لاشك أن الاستفهام عن هل كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار ؟، أو بصيغة أدق هل حديث كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار صحيح؟، يعد من المسائل التي تهم الكثيرون خاصة وقد أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن خير الأسماء ما حُمد وعُبد ، لكن هل يمكن للأسماء أن تشفع لأصحابها ، وهذا ما يطرح السؤال عن هل كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار  كرامة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟،  و هل حديث كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار صحيح؟، حيث إن اسم محمد من الأسماء الشائعة بين المسلمين  بل إن غالبيتهم اسمه محمد.

لماذا ذكر يوم السبت والجمعة في القرآن بأسمائهما؟.. الشعراوي: بسبب 10 أسرار ماذا يحدث عند السلام على الميت أمام قبره؟.. الإفتاء: 5 أمور عجيبة متى تقول دعاء الضحى؟.. لديك فرصة للتخلص من الكرب خلال 107 دقائق دعاء بحق الرسول محمد يفتح لك الأبواب المغلقة ويوسع رزقك.. فهل تعرفه؟ هل كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار

قالت دار الإفتاء المصرية ، إنه ورد حديث صحيح المعاني وردت ألفاظه ومعانيه بروايات متعددة، أمثلها حسنٌ كما قرره أئمة الحديث وغيرهم من جماهير العلماء والفقهاء، فمن كان اسمُه محمدًا أو أحمدَ تبركًا باسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم فقد حصَّل سببًا من أسباب الكرامة والشفاعة في الدنيا والآخرة.

وأوضحت " الإفتاء" في إجابتها عن سؤال: ( هل كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار ؟، أو بصيغة أخرى هل حديث كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار صحيح؟، وما مدى صحة حديث: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَلَا لِيَقُمْ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَلْيَدْخُلِ الجَنَّةَ كَرَامَةً لِنَبِيِّهِ»؟)، أن الحديث صحيح المعاني وردت ألفاظه ومعانيه بروايات متعددة، أمثلها حسنٌ كما قرره أئمة الحديث وغيرهم من جماهير العلماء والفقهاء.

اختصاص النبي بأحسن الأسماء وأشرفها

وأضافت أنه اختص اللهُ تعالى نبيَّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بأحسن الأسماء وأعلَاها شرفًا، وأكثرها رفعة؛ فهو عليه الصلاة والسلام محمدٌ وأحمدُ، سمَّاه الله تعالى بهما، وهما مشتقان من اسمه سبحانه وتعالى؛ فقد ورد عن محمد بن جُبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ» متفقٌ عليه.

ونوهت بأنه قد بوَّب الإمام جلال الدين السيوطي في "الخصائص الكبرى" (1/ 134، ط. دار الكتب العلمية) لذلك بقوله: "بَابُ اخْتِصَاصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِاشْتِقَاقِ اسْمِهِ الشَّرِيفِ الشَّهِيرِ مِنَ اسْمِ اللهِ تَعَالَى"، وقال القاضي عياض في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (1/ 229، ط. دار الفكر): [قد سمَّاه الله تعالى في كتابه محمدًا وأحمدَ؛ فمن خصائِصه تعالى له: أن ضمَّن أسماءه ثناءه فطَوَى أثناء ذكرِه عظيمَ شكرِه.. هو صلى الله عليه وآله وسلم أجلُّ من حَمِدَ، وأفضلُ من حُمِد، وأكثرُ الناس حمدًا، فهو أحمدُ المحمودين، وأحمدُ الحامِدين، ومعه لواءُ الحمدِ يوم القيامة، وليتمَّ له كمال الحمد، ويَتَشَهَّر في تلك العرصات بصفةِ الحمد، ويَبْعَثه ربُّه هناك مقامًا محمودًا كما وعَدَهُ، يحمَدُه فيه الأوَّلون والآخِرون؛ بشفاعتِهِ لهم، ويفتح عليه فيه من المحامِد] اهـ.

واستندت لما قال الحافظ ابنُ حجر العسقلاني في "فتح الباري" (6/ 556، ط. دار المعرفة): [الذي يظهَرُ أنه أراد أنَّ لي خمسةَ أسماء أختصُّ بها، لم يسمَّ بها أحدٌ قبلي، أو معظَّمة، أو مشهورة في الأمم الماضية، لا أنه أراد الحصْرَ فيها. قال عياض: حَمَى الله هذه الأسماء أن يُسَمَّى بها أحد قبله، وإنما تَسمَّى بعضُ العرب محمدًا قُرب ميلاده؛ لما سمعوا مِن الكهَّان والأحبار أن نبيًّا سيُبعث في ذلك الزَّمان يُسمَّى محمدًا، فرَجَوْا أن يكونوا هم، فسمَّوا أبناءهم بذلك] اهـ.

 من تسمَّى باسم محمد قبل النبي 

وأشارت إلى أنه لما قَرُب زمان ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم سَمَّى بعض العرب أبناءهم باسمه؛ رجاء أن تكون النبوة فيهم، والله أعلم برسالته، وهم نحو ثمانية عشر واحدًا، عدَّ العلَّامة عبد الباسط البلقيني ستة عشر في نَظْمٍ ذكره العلَّامة الصالحي في "سبل الهدى والرشاد" (1/ 411، ط. دار الكتب العلمية): [وقد نَظَمَ أسماءهم العلامة الشيخ عبد الباسط البلقيني رحمه الله تعالى في "الشرح" فقال: إنَّ الَّـــذِينَ سُمُــوا بــاسْمِ مُـحَـــمَّدٍ .. مِن قَبْلِ خَيْرِ الـخَلْـقِ ضِعْفُ ثَـمَانِ.. ابـنُ لَبرِّ مُـجــَاشِـــعُ ابـْنُ رَبِـيعَـــةَ.. ثُـمَّ ابنُ مَسْــلمَ يُـحْـمِدِيْ حَزْمـــــانِ.. لَـيْثِـيْ هُوَ السُّلَـمِـيُّ وابــنُ أُسَـامَـةَ.. سَعْـــدِيٌّ وابـنُ سُوَاءَةَ هَـمْـــــدَانِـي.. وابْنُ الجُلاح مَعَ الأُسَيدِيْ يا فَتَى.. ثُمَّ الفُقَيـمِيْ هَكَذَا الـحُمْــراني] اهـ.

ونبهت إلى أنه جاء في "حاشية المدابغي على شرح الأربعين للعلامة ابن حجر الهيتمي" أن بعضهم قد زاد اثنين آخرَين، ونظمهما في بيت يضم إلى الأبيات السابقة: [وابنًا لِـحَارث زِدْ لِـعَدِّهِم ... وزِدْ اِبْنَ الـمُغَفَّلِ جاءَنَا بِبَيَانِ] اهـ.

فضل التسمية باسم محمد أو أحمد

وأفادت بأنه من المعلوم أن التسمية باسم محمد أو أحمد من الأمور المندوبة؛ طلبًا لحصُول بركة اسمه صلواتُ الله وسلامه عليه؛ فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي» متفقٌ عليه، فقال الإمام بدرُ الدين العَيْني في "عمدة القاري" (15/ 39، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه إباحةُ التسمِّي باسمه؛ للبركةِ الموجُودة منه، ولما في اسمِه من الفالِ الحَسَنِ من معنى الحمد؛ ليكون محمودًا من يسمَّى باسمه] اهـ.

ولفتت إلى أنه قد ألَّف بعضُ أهل العلم رسائلَ في فضل التَّسمية بالاسم الشَّريف؛ كما فعل المُطَّوعِي في "حمد من اسْمه أَحْمد". ينظر: "يتيمة الدهر" للثعالبي (4/ 500، ط. دار الكتب العلمية)، بل ونصَّ بعضهم على تفضيل اسمي: أحمد ومحمد على سائر الأسماء؛ فقال العلَّامة صدر الدين المُناوي [ت: 803هـ] في "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح" (4/ 204، ط. الدار العربية للموسوعات): [أحب أسمائكم إلى الله إذا تسميتم بالعبودية: عبد الله، وعبد الرحمن؛ لأنهم كانوا يسمون بعبد الدار وعبد شمس، أو يكون محمولًا على غير اسم محمد، وإلا فمحمد وأحمد وجميع أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلى الله من جميع الأسماء غيرها، فإن الله تعالى لم يختر لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلا ما هو أحب إليه؛ هذا هو الصواب، ولا يجوز حمله على الإطلاق] اهـ.

هل حديث كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار صحيح

وبينت مدى صحة حديث: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمدًا فليدخل الجنة كرامة لنبيه» ، بأن الحديث محل السؤال ذكره القاضي عياض في "الشفا" (1/ 176) فقال: [وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: "إذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ ألَا لِيَقُمْ مَنِ اسْمُهُ.."] اهـ، وذكر مثل هذا تمامًا الإمام عبد الرحمن الصفوري في "نزهة المجالس" (1/ 190، ط. المطبعه الكاستلية)، وكذا أورده الإمام ابن سبع السبتي [ت: 591هـ] في "الخصائص"؛ كما نقله عنه كثير من العلماء منهم: كمال الدين الدَّمِيري في "النجم الوهاج" (9/ 531، ط. دار المنهاج)، والإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (9/ 373، ط. المكتبة التجارية الكبرى)، وشمس الدين الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (4/ 295، ط. دار الفكر)، وأورده أبو عمرو الزاهد [ت: 345هـ] في "اليواقيت".

ونوهت بأنه نص هذا الحديث وإن لم يذكر المحدثون له حكمًا ولم يشتهر في رواياتهم بهذا النص إلا أن معناه ثابت بروايات عديدة؛ منها:

- ما أخرجه الإمام الطَّبَرَاني في "المعجم الكبير" عن واثلة رضي الله عنه، قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ وُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ مُحَمَّدًا؛ فَقَدْ جَهِلَ».

- ما رواهُ الإمام أبو عبد الله الصيرفي في "فضائل التسمية بأحمد ومحمد" عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، قال: "مَا مِنِ امْرَأَةٍ حُبْلَى جَعَلَتْ فِي نَفْسِهَا إِنْ وُلِدَ لَهَا غُلَامٌ أَنْ تُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا إِلَّا وَلَدَتْ غُلَامًا، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِمُ اسْمُ مُحَمَّدٍ إِلَّا لَمْ يَزَالُوا يَتَعَارَجُونَ مَا دَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ".

- وورد فيه أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُنَادِي مُنَادٍ: مَنْ كَانَ اسْمُهُ أَحْمَدَ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ لِكَرَامَةِ اسْمِهِ".

- وورد فيه أيضًا عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا تَبَرُّكًا بِهِ كَانَ هُوَ وَمَوْلُودُهُ فِي الْجَنَّةِ»، وكذا أخرجه قاضي المارستان في "مشيخته".

و"هذا أمثل حديث ورد في الباب، وإسناده حسن"؛ كما قرره الحافظ جلال الدين السُّيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (1/ 97، ط. دار الكتب العلمية).

وقال العلَّامة محمد طاهر الفتَّني في "تذكرة الموضوعات" (ص: 89، ط. المنيرية): [رجاله كلهم ثقات معروفون، ورمي بعضهم بالقدر وهو غير قادح] اهـ.

فيظهر من ذلك أن الحديث المسؤول عنه ثابتٌ في معناه؛ كما أكدته الروايات والأحاديث الأخرى المذكورة، وأعظمها حديث أبي أمامة الذي حسَّنه الإمام السيوطي.

كما تواردت أقوال الفقهاء وعباراتهم على تأكيد هذا المعنى وتقريره، وعلى رأسهم الإمام مالك الذي نقل ذلك عن أهل المدينة؛ قال الإمام ابن رشد في "البيان والتحصيل" (17/ 541-542، ط. دار الغرب الإسلامي): [في بركة اسم النبي عليه السلام قال الإمام مالك رحمه الله: سمعتُ أهل مكة يقولون: "ما مِن أهل بيت فيهم اسمُ محمد إلَّا رُزقوا، ورُزق خيرًا". قال محمد ابن رشد: يحتملُ أن يكونوا عرفُوا ذلك بكثرةِ التجربة له، وأن يكون عندهم في ذلك أثرٌ مروِي] اهـ.

وقال المُلا علي القاري في "شرح الشفا" (1/ 385، ط. دار الكتب العلمية): [(إذا كان يوم القيامة نادى مناد) أي: في الموقف؛ كما في رواية: (ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة؛ لكرامة اسمه) صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي: لإظهار كرامته وإشعار شفاعته، وإليه أشار صاحب "البردة" بقوله: فَإِنَّ لِيْ ذِمَّةً مِنْهُ بِتَسْمِيَتِي.. مُحَمَّدًا وَهْوَ أَوْفَى الْخَلْقِ بِالذِّمَمِ)، (وروى ابن القاسم).. (فِي جَامِعِهِ عَنْ مَالِكٍ: سَمِعْتُ أَهْلَ مَكَّةَ) أي: بعض علمائهم (يَقُولُونَ: مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا نما) من النمو أي: زاد وزكا يعني كثر بركته.. وفي أخرى: إلا قد وُقُوا بضم واو وقاف أي: حُفِظُوا (ورزقوا ورزق جيرانهم) أي: ببركة أسمائهم وإيمانهم وإيقانهم وإحسانهم (وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:) أي: على ما رواه ابن سعد من حديث عثمان العمري مرفوعًا: (مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ محمَّد ومحمَّدان وثلاثة) أي: وأكثر، ويميز بينهم مثلًا بالأصغر والأوسط والأكبر] اهـ.

 

 

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم دار الکتب العلمیة رضی الله عنه الله تعالى اسم محمد ى الله ع محمد ا الله ت

إقرأ أيضاً:

الرسول وحب من طرف واحد بين صحابي وصحابية!!

الحب عاطفة تتملك الإنسان، ولا يملك ردها، أو رفضها، أو توجيهها، ولذا كان موقف الإسلام منها واضحا، أنها أمر لا يملكه الإنسان، ولكن يملك ألا يتحول بحبه إلى ما حرمه الله تعالى، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حين يقسم بين زوجاته حقوقهن، يقول: اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما تملك ولا أملك. وما لا يملكه صلى الله عليه وسلم هو العاطفة القلبية، فهذا ليس بيد الإنسان.

وقد رأينا في السنة والسيرة النبوية، مواقف لعاطفة الحب بين طرفين، يتبادلان الحب العفيف، وعبر عن ذلك صلى الله عليه وسلم بتقدير الإسلام لمثل هذه العواطف التي تنطلق من حلال، ولا تخرج عن إطار ما شرعه الله، فقال: "لم يُر للمتحابين مثل النكاح"، ووردت في ذلك قصص في السنة والسيرة النبوية، في هذا المجال المشروع.

لكن هناك حالة لم تشتهر بنفس هذه القصص في السيرة والسنة النبوية، وهي: حالة الحب من طرف واحد، حيث يتملك قلب أحد الأطراف، وتحكي السنة والسيرة تفاصيله، بل يصل الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلب أحد الأطراف منه الوساطة لدى الطرف الذي لا يحب، حتى يقبل بهذا الحب، ليكون في مساره الطبيعي وهو الزواج.

بريرة جارية عائشة:

والقصة تتعلق بجارية كانت لدى السيدة عائشة رضي الله عنها، اسمها: بريرة، وكانت متزوجة بعبد اسمه: مغيث، وكلاهما على الإسلام، ومعروف حكم الإسلام في الرقيق إذا تزوجا، وأعتق أحدهما دون الآخر، فإن كان من أعتق الرجل دون المرأة، فتظل زوجة له، لكن المرأة إذا أعتقت ولم يعتق الرجل، تكون المرأة بعد عتقها بالخيار، إن شاءت ظلت زوجة، وإن شاءت انفصلت عنه، لكن بشرط ألا يحدث بينهما جماع بعد العتق.

أعتقت السيدة عائشة رضي الله عنها جاريتها بريرة، وبعد عتقها مباشرة، قررت أن لا تكمل حياتها الزوجية مع زوجها، والتي أنجبت منه ذرية، وتروي السيدة عائشة موقف اختيار بريرة فقالت: أن بريرة عتقت وهي عند مغيث، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: إن قربك فلا خيار لك" وفي رواية أخرى: عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في بريرة: خذيها فأعتقيها، وكان زوجها عبدا، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها، ولو كان حرا لم يخيرها".

وكان هذا القرار صادما للزوج الذي يحبها حبا شديدا، يصل للجنون بها، ويلح عليها باستمرار الزواج، وهي مصرة على رفضها، ولم يجد حلا لإقناعها بالاستمرار، سوى أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع عندها له، وهي فكرة دلت على مدى تمسك الرجل بحبه لها، فأراد أن يستشفع بمن لا ترد شفاعته ولا وساطته، وقد جرب من قبل صحابي رفض طلبه للزواج بفتاة، نظر أهلها إليه نظرة إقلال من حيث وضعه المادي، وهو الصحابي جليبيب، فذهب معه النبي صلى الله عليه وسلم، فقبلوا خطبته، فأراد مغيث أن يكرر الأمر.

حب شديد من الرجل وبغض من المرأة:

تروي كتب السنة موقف الرجل من حبه لامرأته، وبغضها له، وإصرارها على الانفصال، وتروي تفاصيل غرامه وحبه الشديد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن زوج بريرة، كان عبدا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عباس "ألا تعجب من شدة ‌حب ‌مغيث ‌بريرة، ومن شدة بغض بريرة مغيثا؟!"، فقال لها صلى الله عليه وسلم: "لو راجعتيه فإنه أبو ولدك"، فقالت بريرة: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: "إنما أنا شافع"، قالت: لا حاجة لي فيه".

قال العلامة ابن بطال في شرح صحيح البخاري: (وفيه: أنه لا حرج على مسلم في هوى امرأة مسلمة وحبه لها ظهر ذلك منه أو خفي، ولا إثم عليه فى ذلك، وإن أفرط فيه ما لم يأت محرمًا، وذلك أن مغيثًا كان يتبع بريرة بعدما بانت منه في سكك المدينة، مبديًا لها ما يجده من نفسه من فرط الهوى، وشدة الحب، ولو كان هذا قبل اختيارها نفسها لم يكن، عليه السلام، يقول لها: (لو راجعتيه)؛ لأنه لا يقال لامرأة فى حيال رجل وملكه بعصمة النكاح: لو راجعتيه، وإنما يسئل المراجعة المفارق لزوجته، وإذا صح ذلك، فغير ملوم من ظهر منه فرط هوى امرأة يحل له نكاحها نكحته بعد ذلك أم لا، ما لم يأت محرمًا ولم يغش مأثمًا).هذا الموقف الذي لا يتعدى سطورا قليلة، يحمل في طياته دروسا مهمة، تشرح في صفحات طوال، فالحب كان من طرف واحد، هو طرف الرجل، ولم يجد ما يمس كرامته من التعبير عن هذا الحب، ولم يجد ما يمنعه من تتبعها في سكك المدينة، يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، ويرى ذلك الناس كلهم، ويتعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حب الرجل لزوجه، وشدة بعضها له، وربما يكون النكاح نشأ عن حب، وتغير مع الأيام والعشرة، أو لم ينشأ من الأساس، وكان خيارها محدودا في الاختيار، ولما اتسعت دائرة الاختيار لديها قررت الانفصال، دون حرج منها أن تخاف من نظرة المجتمع بأنها باعت زوجها ووالد أبنائها، أو أن تتهم بقلة الأصل، وعدم مراعاة العشرة، فهو اختيار لها كامل الحرية فيه.

فهم عظيم لفقهاء الأمة للحديث:

والعجيب أكثر، هو تعامل الفقهاء والعلماء من السلف مع الحديث، فلم نرهم يعرضون عنه، أو عن تفاصيله، أو يعمى أحدهم عن عناوينه البارزة، ودروسه الواضحة، في قضية لو أن بعض شيوخ زماننا من المتشددين تناولها، لربما نحا بالقصة والحادثة بعيدا عن مضمونها، ومع ذلك نرى كتب التراث الفقهي والحديثي، تعنون للقصة عناوين معبرة، فقد ذكر الخرائطي هذا الحديث وعنون له بما يلي: ‌‌باب إعراض المحبوب عن حبه وصبره عن الأمر جهده.

بل نقل الإمام ابن القيم مواقف عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، ومن بعدهم، بأنهم شفعوا لعشاق كي يجمعوا بينهم في الحلال بالزواج، وعنوان لفصل من كتابه: (روضة المحبين ونزهة المشتاقين) بعنوان: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء والراحمين للعاشقين.

وانتبه العلماء وشراح الحديث النبوي، لما اشتمل عليه الحديث، من حكم فقهي يتعلق بالحب من طرف واحد، وإصرار المحب على هذا الحب، فقال ابن القيم: (ولم يَنْهَهُ عن عشقها في هذه الحالة؛ إذ ذلك شيءٌ لا يُملكُ، ولا يدخلُ تحت الاختيار)، وقال: (ولم ينكر عليه حبّها، وإنْ كانت قد بانَتْ منه، فإنّ هذا ما لا يملكه).

وقال العلامة ابن بطال في شرح صحيح البخاري: (وفيه: أنه لا حرج على مسلم في هوى امرأة مسلمة وحبه لها ظهر ذلك منه أو خفي، ولا إثم عليه فى ذلك، وإن أفرط فيه ما لم يأت محرمًا، وذلك أن مغيثًا كان يتبع بريرة بعدما بانت منه في سكك المدينة، مبديًا لها ما يجده من نفسه من فرط الهوى، وشدة الحب، ولو كان هذا قبل اختيارها نفسها لم يكن، عليه السلام، يقول لها: (لو راجعتيه)؛ لأنه لا يقال لامرأة فى حيال رجل وملكه بعصمة النكاح: لو راجعتيه، وإنما يسئل المراجعة المفارق لزوجته، وإذا صح ذلك، فغير ملوم من ظهر منه فرط هوى امرأة يحل له نكاحها نكحته بعد ذلك أم لا، ما لم يأت محرمًا ولم يغش مأثمًا).

والأمر اللافت للنظر جدا هنا، هو: كيف فهمت هذه المرأة الفرق بين ما يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب التشريع ولا تملك فيه أن ترد أمره، وما يرد عنه في باب الشفاعة والوساطة التي ترد ولا إثم عليها، وأن ذلك لا يقدح في دينها، ولا في طاعتها لرسولها صلى الله عليه وسلم، ودل كذلك على ثقتها بأن ذلك لن يؤثر في تقدير النبي لها، وفي زماننا لو توسط كبير لدى شخص من الناس، فرد وساطته لأمر لا يطيقه، لغضب وأخذ الأمر على محمل السوء.

درس للمتشددين ومدعي التنوير:

وهذه امرأة أمية في عصر ليس فيه تعليم، وليس فيه موارد للثقافة العالية في المجتمع، مثل ما يتيسر في أزمنتنا، ولم تحتج المرأة لكثير من دروس العلم الطويلة التي يحصل عليها طلبة علم في زماننا، فنرى متدينين متشددين في زماننا لا يحسنون التفريق بين ما يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب التشريع الملزم، وما ليس في هذا الباب، وقد ضيقوا بفهمهم الضيق أبوابا من الفهم للدين والتيسير فيه، بينما هذه السيدة استطاعت بكل يسر وسهولة هذا التمييز، حيث قالت له: يا رسول الله جئتني آمرا أم شافعا، فهي تعلم أن باب الأمر ملزم لها شرعا، وإن عصته تأثم، لكن باب الشفاعة رغم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم لا إثم في رفضه.

وهو درس أبلغ كذلك في الرد على علمانيين ومدعي تنوير في حياتنا، وهم جهلاء، يريدون أن يحولوا كل تشريع لرسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد كلمات تقال للبركة الدينية، أو للذكرى الدينية، ويجردون النبي صلى الله عليه وسلم من حق التشريع الذي منحه الله له، وكأنه جاء بالإسلام ليكون حاشاه مجرد حامل بريد برسالة إلهية، وموقف المرأة دلالة على أن نعمة الفهم الدقيق للدين، لا علاقة له بشهرة، أو مؤهل علمي وضع على فراغ في رأس صاحبه.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • القيامة اقتربت.. أحمد كريمة: كثرة الخبث من علامات الساعة
  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • الإفتاء: سداد دين الغارم يدخل ضمن مصارف الزكاة
  • تعلن محكمة جنوب غرب الأمانة أن الأخ سيف الله اليتيم تقدم بطلب تصحيح اسمه
  • هل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب
  • في ليلة الجمعة.. صيغ الصلاة على النبي ﷺ
  • حـفظ المـال
  • خطأ شائع في الصلاة على النبي .. اكتبها صح: «اللهم صلِّ» وليس «صلي»
  • الرسول وحب من طرف واحد بين صحابي وصحابية!!
  • هل يجب الإلتزام بكل أفعال النبي ومالمقصود بالبدعة .. الإفتاء توضح