كييف – بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب خائب الأمل إزاء رغبة نظيره الروسي فلاديمير بوتين بوقف الحرب، إذ يصر بوتين على تحقيق أهدافه لكنه يبدي استعدادا لاستئناف المفاوضات مع أوكرانيا في إسطنبول. أما كييف فحائرة بين الرجلين في وضع لا تحسد عليه، وعالقة بين سراب السلام، وشبح وقف المساعدات، والاضطرار إلى تقديم مزيد من التنازلات على الطاولة.

هذا ما يبدو عليه المشهد الأوكراني اليوم، لكنه يزداد تعقيدا يوما بعد آخر بفعل القصف المتبادل والتصعيد على الجبهات، مما يطرح تساؤلات جادة عن حقيقة النوايا ونجاعة عملية التفاوض برمتها.

وقد شهدت الأسابيع الماضية جولتين من المفاوضات في إسطنبول، لكنها لم تحرز أي تقدم يتعلق بالحرب نفسها، سواء بوقف إطلاق النار، أو حصر الضربات المتبادلة بعيدا عن المدن ومرافق البنية التحتية، أو غير ذلك من التحركات العسكرية على الأرض.

ولم تستمر العملية التفاوضية طويلا في كلا المرتين، فكييف رأت أن موسكو لا تتفاوض، بل توجه "إنذارات نهاية" يعني قبولها "الاستسلام" من دون قيد أو شرط، ولذا لم يتفق الجانبان إلا على مُخرج وحيد يحمل طابعا إنسانيا، فتبادلوا آلاف الأسرى. ولكن حتى هذا الاتفاق بدا كأنه ذر للرماد في العيون، وشكر واحترام للمضيفة والوسيطة تركيا.

أوكرانيون يرحبون بذويهم الأسرى الذين أفرجت عنهم روسيا (الأوروبية) محددات اللقاء

وبينما تقول الخارجية الروسية إن "الوفود تبحث إجراء جولة ثالثة من المفاوضات في إسطنبول"، تلمح الخارجية الأوكرانية إلى أنها "لن تكون ذات معنى إلا إذا التقى الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين وجها لوجه".

وذلك ما لمح إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بل قال إن نظيره الأميركي دونالد ترامب مستعد للمشاركة أيضا.

ويصر الأوكرانيون على اللقاء المباشر، لأنهم يرون أن "رسل الكرملين" لا يملكون أي صلاحيات في عملية التفاوض، أما سيده بوتين فهو الوحيد القادر على صنع القرار.

لكن بعض أصحاب الرأي في أوكرانيا يستبعدون أن يكون هذا اللقاء قريبا، ومنهم أستاذة العلوم السياسية في جامعة "شيفتشينكو" بالعاصمة كييف أوليسا ياخنو التي قالت للجزيرة نت إن "بوتين لن يقبل باللقاء ما دام في موضع قوة وقواته تتقدم".

إعلان

وهنا يبرز السؤال عن سبب حديث الجانبين عن أهمية الجلوس إلى الطاولة، بينما يكيل الجانبان لبعضهما سيلا من الاتهامات في كل مرة، وتجيب عن ذلك رئيسة قسم دراسات الأمن والصراع الإقليمي في مؤسسة "كوشيريف" للمبادرات الديمقراطية ماريا زولكينا بالقول إن "كلا الجانبين يناور في المفاوضات، لأهداف بعيدة عن السلام".

وتوضح زولكينا للجزيرة نت أن "أوكرانيا تؤمن أنها لن تحقق سلاما عادلا من موقع ضعف، وأن ذهابها إلى إسطنبول كان نتيجة لبضعة أشهر من التقارب الروسي الأميركي في عهد ترامب، واستجابة للضغوط عليها".

وتضيف "تتبع أوكرانيا تكتيكات ثلاثة في إسطنبول: أولها تجنب المواجهة السياسية مع واشنطن وإقناعها بأن روسيا هي المشكلة، وثانيها حشد مزيد من الدعم الأوروبي في ظل التراجع الأميركي، وثالثها إنعاش آمال الشارع المتعب بإمكانية التوصل إلى اتفاق يوقف إطلاق النار أو ينهي الحرب". وتضيف "أعتقد أنها نجحت إلى حد ما بذلك".

روسيا وأوكرانيا صعّدتا مؤخرا وتيرة الهجمات المتبادلة بالصواريخ والطائرات المسيرة (الأناضول) نموذج مينسك

من وجهة النظر الأوكرانية، فإن الروس يتمتعون بموقع القوة على الأرض، ويريدون من مفاوضات إسطنبول تحقيق أهداف أخرى، وهو ما يذكّر بفحوى اتفاقيات مينسك عام 2014 التي جمعت آنذاك بين موسكو وكييف والانفصاليين الموالين لروسيا في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.

وترى الخبيرة زولكينا أن "التكتيك الروسي يسعى إلى تخفيف العقوبات، وأن يؤدي ذوبان الجليد بين الولايات المتحدة وروسيا إلى فوضى لا مفر منها في بيئة الاتحاد الأوروبي، بتعالي أصوات مؤيدة لروسيا بين السياسيين والشركات، لمصلحة تخفيف مماثل لضغوط العقوبات".

ومن وجهة نظرها أيضا، فإن "روسيا تريد استسلام أوكرانيا وإعادة تطبيق اتفاق مينسك في آن معا، فهي تربط بين وقف إطلاق النار المؤقت وانسحاب القوات الأوكرانية من أراضي المقاطعات التي ضمتها روسيا، وهي لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون، وسنّ قوانين تمنع قيام كييف بأي عمل عسكري في المستقبل ضدها، بالإضافة إلى اشتراط موسكو الحد من التسلح والتعبئة في أوكرانيا".

وبناء على ذلك، لا يتوقع كثير من المراقبين أن تستمر عملية التفاوض إلى ما لا نهاية، بل يرون أنها قد تتوقف في لحظة ما قد تكون قريبة، إذ ترى الخبيرة زولكينا أنه "بمجرد أن تدرك الولايات المتحدة عدم جدوى المفاوضات -وهذا ما نراه الآن- سينتهي اهتمام الروس بممارسة هذا الدور التفاوضي"، على حد قولها.

من جهتها، ترى أستاذة العلوم السياسية ياخنو أنه "رغم عدم قبول أوكرانيا بمطالب الروس، لا ينبغي التعامل مع المفاوضات على أنها تجاهل واضح من قبل موسكو لفكرة الاتفاق ذاتها".

وتابعت "المطالب في المفاوضات موجهة ليس إلى أوكرانيا فقط، حتى إن رفضتها، بل إلى الولايات المتحدة أيضا التي تأمل روسيا كتابة فصل جديد معها، والقيام بنوع من إعادة توزيع مناطق النفوذ والمصالح في أنحاء العالم".

لهذا، تعتقد ياخنو أن تخلّي واشنطن التام عن ملف أوكرانيا مستبعد، بغض النظر عن كل ما يبدو عكس ذلك؛ وتقول إن "ترامب وبوتين في هذا العالم أشبه بلاعبين في بطولات مختلفة، وفئات وزن مختلفة. ولكي يتغلب أحدهم على الآخر، لن يتخلوا عمن يستطيع المشاركة لتحقيق ذلك، وهم: أوكرانيا والشركاء المقربون السابقون في أوروبا"، على حد وصفها.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی إسطنبول

إقرأ أيضاً:

مفاوضات على صفيح نووي| وشروط وضغوط بين إيران وأميركا وسط ترقب دولي.. تفاصيل

بينما يتصاعد التوتر في منطقة الشرق الأوسط، تعود المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران لتتصدر المشهد السياسي والدبلوماسي، وسط جولة مرتقبة في أوسلو الأسبوع المقبل . 

جولة تفاوضية جديدة في أوسلو 

وهذه العودة لا تأتي بمعزل عن تعقيدات إقليمية وضغوط دولية، أبرزها الشروط الإسرائيلية المتشددة، والتحفظات الإيرانية الواضحة، والتباينات المستمرة حول آليات التفاوض ومساراته. 

وبينما تسعى الأطراف إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، تبرز التحديات الأمنية والسيادية كعوامل حاسمة قد تحدد مصير هذه المحادثات الحساسة.

كشفت مصادر مطلعة عن جولة جديدة من المفاوضات النووية المرتقبة في العاصمة النرويجية أوسلو خلال الأسبوع المقبل، تأتي في وقت يزداد فيه الحديث عن اقتراب استئناف الحوار النووي بين الولايات المتحدة وإيران. 

ومن جانبه، أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي بأن إسرائيل تم إبلاغها رسميا بهذه التطورات، ما يعكس اهتماما دوليا متزايدا بمسار هذه المفاوضات التي طال أمد تعثرها.

والرد الإسرائيلي لم يتأخر، إذ أكد وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، أن تل أبيب طالبت الإدارة الأميركية بفرض "رقابة صارمة" على المواقع النووية الإيرانية، بالإضافة إلى فرض "حظر كامل على تخصيب اليورانيوم"، وهو ما تعتبره طهران خطا أحمر لا يمكن تجاوزه.

 ضربات عسكرية لإيران في هذه الحالة 

في السياق نفسه، أشارت تقارير إعلامية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتزم خلال لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلب ضمانات أمنية تسمح لإسرائيل بتوجيه ضربات عسكرية لإيران إذا ما تم رصد أي تصعيد في نشاطها النووي أو الصاروخي. 

وهذه المطالب تعكس رؤية إسرائيلية تعتبر أن الضغوط وحدها لا تكفي لردع طهران عن المضي قدما في برنامجها النووي.

الموقف الإيراني 

على الجانب الآخر، أبدت إيران استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكنها اشترطت الحصول على ضمانات محددة، من أبرزها الامتناع عن أي استهداف عسكري خلال فترة التفاوض.

 وأكد مسؤولون إيرانيون أن "المعرفة النووية لا يمكن القضاء عليها بالقصف"، في إشارة إلى أن خيار الردع العسكري غير مجدٍ في نظر طهران.

وفي هذا السياق، صرح الدبلوماسي الإيراني السابق عباس خامه يار أن العودة إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تعني تراجعا، بل "تعديلا في آلية التنسيق"، موضحا أن التنسيق سيكون من خلال المجلس الأعلى للأمن القومي لأسباب وصفها بـ"الأمنية والسيادية".

ولم تتقبل الولايات المتحدة بسهولة قرار إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الذرية، ووصفت الخارجية الأميركية هذا القرار بأنه "غير مقبول"، مطالبة طهران بتعاون كامل وفوري. 

في المقابل، ترى طهران أن موقف الوكالة "يفتقر للحيادية"، خاصة في ظل الهجمات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، ما دفع البرلمان الإيراني لإقرار قانون يقضي بتعليق التعاون، مع منح المجلس الأعلى للأمن القومي صلاحية تعديل هذا القرار وفق تطورات الأوضاع.

الوساطات العربية.. وتمهيد محتمل للجولة السادسة

ورغم غياب التأكيد الرسمي من واشنطن أو طهران بشأن موعد الجولة السادسة، إلا أن تصريحات خامه يار أشارت إلى وجود وساطة عربية ساهمت في تهيئة الأجواء للعودة إلى المفاوضات، في حال تم الالتزام ببعض أو كل الشروط الإيرانية المطروحة.

عقوبات أميركية جديدة 

وفي تطور مواز، أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة جديدة من العقوبات استهدفت أفرادا وكيانات على صلة بالبرنامج النووي الإيراني. 

وهذه الخطوة الأميركية قوبلت بانتقادات شديدة من طهران، التي اعتبرت العقوبات "تناقضا واضحا مع دعوات السلام"، مؤكدة أن إيران لن تقبل التفاوض تحت التهديد، كما ترفض بشكل قاطع "التصفير الكامل لتخصيب اليورانيوم"، باعتباره أحد الثوابت غير القابلة للتفاوض في سياستها النووية.

وزير الدفاع الإسرائيلي: يجب أن نكون مستعدين لمنع إيران من إعادة تأسيس قدراتهاترامب: أريد الأمان لأهالي غزة وأرحب بالتفاوض مع إيرانمفاوضات مشروطة.. ومصير مجهول

في ختام تصريحاته، شدد عباس خامه يار على أن إيران لا تعارض الحلول السياسية، لكنها ترفض الدخول في مفاوضات مبنية على "إملاءات أو تهديدات عسكرية"، مطالبا بأن تقوم أي محادثات مقبلة على أسس من "الاحترام المتبادل وضمانات واضحة للطرفين".

وبينما تتأرجح المواقف بين التصعيد والحوار، تظل المفاوضات النووية المرتقبة رهينة لميزان دقيق من الضغوط والمرونة، ما يجعل مستقبل الاتفاق النووي مسألة شديدة التعقيد، ومفتوحة على جميع الاحتمالات.

عراقجي يدافع عن تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويؤكد التزام إيران بالرقابة النوويةحالات وفاة غامضة لموظفين في السفارة السويسرية في إيران طباعة شارك إيران إسرائيل الولايات المتحدة أمريكا الاحتلال الاتفاق النووي الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • مفاوضات على صفيح نووي| وشروط وضغوط بين إيران وأميركا وسط ترقب دولي.. تفاصيل
  • أوكرانيا تقصف مطاراً روسياً وموسكو تعلق الطيران في مطارين
  • رئيس مركز جنيف: هجمات روسيا على كييف رسالة واضحة برفض السلام
  • السفير الإسرائيلي في كييف: ملتزمون بدعم أوكرانيا
  • روسيا تشن أضخم هجوم جوي على كييف بـ550 مسيّرة وصاروخا
  • يوم عصيب على أوكرانيا.. روسيا تهاجم كييف بعدد قياسي من المسيرات
  • روسيا تستعيد مجموعة عسكريين من أراض تسيطر عليها كييف
  • «الكرملين»: بوتين أخبر ترامب بتوقعات روسيا بشأن المفاوضات مع أوكرانيا
  • ترامب وبوتين يبحثان أزمة أوكرانيا.. وموسكو تتمسك بـالقضاء على الأسباب الجذرية