إسطنبول-  شغل جهاد يايجي، هو أميرال سابق، مناصب مهمة في القوات البحرية التركية ومنها رئيس أركان القوات البحرية السابق، وقد كان لأفكاره وأطروحاته تأثير في القانون البحري والدبلوماسية في تركيا، وأدت إلى تغييرات مهمة للغاية.

وبعدما ترك صفوف الجيش، أسس الأميرال مركزا فكريا اسمه "مركز الإستراتيجيات البحرية والعالمية التركي"، ومن ناحية أخرى، بدأ العمل محاضرا في جامعة توبكابي في مدينة إسطنبول ، وهو يحمل درجة أستاذ.

ومن الأطروحات المهمة التي أنتجها جهاد مفهوم "الوطن الأزرق" الذي ينص على أن المناطق البحرية هي مناطق إستراتيجية لا غنى عنها للدول، تماما مثل الأراضي البرية، وقد وجد هذا المفهوم مكانه في السياسة الخارجية التركية ونظام التعليم.

وهناك أطروحة أخرى مهمة وهي فكرة أن الدول المتجاورة بحرا يمكنها جني مكاسب إستراتيجية كبيرة من خلال الاتفاق الذي تعقده فيما بينها، وهو ما أطلق عليها اسم "اتفاقية ترسيم حدود الصلاحيات البحرية".

وقد طبقت تركيا هذه الأطروحة في ليبيا، من خلال الاتفاق الذي وقعته في 2019، وتغيرت فجأة كل التوازنات في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط.

ويقول جهاد يايجي في -هذا الحوار مع الجزيرة نت- إن إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية  في قطاع غزة، سيغير كثيرا من التوازنات في الحرب الإسرائيلية الفلسطينية.

وفيما يلي نص الحوار:

وقفة سابقة نظمتها "الحملة الدولية لكسر الحصار عن قطاع غزة" داخل ساحة ميناء غزة (الأناضول )  تقولون، إن هناك طريقة لتدخل تركيا فيما يجري في غزة، وتقترحون إبرام اتفاقية مماثلة للاتفاقية التي أبرمتها أنقرة مع ليبيا، مع غزة، هل يمكنكم توضيح هذا الطرح؟

كان لديَّ أطروحة تقول "إن تركيا هي جارة ليبيا من البحر"، وقد أُبرمت الاتفاقية مع ليبيا في 2019 بناء على هذه الأطروحة بالفعل، واسمها الكامل هو "اتفاقية ترسيم حدود الصلاحيات البحرية".

وهذا يعني أنه إذا كانت الأحداث في بلد مجاور لنا عن طريق البر تهمنا، فإن الأحداث في البلد المجاور لنا عبر البحر تهمنا بالقدر نفسه، وقد شكلت هذه الاتفاقية أساسا قانونيا دوليا مكّن تركيا من الدعم اللوجستي لليبيا.

هل تقترح الآن أن تبرم تركيا الاتفاقية نفسها مع غزة؟

إذا نظرت من مدينة أنطاليا باستخدام منظار، يمكنك أن ترى غزة مباشرة، وإذا رسمتَ خطا؛ سيذهب إلى غزة دون أن يمس قبرص.

لقد أعددتُ هذه الخريطة، واستخرجت إحداثيات البحر، وكتبت نصوص الاتفاقية، وقدمتها إلى المسؤولين الفلسطينيين في 2020، وهي تشبه إلى حد كبير الاتفاقية مع ليبيا.

وإذا أُبرمت هذه الاتفاقية، ستكون المنطقة البحرية الفلسطينية 20 مرة أكبر من المنطقة البحرية التابعة لقطاع غزة الآن، ويوجد بها بالفعل احتياطيات كبيرة من النفط والغاز.

تركيا تعلن وصول سفينة محملة بالمساعدات الطبية إلى مصر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لصالح غزة (الأناضول) لكن غزة ليست دولة مستقلة، فكيف ستبرم الاتفاقية معها؟

ستبرم مع الرئيس محمود عباس الذي يمثل دولة فلسطين. لأن دولة فلسطين تتكون من جزأين؛ أراضي الضفة الغربية وأراضي غزة. وهناك إدارة ذاتية في القطاع؛ ولكن من حيث القانون الدولي، يمثل نظام عباس غزة.

ما المكاسب التي ستحصل عليها فلسطين من هذه الاتفاقية؟

أولا، ستحصل فلسطين على منطقة بحرية تبلغ مساحتها 8 آلاف و500 كيلومتر مربع بموجب هذه الاتفاقية. حاليا، تمتلك غزة منطقة بحرية صغيرة للغاية، ولا تسمح لها إسرائيل حتى بصيد الأسماك، ناهيك عن البحث عن النفط.

لماذا لا تسمح؟ لأنها تخطط لغزو غزة يوما ما واستخراج النفط والغاز الموجود هناك بنفسها. ميزة أخرى لفلسطين هي أنها ستحصل على أساس قانوني لتوفير الدعم اللوجستي لها من تركيا.

ومع ذلك، فإن أهم مكسب هو أنه إذا احتُلت غزة، لا سمح الله، من إسرائيل يوما ما، فستكون هذه الاتفاقية وثيقة قانونية تثبت أن سواحل القطاع مملوكة لفلسطين، وأن هذه المنطقة مملوكة للشعب الفلسطيني، وستتمكن الأجيال الفلسطينية القادمة وأبناؤها من توثيق ملكيتهم القانونية لهذا الشريط البحري، وأن النفط والغاز والأسماك التي ستخرج منه هي حقوقهم التي سُرقت.

وكما قاومت أذربيجان من أجل أراضي قره باغ المحتلة لمدة 33 عاما، وعندما وجدت الفرصة استرجعت أراضيها، وقد فعلت ذلك بفضل الوثائق القانونية، وسيكون لدى فلسطين -أيضا- مثل هذه الوثيقة القانونية.

هل يمكن أن تكون هذه الاتفاقية أساسا لرفع الحصار عن غزة في المستقبل في الأمم المتحدة أو في المجال الدولي؟

بالتأكيد، لأن إسرائيل لا تستطيع فرض حصار ومنع فلسطين من استخراج النفط والغاز الطبيعي والأسماك في منطقتها البحرية، وستكون هذه المنطقة تحت السيادة الفلسطينية، وسيكون نص الاتفاقية اختبارا يمكن أن يكشف عن موقف إسرائيل الخارج عن القانون وعدوانها ووحشيتها.

هل ستعترض مصر على هذه الاتفاقية؟

لا، لن تعترض. لأن هذه الاتفاقية، إذا وقعت عليها، ستمنح مصر منطقة بحرية إضافية تبلغ مساحتها 15 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 1.5 ضعف مساحة جزيرة قبرص.

لكن إسرائيل ستعترض، أليس كذلك؟

بلى، ستعترض، لكن إذا فكرت جيدا، فستكون هذه فرصة لهم كذلك. إذا وقّعت إسرائيل كذلك اتفاقية مماثلة مع تركيا، فإن مساحتها البحرية ستتوسع بمقدار 5 آلاف كيلومتر مقارنة باتفاقيتها مع إدارة قبرص الرومية (جمهورية قبرص المعترف بها دوليا). في الواقع، كانت إسرائيل خاسرة في الاتفاقية التي أبرمتها مع قبرص الرومية.

كيف استقبلت الدولة التركية الطرح الذي تقدمه؟

حسب علمي، قدمت الدولة التركية مقترح هذه الاتفاقية التي أتحدث عنها إلى إدارة محمود عباس في أنطاليا. لكنني أعتقد أن إدارة عباس لم ترها مناسبة؛ والآن نرى أنه لا يمكن للعالم أن يفعل شيئا لإيقاف هذه الإبادة الجماعية في غزة، ما لم ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل في ذلك.

اقتصاديا، كان بإمكان الدول العربية أن تفعل شيئا حول ما يتعلق بالحظر النفطي، لكن 4 دول لم تقبل اقتراح تركيا بشأن هذه القضية؛ وهي: الإمارات، والسعودية، والبحرين، والمغرب. لذا، إذا سألتم "ماذا يمكن أن تفعل تركيا من أجل غزة"، فإن أهم خطوة لكسر قواعد اللعبة يمكن أن تكون هذه الاتفاقية.

بصفتك جنديا سابقا، كيف ترى مسار حرب غزة، وما الذي يمكن القيام به في المستقبل؟

ستحتل إسرائيل جزءا كبيرا من غزة، إن لم يكن كله. وأهم عقبة أمام ذلك هو سكان فلسطين، فلا يجب إخلاء غزة بأي حال من الأحوال. هناك آية في سورة المائدة 64 من القرآن الكريم تقول "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ" (في إشارة لليهود)، وأنا على ثقة من أن الله تعالى سيطفئ هذه النار، والشرط أن نقاوم ونكون مترابطين.

وهناك بعض الأشياء التي يمكننا فعلها:

أولا، يجب أن توقّع تركيا الاتفاقية التي ذكرتُها مع غزة. ثانيا، يجب علينا تطبيق حظر لتصدير النفط والغاز الطبيعي فورا، مثلما فعل ملك السعودية الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود في 1973، حينها ستتوقف هذه الحرب في غضون 3 أيام، وستصاب الاقتصادات الغربية بالشلل. ثالثا، يجب إغلاق المجال الجوي السوري أمام إسرائيل، ويجب علينا القيام بذلك لمنع سياسات إسرائيل التوسعية. وروسيا يمكنها إغلاق هذا المجال الجوي. كما تعلمون، المجال الجوي السوري مغلق أمام تركيا، فلماذا هو مفتوح أمام إسرائيل؟

يجب أن تصدر تركيا وقطر، اللتان تكافحان أكثر من أي دولة أخرى من أجل قضية فلسطين، هذه الدعوة. ومن ثم فإن هذه المبادرة ستظهر للعالم أجمع بأن روسيا ليست الدولة التي تدافع عن سلامة أراضي سوريا، وأنها لا تغلق مجالها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي.

أنتم تقولون في محادثاتكم إن الدول الأخرى -أيضا- في خطر بسبب حرب غزة، كيف ذلك؟

إسرائيل تطبق حلم "أرض الميعاد" كسياسة، هذا يعني أنها تريد جزءا من أراضي تركيا وسوريا والعراق، والأردن، ولبنان، ومصر. وإذا راقبت الميدان، فسترى أن إسرائيل تنفذ هذه الأطروحة خطوة بخطوة.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه عندما تصل حاملات الطائرات، سيُعاد رسم الحدود في الشرق الأوسط. الخطر كبير حقا، وعلينا جميعا أن نكون في حالة تأهب.

لذلك، إذا تحركنا جميعا معا وقاومنا فستحصل فلسطين على استقلالها، وستنهار سياسة التوسع الإسرائيلية ونظرية "أرض الميعاد" أيضا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هذه الاتفاقیة النفط والغاز یمکن أن

إقرأ أيضاً:

أحمد رحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل

عام مضى منذ أن انقلبت الحرب التي ظن الرئيس بشار الأسد قد حسمها لصالحه، بعد أن تمكنت قوة من مقاتلي المعارضة من التقدم من إدلب، المحافظة السورية الواقعة على الحدود مع تركيا، ودخول دمشق بقيادة أحمد الشرع يوم الـ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي بات اليوم رئيسًا انتقاليًا، فيما يعيش الأسد في منفى في روسيا.

لا تزال سوريا غارقة في الدمار، ففي كل مدينة وبلدة، يعيش الناس داخل أبنية هشة، محروقة ومجوفة من الداخل بفعل سنوات من حرب طاحنة، ورغم تراكم أزمات "سوريا الجديدة"، فإن هذا البلد يبدو اليوم أقل اختناقًا بعد زوال الثقل القاسي الذي فرضه النظام المخلوع لسنوات طويلة.


تمكن أحمد الشرع من شق طريقه باتجاه الخارج والذي على ما يبدوا كان أسهل بكثير من الداخل، فقد نجح في إقناع السعودية والدول الغربية بأنه يمثل "أفضل فرصة لقيام مستقبل مستقر في سوريا"، كما وحضي بدعم أمريكي وأوروبي كبير تمخض عنه رفع العقوبات عن بلاده، أما في الداخل، فالصورة قد تكون مختلفة، حيث يدرك السوريون نقاط الضعف ومشكلات بلادهم أكثر من أي جهة أجنبية.

ورغم تأكيد الشرع أن بلاده منهكة من الحرب، وإنها لا تمثل تهديدًا لجيرانها ولا للغرب، مؤكدًا أنهم سيحكمون "لصالح جميع السوريين"، غير أن إسرائيل رفضت تلك الرسالة تمامًا ولم تقتنع كليا بالنوايا، فيما يواصل الرئيس ترامب الدفع باتجاه إنجاح اتفاق بين سوريا وإسرائيل الذي بات يواجه الكثير من العراقيل بسبب شروط يفرضها نتنياهو.

لاستقراء ما يمكن أن تحمله الأيام من أحداث بشأن سوريا، وحجم المنجزات والإخفاقات التي واكبت حكومة أحمد الشرع خلال عام مضى، أجرى موقع "عربي21" لقاءًا خاصا مع الخبير العسكري والمحلل السياسي العميد أحمد رحال، وفيما يلي نص المقابلة:

أين ترى سوريا اليوم بعد عام من التحرير؟ هل تسير ضمن خطوات مدروسة باتجاه تحقيق العدالة والمساواة التي يرمي إليها الشعب، أم أن الإخفاقات كثيرة؟

نحن أمام إنجاز كبير، وهو إسقاط نظام الأسد، ومع ذلك لدى الشعب السوري مطالب أكبر بكثير مما تحقق، ولكن السلطة لا تملك عصا سحرية لتغيير الواقع، ومع وجود إخفاقات كبيرة، فإن هناك ثلاثة ملفات ضاغطة إن لم تُنفّذ فنحن في مشكلة، وهي ترسيخ الأمن، وإعادة بناء المجتمع، فضلاً عن الحاجة لمؤتمر حوار وطني وإعلان دستوري جديد وتأسيس حكومة تشاركية تعددية.

هل استطاع الرئيس أحمد الشرع محو سمة الإرهاب عنه، وتمكّن من إقناع الرأي العام بأنه تحول من مجاهد إلى رجل دولة؟

زيارة أحمد الشرع للبيت الأبيض دليل على وجود قناعة عربية ودولية بأن الرئيس السوري أزال عنه سمة تهمة الإرهاب، لكن المشكلة ليست في الرئيس الشرع، بل في بعض قيادات الصف الأول في هيئة تحرير الشام، وما حدث في الساحل السوري والسويداء من انتهاكات، وإن كانت فردية، دليل على ضرورة تغيير سلوك هؤلاء.

ما تفسيرك لطبيعة الحراك المعارض لحكومة أحمد الشرع في بعض المحافظات كالسويداء واللاذقية؟ مجلة الإيكونوميست ترجح اندلاع انتفاضة قريبًا ضد قادة سوريا الجدد. هل يمكن وصفها فعلًا بالانتفاضة؟

بقدر النجاحات الكبيرة التي حققتها السياسة السورية في الخارج، لكنها أخفقت في كثير من ملفات الداخل. لذا، من الضروري وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وخاصة في المفاصل الأمنية والعسكرية، لتجنب ما حدث في بعض المحافظات، والتي على إثرها خرجت تظاهرات معارضة للحكومة في دمشق. وفي المحصلة، تتحمل الحكومة المسؤولية لمعالجة الانقسامات وتجنب الخطر، رغم عدم وجود مخاوف من تطور الوضع للتصادم مع السلطات على غرار ما حصل في عام 2011، لكن بالتأكيد نحن بحاجة إلى مشروع وطني يجمع لا يفرق.

هل من المنصف اتهام سوريا الجديدة بأنها تخلت عن القضية الفلسطينية ولم تعد ضمن سلم أولوياتها، وباتت دمشق خارج معادلة الحكومات العربية المعادية لإسرائيل؟

قرارات الحكومة في دمشق واضحة، وهي أنها قسمت موضوع التفاوض مع إسرائيل إلى شقين، الأول هو اتفاق أمني يعيد الأمور إلى ما كانت عليه ما قبل 18-12-2024، بمعنى العودة إلى الاتفاق الموقع عام 1974، وهذا أمر لا يعني بالضرورة السلام مع إسرائيل، ولطالما أكد الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني أن سوريا ملتزمة بالموقف العربي، ومفاده لن نمنح إسرائيل سلامًا على بياض، ولا يعني أيضًا التخلي عن القضية الفلسطينية، فالنتيجة هو مجرد اتفاق وليس تطبيع.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
البعض يتهم حكومة الرئيس أحمد الشرع بالخضوع لإسرائيل، مستدلين بذلك بسلسلة الهجمات التي شنها الاحتلال على سوريا والتي لم تكن تُذكر خلال حكم الأسد، ما رأيك؟

نتيجة للتفاهمات التي كانت موجودة ما بين نظام الأسد وإسرائيل، تُرجمت إلى عدم شن الاحتلال هجمات على سوريا، وليس معنى هذا أن إسرائيل كانت تتخوف من الجيش السوري، فبعد عام 1973، لم يشكل الجيش للاحتلال رقمًا صعبًا، ونذكر هنا ما قاله رامي مخلوف عام 2011، أن أمن دمشق من أمن إسرائيل، كما أن تل أبيب هي من عارضت إسقاط نظام الأسد حتى تيقنت عام 2024، أن إيران لا تخرج من سوريا طالما نظام الأسد موجود، وبالتالي رفعت الغطاء عنه.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
قبل أيام حذر مسؤولون إسرائيليون من خطورة دعم الرئيس ترامب لأحمد الشرع على أمن دولة الاحتلال، هل فعلاً سوريا بوضعها السياسي والاقتصادي الهش حاليًا تشكل تهديدًا لإسرائيل؟

كلام الرئيس، والشارع، وكل القيادة السورية كان واضحًا، وهو أننا اليوم لا نبحث عن عداء مع أحد، ولا نريد أن نبحث عن حرب مع أحد، بل نريد بناء مؤسسات الدولة، وتأمين معيشة المواطن السوري. وبالتالي، الكلام عن كون دمشق تمثل تهديدًا لإسرائيل بعيد عن المنطق، والحقيقة أن نتنياهو يبحث عن الذرائع للتحرش بسوريا منذ وصول الشرع للسلطة، ومفاد رسالة تل أبيب أنها لن تنتظر سبع سنوات للوقوع في كمين طوفان الجولان كما حدث مع طوفان الأقصى.

كانت غزة حاضرة في هتافات الجيش السوري خلال مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير، هل تم بتوجيه مركزي أم باجتهاد فردي، أم إنها ورقة ضغط للدفع باتجاه تسريع الاتفاق مع إسرائيل؟

الخطاب السوري تجاه القضية الفلسطينية وغزة والضفة الغربية واضح، وهو في وجدان كل مواطن سوري، وهذا ما لمسناه خلال ترديد الهتافات في الاستعراض العسكري الذي حدث في دمشق بذكرى التحرير، وما يبدر من تصريحات بشأن دعم فلسطين هي مواقف معنوية فردية، ليس معناها أن ترسل سوريا جيشًا للقتال ضد إسرائيل.

لا ننكر وجود مؤيدين وحلفاء حتى اللحظة للرئيس المخلوع الأسد، سواء في الداخل أو الخارج، ولكن هل تعتقد أن ما تضمنته الفيديوهات المسربة وهو برفقة لونا الشبل قد أطاح بصورته؟

عام 2021، خسر بشار الأسد ما كان يملكه من دعم وتأييد لدى الطائفة العلوية، حيث تيقنوا أنه لا خير يرتجى منه، خاصة وأن البروباغاندا الإعلامية والاستخباراتية التي عمل عليها النظام تفككت خلال أعوام الحرب الأخيرة، كما أن إعلانه عن عدم قدرته على تأمين الرواتب وتقديم الخدمات، كلها أسباب فاقمت من السخط الشعبي ضد الأسد، لذا فإن ظهوره خلال المقاطع المصورة وهو يستهزئ بالجيش وقادته، بما فيها الميليشيات الوافدة التي كانت تدعمه، أكدت لمن لم يتأكد بعد مدى الاستخفاف الذي كان يتعامل به بشار الأسد مع مؤسسات وقطاعات الدولة، كما كشفت تلك المقاطع أن سوريا كانت تفتقد أساسًا لوجود رئيس يمتلك مواصفات الهيبة التي تؤهله لقيادة بلد غارق بالأزمات.

تعرض لأول مرة .. تسريبات تكشف أحاديث بين الأسد ولونا الشبل#سوريا#قناة_التغيير_الفضائية pic.twitter.com/6ea7dGdvs5 — قناة التغيير الفضائية (@AlTaghierTV) December 6, 2025
تباطؤ مسار العدالة مع الذكرى السنوية للتحرير
لا يمتد نفوذ الشرع إلى شمال شرقي سوريا، حيث يفرض الأكراد سيطرتهم على نحو 25 بالمئة من مساحة البلاد، ولا إلى أجزاء من الجنوب، حيث يسعى الدروز، إلى إقامة دولة مستقلة بدعم من حلفائهم الإسرائيليين، وعلى الساحل، يخشى العلويون تكرار "المجازر" التي تعرضوا لها في آذار/مارس الماضي رغم تعهد دمشق بالتحقيق ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والتي اتضح تورط العديد من الفصائل المنضوية ضمن الحكومة.

مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعرب عن قلقه الشديد بشأن بطء وتيرة العدالة، وقال متحدث باسم المكتب إن السلطات الانتقالية اتخذت خطوات مشجعة لمعالجة الانتهاكات السابقة، لكنها ليست سوى بداية لما ينبغي القيام به، وأشار المكتب إلى أن بعض السوريين تحركوا بأنفسهم، أحياناً بالتعاون مع قوات الحكومة، مؤكدًا أن المئات قُتلوا خلال العام الماضي على يد قوات الأمن والجماعات الموالية لها، وعناصر مرتبطة بالحكومة السابقة، ومجموعات مسلحة محلية، وأفراد مسلحين مجهولين.

وأضاف أن الانتهاكات الأخرى شملت العنف الجنسي، والاعتقالات التعسفية، وتدمير المنازل، والإخلاءات القسرية، والقيود على حرية التعبير وحرية التجمع السلمي. وأوضح أن المجتمعات العلوية والدروز والمسيحيين والبدو كانت الأكثر تضررًا من موجات العنف، التي غذّتها خطابات كراهية متصاعدة على الإنترنت وخارجه، وهو ما شددت عليه منظمات حقوق عالمية، مثل العفو الدولي وهيومن رايتس ووتش، اللذين دعوا السلطات السورية إلى العمل من أجل خلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية.

بعد عام على سقوط الأسد، ينبغي للسلطات السورية، بدعم من المجتمع الدولي، العمل لخلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية. pic.twitter.com/K3e5HdOIgw — هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) December 9, 2025

"إسرائيل" واستغلال ضعف سوريا
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الشرع وحكومته يمتلكون ما يكفي من القوة للصمود في وجه أزمة أخرى بالخطورة نفسها، فإسرائيل ما تزال تمثل تهديدًا حاضرًا بالنسبة للسوريين، وفق تقرير لشبكة "بي بي سي"، فبعد سقوط الأسد، شن الاحتلال سلسلة واسعة من الغارات الجوية بهدف تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية للنظام السابق، كما وتقدم جيشه خارج مرتفعات الجولان المحتلة للسيطرة على أراض سورية إضافية ما زال يحتفظ بها حتى اليوم، واستغلت إسرائيل الفوضى في سوريا لإضعاف بلد تعتبره عدوًا، عبر تدمير أسلحة قالت إن من الممكن أن توجه ضدها.

أما محاولات الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل فقد تعثرت خلال الشهرين الماضيين تقريبًا. تريد دمشق العودة إلى اتفاق أنجز برعاية هنري كيسنجر عام 1974، حين كان وزيراً للخارجية الأمريكية، بينما يصر نتنياهو على بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي التي استولى عليها، ويطالب بأن تنزع سوريا السلاح في منطقة واسعة جنوب دمشق، وخلال الشهر الماضي، كثفت إسرائيل توغلاتها البرية داخل سوريا. وتقدر نشرة "سوريا ويكلي"، التي توثق بيانات العنف، أن عدد هذه التوغلات كان أكثر من ضعف المتوسط الشهري طوال هذا العام.

وزير "إسرائيلي".. "الحرب مع سوريا حتمية"
صرح وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، أن الحرب مع سوريا "حتمية"، في ظل تصاعد التوترات الميدانية واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وجاء موقفه تعليقا على تسجيلات تظهر جنودا من الجيش السوري وهم يهتفون لغزة خلال مسيرة عسكرية أقيمت الاثنين احتفالا بالذكرى الأولى لـ"عيد التحرير"، ما أثار قلقا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

من هتافات الجيش السوري في مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير الأولى:

غزة، غزة، غزة شعار، نصر وثبات، ليل ونهار
طالعلك يا عدوي طالع، طالعلك من جبل النار
اعملك من دمي ذخيرة، واعمل من دمك أنهار

pic.twitter.com/9GXwRMlxgO — سعيدالحاج said elhaj (@saidelhaj) December 8, 2025
وكتب شيكلي المنتمي لحزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو تدوينة مقتضبة على حسابه في منصة "إكس"، أرفقها بخبر حول هتافات الجنود السوريين، واكتفى فيها بعبارة: "الحرب حتمية"، ورغم أن الحكومة السورية الحالية لم تظهر أي تهديد عسكري مباشر للاحتلال فإن الأخير يواصل تنفيذ توغلات داخل الأراضي السورية وغارات جوية أودت بحياة مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية تابعة للجيش السوري.

عام على سقوط الأسد.. ماذا تغير في سوريا؟
ومع مرور عام على تحرير سوريا وسقوط نظام الأسد، يعود السوريون بذاكرتهم إلى تلك اللحظات المفصلية في تاريخ بلادهم، لتبقى شاهدة على بداية مرحلة جديدة في تاريخ دمشق، ورغم كم الأزمات إلا أن هناك الكثير من المنجزات، منها تبييض السجون، حيث أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه تم تحرير 24 ألفًا و200 معتقل كرقم تقديري، في حين لا يزال مصير 112 ألف معتقل ومختف قسريًّا مجهولًا حتى اللحظة.


كما تم رفع معظم التدابير التقييدية المرتبطة بنظام الأسد ورموزه خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد والتجارة الدولية، وفق المجلس الأوروبي والخزانة الأمريكية، فضلا عن عودة سوريا إلى الخريطة الدبلوماسية وسط حراك متسارع على مستوى رفيع، لإعادة دمجها في المنظومة الإقليمية، وفق كارنيفي للسلام الدولي، وعلى الصعيد الاقتصادي، قال تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن هناك استقرارَا جزئيَا في سعر الصرف بعد تحسنه، وسط تقارير عن توفير أكبر للسلع نتيجة إعادة فتح خطوط التوريد.



مقالات مشابهة

  • عمرو أديب: عقلية الخوف داخل إسرائيل تتجدد مع أي تعاون مصري – تركي
  • غنائم الانسحاب.. وثائقي للجزيرة يكشف حجم الأسلحة الأميركية التي استولت عليها طالبان
  • بزشكيان: عازمون على تنفيذ الاتفاقية الشاملة بين إيران وروسيا
  • عاجل | وزير خارجية لبنان للجزيرة: وصلتنا تحذيرات من جهات عربية ودولية أن إسرائيل تحضر لعملية عسكرية واسعة ضد لبنان
  • تركيا.. تدني شعبية الحركة القومية يضع تحالف أردوغان أمام خيارات صعبة
  • نحو 100 قتيل في هجوم الإنتقالي على حضرموت.. ومعلومات تكشف حجم الإنتهاكات التي ارتكبتها مليشياته هناك
  • أحمد رحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل
  • المبعوث الأمريكي: تركيا قادرة على المساعدة في غزة ومسار تطبيع مع إسرائيل ممكن
  • ياسين براهيمي للجزيرة نت: إصابتي كانت مروعة
  • تحالف مصري تركي يربك إسرائيل.. القاهرة تنضم لمشروع المقاتلة الشبحية