حرب الصياغة.. تفاصيل البحث عن قرار لغزة ينجو من فيتو أمريكا
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
فشل مجلس الأمن الدولي، أمس الثلاثاء، في صياغة قرار لا تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضده، ويدعو إلى وقف القتال في غزة، على الأقل لفترة كافية للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بحسب كارين دي يونج في تقرير بصحيفة "ذا واشنطن بوست" الأمريكية (The Washington Post).
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، خلّفت حتى مساء الثلاثاء 19 ألفا و667 شهيدا، و52 ألفا و586 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، بحسب سلطات القطاع والأمم المتحدة.
وقالت دي يونج، في التقرير الذي ترجمه "الخليج الجديد"، إن اجتماع مجلس الأمن الصباحي انتهى دون تصويت، مع استمرار مفاوضات مغلقة بشأن مسودة جديدة، برعاية الإمارات، والتي ألغت عبارة "وقف إطلاق النار".
وأوضحت أنه بدلا من هذه العباراة، التي كانت موجودة في النسخة المقدمة أول أمس الاثنين، تطالب المسودة الجديدة بـ"وقف عاجل للأعمال العدائية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، واتخاذ خطوات عاجلة نحو وقف مستدام للأعمال العدائية".
واستدركت: "لكن المفاوضين لم يتمكنوا من الاتفاق على الصياغة، وتم إلغاء التصويت في وقت متأخر بعد الظهر (الثلاثاء)، ومن المقرر أن يجتمع المجلس صباح الأربعاء".
اقرأ أيضاً
تنديد خليجي باستخدام أمريكا الفيتو ضد وقف إطلاق النار في غزة
3 صفحات
وفي محاولة لتلبية مخاوف الولايات المتحدة، أدرج المفاوضون في مشروع القرار المكون من ثلاث صفحات طلبا "للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن"، والسماح لهم بتلقي الرعاية الطبية، كما أضافت دي يونج.
وردا على جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، شنت حركة "حماس" في 7 أكتوبر الماضي هجوم "طوفان الأقصى" ضد قواعد عسكرية ومستوطنات إسرائيلية في محيط غزة.
وقتلت "حماس" نحو 1140 إسرائيليا وأسرت حوالي 240، بادلت قرابة 110 منهم مع الاحتلال، الذي يحتجز في سجونه أكثر من 7800 فلسطيني، وذلك خلال هدنة استمرت أسبوعا حتى 1 ديسمبر/ كانون الأول الجاري بوساطة قطرية مصرية أمريكية.
دي يونج قالت إنه "على الرغم من أن مسودة الثلاثاء لم تنتقد إسرائيل أو حماس بشكل مباشر، بل أشارت إليهما فقط على أنهما "طرفا النزاع"، إلا أنها "تدين بشدة جميع الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي، بما فيها جميع الهجمات العشوائية ضد المدنيين والأهداف المدنية، وجميع أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين، وكافة الأعمال الإرهابية".
ويدعو مشروع القرار إلى "هدنة إنسانية عاجلة وممتدة و(توفير) ممرات في جميع أنحاء قطاع غزة لعدد كافٍ من الأيام، لتمكين وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق".
وفي غزة يعيش نحو 1.4 مليون فلسطيني يعانون حتى من قبل هذه الحرب أوضاعا كارثية؛ جراء حصار إسرائيلي متواصل للقطاع منذ أن فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية في عام 2006.
ويضغط البيت الأبيض على إسرائيل لإنهاء ما وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بالغارات الجوية والعمليات البرية "العشوائية"، لصالح عمليات عسكرية "موجهة" و"جراحية" أكثر ضد "حماس".
ومنذ اندلاع الحرب، تقدم إدارة بايدن للاحتلال أكبر دعم عسكري واستخباراتي ودبلوماسي ممكن، حتى بات كثيرون يعتبرون وشنطن شريكة في "جرائم الحرب" الإسرائيلية في غزة.
اقرأ أيضاً
بعد الفيتو.. إدارة بايدن تستخدم سلطة الطوارئ لتزويد إسرائيل بقذائف دبابات
حافة الانهيار
ويدعو مشروع القرار أيضا، بحسب دي يونج، إلى تسليم النظام الحالي للتفتيش الإسرائيلي لكل شاحنة تدخل غزة إلى الأمم المتحدة لتسريع تسليم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة من معبر رفح البري مع مصر.
وكانت آلية الأمم المتحدة واحدة من ثلاثة خيارات اقترحها الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش في رسالة إلى المجلس أول أمس الاثنين.
وبالإضافة إلى "وجود أكثر قوة للأمم المتحدة على الأرض"، اقترح غوتيريش بدلا من ذلك إنشاء بعثة مراقبين مدنيين لمراقبة شحنات المساعدات، أو نشر مراقبين عسكريين غير مسلحين تابعين للأمم المتحدة.
وقالت دي يونج إنه من المرجح أن إسرائيل، التي لا تشغل مقعدا في مجلس الأمن، ستعارض بشدة هذه المقترحات.
ويـتألف المجلس من 15 دولة بينها 5 دول دائمة العضوية تمتلك حق النقض وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين.
واستخدمت إدارة بايدن "الفيتو" ضد مشاريع قرارات عديدة تدعو لوقف إطلاق النار؛ بحجة أن إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة دون تدمير قدرات "حماس" العسكرية واستمرار كبار قادتها من شأنه أن يمنح الحركة النصر فعليا.
والثلاثاء، أبلغ منسق الأمم المتحدة الخاص للسلام في الشرق الأوسط تور وينيسلاند مجلس الأمن بأن الجهود الإنسانية لمساعدة أكثر من مليونين من سكان غزة، الذين هم في أمس الحاجة إليها، "تقترب من حافة الانهيار"، في مواجهة "تحديات لا يمكن التغلب عليها تقريبا، وسط نزوح على نطاق لا يمكن تصوره".
ويحيط مشروع القرار علما بقرار إسرائيل، قبل أيام، فتح معبر كرم أبو سالم إلى غزة؛ لتخفيف الازدحام عبر معبر رفح من مصر، وهو المعبر الوحيد إلى القطاع الذي لا يسيطر عليه الاحتلال، كما زادت دي يونج.
واستدركت: ولكن مشروع القرار يطالب أيضا جميع "الأطراف بالسماح وتسهيل استخدام جميع الطرق البرية والبحرية والجوية المؤدية إلى قطاع غزة وفي جميع أنحائه".
اقرأ أيضاً
"هل هناك عدالة كهذه؟".. أردوغان يستنكر الفيتو الأمريكي ضد وقف إطلاق النار بغزة
المصدر | كارين دي يونج/ ذا واشنطن بوست- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تفاصيل قرار مجلس الأمن غزة فيتو أمريكا المساعدات الإنسانیة وقف إطلاق النار مشروع القرار مجلس الأمن دی یونج فی غزة
إقرأ أيضاً:
الدبلوماسية الإنسانية.. كيف تتحول الحلول إلى أدوات إطالة لأزمة غزة؟
بينما تتوالى مشاهد إسقاط المساعدات جوا فوق قطاع غزة، تتسع الفجوة بين ما يُروّج له دبلوماسيّا على أنه جهود إنسانية وبين واقع الغزيين المحاصر بالموت والجوع.
تلك المفارقة بين المشهد التلفزيوني وصورة الأطفال الذين ينهارون جوعا تختصر ملامح مقاربة إسرائيلية باتت تستخدم فيها "الدبلوماسية الإنسانية" كأداة سياسية لتخفيف الضغط الدولي من دون أي نية حقيقية لإنهاء الكارثة.
فالحكومة الإسرائيلية -وفق تحليل الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث"- لا تسعى فعليا إلى تخفيف معاناة الغزيين، بقدر ما توظف "بروباغندا" الإسقاطات الجوية لتنفيس الغضب الدولي والشعبي ضدها، لا سيما مع تفاقم الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
هذه المسرحيات الإنسانية، التي تُنفّذ على مرأى العالم، لا تمثّل سوى "قطرة في بحر" الاحتياجات الأساسية لقطاع يتضور جوعا، ويحتاج إلى مئات الشاحنات يوميا وليس حفنات من المساعدات المتساقطة في مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال.
المقاربة الإسرائيلية لا تُقاس هنا بحجم المساعدات بل بغاياتها السياسية، فبدلا من فتح المعابر البرية وتمكين الأمم المتحدة من توزيع المساعدات بفعالية، تلجأ تل أبيب إلى منهج التفاف إنساني يمنحها مظلّة لمواصلة حربها، ويمنع عنها مزيدا من العزلة الدولية.
الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور بلال الشوبكي يرى أن إسرائيل وجدت في هذه الخطوة وسيلة لتقديم "صورة مقابل صورة"، مقابل صور المجاعة التي حرّكت الضمير العالمي، خصوصا مع بروز مؤشرات على تململ حتى داخل إسرائيل.
وما يبدو ظاهريا مبادرة إنقاذية، يخفي -وفق تحليل الشوبكي- رسالة تفاوضية مزدوجة: مفادها أن إسرائيل ما زالت تمسك بزمام اللعبة، وأنها مستعدة للحديث مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقط في سياق صفقات الأسرى، وليس لإدارة شؤون غزة أو رفع الحصار.
أدوات تكتيكية
بهذا المعنى تتحول المساعدات إلى أدوات تكتيكية في يد تل أبيب، تُستخدَم حين تشتد الضغوط، وتُسحب حين تنتفي الحاجة إليها.
إعلانولا تقف الازدواجية عند إسرائيل، بل تشمل أيضا الموقف الأميركي، الذي يتجلى في تصريحات الرئيس دونالد ترامب، إذ يعرب عن "قلقه" من المجاعة في قطاع غزة، ثم لا يتخذ أي خطوات ملموسة لتسهيل تدفق المساعدات.
ويذهب السفير الأميركي السابق بيتر غالبريث إلى أن الولايات المتحدة -بقيادة ترامب- تتصرف أحيانا بلا انتظام أو معنى، فتارة تشكك في وجود مجاعة، وتارة تطالب بإنهائها، بينما الواقع على الأرض يؤكد استمرار الحصار والتجويع بلا هوادة.
غالبريث اعتبر أن إسقاط المساعدات من الجو وسيلة غير فعالة، بل عبثية، خاصة إذا قورنت بوفرة المساعدات المخزنة خلف المعابر المغلقة، ويحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تعقيد الوضع الإنساني لرفضها التعاون مع الأمم المتحدة وحرمان مسؤوليها من دخول القطاع.
كما أشار إلى أن الإصرار الأميركي على إبقاء ملف المساعدات خارج أيدي الأمم المتحدة يعكس تحالفا ضمنيا مع إسرائيل في إدارة التجويع كوسيلة ضغط سياسي.
وعلى وقع هذه الممارسات، تتنامى مؤشرات التغير في الرأي العام الغربي، فكما يلفت الشوبكي، باتت الصور الآتية من غزة تصنع رأيا عاما مستقرا، لا مجرد موجات غضب مؤقتة، وهو ما قد يؤثر على تشكيل نخب سياسية مستقبلية في دول غربية طالما وقفت خلف إسرائيل.
لكن هذا التحول -رغم أهميته- يفتقر حتى الآن إلى التأطير الفلسطيني والعربي الذي يترجمه إلى ضغط منظم وفعّال على مراكز القرار الدولية.
تعمق الانقسام الداخلي
وبدأت التقارير الأممية والحقوقية بدورها تكسر جدار الصمت داخل إسرائيل، فمنظمة "بتسيلم" ذاتها وصفت ما يجري بأنه إبادة جماعية، في سابقة بالغة الدلالة على عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه بشأن أخلاقيات الحرب.
واعتبر غالبريث أن هذا الموقف من داخل إسرائيل يعكس تصدعا في رواية تل أبيب الرسمية، ويضيف ثقلا أخلاقيا لحملة الاتهامات الدولية الموجهة لها.
ورغم كل هذا الزخم، فلا تزال العدالة الدولية في موقع المتفرج، فمحكمة الجنايات الدولية، ورغم إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، فلم تتمكن من المضي قدما في تنفيذها.
ويعزو الحيلة هذا العجز إلى المظلة الأميركية التي تمنح نتنياهو الحصانة السياسية، بل وتدفع الكونغرس إلى تقنين العقوبات ضد القضاة أنفسهم، وهذا السلوك، وفق المحلل ذاته، يفضح مدى انحراف واشنطن عن مبادئ العدالة، ويجعل من إسرائيل "دولة فوق القانون" قادرة على ارتكاب الجرائم من دون محاسبة.
وفي حين تبدو الدعوات إلى محاسبة إسرائيل مجرد تكرار لمواقف إعلامية مألوفة، يعكس حديث غالبريث شيئا من الأمل، مستشهدا بتجربة يوغوسلافيا السابقة، إذ تمكنت العدالة الدولية من ملاحقة مجرمي الحرب رغم التشكيك الواسع حينها، لكنه يقر بأن الطريق طويل، وأن النيات وحدها لا تصنع العدالة.
كل ذلك يعيد طرح سؤال أساسي: هل المساعدات فعلا إنقاذ للمدنيين أم غطاء لإطالة أمد المجزرة؟ وتتضح الإجابة مع استمرار القتل اليومي في غزة، فكما يرى الشوبكي، فإن النخب الإسرائيلية الحاكمة لا تكترث لصورتها، بل تؤمن أن "أهداف الحرب" تبرر كل الوسائل، بما في ذلك إدارة المجاعة بحنكة سياسية.
إعلانوعليه، فإن "الدبلوماسية الإنسانية" لم تعد تعبيرا عن التزام أخلاقي أو قانوني، بل باتت أداة ناعمة في خدمة أجندة عسكرية تواصل سحق قطاع بأكمله، وفق ما خلص إليه محللون في حديثهم للجزيرة.