يرى المحلل هنرى سوكولسكي أنه رغم أن معلقين انتقدوا على نطاق واسع استراتيجية الرئيس دونالد ترامب الخاصة بالأمن القومي الجديدة، فإنهم أغفلوا ما افتقدته، حيث لم يكن هناك أي ذكر للردع النووي الموسع ومنع الانتشار.

وقال سوكولوسكي، المدير التنفيذي لمركز تعليم سياسات منع الانتشار النووي، والذي شغل منصب نائب مدير سياسات منع الانتشار النووي في وزارة الدفاع الأميركية (1989-1993)، وهو مؤلف كتاب "الصين وروسيا والحرب الباردة القادمة" (2024)، إن هذا أمر يثير القلق حيث اعتمد أمن أميركا لفترة طويلة على المعالجة المناسبة لهاتين المسألتين المرتبطتين ببعضهما وأن تجاهلهما أو إساءة فهم ارتباطهما ينطوي على مخاطر.

وأضاف، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية، إن هناك الحجة الأكاديمية بأن امتلاك المزيد من الدول للأسلحة النووية ربما يكون أفضل.

ويصر بعض معتنقي مذهب الواقعية على أنه يتعين على واشنطن أن تشجع أصدقاء أميركا على أن تصبح دولا نووية كوسيلة رخيصة للحفاظ على السلام.

ومع ذلك، فإن تبني هذه السياسة سوف يؤدي إلى زوال واحدة من أنجح الحيل الأميركية، وهي توسيع الردع النووي الأميركي من خلال الالتزام باستخدامه، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، لحماية حلفائها. والشيء الغريب هو أن استراتيجية الأمن القومي لا تتحدث عن هذا.

وربما يعكس هذا الإغفال تفاؤل إدارة ترامب بأن منظومة القبة الذهبية للدفاع الصاروخي ستحمي أميركا من التهديدات الصاروخية.

وتابع سوكولسكي: "مع ذلك، فإن إنشاء هذه المنظومة سوف يستغرق وقتا. وحتى حلول ذلك الوقت، سوف يعتمد أمن أميركا وأمن حلفائها، كما كان الوضع على مدى عقود من الزمن، على التهديد باستخدام القوة، وإذا دعت الضرورة إلى ذلك، استخدام الأسلحة النووية لردع أعدائنا".

وربما يبدي المؤيدون المتشددون لسياسة العزلة استياءهم إزاء هذا. لكن الردع الموسع ساعد في منع تكرار الحروب الشاملة التي تم استدراج الأميركيين لخوضها في عامي 1917و1941. كما منع هذا الردع الموسع الحرب الباردة من أن تتصاعد إلى حرب ساخنة.

لماذا يعد ذلك مشكلة؟

يجيب سوكولسكي بالقول: "لأن الحربين العالميتين الأولى والثانية، بدأتا، جزئيا على الأقل، بتجارب دبلوماسية محفوفة بالمخاطر لمواجهة عالم يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة. ففي عام 1939، حاولت بولندا إنقاذ نفسها من خلال التوقيع على اتفاقية عدم اعتداء مع المستشار الألماني آنذاك أدولف هتلر، وأن هذا شجعه على المضي قدما في مخططه. في الوقت نفسه، وافق الزعيم السوفياتي آنذاك جوزيف ستالين على غض الطرف عن غزو هتلر لبولندا لكي يحصل على نصيبه من الأراضي البولندية".

وأضاف: "على غرار ذلك، قبل الحرب العالمية الأولى، سارعت القوى الأوروبية بشكل هستيري إلى الحصول على ضمانات أمنية دبلوماسية سرية في الوقت الذي خططت فيه على نحو متزامن للتعبئة العسكرية".

وتسأءل سوكولسكي قائلا: "هل أسفرت هذه المناورات المدروسة بعناية عن تحقيق سلام واستقرار؟ الإجابة هي لا. ومع ذلك، هل يتم الآن دفعنا للاعتقاد بأن نشر ذخائر نووية أكثر قوة بين الدول الصغيرة سيؤدي إلى تحقيق سلام واستقرار؟"

وذكر سوكولسكي أن المتحمسين لتقليص الردع الموسع يقولون نعم. ويتساءلون عن السبب وراء نشر قوات أميركية في الخارج أو إنفاق المليارات لإظهار القوة لحماية أصدقاء أميركا، في حين يستطيع "أصدقاؤنا " الدفاع عن أنفسهم باستخدام الأسلحة النووية؟ ويمكن لأميركا بعد ذلك أن تنسحب وتنفق أقل على الدفاع عن نفسها.

واستطرد أنه ربما يحدث ذلك، ولكن التاريخ يُشير إلى عكس ذلك. فبعد أن أصبحت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وباكستان دولا مسلحة نوويا، أنفقت أميركا في الواقع المزيد، لا أقل، على الدفاع. وفيما يتعلق بخدمة مصالح الأمن القومي الأميركي من خلال النأي بالنفس عن حروب الآخرين، فهذه حجة تلقى قبولا.

وتابع: "على النقيض من الرغبة في الحد من الإنفاق الدفاعي، فإن مثل هذا الردع يتطلب تحديثات مستمرة لأنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات، والاستخبارات والمراقبة والتوصيل العسكرية حتى يظل ذا مصداقية. وفي البداية، تعد أي قوات نووية جديدة وصغيرة عرضة للخطر نسبيا. ولهذا السبب كان الردع الموسع واحدا من الاستراتيجيات الأميركية الأكثر فعالية في منع الانتشار النووي. وساعد هذا الردع في منع إيطاليا والسويد واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وألمانيا وتركيا وتايوان من أن تصبح مسلحة نوويا أو التلاعب بنظام القواعد. وسوف يكون تشجيع الحلفاء على أن يصبحوا دولا مسلحة نوويا أمراً مختلفا. وإذا شجعت واشنطن سيول على الحصول على قنبلة نووية، يمكن أن يطلب رئيس كوري جنوبي حمائمي من القوات الأميركية مغادرة شبه الجزيرة الكورية. وماذا سيكون الوضع لو قررت الكوريتان، اللتان تمتلكان ترسانتين نوويتين، عندئذ إقامة اتحاد فيدرالي؟"

وأردف قائلا: "يتيح التاريخ لنا إلقاء نظرة على احتمالات أخرى. ففي عام 1956، انضمت إسرائيل إلى بريطانيا وفرنسا للسيطرة على قناة السويس. وهددت روسيا بالتدخل واستخدام أسلحتها النووية. وكان يتعين على الرئيس الأميركي آنذاك دوايت أيزنهاور أن يجبر بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب. وهل كانت الأمور ستهدأ لو كانت إسرائيل تمتلك قنبلة نووية؟ وفي عام 2003، أدى الاعتقاد بأن الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين كان يبني برنامجاً نووياً، إلى استدراج القوات العسكرية الأميركية إلى المنطقة لقرابة عقد من الزمان".

وفي تكرار على نطاق أصغر لنفس النهج قصف البنتاغون في يونيو الماضي محطات إيرانية لانتاج الوقود النووي بعد فشل إسرائيل في إنجاز المهمة.

واختتم سوكولسكي تقريره بالقول إنه لتجنب مستقبل يتطابق بشكل أكثر تفجرا مع هذا التاريخ، يحتاج العالم إلى عدد أقل من دول مسلحة نووياً، وليس المزيد.

ولتحقيق هذا الهدف، يضيف، يجب على واشنطن توسيع، وليس تقليص، نطاق الضمانات الأمنية الفعالة. وسوف تتضمن أي استراتيجية أمنية جديرة بهذا الاسم تفاصيل بشأن أفضل السبل لتحقيق كلا الأمرين.

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات وزارة الدفاع الأميركية الصين وروسيا واشنطن الردع النووي الأميركي إدارة ترامب القبة الذهبية للدفاع الصاروخي أمن أميركا الحروب أدولف هتلر بريطانيا واشنطن البنتاغون الضمانات الأمنية الأمن القومي أخبار أميركا أخبار أمريكا الردع النووي استراتيجية استراتيجية الأمن وزارة الدفاع الأميركية الصين وروسيا واشنطن الردع النووي الأميركي إدارة ترامب القبة الذهبية للدفاع الصاروخي أمن أميركا الحروب أدولف هتلر بريطانيا واشنطن البنتاغون الضمانات الأمنية أخبار أميركا منع الانتشار الردع الموسع

إقرأ أيضاً:

أرقام قياسية لمغادرة المهاجرين أميركا وإدارة ترامب تشتري طائرات لترحيلهم

تفيد بيانات رسمية، أن أعدادا كبيرة من المهاجرين غير النظاميين غادروا الولايات المتحدة بضغط من سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب التي اتخذت منحى أكثر تشددا الأربعاء بالإعلان عن بدء شراء أسطول جوي لاستخدامه في تسريع عمليات الترحيل.

وقد وضع ترامب وقف الهجرة غير النظامية على رأس أولوياته أثناء ولايته الثانية، متخذا عددا من الإجراءات التي تهدف إلى تسريع عمليات الترحيل والحد من دخول المهاجرين عبر الحدود.

ووفقا لمنظمة "هيومن رايتس فيرست"، فقد نفذت أكثر من 1700 رحلة ترحيل إلى عشرات الدول منذ عودة ترامب إلى سدة الرئاسة في يناير/كانون الثاني الماضي.

وتقول الإدارة الأميركية، إن أكثر من مليوني مهاجر غير نظامي غادروا البلاد خلال العام الجاري، منهم 1.6 مليون طوعا.

وقبل أيام هبطت طائرة أميركية في العاصمة الفنزويلية كراكاس تقل 172 مهاجرا فنزويليا رحّلتهم الولايات المتحدة.

ووفقا للأرقام الرسمية، ارتفع بذلك عدد الفنزويليين الذين رحّلتهم الولايات المتحدة إلى أكثر من 14 ألفا.

وأفادت السلطات الفنزويلية، أن رحلة المهاجرين المرحلين أمس ضمت 5 أطفال و26 امرأة و141 رجلا.

وصول طائرة تقل مهاجرين فنزويليين رحّلتهم الولايات المتحدة (الفرنسية)أسطول خاص

في ذات السياق، أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية الأربعاء أنها بصدد شراء أسطول خاص من طائرات بوينغ لاستخدامها في تنفيذ سياسة الرئيس دونالد ترامب لترحيل المهاجرين.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة تريشيا ماكلافلين إن "هذه الطائرات ستمكن إدارة الهجرة والجمارك من العمل بفعالية أكبر، بما فيها استخدام مسارات طيران أكثر كفاءة".

وفي رد على تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست بشأن الصفقة قال تريشيا ماكلافلين "ستوفر هذه المبادرة الجديدة على دافعي الضرائب الأميركيين 279 مليون دولار".

وذكرت الصحيفة الأميركية أن صفقة شراء ست طائرات من طراز بوينغ 737 بقيمة 140 مليون دولار عُقدت مع شركة ديدالوس للطيران التي تأسست أوائل عام 2024، وليس عن طريق الشراء المباشر من صانع الطائرات الأميركي العملاق. من جانبها، امتنعت شركة بوينغ عن التعليق على الصفقة.

عناصر من دوريات الحدود الفدرالية ينتشرون في نيو أورليانز في إطار الحملة على الهجرة غير النظامية (الأوروبية)طعون ومداهمات

وتضمنت حملة ترامب مداهمات نفذها عناصر وكالة الهجرة والجمارك ما أثار انتقادات واسعة، واستدعى العديد من الطعون القانونية والاحتجاجات في بعض الولايات والمدن التي يديرها الديمقراطيون.

إعلان

وفي وقت سابق، دعت منظمات حقوقية -منها هيومن رايتس ووتش والاتحاد الأميركي للحريات المدنية- سلطات الهجرة والجمارك الأميركية إلى إنهاء احتجاز المهاجرين في مخيم "إيست مونتانا" الضخم داخل قاعدة فورت بليس العسكرية في إل باسو بولاية تكساس.

جاء ذلك بعد توثيق انتهاكات وصفتها تلك المنظمات بـ"الجسيمة" وتشمل الضرب والعنف الجنسي والتهديد بالترحيل والإهمال الطبي وسوء التغذية والحرمان من الوصول الفعلي إلى المحامين.

مقالات مشابهة

  • استراتيجية الأمن القومي الأمريكي: راعي الأبقار وماشية العالم
  • هل تتحرك واشنطن لإسقاط مادورو؟.. أسئلة حول استراتيجية ترامب المتصاعدة في فنزويلا
  • أرقام قياسية لمغادرة المهاجرين أميركا وإدارة ترامب تشتري طائرات لترحيلهم
  • شراكة استراتيجية بين مؤسسة ميشال عيسى للتنمية المحلية والجامعة اللبنانية الأميركية
  • أميركا تطلق تأشيرة "ترامب الذهبية".. هذا سعرها
  • فنزويلا تتهم أميركا بارتكاب سرقة سافرة
  • أميركا تتوعد المحكمة الجنائية الدولية بفرض عقوبات جديدة
  • ترامب يشيد بما حققه لاقتصاد أميركا رغم تآكل ثقة الناخبين
  • فرنسا تدعو لتسريع "استقلال" أوروبا لمواجهة استراتيجية ترامب