قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن الدنيا فانية لا محالة غير أننا نعيش فيها ونحن مأمورون بإعمارها وإعمار الكون، والسير في مناكب الأرض بحثًا عن الرزق وبناءً للحضارة وطلبًا للعظة والاعتبار بحال من مضى في القرون الأولى.  

وأضاف وزير الأوقاف، في منشور له، أن الآخرة باقية ونحن مأمورون بالسعي لها والإقبال عليها والعمل لأجلها عملا لا يخالطه رياء ولا نفاق، وذلك حيث يقول سبحانه: "وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا " (الإسراء: 19).

وأشار إلى أن سعي الدنيا المذموم هو ذلك السعي الذي يكون على حساب الآخرة , وفيمن يضحي بآخرته لأجل دنياه , ولا يعنيه سوى الدنيا ولو باع نفسه أو دينه أو وطنه في سبيلها , وذلك النوع هو الذي ينطبق عليه قوله تعالى: " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا " (الإسراء: 18) , وقوله تعالى: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (هود: 15، 16) ، وقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ الله غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ الله فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ"(سنن الترمذي).

أما سعي العمل والإنتاج وتحقيق الاستغناء عن ذل السؤال أو الحاجة إلى الناس , فهو ذلكم السعي الذي يدعو إليه الإسلام , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه سلم): " مَنْ أَمْسَى كالًّا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ أَمْسَى مَغْفُورًا لَهُ " (رواه الطبراني في الأوسط), ويقول (صلى الله عليه وسلم): "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ , وَإِنَّ نَبِيَّ الله دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ" (صحيح البخاري) , ويقول (صلى الله عليه وسلم): "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ " (مسند أحمد) , ويقول (صلى الله عليه وسلم): "لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ" (صحيح البخاري).

وقال وزير الأوقاف، إن الذي نفتقده , والذي نسعى إليه هو ذلكم التوازن , وتلكم الوسطية القائمة على الاعتدال كما في قوله تعالى: "وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ "(القصص:77) , وقوله تعالى: "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا" (الإسراء: 29) , وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا "(الفرقان: 67) , وقوله (صلى الله عليه وسلم): "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ"(شعب الإيمان) , وقوله (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لله فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لله فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ الله مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ " (سنن الترمذي).

وتابع: فلا حرج في طلب الحسنى في الدنيا والآخرة , بل هل مطلوب مشروع وممدوح , وذلك حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا واللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ " (البقرة: 201 -202).

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: وزير الاوقاف الدنيا الآخرة صلى الله علیه وسلم وزیر الأوقاف

إقرأ أيضاً:

حـفظ المـال

لقد أحاط الإسلام المال بسياجات متعددة من الحفظ، فنهى عن أكل الحرام بكل صوره وأشكاله نهياً قاطعاً لا لبس فيه، يقول الحق سبحانه: ”يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا”، ويقول سبحانه: «إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون فى بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا». 
وعن ابن عباس (رضى الله عنهما) أن سيدنا سعد بن أبى وقاص قال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة، فقال له النبى (صلى الله عليه وسلم): «يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذى نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه فلا يقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به»، وقد كان بعض الصالحين يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام. 
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع فى الشبهات وقـع فى الحرام كـالراعى يـرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن فى الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهى الـقـلب»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إنى بما تعملون عليم}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!». 
ويقول (عليه الصلاة والسلام): «إن رجالاً يتخوضون فى مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة» (صحيح البخارى)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به».
فأكل الحرام قتل للنفس وإهلاك وتدمير لها فى الدنيا والآخرة، فهو فى الدنيا وبال على صاحبه فى صحته، وفى أولاده، وفى عرضه، وفى أمواله، «ولعذاب الآخرة أشد وأبقى».
وحثنا الشرع الحنيف على كتابة الدين وتوثيقه والإشهاد عليه فقال سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأبَ كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتقِ الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأبَ الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم».

الأستاذ بجامعة الأزهر

مقالات مشابهة

  • فتاوى وأحكام | أصلي سنة الفجر بالبيت أم المسجد؟.. هل كل إنسان له قرين؟.. هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟
  • هل كل إنسان له قرين؟.. لديك 3 في الدنيا وأمر واحد يُضعف شيطانك
  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • دعاء صلاة العشاء المستجاب.. كلمات تجلب لك خيري الدنيا والآخرة
  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • خطيب الأوقاف: التطرف الرياضي مذموم شرعا ويجعل صاحبه يستحل الحرام
  • عمرو أديب : الله يكون بعونك يا مو
  • حـفظ المـال
  • «التعصب ليس مرتبطا بالدين وحده».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 12 ديسمبر
  • خالد الجندي: عطاء الدنيا زائل وليس دليلا على محبة الله للعبد