إخفاء صدام حسين.. وثائقي يبحث هروبه قبل أن يُقبض عليه
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
وثق المخرج الكردي هلكوت مصطفى 235 يوما حاسمة في حياة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وهي تلك الأيام التي تلت الغزو الأميركي للعراق. ورصد مصطفى مراحل البحث عن الرئيس العراقي الذي أُعدم لاحقا في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006، وذلك في الفيلم الوثائقي العراقي النرويجي "إخفاء صدام حسين".
ونافس فيلم "إخفاء صدام حسين" في مسابقة الأفلام الطويلة في النسخة الثالثة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الذي عُقد في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
في خندق بين أشجار النخيل في منطقة "الدور"، اختفى صدام حسين عن أعين قوات الاحتلال الأميركي، وكلف 150 ألف جندي للبحث عنه. وخلال أشهر عاشها صدام في ضيافة علاء نامق المزارع العراقي البسيط الذي أصبح حارسه الشخصي، عاش معه آخر 235 يوما قبل أن يُقبض عليه.
يقول علاء نامق للجزيرة نت إنه وافق على الظهور في الفيلم، ومنح المخرج هلكوت مصطفى كل التفاصيل الخاصة بالرئيس الراحل في آخر أيامه، وذلك بعد رفضه المشاركة في أي أفلام أو برامج عن تلك الفترة.
وجاء رفض نامق لعدة أسباب، بينها انتشار اللغط حول الأمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي روجت لأمور غير حقيقية تخص استضافته لصدام حسين، إلى جانب رغبته في أن يبرئ منطقته وعشيرته من أى مزاعم عن أمور لم تحدث.
والتقى علاء نامق بالمخرج الكردي في 2012، واتفقا على تقديم القصة في قالب إنساني فقط وبعيدا عن الدخول في السياسة، فوافق على الفور.
وأراد علاء نامق أن يتحدث في الفيلم عن "صدام حسين" باعتباره شخصا حل ضيفا على عائلة عراقية، "وفي العراق واجبنا هو إكرام الضيف وحمايته حتى لو كان ذلك يعني التضحية بنفسك وكل ما تملك".
يقول المخرج الكردي -الذي هرب مع أسرته للشمال في فترة حكم صدام حسين- للجزيرة نت: "لدي أيضا قصتي الخاصة، فأنا كردي وهربت من نظام صدام حسين وكل عائلتي كانت تحارب ضد نظامه، ولكني في الفيلم أردت أن أكون مخرجا فقط لا أن ألعب دورا سياسيا".
وبالفعل ظهر "نامق" باعتباره بطل أحداث فيلم "إخفاء صدام حسين"، وهو المزارع الذي استطاع إخفاء صدام عن أعين الجنود الأميركان لأشهر، ودراما الأحداث التي عاشها صدام.
وتابع المخرج الكردي بأن حماسه للعمل كان نابعا من رغبته في تقديم القصة بزاوية نظر عراقية، وليقدم رؤية نامق للقصة، "فكل ما كان ينشر بالنسبة لحرب العراق كان من منظور الغرب دائما".
رحلة بحثتبدأ أحداث الفيلم بمشاهد أرشيفية ترصد دخول الجيش الأميركي إلى العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل، ومقاومة الجيش العراقي والسقوط، ومن ثم رحلة هروب عاشها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين خلال 8 أشهر فارقة في حياته من أبريل/نيسان وحتى ديسمبر/كانون الأول 2003، عاشها بعيدا عن حياة الترف في مزرعة بمنطقة نائية قرب وادي دجلة، ليختبئ في الجبال ويعبر النهر، بعيدا عن القوات الأميركية التي رصدت ملايين الدولارات لمن يشي بمكانه.
يقول هلكوت مصطفى عن اختيار تلك المرحلة الزمنية إن الجميع كان يعرف صدام حسين فترة حكمه للعراق التي تقترب من 35 عاما، لكن فترة اختفائه ظلت لغزا مبهما لا أحد يعرف كيف غادر وأين اختفى عن الصورة على مدار 8 أشهر، وحتى الخندق الذي اختبأ فيه.
كان البعض يصدق قصته، ويكذبها آخرون، فكان هناك فضول بشأن تلك القصة، وكان السؤال الذي يشغل المخرج الكردي هل القصة كانت حقيقية؟
ويضيف هلكوت "أمضيت 14 عاما وأنا أبحث عن هذه القصة"، وأشار إلى أنه في المقابلة الأولى مع علاء نامق كان كلاهما خائفا، لكن بعدها التقيا لمدة أربعة أيام واختلفا في بعض الأمور، وانتهى الأمر بالاتفاق على تقديم العمل بشكل إنساني ورصد كيفية عيش صدام لأشهره الأخيرة ما قبل القبض عليه.
وينفى هلكوت مصطفى أى تدخل من الجهة الإنتاجية أو معهد الأفلام النرويجية الداعم في رؤية الفيلم، فقد تركوا له مطلق الحرية في تقديم قصة إنسانية بعيدا عن السياسة.
رواية أخرىولم تكن رواية علاء نامق هي المصدر الوحيد الذي اعتمد عليه هلكوت في تقديمه للفيلم، فقد تحقق من الحديث عبر الوثائق التاريخية، فكان يقارن بين ما يقوله نامق وبين الأحداث الحقيقية مثل زيارة نجل صدام حسين له ومن ثم مقتله.
ويتابع هلكوت أنه لم يعتمد على مصادر غير مؤكدة، فخلال عشرة أعوام شاهد ما بين 3 إلى 4 آلاف مستخرج من المحفوظات، و25 ساعة من المقابلات، وأعاد ترتيب القصة، إلى جانب التصوير في مزرعة قريبة إلى المزرعة الأصلية التي عاش فيها صدام، مع وجود جزء أرشيفي تمت الاستعانة به في الفيلم.
وخلال 14 عاما من التحضيرات واجه المخرج الكردي العديد من الصعوبات لإنتاج "إخفاء صدام حسين"، ويقول إن الصعوبة تكمن في أن طاقم الفيلم لم يكونوا يعلمون شيئا عن الفيلم نفسه أو تفاصيله، وذلك لضمان سلامة علاء نامق وأسرته، وذلك إلى جانب الاستعانة بمستشار قانوني لضمان مسافة واحدة بين الجميع.
واعتمد هلكوت في سرده للقصة على إعادة تمثيل بعض المشاهد، وبين الحكي على طريقة القصص الشعبية القديمة، فاستعان بنامق كراوٍ للأحداث. وعن عدم استغلاله في مشاهد تمثيلية، أشار إلى أنه أراد أن يعطيه الفرصة ليحكي الرواية كما يريد، واختار التفاصيل البسيطة مثل جلوسه على الأرض ليقترب من الثقافة العربية، ويبدو المشهد واقعيا ويصدقه الجمهور، وللمصداقية استعان بمشاهد أرشيفية لما يقوم نامق به في روايته.
الممثل الذي جسد شخصية صدام حسين في المشاهد التمثيلية قال هلكوت إنه لم يرغب في أن يجعله شبيها لصدام، بل كان يرغب في أن يشعر المتفرج بأنه أمام شخص يلعب شخصية صدام، وهو مقصود في العمل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی الفیلم
إقرأ أيضاً:
أطباء تحت النار وثائقي يرصد ما حدث للكوادر الطبية بغزة.. بي بي سي رفضت عرضه
قال الناقد البريطاني ستيوارت هيرتيج في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" إن فيلم "غزة: أطباء ومسعفون تحت النار"، الذي عرضته القناة الرابعة البريطانية بعد رفض هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بثه، هو "عمل سينمائي بالغ الأهمية"، رغم ما يحمله من مشاهد كابوسية لن تزول من الذاكرة، مؤكداً أن "العالم بحاجة إلى أن يشاهده".
وأكد هيرتيج أن الفيلم يوثق "الاستهداف الممنهج للأطباء والمسعفين في قطاع غزة" من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويتناول شهادات ووقائع دامغة حول تعذيب واحتجاز كوادر طبية في ظروف صادمة، مشدداً على أن "أكبر فشل قد يواجه الفيلم هو أن ظروف عرضه قد تطمس محتواه الذي لا يجب السكوت عنه".
'Gaza: Doctors Under Attack' is a forensic investigation into Israeli military attacks on hospitals in Gaza and allegations of targeting and abuse of doctors and healthcare workers breaching international law.
Watch tonight at 10pm on @channel4. pic.twitter.com/nQIaHYUoim — Channel 4 Dispatches (@C4Dispatches) July 2, 2025
وأضاف الناقد البريطاني أن "بي بي سي" كانت قد كلفت شركة بيسمنت فيلمز بإنتاج الفيلم، لكنها تراجعت عن عرضه بعد الجدل الذي أثاره فيلم وثائقي آخر بعنوان "غزة: كيف تنجو من محور حرب"، مشيراً إلى أن هذا القرار "أثار موجة استياء داخل المؤسسة الإعلامية الأبرز في البلاد، وشكّك في حيادها التحريري".
وقال هيرتيج إن القناة الرابعة أنقذت الفيلم من الإهمال، ومنحته منصة عرض واسعة، مضيفاً: "لقد بات من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن هذا العمل يستحق أن يُشاهد، وأن يتم التعامل معه بجدية تامة".
تحقيق جنائي في جرائم حرب
وصف هيرتيج الفيلم بأنه "تحقيق جنائي مكثف" في مزاعم استهداف الجيش الإسرائيلي للمستشفيات والطواقم الطبية في غزة، البالغ عددها 36 مستشفى.
وأوضح أن الفيلم يكشف نمطاً متكرراً من الهجمات، وفقاً لما وثقته الأمم المتحدة: يبدأ بقصف المستشفى، ثم محاصرته، وبعدها اقتحامه بواسطة الدبابات والجرافات، ثم اعتقال الطواقم العاملة فيه. وعندما يصبح المستشفى غير قابل للاستخدام، تنتقل القوات إلى مستشفى آخر لتكرار السيناريو نفسه.
وشدد هيرتيج على أن هذه الاستراتيجية، بحسب ما جاء في الفيلم، تهدف إلى "شل النظام الصحي في غزة لسنوات قادمة"، مضيفاً: "المباني يمكن إعادة بنائها، لكن الكوادر الطبية تحتاج إلى سنوات من التدريب، واستهدافهم هو وسيلة لضرب مستقبل غزة بالكامل".
رعب إنساني غير مسبوق
أضاف هيرتيج أن الفيلم يتبع أسلوباً هادئاً في السرد، بعيداً عن التلاعب العاطفي، لكنه مع ذلك يقدم "تسلسلاً زمنياً مرعباً" لأهوال عاشها الأطباء داخل المستشفيات المحاصرة والمستهدفة. ويظهر الفيلم محاولات الأطباء علاج جروح مروعة في ظل انعدام الماء والكهرباء، كما يوثق حالات احتجاز في مواقع سرية، حيث يُعذب الأطباء ويُستجوبون، بل ويُروى عن تعرض بعضهم لعمليات تعذيب واغتصاب جماعي.
وسلّط الفيلم الضوء على شهادات أطباء عايشوا المأساة، من بينهم الدكتور خالد حمودة، الذي قُتل عشرة من أفراد عائلته في قصف مباشر لمنزله، ثم تم قصف المنزل الذي لجأ إليه من تبقى من الناجين.
وبعد مقتل زوجته وابنته، لجأ حمودة إلى المستشفى الذي يعمل فيه، فتعرض بدوره للقصف، واعتُقل مع 70 طبيباً آخرين تعرضوا للضرب والتنكيل.
وأشار هيرتيج إلى حالة الدكتور عدنان البرش، الذي اعتقل وجُرد من ملابسه وتم استجوابه، وتوفي لاحقاً في السجن، حيث لم تُتح له فرصة الحديث عن تجربته، لكن الفيلم بثّ تسجيلات صوتية له قبل وفاته، يوصي فيها أطفاله بالاعتناء بوالدتهم، في مشهد وصفه هيرتيج بأنه "يبث شعوراً باليأس المطلق".
اعتبر هيرتيج أن فيلم "أطباء تحت النيران" هو "الأكثر قسوة ورعباً" بين جميع الأفلام الوثائقية التي أُنتجت مؤخراً عن القضية الفلسطينية، موضحاً أن المقاطع التي تتحدث عن تعذيب الأطباء في السجون تشبه "الكوابيس الحيّة".
وقال إن "من بين أكثر المشاهد إيلاماً، تلك التي تُروى فيها حالات تعذيب جسدي ونفسي على يد أطباء إسرائيليين، كانوا يجرون عمليات جراحية دون تخدير، ويصرخون في وجه المرضى الفلسطينيين قائلين: أنتم مجرمون ويجب أن تموتوا".
حياد أم تهرب من الحقيقة؟
وانتقد هيرتيج موقف "بي بي سي" التي امتنعت عن عرض الفيلم بدعوى الخوف من "المظهر غير المحايد"، مؤكداً أن معدّي الفيلم اتخذوا كل الإجراءات المهنية المطلوبة، من حيث عرض رواية الطرف الإسرائيلي، وتوثيق هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بنفس المستوى الذي عرضت فيه مشاهد الأطفال الفلسطينيين الجرحى والقتلى.
وقال: "لقد أدرك صناع الفيلم أن أي علامة على الانحياز ستفقدهم المصداقية، ولذلك حرصوا على التوازن والموضوعية".
وفي رسالة مفتوحة سبقت عرض الفيلم، حذرت المسؤولة في القناة الرابعة لويزا كومبتون٬ من أن الفيلم "سيسبب غضباً واسعاً لدى كثيرين، من جميع الأطراف".
وعلّق هيرتيج بالقول: "كانت محقة، فهذا من نوعية الأفلام التي لا يمكن نسيانها، وسيؤدي إلى رد فعل دولي واسع... ولسبب وجيه جداً".
وختم الناقد البريطاني مقاله بدعوة واضحة قائلاً: "انسَ ما أوقفته بي بي سي. الفيلم بات هنا الآن، ولا يجوز تجاهله".