من زمن لآخر ظل لحكام هذا الوطن آمال وأمنيات وأهداف سعوا إلى تحقيقها لجعل مصر جنة الأرض، والارتقاء بالمصريين إلى مصاف الشعوب المبتهجة، لكن خيبات الأمل كانت كبيرة، وقضينا مئة عام نتحدث عن أحلام لا تتحقق. ما السر؟
الإجابة فى آخر سطر، لكن فى السطور التالية بعض الإشارات اللافتة. فالأصوات تتبدل، والكلمات تتغير، وبعد أن يُغادر الممثلون خشبة المسرح، يزعم ألف زاعم أنهم قالوا وأنهم وقفوا، مُرتكزين على أن الذاكرة الجمعية للناس كذاكرة الأسماك تنسى ما جرى بالأمس.
بعد ثورة يوليو1952 سُمى الملك فاروق بالملك الفاسد، ووصم العهد كله بالعهد البائد، وأفاض كبار الكتاب والصحفيين والأدباء فى رص الحكايات عن مباذله وفضائحه، غير عابئين أنهم جميعا كالوا المدائح فى عظمته وحكمته.
نقرأ مثلا من قصيدة للأديب والناقد سيد قطب فى نهاية الثلاثينيات مديحا للملك فاروق يوم ميلاده يقول فيها «والليالى مرهصات والدنا/ ترقب الميلاد آنا بعد آن/ فإذا فاروق فى طلعته/ تهتف البشرى على كل لسان/ ثم كان اليوم يوم المهرجان/ عاش فاروق ودام المهرجان».
ونقرأ أيضا للشاعر صالح جودت قصيدة أخرى يقول فيها: «فاروق واسمك فى القلوب قصيدة/ يشدو بها الوادى السعيد ونيله/ وأظل ألثم كل معنى طاهر/ منها ويُظمئ علتى تقبيله/ وأقول ما بال السمو يطوف بي/ فعلمت أنك فى النهى جبريله».
ويكتب الكاتب عبدالقادر المازنى فى عيد ميلاد الملك فاروق فى فبراير 1939: «إن جلالة الملك هو ابن الثورة.. وهو يمثل عظمة الأمة بعد الرقاد وحركتها بعد التربص.. واقدامها بعد القعود وشعورها بكرامتها القومية.. وحقها فى العمل والحياة».
ويكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل فى روزاليوسف بتاريخ 16 أغسطس سنة 1943 مقالا يُهنئ فيه الملك بنجاته من حادث القصاصين، يقول فيه: «إن عرشك يا مولاى حياة وارفة زاخرة، حياة كلها شباب ملتف حولك وحول عرشك، وأكاد أتطلع إلى الآفاق وأطوى بخيالى فروق الزمن وأسبق بفكرى الحاضر لأنفذ إلى المستقبل فأرى عجلة الزمن تدور وأرى أجيالا أخرى تنهض، وأخالهم يشيرون إلى هذا اليوم ويقولون: إنه عصر مجيد رائع».
وفيما بعد ثورة يوليو، وبعد استقرار الحكم لجمال عبدالناصر، وتحديدا فى يوم 4 أغسطس 1956 نقرأ لمصطفى أمين مقالا فى أخبار اليوم يقول فيه « يجب أن يرتفع كل مصرى إلى مستوى الموقف الجديد، يجب أن يشعر العالم أن كل مصرى هو جمال عبدالناصر، إنه ليس رجلا واحدا، وإنما هو ملايين المصريين، وهو بعث أمة وروح منطقة بأسرها».
ويكتب لنا يوسف السباعى فى 4 سبتمبر 1956 مقالا يتساءل فيه «من أين يستمد عبدالناصر قوته؟» ويجيب هو بإسهاب وتفصيل «من الوضوح، من الإيمان، من الشجاعة».
ونقرأ لكامل الشناوى فى الجمهورية بتاريخ 16 يناير 1958 مقالا، يقول فيه: «وعبدالناصر هو الرجل الذى انبثق من أرض مصر، من عقيدتها، من إحساسها، من فكرتها، هذا الذى صنع الثورة، فكان قلبها وعقلها، كان لهبها ووقودها».
وببساطة شديدة يُمكن الإجابة عن السؤال الأصعب عما عطل كل طموحات الحكام وأحلامهم فى التحقق، إنه النفاق، النفاق (والتكرار يفيد التأكيد)، وقاكم الله شروره.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد الوطن مصر جنة الأرض یقول فیه
إقرأ أيضاً:
لإنقاذ قراهن من تغير المناخ.. نساء من السكان الأصليين في الهند يرسمن "خرائط الأحلام"
قامت نساء القبائل بمسح الموارد ورسم خرائط لها لإظهار ما يتضاءل منها وما يحتاج إلى إعادة هيكلتها. اعلان
في ولاية أوديشا شرق الهند، وفي قرية نائية يسكنها أفراد من قبيلة الباراجا، تحتفل المجتمعات المحلية بموسم الحصاد. وعلى ضفاف مجرى مائي صغير، يصطاد القرويون الثعابين والأسماك لتحضير وجبة تقليدية، إيذانًا ببداية موسم جديد.
لكن خلف مظاهر الفرح، تتلاشى الموارد الطبيعية، والأسماك باتت أقل، والمطر لم يعد يأتي في موعده، وحبوب الذرة التي تُزرع على أراضٍ واسعة تنتظر موسمًا مطريًا يزداد غموضًا عامًا بعد عام.
تقول سونيتا مودولي، وهي مزارعة من السكان الأصليين: "تتأخر الأمطار الآن، وهذا يضرب زراعتنا مباشرة، ويقلّل الإنتاج. الوضع أصبح مقلقًا".
الهوية تحت تهديد المناخعاش السكان الأصليون في هذه القرى لآلاف السنين، معتمدين على نظم حياتية بسيطة: زراعة الذرة والأرز، جمع الفاكهة والأوراق من الغابات، وصناعة الأطعمة والمشروبات المحلية. ومع ذلك، أصبح هذا النمط من العيش مهددًا بسبب تغير المناخ الذي يضرب قلب أنظمتهم البيئية والاجتماعية.
في محاولة لمواجهة هذا التحدي، بادرت نساء من عشر قرى، بقيادة مودولي، إلى مشروع فريد من نوعه: رسم "خرائط الأحلام"، وهو تصور بصري يعكس ما ينبغي أن تكون عليه قراهن من حيث الموارد، المساحات الخضراء، والغطاء النباتي.
وبدعم من منظمة غير حكومية محلية، أجرت النساء مسحًا بيئيًا شاملاً لموارد قراهن، وقارنّ النتائج مع بيانات حكومية تعود لستينيات القرن الماضي، ليتبين أن المناطق المشتركة تقلصت بنسبة تصل إلى 25%.
الخرائط الملونة التي أنجزنها، والتي يُطغى عليها اللون الأخضر، ليست مجرد رسومات بل أداة ضغط تهدف إلى إقناع السلطات بمنحهن تمويلًا قدره مليوني دولار، للمساعدة في ترميم الغابات، واستعادة الأراضي المشتركة، وتطوير البنية البيئية المحلية.
قيادة نسائية للمرة الأولىللمرة الأولى، تتصدر النساء هذا النوع من الجهد المجتمعي المنظم، مما منحهن ثقة أكبر للتحدث باسم مجتمعاتهن أمام المسؤولين.
تقول مودولي: "نريد أن نحافظ على الموارد من أجل أطفالنا. هذه الأرض والغابة مصدر حياتنا، وإذا حصلنا على حقوقنا، ستكون أولويتنا هي إحياء الغابة وازدهارها من جديد".
يسعى السكان إلى اعتراف قانوني بحقوقهم في الأراضي المشتركة، بما يمنع أي جهة، بما فيها الحكومة، من تنفيذ تغييرات دون موافقتهم.
ويرى بيديوت موهانتي، مدير منظمة تنموية محلية، أن السكان الأصليين لم يساهموا في أزمة المناخ لكنهم يدفعون الثمن الأكبر، مضيفًا: "الغابة ليست فقط رئة بيئية، بل هي مطبخ خفي ومصدر حياة لمجتمعات بأكملها".
تعد الهند من أكثر دول العالم تأثرًا بتغير المناخ. وبحسب مؤشر مخاطر المناخ لعام 2025، تعرضت البلاد لأكثر من 400 حدث مناخي شديد بين عامي 1993 و2022، ما أسفر عن وفاة 80 ألف شخص وخسائر تقدر بـ180 مليار دولار.
وفي ولاية أوديشا وحدها، أظهرت دراسة حديثة انخفاض إنتاج الغذاء بنسبة 40% خلال العقود الخمسة الماضية. معظم مزارعي الهند يعتمدون على الزراعة البعلية، ومع تزايد عدم انتظام الأمطار الموسمية، باتت سبل العيش على المحك.
بحسب خبراء، فإن مشروع "خرائط الأحلام" في أوديشا قد يشكل نموذجًا يُحتذى به في مناطق أخرى داخل الهند وخارجها. وتقول نيها سايغال، خبيرة السياسات المناخية والجندرية: "80% من التنوع البيولوجي العالمي يقع ضمن أراضي الشعوب الأصلية. هؤلاء النساء لا يتحدثن فقط عن الحلول، بل يقمن بقيادتها بالفعل".
وتضيف: "عملهن يمكن أن يكون حاسمًا في صياغة خطة التكيّف الوطنية للهند مع المناخ، خاصة وأنهن يملكن معرفة متجذّرة بالطبيعة".
في قرية باداكيتشاب، تُلخص بورنيما سيسا، إحدى المشاركات في المشروع، العلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة، قائلة: "الغابة هي حياتنا. نحن وُلدنا فيها، وسنموت فيها. إنها ليست فقط الأرض التي نعيش عليها، بل مصدر وجودنا كله".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة