمواعيد التي يأتون فيها، ولا بأحوال الميت وأسرته، لأنهم يحملون الأمر على أن الجيران أو الأقارب هم الذين أعدّوا هذا الطعام.
وسمعتُ في السؤال كأنه يقول: الغداء والعشاء، وكذلك في أيام العزاء أيضًا الغداء والعشاء، هم وضيوفهم، وينبغي للمعزين أنفسهم إن كان ولا بدّ أن يذهبوا للتعزية أن يتحرّوا غير أوقات الطعام، وأن يتحرّوا غير أوقات الراحة؛ لأن في ملازمة العزاء لأهل المصاب عناء ومشقة لا يجهلها الناس، ففيه عناء كثير، ولا بدّ لهم من شيء من الراحة واستجماع قواهم ليتمكنوا من استقبال المعزين.
فعلى الناس أن يتعاونوا في مراعاة الأوقات وفي التخفيف عن أهل العزاء، ومنهم الجيران والأقارب، أما مع هذا التوسع بدعوى أن الأقارب والجيران هم الذين يُعدّون هذا الطعام لأهل الميت، فيبدو أن أهل الميت هم في آخر قائمة الاهتمامات، وإنما المقصود هو المذمّة من الضيوف، من المعزين الذين يأتون، ويُترك صحن لأهل البيت، لأهل العزاء.
فإذا لا بد أن يتعاون الجميع، ولا شك أن الحال اليوم أيسر مما كان عليه الحال قبل سنوات، حينما يتكلف أهل العزاء، وقد يكون ذلك من تركة الميت، وفيهم قُصَّر وأيتام، اليوم وُجدت هذه الصناديق الأسرية، والأقارب، والجيران، ولكن هذا لا يعني أن نستمر في هذه العادات، ينبغي أن نُقلّل منها، وأن نتحرى الأوقات التي هي غير أوقات الوجبات، وأن نخفف على أهل المصاب قدر ما نستطيع، ووُجدت اليوم من وسائل إيصال التعازي ورسائل المواساة وسائل كثيرة، ينبغي أيضًا أن يُستفاد منها، وألا يُحرِج الناسُ بعضُهم بعضًا في هذا الشأن، فينبغي أن يتعاون الجميع حتى نجعل من هدينا وسيرتنا في أيام العزاء أقرب ما يكون إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى المستعان.
هل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقرأ سورة الكافرون في الركعة الأولى من الضحى، وفي الثانية الإخلاص؟
أما في صلاة الضحى فلا أحفظ أنه ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقرأ فيها سورة الكافرون وسورة الإخلاص، ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ بهاتين السورتين في سنة المغرب وفي سنة الفجر، وفي ركعتي الطواف، لكن في سنة الضحى لم أطلع أنه مما يُستحب أن يُقرأ في ركعتي الضحى الكافرون والإخلاص، وردت رواية لكنها ضعيفة، وبعضهم يقول موضوعة، في الضحى بقراءة «والشمس وضحاها» في الأولى، وقراءة «الضحى» في الثانية، لكنها كما قلت ضعيفة ضعفًا شديدًا.
ابني مريض منذ سبعة أشهر ولا يزال يتلقى العلاج في أحد المستشفيات، إلا أن بعض المقرّبين وبعض الناس يُلِحّون عليّ في تغيير اسمه، زاعمين أنه سيشفى بعد تغيير الاسم، مع أن اسم ابني اسم نبي، وهو داوود عليه السلام، كيف نرد على من يقول هذه البدع؟
أسأل الله تعالى الشفاء والصحة والعافية لولده ولسائر ذرياتنا، إنه تعالى سميع مجيب، وأما الجواب فإنه لا صحة لهذا المدعى، لا من ناحية شرعية ولا من ناحية طبية، فليس في الطب أن للأمراض التي يُصاب بها المواليد أو يُصاب بها الأطفال أو الناس علاقة بين الاسم والمرض، ولا يوجد هذا في الشرع، أن إصابة الناس بالأمراض يمكن أن تكون راجعة إلى الاسم، بل يُخشى أن يكون هذا من التشاؤم الذي نُهي عنه في دين الله تبارك وتعالى.
فقد كان أهل الجاهلية يتشاءمون بالأسماء وببعض الحوادث، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الروايات: «لا شؤم»، وفي بعض الروايات: «لا هامة ولا عدوى ولا صفر»، وقال: «ولا شؤم»، فنفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون للطيرة والتشاؤم أي أثر في مجريات الأحداث في هذا الكون، فيما يصيب بني البشر وما يحصل لهم من حوادث.
فعلى من زعم هذا الزعم أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، وأن يوقن أن الطيرة والتشاؤم ليسا من أفعال أهل الإسلام، وإنما هما من أفعال أهل الجاهلية، وأن هذا الدين جاء لنفي مثل هذه الأوهام والمزاعم، والذي يُبتلى ولدُه بشيء من الأمراض لا ينبغي له أن يسمع لهؤلاء، فإن التماس العلاج هو الأصل، وهذا من البلاء الذي يُضاف إلى المرض: أن يسمع مثل هذه الأقاويل، ولأن كل والد يشفق على ولده، فإنه يسعى إلى التماس ما يُخرجه مما هو فيه من بلاء ومرض ومعاناة، فقد يضعف أمام هذه المزاعم والأقاويل التي يوجهها الناس، لكن عليه أن يثبت وأن يحمل نفسه على ما في شرع الله تبارك وتعالى، وأن يوقن أنه لا طيرة ولا شؤم في هذا الدين الحنيف.
فكيف واسم ولد السائل من الأسماء المحمودة، والمحمود من يُسمّى بها تأسّيًا بأسماء رسل الله تبارك وتعالى وأنبيائه الكرام عليهم الصلاة والسلام، فلا يلتفت إلى هذه الأقاويل، وليلتمس العلاج، وليكثر من الضراعة والدعاء لله تبارك وتعالى، وليتصدق، فإن الصدقة تدفع البلاء، وأما ما يتعلق بالاسم فقد تقدم الجواب عنه، والله تعالى أعلم.
يُلاحظ في المساجد اقتطاع الأعمدة لصفّ المصلين، بمعنى أن الأعمدة تقطع صفوف المصلين، مما يؤدي إلى أن بعض المصلين يتجاهلون الصفوف التي فيها الأعمدة ويتقدمون أو يتأخرون، فيخلّ المكان، بمعنى تكون المسافة بعيدة بين الصف والصف الآخر، هل يؤثر هذا على صحة الصلاة للصفوف التي تليها؟ وما حكم الصلاة بين السواري؟
هذه مسألة فيها خلاف عند أهل العلم، وليس حديثهم في حالة ضيق المساجد والجوامع كما يحصل في صلاة الجمعة على سبيل المثال، أو في صلاة القيام، أو في صلوات الجماعة في رمضان من امتلاء المساجد وضيقها بالمصلين؛ فإن الكل متفق من رخّص ومن شدّد في مسألة الصلاة بين السواري، أي الأعمدة الأسطوانية، كلهم متفقون على أنه في حالات الضيق وعند امتلاء المساجد فلا إشكال ولا حرج في أن تُنشأ الصفوف بين السواري، هذا مما ينبغي أن يُنتبه إليه محل اتفاق.
يبقى الحال في حالة السعة: هل هناك حرج في الصلاة بين السواري؟ فيها خلاف، والأقرب هو أن النهي صحيح عن الصلاة بين السواري، فهناك روايات من طريق أنس بن مالك قال: «كنا نُنهى عن الصلاة بين السواري»، وفي بعض الروايات: «ونُطرد عنها طردًا»، وهذه الصيغة تدل على أن الرواية مرفوعة، أي: كنا نُنهى ونُطرد أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقول الصحابي: «كنا نؤمر» أو «كنا ننهى» هو في حكم المرفوع.
وروايات أخرى أيضًا من طريق معاوية بن قرة، والحديث صحيح أيضًا أنهم كانوا ينهون عن الصلاة بين السواري، فذهب الجمهور من الإباضية والشافعية والأحناف والحنابلة إلا المالكية إلى النهي عن الصلاة بين السواري، واختلفوا: هل هو للتحريم أو للكراهة؟ وأكثرهم على أنه للكراهة.
وأما المالكية فإنهم يرخصون، فيُروى عن الإمام مالك أنه لا حرج في الصلاة بين السواري، وأُظن أن مما استند إليه القائلون بالجواز أو الترخيص، أو الذين حملوا النهي وصرفوه من التحريم إلى الكراهة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى بين العمودين، صلى بين الساريتين، ولكن الجمهور ردّوا بأن ذلك خاص بالصلاة داخل الكعبة، وأنه كان منفردًا، لم يكن يصلي في جماعة.
الحاصل أنه ما أمكن اجتناب الصلاة في الجماعة بين السواري فذلك خير وخروج من الخلاف، وينبغي أن تتصل الصفوف وألا يُقطع بينها قاطع، لكن هذا القاطع من السواري أو الأعمدة لا يؤدي إلى انتقاض الصلاة، لا يؤدي إلى نقض صلاة ذلك الصف؛ لأنه فاصل طبيعي، فهو ليس بالفجوة التي يمكن ملؤها وقصّروا في ملئها، وإنما هو فاصل طبيعي استدعاه بناء المسجد أو الجامع.
لكن قدر المستطاع يُجتنب الصلاة بين السواري في المساجد في حال السعة، فإن فعلوا ذلك فلا يضيرهم، وإن أمكن لهم أن يجعلوا الصفوف متقاربة وأن يجتنبوا مواضع السواري فذلك خير، فإن لم يمكن لهم وكان الصف من وراء السارية فلا حرج إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.